|
|
|
تاراباتاتووووووه (1) ::
الكاتب: أ.أميرة بدران
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/06/2006
نشأت منذ نعومة أظافري علي "النزاهة" أي علي المثل اللي بيقول "هين قرشك ولا تهين نفسك"، وبالطبع كان الثمن الملبس الفاخر, الطعام الفاخر, وكذلك المواصلات الفاخرة لأنني أخاف القيادة!!
فلم يكن لي احتكاك بأتوبيس النقل العام أو غيرة فهي بالنسبة لي مجرد علب من الصفيح الرديء يحشر فيها بشر هائل من تعساء الحظ والذين بالطبع لديهم فقر في الأخلاق مقرونا بفقر مستواهم!!
إذن في النهاية هم بشر مزعجون، وتمر بي السنون بين تلك المفاهيم المشوهة والأفكار المعدة مسبقا حتى يعرض علي إنسان عزيز غال أن أجرب خوض تلك التجربة إلا وهي التعامل مع المواصلات العامة -أشعر وكأنني أتحدث عن معركة- لأحيا مع البشر الذين أتعامل معهم شئت أم أبيت بل وأزعم أنني أشعر بهم وأتجاوب معهم بل وأرقي لمستوي حل مشكلاتهم!!
وكانت القائمة التي خضتها طويلة متنوعة منها الميكروباص والأتوبيس والمترو ولكنني سوف أتحدث اليوم عن المترو، وأذكر جملة شهيرة لزميل لي يقول "أنني أعشق المترو" وأن غالبا كل تحركاته به فرغم أنه طبيب مشهور وأنا أعتبره أستاذا لي إلا أنه يفضل المترو عن قيادة السيارة وليس لديه "دش" بكسر الدال رغم ظهوره بين الحين والآخر علي شاشات التليفزيون!!!
المهم نعود مرة أخري للمترو، كنت في بداية التعامل معه أشعر بملل يكاد يقتلني ويودي بالبقية الباقية من عقلي وأسأل نفسي أي مترو هذا الذي سيجعلني أعرف البشر وأتواصل معهم فالحكاية تتقلص في محطات كثيرة... وقفات مملة... صمت مطبق... وتفرس في الوجوه... ولغات التواصل الغير لفظي ثم لاشيء، وكدت أنسحب إلا أن صدي صوت العزيز الغالي كان يذكرني بأنها تجربة جديرة بخوضها، وكنت أضعف وأعود إلى التاكسي وأرجع للمترو ثم أعود للتاكسي ولكن يبدو أن هذا التخبط كان مفيدا فخرجت منه بعدة نقاط:
1. أن المترو وسيلة للتواصل الإنساني نعم لا تتعجبوا فأنا أعني ما أقول فالتواصل الإنساني سواء بين الأصدقاء أو الأزواج أو الأقارب أو الزملاء يكاد يختفي لضيق الوقت أو حتى وجود القليل منه ولكن مع طاقة قد تبددت خلال اليوم أو الأسبوع فلماذا لا نستغل هذا الوقت في إعادة القوة مرة أخري للتواصل الغائب!!!
2. المترو يشبه الجيش كثيرا فهو مكان عام مجمع لكل فئات المجتمع باختلاف مرجعيتها وثقافتها رغم وجودها في مجتمع واحد فتجد الروش والمتعلم والمنضبط والجاهل والمنحل والمطحون والارستقراطي وغيره وغيره فكأننا نلتقط صورة لن تتكرر بسهوله حيث أن التباين الشديد بين هؤلاء البشر قد تم جمعه تحت قانون واحد هو قانون المترو!! فتستطيع أن تري المساحة المتشابهة بينهم حين تري تلك النظرة التي بها يسترجعون ما كانوا فيه أو ما سيكونون عليه بعد قليل أو كثير من الوقت.
3. بما أنني أنثي فظللت أتتبع حاستي الأنثوية فوجدت أن ضعف الأنثى المزعوم ما هو إلا محض بدعة صدقناها وهتفنا له ويبدو أن الضعف الأنثوي مرتبط بسيكولوجية المرأة وأن ضعفها هو سر قوتها بالإضافة لتقاليد و أعراف المجتمع الشرقي الذي يدفع الرجل ليكون رجلا كما رباه المجتمع فستصبح حتما النتيجة معروفه ولأوضح ما أريد سأضرب مثلا ففي المترو التسع عربات متاحة للمرأة بالإضافة إلى وجود عربتين لا يستطيع رجل أن يضع قدمه فيها ومع هذا تجد المرأة بمحض إرادتها "الضعيفة"تفضل الركوب في عربات الرجال!! لماذا؟
لأنها ضعيفة فعندما تذهب إلى عربة الرجال فهي الكائن الضعيف وهو الرجل الشهم الذي يجب أن يتنازل من أجل ضعف هذه المرأة حتى وان كان في قرارة نفسه يتمني أن يكون أنثي ليحظي بما تحظي هي به!!
4. تري ردود أفعال المصريين تجاه التصرفات المستفزة فبعد أن يناضل ويكافح المصري الأصيل من أجل اقتناص كرسي يحمله في المترو إما ليستريح من همومه التي أثقلت ظهره أو ليختلس ساعة من النوم المحروم منه حتى يصل للمكان الذي يريده تجد بمنتهي البساطة صوتا غير واضح غير لبق يقول أن المترو لن يتحرك!!!
وعليهم أن يركبوا مترو آخر فقد كنت أقف مشدوهة وأشعر أن ما يحدث مثيرا جدا فهم يتحركون كقطع الشطرنج علي اختلاف أوزانهم وأنماطهم وطريقتهم في اقتناص الفرص والتي كانت تبدو لي وكأنها مدروسة ليصل مرة أخري لكرسي يحمله وأرجو أن يسمح لي الوقت بدراسة هذه الردود المتفاوتة نفسيا حيث تجد من يضحك رغم أنه "مفروس" وتجد من يضحك دون أن يعير لما حدث أي اهتمام وتجد المتبرم دون نطق وتجد من يدعو علي البلد والعيش والعيشة واللي عايشنها وفي خضم هذه المعركة الشطرنجية ألمح رجلا كبيرا في السن ينظر للمشهد بعمق وأتصور أنه يسأل هل قضية الانتماء مازالت مطروحة بنفس القوة لهذا الشعب البائس؟!!
5. هناك نقطتان صغيرتان يفرضان علي التفكير فيهما فرضا الأولي: وجود مشكلة ثابتة لا تتغير شتاء أو صيفا ألا وهي فتح الشباك وغلقه ففي الشتاء فتحه سيصيبنا بالبرد وغلقه يسمح لتسلل البرد من المريض إلى المعافى وفي الصيف فتحه يلهب أجسادنا بحرارة الشمس الحارقة وغلقه يسمح للروائح الهائمة أن تصلك أينما كنت دون استئذان تري ما معني ثبات المشكلة؟؟
الثانية: الأطفال!! فسعداء الحظ منهم سيقطع لهم وليهم تذاكر ولكن المشكلة إذا جلسوا رغم حصولهم الرسمي علي تذاكر إلا أن الكبار يشيرون بالتلميح أو التصريح بنقص التربية وانعدام الذوق ولكن السؤال هو هل إذا جابه هؤلاء الصغار الجيوش التي تتوالي من كل محطة يقف فيها القطار من سيشير لمن وهل سيجدي حينها التلميح أكثر أم التصريح؟؟؟
يبقي في النهاية جهاز الكشف عن متانة الأخلاق أقصد ماكينة المرور إلى المترو حيث تظهر الكثير من التصرفات التي تحتاج إلى دراسة وتحليل فهي تمثل عند البعض اختبار للأمانة ولآخرين خيانة الثقة ولآخرين المغامرة ولآخرين الترفيه، فهل أكون قد بالغت إذا تصورت أن المترو كالترمومتر يمكن أن يقيس تطور المصريين وسيكولوجيتهم وسلوكياتهم بغض النظر عن تقيم ذلك سواء بالسلب أو الإيجاب؟؟
وأقرأ أيضاً: خلاص بقيت"عانس" / يوميات رحاب: في مترو الأنفاق./ يوميات أب مصري (مثكف)! / على باب الله قطار الليل والنهار
الكاتب: أ.أميرة بدران
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/06/2006
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|