أمتنا مستعبدة بما يُصدّر إليها من البضائع المادية والفكرية والمعنوية والثقافية، فهي تستهلك فكرا ولا تنتجه، وما يصيبها من بلاء ونواكب بسبب هذا الاستيراد المفتوح على مصراعيه، والذي لا يخضع للمراقبة والتزكية النوعية ولا تٌفرض عليه ضرائب، وإنما يخترق الحدود والأبواب والشبابيك وبحرية مطلقة وتامة.
مستوردات بالمفرد والجملة تُضخ في أسواق الوجود العربي، وتتسلل إلى العقول والنفوس والأرواح والعقائد والأخلاق، وتُبرمج الأدمغة وفقا لمناهج المصالح والغايات والأهداف المرسومة خفيةً وعلناً. فالعِلم مستورد والثقافة والمصنوعات كافة، وبعد أن تم إستعباد الأمة بالمنتوجات المادية على مدى القرن العشرين، أصبحت تحت هيمنة المستوردات الفكرية والعقائدية، بل أن ما عندها من جواهر حضارية ومعتقدات، أعيد تصنيعها وتصديرها إليها لتفعل ما تفعل بحاضرها ومستقبلها، وتمحق ما يشير إليها ويدل على وجودها ومسيرتها.
وهكذا تجد الأمة تعيش في مأزق هيمنة الدين المستورد والعقائد التابعة له، والتي أخذت تدمر البلاد وتسبي العباد، وهي التي صُنعت في مختبرات ومعامل أجنبية وجاءت إليها وكأنها عاصفة هوجاء لتقتلع وجودها وتمزقها شر ممزق.
أفكار، أديان، مذاهب وطوابير بشر مستورد لترويج البضائع المحّاقة للوجود العربي في كل مكان، وتحت رايات الدين الإسلامي وهي ترفع شعارات الله وتنادي باسمه عندما تقترف أبشع الجرائم، وأفظع الخطايا بحق الله والكتاب والنبي والإنسانية والحضارة والتأريخ بأسره.
فالأمة تعيش تحت وطأة أثقال المستوردات العابثة بوجودها، ولا يمكنها أن تتشافى وتتعافى من الويلات إن لم تتوقف عن استيراد المصنوعات السامة القتالة، المغلفة بأغلفة جذابة والممهورة بالدين والعقائد العربية، وما هي إلا سموم مدسوسة في عسل التغليف الجميل الذي يشد الانتباه ويغري النفوس بالتفاعل معه والتسمم به.
بل إن ما تحويه عبارة عن جراثيم وفيروسات وبائية طاعونية، حالما يُزال عنها الغلاف وتتحسسها الأنامل وتتذوقها الألسن، حتى تصاب بدائها وتصبح ذات عدوى شديدة وقاتلة.
ولابد للأمة أن يكون فيها مراكز للتقيمات والتحليلات النوعية لهذه المستوردات، التي إن لم تتوقف فأنها ستطغى على الحياة وتمحقها، لأن الأمة لا تنتج وتمعن في الاستيراد، ومن واجبها أن تبدأ بالإنتاج الوفير الذي يفسد هذه البضائع المصدرة إليها، والتي يجني مُصنّعوها من ورائها أرباحا طائلة، ويحققون طموحاتهم بنجاحات باهرة.
فهل من عزيمة إنتاج وقدرات صدّ وترصد للهجمات السلعية الفكرية، والبضائع البغضاوية الوافدة إلى بلاد العُرب أوطاني، والتي يتراكض نحوها الجياع والمحرومون والمكبلون بالحاجات اليومية والتفاعلات التحزبية والفئوية الحمقاء.
واقرأ أيضاً:
التجهيل الوطني!! / النفس العدمية!! / التعفن الفكري!! / امرأة دين!!