إغلاق
 

Bookmark and Share

تفسير الأحلام.. أوَحْيٌّ بعد رسول الله؟! ::

الكاتب: حبيب الرحمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/12/2005

 
المسلمون بين عالم الغيب وعالم الشهادة

عجبًا والله لأمر تلك الأمة العجيبة!

كيف أنها تملك كل أسباب الرُّقي والتمكين، ثم يكون سبب خذلانها وتخلفها هو أنها عاجزة عن أن تأخذ من تلك الأسباب بشيء!

إن كثيرًا من أفراد أمتنا في هذا الزمن المنفرط عقده يشبهون «المدمنين» في جانب أساسي؛ فالمدمنون حينما يعجزون عن مجابهة الواقع ومسايرته، لا يجدون بدًّا من التعلق بالأوهام، والذهاب وراء السراب، ووسيلتهم في ذلك معروفة
.

أما أفراد أمتنا فحينما يعجزون عن مجابهة عالم الشهادة والحضور، ويشعرون بالتخلف والقصور، وتعجز أفهامهم عن إدراك مجريات الأمور.. فإنهم يتجهون إلى عالم الغيب؛ حيث لا رأي إلا بنص، فيقولون بآرائهم ويتفننون، فيَضلون ويُضلون، ولا هم يحزنون!!

أقول ذلك والحزن يعتصر فؤادي الحزين خِلقةً!

فبعد أن بدأ الناس يتحررون قليلاً (وأقول: قليلاً) من ظل سيطرة عالم الجان، بدأت تظهر منذ فترة (موضة) جديدة وغريبة، ملأت الفضائيات، وخُصصت لها الصفحات في الصحف والمجلات، وحشد لها حشدٌ رائع من أصحاب القلوب البيضاء، أو إن شئت فقل: العقول البيضاء! يُقال له: الأستاذ «فلان»، والشيخ «علان»، ليفسروا للمسلمين أحلامهم التي لله درها! ما أكثرها! ملأت الصحف والمجلات والفضائيات وصفحات الويب على شبكة الانترنت، كمٌّ من الأحلام والتفسيرات يوحي (بل ينطق بلسان) بأن المسلمين نائمون على أنفسهم! وأنهم على ما يبدو ينامون من أجل أن يحلموا!

من الناحية الشرعية لا يستطيع مسلم عاقل يدعي الإيمان أن ينكر مسألة الرؤيا، واتصال الأرواح.. وما شابه من القضايا التي وقف العلم على أبوابها فاغرًا فاه! ببساطة لأنها لا تقبل التحليل والتجربة، وإنما تقبل الإيمان بها كما هي، ولأمرٍ ما قدَّر الله تعالى أن يكون كل ما يتصل بالروح بسببٍ غامضًا، ولا رجاء في كشفه إن صدق فهمي، فقد قال تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» [الإسراء: 85].

وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأبي هو وأمي قوله: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» [الشيخان]، وقال أيضًا: «أيها الناس، إنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات؛ وهي الرؤيا الصالحة، يراها الرجل المسلم، أو تُرى له» [مسلم].

فلست هنا بصدد نكران الرؤيا، أو أن الإنسان ربما ينكشف له شيء من عالم الغيب عن طريق الرؤيا كما عن طريق الإيحاء والإلهام، كلا.. فهذا من ثبوته وتكرار وقوعه بمكان لا يصح معه نكران.
ولكن ما أسعى إلى نكرانه هنا بأشد وسائل النكير ولهجاته، هو هذا الهراء الذي يعيشه كثير من مسلمي اليوم، وللأسف على يد بعض مدعي العلم والفهم، حيث أتممنا العلوم إتمامًا وأغلقنا وراءنا أبوابها! بحيث لم يجد هؤلاء لهم علمًا في علوم الدين والدنيا غير أن يفسروا للناس أحلامهم! وإن أردت الحقيقة فقل: لم يجدوا لهم مهنة يسترزقون بها غير تلك المهنة المهينة!!

إن بعضهم والله ليصيب النفس بالغثيان، أقسم بالله أن الغمة تصيبني كالحامل وأكاد أتقيأ (واعذرني عافاك الله) وأنا أستمع إلى بعضهم!!

إن البعض منهم وصلت الفتوحات الربانية لديه لأن يفرق بين «الرز الناشف» و«الرز بلبن» في الرؤيا.. هكذا والله بأذني سمعته، وساعتها، وبعد أن كنت صابرًا من أجل أن أصل لتصوُّر حول الموضوع.. توقفت عن المشاهدة وغيَّرت القناة، وأخذت أتحدث لنفسي كالمجنون: حرام عليك يا شيخ.. يكفى.. حرام عليك والله!!

فهناك فرق شاسع (الوصف «شاسع» من إضافتي، ولكنه بإيحاء من حركة عين الشيخ وفمه وأذنه أيضًا!) إن كنت قد رأيت «الأرز ناشفًا» فهي منحة ضعيفة هزيلة، أما إن كنت قد رأيت «الأرز بلبن» فهي منحة جزيلة عظيمة!

يا سلام سلِّم!!

افترض أيها الشيخ؛ يا بقية الجِلَّة (الجِلَّة هم العلماء الأجلاء، وليس ما يتوارد إلى ذهن القارئ).. أن رجلاً مثلي لا يحب الأرز باللبن.. هل إذا أراد الله أن يرسل له بشرى بشيء حسن؛ يجعله يرى في المنام الأرز باللبن؟! أظن أن ذلك سيكون خلاف الأولى، وهو منافٍ لحكمة الله الحكيم، فالأقرب أن يرى «كبسة» حيث «الأرز بلحم»!! فذلك أولى وألذُّ إن شاء الله! كما أنها ستكبس على صدر من أنجبوه ليراك تتصدر المجالس في هذه الدنيا!

أما «الأستاذة» الأخرى فهي أعجب وأعجب، تردُّ على المستفسرين بردود غريبة، أقسم بالله أن تلك الردود توحي لي أحيانًا بأن تلك السيدة لديها علم محجوب عن غيرها من خلق الله!!
فهي تجيبك مثلاً: «أرسل لي اليوم العربي الذي رأيت فيه الرؤيا؛ لأحدد التفسير»! (الله!! دا الموضوع بجد بقه!) وأحيانًا تقرأ رؤية (متركبة تركيب تمام) فتنتظر تفسير «الأستاذة»؛ فتفجعك بقولها: «أضغاث أحلام لا معنى لها»! وكأنها تقول: «ها.. ضحكت عليكم»، وتأتي رؤيا أخرى تشعر أنت بأن لا معنى لها وأنها مجرد تهويمات وأخلاط من النائم؛ فتجد «الأستاذة» تفسرها لك تفسيرًا قاطعًا باتعًا، جامعًا مانعًا، يقول للمستفسِر؛ انتظر قريبًا تحقيق تلك الرؤيا!!

ثم إنها ليست تكتفي بالتفسير فقط، وإنما لديها أيضًا مفاتيح للتفسير، فلكل «كالون» (أقصد رؤيا) مفتاح، فإذا رأيت كذا فسيكون كذا، وإذا رأيت كذا فربما لا يكون كذا! وهكذا.. وهكذا.. وهكذا (على رأي الأخ شيكو)!!

ولله درها فهي بذلك توفر سعر مكالمة الفضائيات (وإياكم أن يتوارد إلى أذهانكم المريضة الآن أن مثل تلك البرامج كلها هي في الأصل من أجل تلك المكالمات المنهمرة!!).. فجزاها الله عن المسلمين خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله!!

لقد سبق القرآن فقال لأمثال هؤلاء ممن تسوِّل له نفسه التلاعب بعقول الناس والتصدر للحديث بغير علم: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ» [الأنعام: 148]!

ولقد سبق أن أردت خوض التجربة لأزداد فهمًا، حيث رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في رؤيا منذ أمد، وهي رؤيا أعلم أنها من الله، وأن لها تفسيرًا لا أدري كنهه، فبعثت إلى أكثر من خمس جهات للتفسير!

ترى ماذا كانت النتيجة؟!

لم يفسِّر واحد منهم مفردات الرؤيا كالآخر، كلهم أجمعوا على أنها رؤيا مباركة (يا سلام.. ما أنا عارف)، أما تفسيرات رموزها فما أخبر واحد منهم خبر صاحبه أو مثله أو قريبًا منه!! لا لشيء ببساطة سوى أنها رؤيا، وليست تجربة علمية في مختبر، فهي قد ترجع في كثير من رموزها إلى نفس صاحبه لا نفس غيره.

أقول لهؤلاء الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعًا وأنهم على الجادة القويمة: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟!!

لا!!

إذن.. فاتقوا الله فيما تبقى من عقول المسلمين! كفانا وكفاهم وكفاكم خدرًا وتخديرًا وإفقادًا للوعي!!

اقرأ أيضا:
الإله.. هل هو خرافة؟!  / النظام «المتعدد الإعاقة»!   / بيدي لا بيد عمرو..نحن وهُم.. والبون الشاسعبرنامج ((على البحر)) البذاءة تعلن عن نفسها!مسرحية الإسكندرية.. فوضوية الاستهزاءمسرحية الإسكندرية..قراءة ثانية-1القعقاع بن عمرو.. ونهى الزيني / أحمد مطر..الناقم لنا والناقم علينا!

 



الكاتب: حبيب الرحمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/12/2005