تعتعة: إلى الدكتور أحمد عبد الله، الفشل.. سبب أم نتيجة؟!
بمعنى، هل الفشل صفة من صفات الإنسان، كالذكاء، الوسامة، السماجة، فيقال إنسان ذكي، موهبة من ربنا، أو إنسان سمج، خلقته كده، أو إنسان فاشل، طبعه كده. أم أن ّ الفشل هو نتيجة مرحلية لظروف خاصة يمر بها الإنسان في فترة من حياته، و بانقضاء تلك الظروف، يزول الفشل عن الإنسان ليعاود التقدم في رحلة الحياة، هل يوجد إنسان فاشل بطبعه، مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال يظل على فشله وخيبته، حتى لو أتيحت له من الفرص أضعاف ما يتاح لغيره من الأقران، فيتقدم الناس ويمضون في رحلتهم الخطوة تلو الأخرى من مرحلة لمرحلة وصاحبنا واقف في مكانه محلك سر، فاشل، وفي الحقيقة بينما الناس يتقدمون للأمام فإنه يتقهقر للخلف، فأنت لا تنزل نفس النهر مرتين، أم أنه مسكين، ضحية، نتيجة لظروف نفسية أو اجتماعية أو.. أو إيه؟!
لست أدري هل فشلي هو طبع ٌ فيّ أم أنه نتيجة لظروف ما، وإن كنت أرى أن كل الظروف مهيأة تماما، إن لم يكن بنسبة مائه بالمائة، فإنها مهيأة بنسبة كبيرة للنجاح، طب ليه أنا فاشل؟!
عفواً، لا أقصد الإطالة، ولكنني حقيقة ً في حيرة من أمري، كل من حولي يؤكدون على أني أمتلك من الصفات ما يؤهلني للصفوف الأمامية، ولكني في النهاية أجد نفسي في الذيل، في آخر صف.
أنا شاب -بيولوجيا ً- عمري 26 سنة، في حين أشعر حقيقة ً بأنني في خريف العمر . كيف يقاس عمر الإنسان؟ هل بالأيام و السنين أم بالإحساس، بالروح، ما علينا.. لم تمر بي في تلك الحياة القصيرة فلكياً، الطويلة الرتيبة واقعياً، لم تمر بي أي من خطوب الدهر، أو مآسي الحياة، إلا أن موت أبى، وأنا في السابعة عشرة، قد آلمني، ترك في روحي أثرا ً لا يزول، بث في عقلي إدراكا ً لمدى عبثية تلك الحياة، حياة طويلة عريضة، سفر ورجوع، كد وراحة، زوجة أبناء و أسرة، مسئولية، مهام عريضة لا ينجزها غيري، وفي النهاية إيه..!
مؤمنٌ أنا، أشهد أن لا إله إلا الله، خالق الكون، رب البشر، أومن بالبعث والحساب، و أن الحياة الدنيا ما هي إلا رحلة، مهما طالت فإنها قصيرة، بوابة للعبور إلى الآخرة. لكن أين مكاني في تلك الحياة؟
هل اخترته بمحض إرادتي، أم رسمته لي طباعي و قادتني إليه الظروف، ملعون أبو الظروف، أم أنها بريئة، فالظروف صنيعة الإنسان. عذرا ً سيدي لذلك الاسترسال..
أحكي لك حكايتي، ولا حكاية ولا حاجة، أنا واحد من ملايين البشر، أحيا حياة مستقرة، وسط أسرة رائعة تشملني بكل الحب، تحتمل فشلي بصبر عجيب، وإن كنت أسبب لهم من الإحباط ما إنّ أهواله لتنوء بالعصبة أولى الطاقة.
"صحيت" فجأة لقيت عندي 26 سنة، ولسه تلميذ، تخيل!!
مرت ثماني سنوات منذ التحقت بكلية الهندسة، وإلى الآن لم أنهي نصف ما يجب أن أتمه لأحصل على ختم الجودة، شهادة التخرج. "بسيطة، يبقى أنت أكيد دخلت كلية مش عايزها، التحقت بدراسة ليست ملائمة لإمكاناتك العقلية وطاقتك الروحية".
بالنسبة لموضوع الإمكانات العقلية، فكل الناس يلحون علي أني على قدر من الذكاء يكفل لي إنهاء تلك الدراسة، وحولي الكثير من الأقران أرى أن منهم من هم أقل مني ذهنيا ً ومع ذلك فلقد تخطوني بمراحل، و تلك حيرة مهلكة.. أما عن موضوع الطاقة الروحية ، فذلك ما أبغي استشارتك بشأنه. فكرت مرارا ً أن أقطع الدراسة، وأعمل أي حاجة، أشتغل أي شغلانة، لكن لقيت نفسي ما بأعرفش أعمل أي حاجة، فاشل..
حقيقةً، لم أولي ِ الدراسة الاهتمام الكافي، رغم أنها رغبتي منذ الصغر، لم أضعها كثيرا ً في مقدمة أولوياتي، منتهى الاستهتار والتسويف، لكن مرت عليّ أحيان كثيرة وقفت فيها أمام نفسي لأضع نهاية ً لذلك السخف ، أبدأ صفحة جديدة، لكن يوما ً تلو الآخر، أعود لنفس النقطة، منتهى اللامبالاة، وكأن أمري لا يعنيني، وكأنني إنسان آخر لا يهتم بي، لا يريد مني خيرا ً أو شرا أنا مين.. هل أعاني الانفصام؟!
بداخلي إنسان يريد أن يحطم القيود، ينطلق للنور، يرقص طربا ً مع الأيام، يصير نبعا ً للخير والبهجة لكل من حوله. وأجد نفسي على النقيض تماما، لامبالاة، انسحاب، انهزامية، عايش وخلاص، بني آدم غريب.
لِمَ أُقحمك معي في تلك التفاهة! هل أستحق تلك الدقائق من وقتك الثمين؟ أنت اللي قلت تعالوا نتواصل ، استحمل.. مأساتي تكمن في انعدام الرغبة، انتفاء الطموح، أجد نفسي وقد راوحتني الرغبة في ممارسة أية نشاط، الرغبة فى بذل أي جهد، في ذات الحين لا أرضى بتلك المكانة المهينة في سفينة الحياة، لا أقبل على نفسي أن أظل عبئا ً أبديا ً على ذوي ّ.
أريدك أن تساعدني، بس شُــرْ علي ّ أعمل إيه. أترك الدراسة وأتجه لأي مجال عملي آخر أم أبحث عن دراسة أخرى تناسب إمكاناتي ورغباتي؟
سيدي، هل فعلا ً في حاجة اسمها طاقة روحية، لا ترتبط، بالضرورة، بالقدرة الذهنية؟ كيف يستخرج الإنسان تلك الطاقة وكيف يوظفها ويستثمرها بالكيفية الملائمة ليواجه المتغيرات ويمضي في دروب الحياة؟
مشكلتي شخصية بحتة، تكمن في ذاتي، ولكنك للأسف أصبحت طرفا ً فيها.. على الأقل من وجهة نظري.
لك التحية
"واحد"
29/7/2005
رد المستشار
الصفات الإنسانية نوعان موروث ومكتسب، فمن الموروث لون الجلد، وطول القامة، والاستعداد للإصابة ببعض الأمراض، ولكن حتى هذه الصفات قابلة لبعض التغيير والتعديل بالعقاقير والعمليات الجراحية وتنظيم الغذاء وممارسة الرياضة .. إلخ الفشل والنجاح: معادلة الحياة أما الصفات المكتسبة فهي مثل اللباقة والحكمة والذكاء وأمثالها، وللتنشئة دور كبير في اكتساب الصفات الإيجابية، ودور الأسرة هام، ولكن أيضا فإن التعليم الجيد، والمجتمع الصحي بأنشطة في الإعلام والترفيه والتفاعل بين أفراده يعين أو يضاد في مسألة إكساب الصفات الحميدة، ولا أرى أن البيئة التي نعيش فيها هي صحية وإيجابية، بالقدر الذي أعجب فيه حين أجد نموذجا ناجحا يخترق كل عوامل التثبيط وتكسير المجاديف "كما نقول في مصر".
ولكن أيضا يبدو أن هناك ما يمكن تسميته بوسواس الفشل، وهو اجتهاد مني أراه تفسيرا لبعض الحالات التي يرى صاحبها بموجبها أنه فاشل يقينا، ولا أمل فيه، ولأنه قرر ذلك فإن قدراته في التفكير والتدبير والاستعانة بالعقل والآخرين والتخطيط للنجاح.. الخ، هذه القدرات تتعطل عندئذ فيفشل فعلا مهما أتيحت أمامه من فرص!!
أدهشتني رسالة أختنا التي أجبت عليها مؤخرا، وكانت تقول فيها أنها جلست مع نفسها، وقالت: طفولتي ومراهقتي لم أصنعها بنفسي، ولكن من الآن فصاعدا أنا المسئولة عن واقعي ومصيري، وكذلك كل شاب: إما أن يقرر الاستمرار فيما هو عليه من حال، أو تغيير المسار بالبحث عن أسباب السلبيات، ومكامن وقدرات التميز بداخله، وقد فعلت أختنا هذه مثل ذلك، وهكذا يفعل من يريدون الانعتاق.
إن لتقمص دور الضحية والاستسلام بدواعي الإحباط والقعود، والبقاء للجري أو الوقوف في المحل غواية تحتاج إلى مقاومة مثل الشهوة وكل أفكار السوء حين تتسلط وتتصدر المشهد لتصبح هي الحاكمة والآمرة الناهية، هل تراني أجبت على سؤالك؟!!
إذا كنت تسال عن نقطة بدء؟!
فيمكن أن تبدأ التركيز، دعك مثلا من حكاية يرقص مع الأيام، ونبعا للخير والبهجة، وهذا الكلام الجميل العام.
احشد كل طاقاتك ووقتك وقدراتك وكل شيء من أجل هدف واحد مرحلي، وليكن الانتهاء من دراستك الجامعية، يمكنك أن تبحث مثلا عن صديق من أهل التركيز في المذاكرة وتربط جدولك بجدوله، وتذاكر معه في بيته أو بيتك أو في مكتبة أو مكان عام، افعل هذا واطرد كل الأفكار والتوهمات والخيالات الأخرى حتى تنتهي من هذه المهمة.
أعالج فصاميا يدرس في نفس كليتك، والفصام حالة من التشظي وانهيار الأداء الذهني والعلمي، وصاحبك هذا كان كذلك، وقلت له وهو يرسب عاما بعد عام، ليس أمامك سوى الانتظام في الدواء، وذهب وغاب، ثم زارني منذ أيام في عيادتي، وقال: جئت لأقول أنك أنت نجحت، وصافحني بحرارة، وعانقني بامتنان، وقد تكون جلساتنا قد أفادته، ولعلها بالفعل قد أفادت، ولكن عزيمته واستجابته وتركيزه مع توفيق الله له كانت كلها عوامل مساعدة، وإن كانت الطريق أمامه ما تزال طويلة، فهل تبدأ أنت طريقك الآن وفورا.