حلول: للفراغ العاطفي!!
السلام عليكم
أرسلت مشكلتي من قبل ولم يتم الرد. والله أني أحدث الموقع أكثر من مرة باليوم تشوقا لردكم. نسختها مرة ثانية هنا لعلها سقطت سهوا. بالإمكان الرد عن طريق الإيميل أو نشرها في الموقع حسب ما يناسبكم لكن أرجو منكم الرد قريبا جزآكم الله خيراً سأكتب أكثر من مشكلة لكن جميعها تنبع من نفس المحور.
أنا في أمريكا لتحضير الدكتوراه والحمد لله أنا متفوقة في دراستي. لكن بعد فترة من الدراسة هنا بدأت أشعر بوحدة شديدة. حاولت تكوين صداقات مع ناس من بلدي، مع عرب، ومع أجانب لكن لا أشعر بالبهجة معهم أبدا.
خلال سنوات دراستي هنا, عدد من صديقاتي في بلدي تزوجن وأنا فرحة جدا لهن لكن لا أستطيع منع نفسي من الشعور بالغيرة. آخر مرة نزلت فيها البلد كل واحدة كان بيوصلها خطيبها أو زوجها شعرت بغيرة وبرغبة بالبكاء.
أنا لم أكن سابقا إنسانة غيورة ولا أتمنى لهم الشر أبدا ولا أفهم سبب غيرتي منهن فأنا والحمدلله لا ينقصني شيء من جمال ونسب وذكاء ومال.
أنا عزباء لأسباب خارجة عن إرادتي. الحمد لله تقدم لي الكثير سابقا لكن اضطررت أرفضهم لأسباب حقيقية أو رفض الأهل ليس تشرطا أو تكبرا مني. سواء كان عدم توافق النسب, رفض الخاطب لدراستي في أمريكا, كون الخاطب من جنسية أخرى, درجة الخاطب التعليمية ثانوي فقط, عدم محبة والدتي لوالدته, الخاطب أصغر مني بسنتين إلخ غيرها من الأسباب.
الحقيقه أني أستشعر الخجل وأنا أكتب الاستشارة لكن لا أجد من أستطيع أن أحدثه في هذا الموضوع. فالموضوع لم يتوقف عند شعوري بالغيرة بل أيضا أشعر بالفراغ العاطفي.
مؤخرا أجد نفسي أتخيل أن هناك من يحبني ويعجب بي ويطلب ودي وأفكار أخرى سخيفة لا تليق إلا بالمراهقات. حتى أصبحت لا أتحمل سماع الأغاني الرومانسية أو مشاهدة أفلام رومانسية لأنها تذكرني بوحدتي. للأسف بعض المشاهد (تكون رقيقة ورومانسية ليست إباحية) تجعلني أستثار مما يشعرني بقلة الحيلة والإحباط frustrationوبعدها حزن شديد حتى البكاء.
أنا أعرف أن هذه مشاعر طبيعية لكن لا أجد لها حل. أنا أصلا مشغولة جدا بدراستي, وأحاول شغل أي وقت فراغ عندي حتى لا أسمح لنفسي للاستسلام لهذه الأفكار. أنا من عائلة محافظة وأحاول أكون متدينة قدر ما أستطيع ولا أريد أن أسمح لنفسي الاستسلام لهذه المشاعر فلا أدري قد تطول عزوبيتي. مع العلم أني بعمر 28 ولم تنتابني هذه المشاعر قبل سن الـ 26.
فوق كل هذا, أمي تطالبني بالتخرج والعودة للبلد عاجلا لأنها تخاف أن أصل لعمر الثلاثين بغير زواج = شبح العنوسة. خصوصا أنها تزوجت بعمر 19 وأنجبتني وجميع إخواني قبل سن الثلاثين, وهذا مسبب آخر للضغط على نفسيتي. فالزواج ليس قرارا بيدي. ولا يمكنني التعرف على أي شخص بغرض الزواج بل يجب أن يتم عن طريق الأهل بالكامل.أحاول أصرف تفكيري وأستعين بالصبر والدعاء وإشغال النفس بالهوايات والدراسة والعمل والتواصل مع الصديقات.
لكن لا زلت أجد صعوبة شديدة في بعض الأيام.
فهل أجد حلولا مختلفة أو نصائح عندكم؟
15/3/2019
رد المستشار
الابنة الكريمة:
سلام عليك، ورحمة من الله وبركاته في غربتك وصعوباتك، وشكرا على ثقتك بموقعنا.
المشاعر الإنسانية الطبيعية، وكل ما تصفين يندرج تحت هذا التصنيف، هذه المشاعر ليست نزقا، ولا سخفا، ولا توجب حزنا، ولا أسفا، ولا إحباطا!!
قصتك هي جزء من قصة أكبر لثقافة شائعة نعيشها، ولا أحتاج لأذكرك بمنطق أهلك وهم ضائعون بين تداعيات السماح لك بالدراسة العليا خارج محيطك التقليدي، وبنفس الوقت مطالبتك بالانصياع لقواعده وأنماطه!!
أهلك – مثل ملايين الأسر – يقعون تحت طائلة تصور هو المفضل بوصفه النموذج المثالي للزواج المقبول الناتج حيث معايير المستوى الاجتماعي، والفارق في العمر، والتماثل في منطق التفكير المحافظ كما تصفينه بحق، وبنفس الوقت مطلوب من هذا الزوج المأمول أن يقبل وجودك في الخارج للدراسة بمفردك، وهو وضع قد لا يقبله كثيرون من اصحاب التفكير المحافظ!!
بشكل عام ما زلنا نتوهم إمكانية الجمع بين زواج المواصفات القياسية المتوافق عليها وسط المحافظين، وبنفس الوقت نتمنى الحصول على الرومانسية والحب، والأمان، والأحتواء، والقوامة، والرفق، مع وفرة الإنفاق!!
الرجل المأمول أو فتى أحلام المصريين، وربما أغلب العرب هو "سوبر مان"، ولا عجب أن تكون المرأة المرغوبة في المقابل هي سوبر أيضا حيث يتوهم الرجال وجود امرأة سترعاه مثلما فعلت أمه وتحرص على أمواله بتدبير جدته، ثم في المساء تكون له مثل غانية لعوب، ومن الرجال من يضع زوجته في خانة الأم فقط، ويذهب ليبحث عن علاقة أخرى تكمل الصورة الوهمية عن المرأة المرغوبة في التصورات العربية المعاصرة!
نحن في وضع عقلي واجتماعي، ونفسي، وروحاني، وثقافي صعب فيما يخص العلاقات، وغيرها من أنشطة الحياة، ولا عجب أنك تشعرين بكل هذه المشاعر، وتشعرين بالخجل منها، بل وتعتبرين مشاعرك الطبيعية تلك مشكلة تبحثين لها عن حل، أو علاج تتخلصين به منها، أو تهربين، أو تتشاغلين عنها!!
في كل الأحوال أنت تبحثين عن سبل للتعامل مع وضعك من داخل الثقافة السائدة صاحبة السلطة والسطوة المتسلحة بمقولات من الدين بتفسير معين، وعادات وتقاليد وتصورات وتوقعات لا يكاد أحد يعترف أنها ضمن أسباب ارتفاع معدلات الإخفاق، ونسبة الطلاق، ومقدمات البؤس في حياتنا!!
الملاحظة الأولى:
في الوصفة التي ناقشها معك، وليس عندي "حلول" لأننا لو تصورنا مشكلة ما فهي ليست منك، ولا في يدك حلها، ولكن في السياق الثقافي والاجتماعي والعائلي الذي يحتاج إلى مراجعات عميقة، وتغييرات جذرية لا أحسب أنك تسألين عنها!!
إذن موقفك وتفاعلك مع وضعك هو طرف الخيط الذي نملكه، وسنحاول أن نمسكه، وننسج منه معا.
الملاحظة الثانية:
مراجعة موقفك من مشاعرك، وقبولك لإنسانيتك بكل ما تحمله الإنسانية من مخاوف وضعف، وغيرة، وحزن، وصبر، وأمل، ورجاء...إلخ من الجوانب التي لا تنقص من إنسانيتك، ولكن قبولك لوضعك الحالي هو شرط تتكامل فيها وبها ومعها. لحسن إدارته، والتعامل معه.
الملاحظة الثالثة:
إذا ظهر في الأفق مرشح محتمل للارتباط ولديك تجاهه مشاعر قبول وترحيب بينما في ظروفه بند ناقص عن المعايير القياسية لدى أسرتك يمكننا عندها فقط فتح نقاش حلول شحص بعينه!! عندما يكون النقص في نقاط شكلية، وغير جوهرية مثل: العمر، أو الجنسية، أو لون البشرة أو ما شابه، وقد يستدعي هذا تفكيرا حول مكان إقامتك المستقبلية بصحبته، وأعجب أن تفكير أهلك المحافظ ما يزال متمسكا بفكرة العودة والاستقرار في مصر بنفس الوقت الذي تبحث فيه ملايين من المصريين عن مخرج أو مهجر، وأنت بالفعل خارج البلاد، وربما تكون فرصتك في الإقامة والعمل بعد إنهاء دراساتك أكبر وأسهل من غيرك!!
فكرة "الاستقرار" في بقعة معينة بل وربط الاستقرار و السعادة بالوجود في مكان ما هي مما تراجعه ملايين حول العالم يبحثون عن حياة أكثر رفاهية ونظاما، وفرص عمل وتعليم للأولاد، ونظام صحي ووظيفي أفضل.
وطبعا الناس تقارن وتراجع المميزات والعيوب حيث لا جنة على الأرض، ولا في الحياة الدنيا.. لا هنا ولا هناك!!
الملاحظة الرابعة:
اعملي على بناء رأس جسر حيثما أنت.
يعني حافظي على اتصالاتك، وفرص وإمكانيات عودتك إلى أمريكا بما يتضمنه هذا من ترتيبات في أوضاعك القانونية، وحصولك – مثلا – على "الجرين كارد"، والهدف من هذا يتعلق بتوسيع فرض ومجالات العمل والحياة والإقامة، بل والزواج!!
تذكري أن وجودك في أمريكا، وفرصة عودتك إليها ستكون ضمن مواصفاتك الإيجابية طبقا للمعايير، والشروط المحلية السائدة!!
وطبقا لنفس المعايير فإن هذه الميزة ستفتح أمامك آفاقا أوسع للاختيار، وللخاطبين المحتملين، تجعلهم يتغاضون عن نقاط أخرى قد تلوح بوصفها مخالفات للمعايير والشروط القياسية السائدة!!
يعني وجودك للدراسة في الخارج بمفردك قد يكون مأخذا لدى البعض، ولكنه ميزة مؤكدة لدى آخرين لو كانت لديك فرصة للبقاء أو العودة مجددا، والاستقرار والإقامة هناك – في أمريكا.
الملاحظة الخامسة:
حين تبحثين عن رفاق أو صحبة أو محيط صداقات فإن أفضل السبل لتحقيق هذا هو ربطه بالشغف: من تخصص علمي، أو هوايات، أو اهتمامات، وقد يرتبط هذا بموضوع الجسر الذي حاولت شرحه وجود قناة بحثية مثلا للتعاون أو التبادل العلمي أو الثقافي في تخصصك، أو في اهتماماتك يمكن أن يكون بؤرة تركيز محددة للتواصل مع المهتمين والمهتمات بوجود تعاون في مجال ما بين هنا وهناك!!
إذا نجحت في هذا المسمى ستحصلين على صداقات متينة، وعلى قناة مفتوحة للتعاون، وإفادة أهل بلدك من ناحية، وعلى كفالة فرصك في العودة، أو على الأقل إبقاء الطريق مفتوحا أمامك للتنقل الذي قد يتحول إلى استقرار وإقامة إذا وجد العرض المناسب لذلك.
اقبلي مشاعرك كلها كما هي، ولكن نقطة تركيزك ينبغي أن تكون في إدارة وضعك طبقا لما حاولت البدء في رسمه لك من "خارطة طريق"، وتابعينا بأخبارك.