اتخاذ القرارات السياسية ربما يكون نزوة سلوكية ذات زوابع انفعالية، يتم التحضير لها نفسيا وعاطفيا وإعلاميا، وتُشحن الفترة التي تسبقها بالأضاليل والأكاذيب والأحلام والفنتازيا، التي تستحوذ على مدارك البشر وتسخرهم وتوظفهم لتأييد القرار وتنفيذه. ولهذا فإن القرارات الصائبة هي التي تكون مدروسة بعناية وموسوعية، وخاضعة للبحث العميق والتحليلات المرتبطة بالنتائج والتطورات الناجمة عنها.
وفي هذا العالم الفوار هناك العديد من الأمثلة عن القرارات، التي أثبت الزمن بأنها تتمتع بأمية معرفية وجهل سياسي وعدم خبرة بالتفاعلات الإقليمية والعالمية. ولو أخذنا أية دولة في المنطقة لتبين لنا أنها قد تورطت بقرارات، أثبت الزمن نقصان صوابيتها وسلبية نتائجها. ومنها قوانين الإصلاح الزراعي، ومعظمها في أكثر بلدان المنطقة لم تُصلح الواقع الزراعي، ولم تُطعم المواطنين، وإنما خربت الزراعة وأهملت الأرض، فلا استصلحت الأراضي ولا أنشأت أنظمة إروائية، وصارت المجتمعات التي كانت تصدر الحنطة والتمور تستوردها من الآخرين.
بل إن مجتمعات الإصلاح الزراعي صارت تستورد الخضراوات والبصل واللحم والحليب والمواد الأساسية للطعام. أي أنها تأخرت وتدمرت زراعيا بقوانين الإصلاح الزراعي. كما أن بعضها سعت إلى امتلاك ثرواتها النفطية فوجدت نفسها في فقر أشد، واستثمرت عائداتها في الحروب وشراء الأسلحة التي أصبحت وسيلة لقتل أبناء البلد.
وبعضها غيّرت أنظمتها الملكية إلى جمهورية، وفقا لتصورات بأن تلك الأنظمة تابعة ومن صنع المستعمر وما إلى غير ذلك، مع أنها أنظمة ديمقراطية دستورية تحترم حقوق الإنسان، فإذا بها تفتح أبواب جهنم على وجودها الوطني، فصار قتل البشر من أسهل الأفعال، والإعدامات قرارات عادية وعادة سلوكية لكل نظام يأتي، حتى صارت الإعدامات بالآلاف وفقا لذرائع وتوصيفات ما أكثرها وأسهلها.
وفي واقع ما وصلت إليه هذه المجتمعات أنها تدور في حلقة مفرغة من القرارات الجاهلة الساذجة، التي أفقدتها قدرات وعي مبرراتها وأهدافها وما ستؤدي إليه، وما دامت حكوماتها دون مستويات وقدرات ومهارات اتحاذ القرار الوطني الصالح، فإنها ستتواصل في الإطاحة بمصيرها وتدمير وجودها بأكمله.
واقرأ أيضاً:
التديّن والفساد!! / القرار صائب والتنفيذ خائب!! / الكرسي العربي أَم العقل العربي؟!! / كليلة ودمنة، وأمة في محنة!!