الكتابة بحاجة إلى أفكار ذات قيمة معرفية وتأثيرات إيجابية في الحياة، وقدرة على إدراك الفكرة وإظهارها بالهيئة التي تتواءم وجوهرها، وتعبّر عمّا فيها من الطاقات والقدرات الحية المتفاعلة مع غيرها في سبيل البناء والرقاء.
وليس كل فكرة تصلح للكتابة والنشر.
ومن الملاحظ أن نضوب الأفكار يتسبب في كتابات سلبية، ونشر ما هو انفعالي، يمثل مواقف عاطفية حامية خالية من الفكرة الحقيقية، تتوهم من شدة انفعالها بأنها ذات فكرة أو اتجاه، وما تطرحه عبارة عن ردود أفعال انعكاسية على هذه الحالة أو تلك.
وقد تم توظيف هذه الكتابات في صناعة إعلام وأبواق دعاية لأفكار وحالات، ما كنت تحلم بامتلاكها هذا القدر من الشيوع والذيوع، والسيادة على وسائل الإعلام والصحف والمواقع.
فخلال الأشهر الثمانية الماضية سادت حالة واحدة، وتناولتها الأقلام والخطب بأروع ما تتمنى وتريد، حتى لأصبحنا نقرأ عنها كل يوم مئات المقالات المنشورة، وبهذا انتصرت إعلامياً وحققت لها دوراً في وعي الناس مما يساهم في تغذيتها وتنميتها.
وهذا يعني أن الأقلام - من غير قصد - تتحول إلى وسائل دعائية للحالة التي تتصدى لها، فتمنحها بريقاً وقيمة وقدرة على الاجتذاب وتحقيق أهدافها السيئة، وتطلعاتها الضالة.
بينما المطلوب هو محاصرة الظواهر المرفوضة، وتقويض أسسها وإنضاب مصادرها كافة، لكي تهزل وتذوي، وتجف منابعها وتتهاوى في غياهب الهلاك.
المطلوب العمل الإيجابي وتعزيز قيمة الإنسان وأهمية دوره في بناء الحياة وعمارة الأيام، وتقديم الأفكار الصالحة التي عليها أن تجتذب الأجيال الصاعدة، وتنمية قدراتها الإبداعية والابتكارية اللازمة لصناعة القوة والعزة والكرامة الإنسانية.
إنّ محاربة السوء لا يكون بإطلاق السوء، فالسوء يريد سوءً مقابلاً لكي يسوّغ سيّئاته ويعزز خطاياه وآثامه، ويزيد من تكرارها وتفاقمها مستنداً على السوء المقابل، الذي وكأنه يمنحه الشرعية الكافية للبقاء والتواصل بجرائمه وفواحشه.
فالمواقف الصالحة تنتصر على المواقف السيئة، وإرادة الخير يمكن تنميتها وتطويرها لتكون ذات قدرات انتصارية، وآليات ناجحة للانتشار ومحاصرة الظواهر الطالحة، والقضاء على الضلال والجهل، فالبهتان لا ينتصر على البهتان بل يقويه، والضلال يساهم في انتشار الضلال الآخر.
تلك حقائق تفاعلية سلوكية لا تحتاج إلا أدلة، لأنها واضحة كالشمس في رابعة النهار.
فهل سنتفكر ونبتكر آليات صالحة لتنمية الخير في دروب الحياة، التي تئن من دخان الأباطيل وغبار الشرور؟!!
واقرأ أيضاً:
حرية التعبير عن الغَيّ!! / المضادات البشرية؟!! / الديمقراطية والبراكماتية!! / العقيدة العلمية الغائبة!!