السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدأت مشكلتي حين دخلت المرحلة الثانوية.. تفاجأت أن حركاتنا أصبحت تدل على أننا شذوذ مثلا أقول: "يا بنات.. تتحدوني أن أقبل صديقتي في الشفة أو غيرها؟".
والآن سأقول بالتفصيل ما حدث: كنا أنا وصديقاتي جالسين، فقالوا أحلى واحدة في الجسم أنا. قالت "م" أعز صديقة لي: يعجبني جسمك أعطني إياه، قلت: تحت أمرك.
وفي إحدى الحصص تفاجأت أنها تتلمس فخذاي من أعلى إلى أسفل، قلت: المعلمة سوف ترانا، فقالت: لن ترانا نحن في آخر الصف فأبعدتُ يدها وقُلت: سأجرب أنا، وطبعا تطورنا إلى أن وصل ذلك إلى الجسم بالكامل!
أنا خفت حين اقتربت هي من المناطق التي أخاف عليها من الهواء حتى، فضممت قدماي فقالت: لا تخافي.. أعرف ما تخافين عليه لن أقترب مما تخافين، وطبعا هذا كله ونحن بثيابنا -عذرا-! وتوقفنا تماما، ولم نعد نفعل ذلك أبدا حتى إننا أصبحنا نجلس بعيدا عن بعضنا فرأيتها ذات يوم تجلس بمفردها ذهبت إليها وجلست بجانبها. قلت: أحس أني فتاة بلا حياء ولا أدب، أنا وقحة.
قالت: أنا مثلك أحس بذلك فبكت فلم أحتمل فبكيت أنا! وقلت لها: أكاد أختنق.. أستحق الإعدام.. ولماذا تبكين؟ أرجوك توقفي، قالت لي: ليس هذا ما يبكيني فقط، سأقول لك سرا أرقني ليالي طويلة قالت: إن ابن عمها اعتدى عليها وهي عمرها 8 سنوات، صدمت فبكيت حقا، وتذكرت نفسي قلت: ليتني مكانك، أما أنا فالذي اعتدى علي هو خالي، وأكثر من مرتين أنا أتذكر جيدا، في المرة الأولى: كان يقول تعالي أعطيك حلوى، وفي المرة الثانية: قال تعالي معي البحر وأنا كالبلهاء خلفه، كان عمري 6 سنوات، والآن أنا أضرب نفسي آهٍ... أحسست حقا كم أنا غبية جدا ليتني لم أذهب معه؛ وبكيت. أرجو أن أجد حلا لهذه المشاكل.
وأشكر كل القائمين على هذا الموقع الرائع،
وآسفة جدا جدا على الإطالة.
28/4/2007
رد المستشار
الأخت السائلة؛ قرأتُ رسالتك عدة مرات، وفي أول مرةٍ ملأتني بشعورٍ قوي من التعاطف معكما خاصةً في جزئها الأخير، وفي المرة الثانية أيضًا داخلني نفس الشعور، ولكن أضيفَ إليه استفهامٌ غير واضح في ذهني، وفي المرة الثالثة وجدتُ السؤال على لساني، فقررتُ أن أبدأ به في الرد عليك هكذا:
أينَ هيَ المشكلةُ الحالية أو المشاكل التي تسألين عنها؟ هل هيَ مجردُ أنك حزينةٌ، وأن هذا الحزنَ يعاودك أحيانًا، خاصةً عندما تفكرينَ في الأمور الجنسية أو عندما تُحكى لك قصصٌ مثيلة لما حدثَ معك وأنت طفلة؟ أم لأنك تريدين أن تبعدي عن نفسك تهمة السحاق التي تتهمين نفسك أنت بها وتعتقدين أنك مارست السحاق مع زميلتك؟!
ومن الواضح هنا أنك لا تعرفين ما هو السحاق جيدًا، ولذلك سأشرحهُ لك قدر استطاعتي على الصفحة. ولكنني أريدُ أن أعرفَ أولاً إجابة السؤال:
أينَ بالضبط تقصدينَ أن أحددَ المشكلة أو المشاكل؟ هل هيَ ما حدثَ وعمرك 6 سنوات عندما غررَ بك خالك، أي أنك تعانين من عواقب الضرار الجنسي في طفولتك، رغم أنك قلت في أول إفادتك (بدأت مشكلتي حين دخلت المرحلة الثانوية)، رغم ذلك فوجود تاريخ شخصي عندك للضرار الجنسي أمر سيئ، وعواقبه بالفعل قد تكونُ وخيمةً على البنت الصغيرة، لكنها ليست دائمًا أبدًا كذلك، والضرار الجنسي للطفلةِ هو "أن يتم التحرش الجنسي بطفلة صغيرة فلنقل دون سن البلوغ من قبل ذكر بالغ أو على الأقل أكبر من الطفلة بعدة سنوات" وذلك لكي يتم الفصل بين مفهوم الضرار الجنسي للطفل ومفهوم اللعب الجنسي في الأطفال، فالأول جريمة قد تسبب ضررا نفسيا بالغة، وأما الثاني فهو إلى حد كبير ظاهرة طبيعية!
ويتم الضرار الجنسي للبنت الصغيرة في الغالب الأعم دون أي نوع من العنف بل على العكس ربما لجأ الرجل إلى كافة أساليب استمالة الطفلة الصغيرة وربما أحيط الفعل بغلالة من العطف والحنان وربما دون كلام وربما بالتدريج وعلى مرات متعاقبة دون أي لجوء للعنف بل ربما تم ذلك أثناء اللعب!
إذن مَن أتحدث عنه أنا هو شخص يكون قريبا من الطفلة بشكل عادي أي أنه أحد أفراد الأسرة أو الجيران مثلا، وغالبا ما يكون وجود الطفلة معه وحدهما عاديا في الإطار الاجتماعي المألوف! يفهم من ذلك أن المفترض في هذا الشخص من قبل المجتمع ومن قبل الضحية أنه أحد رموز الحماية الاجتماعية للطفلة! ومعنى ذلك هو أن ما حدثَ معك ليس غريبًا ولا نادرَ الحدوث، بل هو للأسف سلوكٌ منتشر!
فإذا تخيلنا ما يحدث داخل الطفلة التي تتعرض بداية لتصرفات قد يفهم منها العطف والحنان ثم تبدو غير طبيعية، ولكن الطفلة غالبا ما تعود باللوم على نفسها هي ثم بعد ذلك تبدو الأمور أكثر وضوحا، فما يحدث هو ما حذرتها أمها منه!! وهنا تقع الضحية في حيرة كبيرة وفي صراع نفسي معقد؛ لأن من يقوم بهذا الفعل هو من يقدم الحب والعطف وربما الهدايا وهو من يعتبر المسئول عن حمايتها أمام الآخرين، ثم تزيد الأمور تعقيدا عندما يحذرها من أن تخبر أحدا بذلك.
وتدخل البنت بعد ذلك في العديد من المخاوف من أهمها هل هي ما زالت عذراء؟ ورغم أن ما يحدث لطفلة صغيرة غالبا ما يكون فعلا خارجيا لا يؤثر على عذريتها بأي شكل من الأشكال فإن الطفلة كطفلة لا تدرك ذلك، ولا تستطيع في نفس الوقت أن تتكلم مع أحد ولا أن تسأل!
ثم إن مشكلةً أخرى قد تنتج من ذلك ألا وهي أن تشعر الطفلة بمشاعر جنسية وربما وجدت فيها شيئا من المتعة وربما أصبحت لديها الرغبة في ذلك، وهكذا تتعقد الأمور أكثر فأكثر فهناك من تلجأ إلى العادة السرية، وهناك من تنتقل من مستغل إلى آخر!
المشكلة بالطبع تكون أكثر ضررا في الطفلة أو البنت التي يمنعها الخوف أو الخجل من أن تتكلم مع أمها أو أختها أو حتى صديقتها، وخصوصا إذا امتلأ رأسها بفكرة أنها ضاعت ولم تعد عذراء أو أنها أذنبت ذنبا لا يغفر!
المهم أنك لم تشتكي من عواقب الضرار الجنسي تلك، والواضح لي أنك تغلبت على معظم العواقب الوخيمة المفترضة، ولم يبقَ يضايقك إلا شعورك أحيانًا بالحزن وبالضيق وبكم كنت غبيةً ساعتها وبلهاء، ومن الواضح أيضًا أن الله رزقك في وقتها بمن أفهمتك أو طمأنتك وربما حتى حذرتك وجعلتك تخافين من الهواء على مناطق معينةٍ من جسمك.
لم تفقدي اهتمامك بالجنس بعد ذلك ككل بنت طبيعية في أيامنا هذه، وكنتِ تمزحين مزاحَ الشابات مع بعضهن والذي لا أراهُ زاد عن المزاح، وإن كانَ مجاوزًا بالطبع للحدود الأخلاقية والإسلامية السمحة، وشجعَ ذلك صاحبتك في ساعة شيطان على أن تتلمس جسمك، فما كانَ منك إلا أن أعدت الكرةَ عليها في الفصل، وأنا هنا لن أناقشَ الموقف الديني لفعلكما في الفصل، أولاً لأنك وصاحبتك تعرفانه جيدًا؛ ولذلك أقلعتما عن ذلك الفعل، وثانيًا لأنني طبيبٌ نفسي لا أقدمُ الفتوى، ولكنني فقط سأتكلمُ من وجهة نظر الطبيب النفسي لكي أعرفَ السحاق كما يجبُ أن يعرف.
فما حدثَ بينك وبين صاحبتك لم يتعدَّ كونهُ تجريبًا جنسيا ما بينَ بنتين مراهقتين في مجتمعٍ يلعبُ في الليل على حبلين، وهو حال يعمُّ مجتمعاتنا في العالم العربي مع الأسف، ولكن المسافة ما بينَ الحبلين تضيقُ وتتسع من بلدٍ لآخرَ ومن زمنٍ لآخر.
ولكي لا أبتعد بك عن موضوعي الأصلي فإن السحاق مفهومٌ فضفاضٌ يمتدُّ من نقطةٍ بسيطةٍ جدا، وتكادُ تكونُ تافهةً جدا هي أن أنثى تتلمسُ أنثى طلبًا للمشاعر الجنسية البسيطة، وقد يكونُ ذلك مزاحًا، وقد يكونَ تجريبًا جنسيا، وقد يكونُ تعبيرًا عن مرحلة عابرة من التَّمَيُّز الجنسي، وقد يكونُ بمثابة الفضفضة الجنسية ما بينَ صديقتين في مجتمعٍ مغلقٍ يفصلُ فصلاً غير صحيح ما بينَ الجنسين، وهو في كل هذه الحالات عابرٌ وغالبًا بسيط، وهو أيضًا في كل هذه الحالات ليسَ شذوذًا ولا انحرافًا، وليسَ أكثرَ من سلوكٍ خاطئٍ عابر، بشرط ألا يتكررَ إلى حد أن يصبحَ عادة.
ويمتدُّ مفهوم السحاق من مثل هذه النقطة إلى نقطةٍ في أقصى الطرف الآخر يوجدُ فيها توجهٌ جنسيٌ نفسي وفعلي كامل من الأنثى نحو أنثى، ليسَ لأن الرجل غير موجود، ولكن لأنهُ مرفوض، هذا هو السحاق العصري.
إذن فالسحاقُ العصري شيء مختلف تمامًا، تختارُ الأنثى فيه أنثى أخرى مثلها لكي تشبع حاجتها الجنسية من خلالها مع رفض الاختيار الفطري الطبيعي الذي هو الذكر! فهل كنت أو صديقتك يومًا كذلك؟ بالطبع لا. فأين هو الشذوذ بينكن إذن؟
ويوجد في مكانٍ ما بينَ هاتين النقطتين بعض الإناث اللاتي لا يرفضن الذكر ولا يرفضن الأنثى أيضًا، فلا مانع عندهن من التفاعل الجنسي المزدوج، وغالبًا لا يعلم أحدٌ بذلك، لأن هذه الأنثى تعيشُ حياتها الاجتماعية والأسرية بشكل طبيعي تماما، وتبقى علاقتها أو علاقاتها غير الطبيعية سرًّا مكتومًا، وكل مايدخل في هذا المفهوم... سحاق وكل مايدخل في مفهوم السحاق حرام شرعاً ويحاسبها عليه الله سبحانهُ وتعالى بعلمه وبقدرته.
وحسب ما أعرفُ من معلومات عن الفقه الإسلامي فإن عقوبة السحاق أمرٌ متروك للقاضي، واسم هذه النوعية من الأحكام الفقهية "التعزير"، ويفهمُ من ذلك أن العرب القدماء عرفوا ظاهرة السحاق وسمَّوها، وأعتقدُ -والله أعلم- أن السحاق المقصود كان من النوع الأخير، أي عند الأنثى المزدوجة الهوية الجنسية أي التي تستطيع أن تتفاعل مع الذكر ومع الأنثى أيضًا، ولا أظنُّ لديك أو لدى صديقتك ما يوحي بذلك.
كما أن الحقيقة التي لا بد من ذكرها هنا هي أن السحاق بالمفهوم الغربي الجديد ليس إلا ابتداعًا حديثًا جدا من ابتداعات الحضارة الغربية أو على الأقل هكذا يقول التاريخ الغربي المكتوب، فهو على عكس اللواط تماما في هذه النقطة. إذن فليسَ هناكَ تاريخ لظاهرة السحاق أبعد من أقل من قرنٍ ونصف من الزمان، ليسَ هذا فقط بل إنهم يستدلون على وجوده فقط من أن امرأتين عاشتا بمفردهما لفترةٍ طويلة في ذلك التاريخ البعيد (النصف الثاني من القرن التاسع عشر) وليس أكثر من ذلك، ومعنى هذا هو أن السلوك الحميم ما بينَ امرأتين نادرًا ما كان ينظرُ إليه اجتماعيا على أنهُ شذوذ لأنهُ في أغلب الأحوال ليسَ كذلك!
وفي النهاية أقول لك إنه لا داعي لأن تقلقي، واحمدي الله لأنه نجاك من الأثر النفسي السيئ للضرار الجنسي الذي تعرضت له في الطفولة، وحاولي تحسين علاقتك بالله سبحانه وتعالى أكثر وأكثر، ولا تحسبي نفسك إلا مع الذين يخافونَ الله ويتقونه فأنت كذلك.
وفي النهاية تابعينا بأخبارك ولا تنسينا من الدعاء.