المجتمع العربي يعاني من غياب العقيدة العلمية وانتفائها بالكامل، مما تسبب في سيادة العقائد الأخرى على الحياة، وأخذها في مسارات تدميرية ذات خسائر حضارية وإنسانية فادحة. فلولا غياب العقائد العلمية، لما تفشت العقائد المنحرفة المعبّأة بإرادة الانتقام من الحياة، وتحويلها إلى وجود خانق قاتم الألوان.
وما بين هذا الانقطاع الشبة تام عن عقيدة العلم ومناهج العصر، ونظرياته وقوانينه ومعادلاته الفكرية والإدراكية الفائقة التقدم، والانغماس في ظلمات الرؤى والتصورات، تتحقق حالة تراجيدية مرعبة في مجتمعات لا ترى أبعاد الزمن وخصوصيات المكان، ولا تعي آليات ومهارات كتابة التأريخ بمداد الأنوار. وفقا لهذا التصادم المرعب تجدها في اختناقات حضارية مصيرية، تؤهلها للانقراض الحتمي والخسران الفظيع، وهي تتحرك منومة وسكرى لحد الغثيان بأساطير الأجداث ومناهج الرميم الغائب في التراب.
والعلة الأدهى، أن هذه العقائد الظلماء تستخدم أحدث ما توصلت إليه وإبتكرته عقائد العلم، التي لا تؤمن بها وتنكرها بالكامل، أي أنها سخرت العقائد العلمية لتدمير ذاتها وموضوعها. فأصحاب العقائد السوداء لا ينتجون شيئا نافعا للناس، ولا يمتلكون مصنعا صغيرا واحدا، ولا يساهمون في إثراء الثقافة المعاصرة، وإنما يعتاشون على منتجات العصر، ويستخدمونها للاستثمار في مشاريع الشرور الدمار والبشائع وسفك الدماء.
ولايُعرف كيف يبررون إستخدام ما لا يصنعون وينتجون، وهو من إبداع ما ينكرون، في التعبير عن محتويات أمّارات السوء البشرية القابعة في دياجيرهم المعتمة؟
فإن كانت عقائدهم صادقة، فعليهم أن يقدموا بواسطتها ما يمكنهم أن يهزموا عقائد العلم ومناهجه، لا أن يستخدمونها لتأكيد ما فيهم من نوازع السلوك المنحرف البغيض!!
العقائد الصحيحة هي التي تكون معاصرة، وذات قدرات إنتاجية واستثمارية وصناعية إبتكارية تميزها، وتمنحها علاماتها الفارقة وتأثيراتها الواضحة، لأنها قد أرضت حاجات ضرورية لدى الناس وأنارت دروب الحياة.
أما هذا التفاعل السلبي مع العصر، والرقص على هامش المكان والزمان، فإنما يشير إلى رغبات انتحارية ودوافع مضطربة، ستحرق كل شيء، وتجعل الوجود رمادا، والضياع أكيدا، وما هذه العقائد إلا سرطانات فكرية ونفسية، مؤهلة للإنتشار الخبيث في بدن المجتمعات، في زمن الفوضى الخلاقة، وديمقراطيات الاضطراب والتدمير الشامل لأركان الدول والأوطان.
فهل تمتلك مجتمعاتنا عقيدة علمية تحافظ على وجودها؟!!
واقرأ أيضاً:
المضادات البشرية؟!! / الديمقراطية والبراكماتية!! / بَشَرْ؟!! / إحْشرْ وانْشُرْ؟!!