|
|
|
الإله.. هل هو خرافة؟! ::
الكاتب: حبيب الرحمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/12/2005
ما أكثر ما يعتري الإنسان الشك في الأفكار وفي الحقائق! ولكن من أخطر ما يتعرض للشك في حياتنا، حتى لتكاد تلك الفكرة تقلب حياتنا رأسًا على عقب.. هو الشك في فكرة ((الإله))، وبناء على هذا الشك تتغير أشياء كثيرة، ويتسرب الشك إلى مجالات أخرى، لا تقل ضراوة بالطبع عن الفكرة الأولى؛ كالشك في حقيقة الحياة والهدف منها، والإنسان والمراد منه، والشك في ماهية الموت، وكيف يحاسب الإنسان في قبره؟ وكيف ينعم ويعذب؟ وهل البعث حقيقة؟ والجزاء.. لماذا؟ وكيف يكون؟ والجنة والنار؛ كيف النعيم؟ وهل نكون آلات في تلك الجنة، بلا روح ولا إرادة؟ وماذا بعد الجنة؟ وكيف يكون العذاب؟
إلى هنا والمسألة فلسفية بحتة، ولكن حين يتعدى الأمر إلى قضية العمل، تصبح المسألة أكثر سخونة؛ فلماذا نجهد أنفسنا في العمل؟ لماذا نرهقها في الالتزام بأعمال لا توافق طبيعتها وهواها؟ إن هذه الحياة التي نحياها هي طور ينتهي، ودورة تنفد، فلماذا لا نحياها في سعادة؟ لماذا لا نحقق لأنفسنا كل ما تشتهيه؟ لماذا الأديان والرسل والمواعظ؟! لماذا كل تلك التعقيدات في أمر بسيط؛ هو أننا جئنا وسنذهب؟!
وإني لأكاد أجزم بأن كل ابن أنثى قد مر بتلك التجربة، بصورة أو بأخرى، اعترف بذلك أو خجل من الاعتراف به، دفع ذلك عن نفسه أو تركه يلتهمها، كل ذلك بسبب أن لنا عقولاً نافرة، وأن تلك العقول تأبى دائمًا إلا الإدراك الكامل، لسبب آخر هو أن صاحبها دائم الخوف من المجهول!
وإني حيث لا أرى سببًا للهروب من الحقائق، إلا إذا فضلنا أسلوب النعام في حل المشكلات؛ فإني أرى وجوب مناقشة تلك المعضلة.. فدعنا نجرب!
أريدك أن تبدأ معي بلا معلومات سابقة، بلا مدخلات في ذهنك، أريدك بذاكرة شبه ممحوة؛ بلا تصورات.. بلا أوهام.. بلا أفكار.. تجرد.. هل تستطيع؟ سنرى!
أكاد أزعم أنا أن أصل الاختلاط في كثير من القضايا، وخاصة تلك القضية التي بين أيدينا؛ هو الدخول إلى دائرة النقاش بكمٍّ هائل من الأفكار والتصورات والأوهام المسبقة، كل هذا إن أردت أن تلف وتدور حول المعنى، أو أردت التلطف في التعبير، فإن أردت اللفظة الدالة وكبد الحقيقة وطحالها؛ فقل: الدخول إلى دائرة النقاش بكمٍّ لا بأس به من الجهل!
نعم.. الجهل الناتج عن وهم قائم على مجرد خيالات عقلية، وموروثات بيئية، في قضايا أقل ما توصف به أنها تدور في معظمها خارج نطاق ذلك العقل! فالحقيقة أن تلك التهويمات التي نفكر فيها هي قائمة على صور من ذلك الواقع الذي نعيشه وعلى أمثلة منه، وانظر معي:
فنحن حين نفكر في الإله فإننا نبحث عن صورة ما في الذهن، في أذهاننا نحن؛ يد ضخمة قوية عصبية، وفي مقابلها يد حانية رقيقة، نبحث عن لحية شيباء منبسطة ووجه أبيض رقيق، وفي مقابلها نبحث عن ملامح صلبة ووجه غاضب، نبحث عن فم منبسط وقور، وفم منقبض ناقم؛ نبحث عن عين لامعة رقيقة، وعين حمراء غاضبة.. لذلك فنحن نبحث عن إنسان.. لا عن إله!
نعم نحن نبحث عن إنسان؛ لذلك نتساءل: من كان قبله؟ لأننا نوقن حتمًا أنه كان قبلنا أحد، وأننا لم نأت هكذا فجأة، وأحيانًا: من الذي خلقه؟ لأننا نوقن في أعماق الضمير أننا خُلقنا، فلكل فعل فاعل، ولكل حركة محرك، ولماذا لا نراه كما يرى بعضنا بعضًا؟ فنحن نعلم أن فلانًا هذا ابن فلان وأخو فلان وأبو فلان! وأنه قد جاء وذهب، وأكل وشرب، وفعل كذا، وفُعل به كذا؟! ثم كيف يمنح ويأخذ؟ وكيف يغضب ويرضى؟ وكيف يحزن ويفرح؟ وكيف؟ وكيف؟
ودوران الفكرة بهذه الصورة في الذهن في حد ذاته هو دلالة على قيام تلك الفكرة ووجودها، سواء كانت تلك الفكرة تدور سلبًا أو إيجابًا.
فنحن حين نقول: هل هناك إله أو لا يوجد إله؟ فإن ذلك في حد ذاته دلالة على وجود الإله! فالأفكار الذهنية هي صور من الواقع، والعقل الإنساني بطبيعته لا يستطيع أن يتصور ما لا وجود له، كجهاز الحاسب الآلي؛ لا يتصرف إلا على أساس مدخلاته وتصوراته، تلك البيانات التي ملأته أنت بها.
ولذا فإن العقل حين يتسنى له تخيل فكرة ذهنية مجردة؛ بمعنى آخر: شيء لا وجود له في واقعه، فإنه يصبغه بصبغة الواقع من حوله، فنحن في الأساطير حين نتخيل الحصان الطائر لا نتركه بلا أجنحة! وإلا فهل تستطيع تخيل شيء خارج إطار الأرض والسماء والهواء والتراب والماء، هل تستطيع أن تتخيل شيئًا خارج إطار اللين والصلب، اليابس والمائع، كل ما يبدعه العقل ونتخيل أنه حديث على وجداننا فهو صورة في الأصل من ذلك الوجدان وذلك الواقع.
إن مجرد التردد في التفكير بين وجود قوة أعظم منك، أو بالتعبير الآخر ((إله)) وعدم وجودها؛ هو دلالة على أهمية تلك الفكرة وقيوميتها بالفعل.
ثم لماذا فكرة الوجود بالنسبة للإله هي الفكرة الأصيلة، وفكرة العدم هي الفكرة الدخيلة، عند كل الناس؛ بغض النظر عن كل الاختلافات، لماذا يشعر الإنسان بوجود إله، ثم قد يعتريه الشك في وجوده، لماذا لا يكون الحادث هو الشعور بالعدم، ثم يعتريه الشعور بعد ذلك بوجود إله، وبتعبير آخر: لماذا الفكرة أو الفطرة القائمة في أعماق نفسه وعقله هي شعوره بوجود إله؟! بالطبع سيجيب البعض هنا فيقولون: بالعكس؛ فهناك الكثيرون الذين لم يكونوا يعتقدون في وجود إله، ثم آمنوا بعد ذلك بوجوده.
ألم أقل لك تجرد؟! اخرج عن واقعك ومعايشتك له.. لا تبصر المظاهر فقط.. تعمق أكثر.. غص في الداخل.. وأبحر إلى الأعماق الغامضة.. لو عرض عليك شريط حياة هذا الذي ظننت أنه في ظاهره لم يكن يؤمن بإله ثم آمن، ثم رأيته في إحدى لقطات شريط الحياة في موقف يصارع فيه الموت بين خشبات سفينة قد حطمتها العواصف، أو يجابه وحشًا مفترسًا، أو يعاني ظلمًا متتابعًا من ظالم لا يرحم، أو حتى يعاني من إسهال شديد، أو بعض تقلصات حادة، أو ينتظر نتيجة يتوقف عليها شيء ما في حياته تلك القصيرة.. أقول: لو عرضت عليك نفسه وعقله حينئذ لعلمت أن الفكرة الأصيلة، والنابعة في تلك الحالات من أعماق الضمير؛ هي شعوره بتلك القوة المتصرفة الغالبة، التي تستطيع فعل ما لا يستطيعه هو؛ لذلك فهو يلجأ إليها، ولو على استحياء، مهما كانت فكرته، ومهما كان توجهه!
نعم قد يعتريه الشك بعد ذلك، ويظل لفترات طويلة لا يشعر بوجود تلك القوة وذلك الإله، ثم يكون أن يؤمن بعد ذلك بوجوده؛ فيظن أن تلك الفكرة التي لازمته لفترة طويلة هي الفكرة الأصيلة، وأن الفكرة التالية دخيلة عليها، وليس ثمَّ حق.
قل لي بالله، أو إن أردت الهروب من القسم؛ فقل: بحق الجحيم! وحينئذ ستحتاج إلى تعريف الجحيم.. ما هو؟ ومن أوجده؟ ولماذا هو قائم؟ ولمن أُعد؟! قل لي إذًا: لماذا مليارات الناس هنا بيننا يؤمنون بإله، لماذا المسلمون يصلون لإله؟ ولماذا النصارى يصلون لإله؟ ولماذا اليهود يصلون لإله؟ بل لماذا كان هناك مسلمون ونصارى ويهود؟! لماذا نرى المشايخ والقسس والحاخامات؟! لماذا يصرخ العربي لدى دهشته قائلا: ((يا إلهي))، ولماذا يصرخ الإنجليزي: ((oh my god ))؟!
ثم لماذا هؤلاء الذين لا ينضمون لمن ذكرنا سابقاً، ممن نطلق عليهم أصحاب الديانات السماوية أو أصحاب الكتب، لماذا هؤلاء يصلون لآلهة من الحجارة والخشب والطبيعة والبشر ومن كل شيء، كما كان الإنسان يفعل سابقًا قبل نزول ما يطلق عليه الكتب السماوية، وكما يفعل الآن بعض فئات من البشر؟!
ثم لماذا هؤلاء الذين فضلوا ألا يتخذوا أي إله، لماذا يظلون يشعرون بأن هناك شيئًا ما ينقصهم؟ لماذا يشعرون بالشذوذ عن العموم؟ ثم لماذا في لحظات ما يشعرون بأنهم مجبرون -كما ذكرنا سابقًا- حين يتركون القياد لأعماقهم، وينفضون عنها ما غلفها من زيف وزور، أقول: لماذا هم في تلك اللحظات يشعرون بأنهم مجبرون على الشعور بما لم يشعروا به أولاً؛ من وجود إله متصرف ذي قوة مطلقة؟!
أليس كل ذلك دليل على وجود تلك القوة المدبرة المتصرفة، على وجود الإله؟! وأليس كل ذلك دليل على أننا نجبر أنفسنا أحيانًا بقصد وعن طواعية، وأحيانًا بلا شعور.. على الظهور بغير ما نبطن وبغير ما نشعر به في الحقيقة؟!
أظن ذلك..
اقرأ أيضا: النظام «المتعدد الإعاقة»! / بيدي لا بيد عمرو.. / نحن وهُم.. والبون الشاسع / برنامج ((على البحر)) البذاءة تعلن عن نفسها! / مسرحية الإسكندرية.. فوضوية الاستهزاء / مسرحية الإسكندرية..قراءة ثانية-1 / القعقاع بن عمرو.. ونهى الزيني / أحمد مطر..الناقم لنا والناقم علينا!
الكاتب: حبيب الرحمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/12/2005
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|