البشر لا يرى الأشياء كما هي، ولا يدركها كما تريد أن تُدرك، وإنما رؤيته تتحدد بنوع عدسة بصيرته. فالبعض يرى من خلال عدسة محدبة أو معقرة أو مزدوجة أو مشوهة وبعض لا يرى. وتتحكم في صناعة نوع العدسة اللازمة للرؤية الحالة الانفعالية والعاطفية للبشر. ذلك أن العواطف والانفعالات تصنع عدساتها، وتحدد مجال ونوع ولون الرؤية، وهناك الكثير من العوامل المساهمة في صناعة العدسة، التي توضع على منافذ الإحساس واستقبال المنبهات الوافدة إلى البشر.
فالحالة الاستقبالية لأي منبه، أو موجود حاصل وقائم في المحيط تحددها عدسة الرؤية، وتتسبب في تقدير نوع الاستجابة الناجمة عن الشخص. فلكل مخلوق عدسته، ولكل مجموعة بشرية عدستها وآليات رؤيتها، والمشكلة الناجمة عن هذا التفاعل، أن القدرة على الرؤية بعدسة أخرى يصبح صعبا أو ربما مستحيلا. وهذا يؤدي إلى تقاطعات مؤلمة تتسبب بجراحات، وإحساس عجيب بأن الفئة الفلانية أو الشخص الفلاني يمتلك الحقيقة أو بيده مفاتيح الصواب وغيره لا.
وفي واقع الأمر، أن الجميع يرى وفقا لزاوية نظره، ومن محن البشرية، أن قدرات تفاعل زوايا النظر، ووضع رؤية العدسات المتنوعة في وعاء واحد، نوع من السلوك الغير معهود أبدا. وفي هذا المأزق تتحقق محنة البشرية، وتوحلها في أتون الحروب وتنامي الويلات والتداعيات والانهيارات الحضارية.
فكل عدسةٍ تُريكَ ما يمر خلالها، ولا يمكنك أن ترى بغيرها، وما علينا إلا أن نعترف بأننا نعيش عماءً ولا نستطيع الرؤية والتبصر من دون عدسات!!
واقرأ أيضاً:
القِوى بين الربط والتحدي!! / زويل : إرادة أمةٍ تهزم ويل!! / الغُثاء له جولة وليس له بقاء!! / الشمس والنفط والنار!!