صديقي مُصَاب بالذُّهان. ساعدوني أرجوكم
على الرغم مِنْ أنِّي أُواجِه صعوبة كبيرة في التعبير عن ذاتي، إلَّا أنَّنِي سوف أُحاول قَدْر المُستطاع أنْ أشرح الوضع لكي تَفْهَمُوني.
لطالما شعرت بسوء شديد تجاه نفسي، وإحساس شديد بالنقص والدُّونِيَّة. لدَيَّ صورة مُشوَّهَة جِدًّا عن نفسي. أنا أُدِيرُ بعناية ما أفعله، ولا أُشارِكُه مع الآخرين. لا أشارك الناس اهتماماتي أو أفكاري بسبب الخوف من السُّخرِيَة أو كَوْنِها غير لائقة. طِيلَة حياتي كُنتُ دائمًا مرفوضة ومَنبُوذَة من الآخرين، وكنت أتعَرَّض للتَّجَاهُل والتَّنَمُّر مِن قِبَل زملائي في المدرسة.
تلك هي الذكريات الوحيدة التي يبدو أنَّني أَتَذَكُّرُها عن طفولتي. وفترة طفولتي لَجأت إلى محاولات عديدة لإيذاء الذات، وذلك لكي أُعاقِب نفسي. والآن أحاول باستمرار تجَنُّب المواقف الاجتماعية لأنَّنِي خائفة جدًا من التَّعَرُّض للأذى والرفض والإذلال والإحراج. وقد تعَرَّضْتُ للطَّرْد من الجامعة بسبب إيذائي المُتَكَرِّر لِذَاتي بآلات حادة، حيث اعتبروني أُشَكِّلُ مصدر خَطَر على سلامة نفسي والآخرين. وأتحَسَّس من وجود الناس، وأشعر أنِّي مُراقَبَة، وذلك يجعلني في حالة من القلق والتوتر. دائمًا أُفَسِّر أيَّ نظرة أو ضحكة من الأخرين أنَّها سُخرِيَة مِنِّي، ويُسَيْطِر عليَّ شعور وإحساس دائم بأنَّ الناس تُراقِبُني وتَتَرَصَّد أخطائي. وأحيانًا تَمُرُّ عليَّ فترات أشعر فيها أنِّنِي غير موجودة أو أنَّنِي أَحلُم، ويَغِيب فيها عقلي عن الوعي، ولا أستطيع الحركة أو التَّحدُّث أو التفكير. أجلس فيها أُحَدِّقُ إلى الفراغ.
تمَكَّنت من العثور على عمل بعد طَرْدِي من الجامعة. وحتى لو كان الراتب ضعيفًا، إلَّا أنَّنِي قادرة على تغطية تكاليف معيشتي ولله الحمد.
ذهبت للطبيب ووصف لي عقار "سيبراليكس" ٢٠ مليجرام، ولم آخُذْهُ. وكان تَشخِيصُه لي بعد جلسات عديدة "اضطراب الشخصية الحَدِّيَّة". وتوقفت عن الذهاب إليه منذ عِدَّةِ أشهر.
غالبًا ما أشعر أنَّني أتمَنَّى ألَّا يراني أحد. أشعر بالوحدة الشديدة، وأُكافِحُ من أجل تكوين صداقات. في اللحظة التي أُواجِهُ فيها شخصًا جديدًا يكون أسوأ شعور في الوجود، وأريد فقط الرَّكْض والاختباء بشدة. لا أريد أن أكون مَرْئِيَّة مرة أخرى، لا أريد أن أتحدث مرة أخرى، لا يمكنني فعل ذلك بعد الآن. عندما أتجَنَّب التَّحدُّث إلى الناس لأنَّ هناك أَلْف فكرة غير آمنة تدور في رأسي، وأنا خائفة من أنَّنِي سأقول لهم الشيء الخطأ، لِذا فأنا لا أقول أي شيء على الإطلاق.
صديقي الوحيد شاب أكبر مِنِّي بـ١٠ سنوات، كان حُبِّي الأول، وأول علاقة حقيقية لي، والرجل الذي فقدت عُذرِيَّتِي معه. لقد انتظرت ممارسة الجنس لفترة طويلة حتى وجدت شخصًا يمكنني الوُثوق به حقًا أنَّه لن يُؤذِينُي. أخبرني بأنَّه مُصاب بمرض الذهان قبل أن نبدأ في المواعدة. وكان يأخذ دواءً له كل يوم، ولم تحدث له انتكاسة منذ خمس سنوات، لذلك لم أُفَكِّر مُطلقًا في أن أسأل عَمَّا يجب أن أفعله من أَجْلِه في حالة تكرار حدوثها. كنت أعلم أنه كان هناك احتمال أن تعود، لكنَّنِي لم أُفَكِّر مُطلقًا في أنَّها ستكون مشكلة. تَوَاعَدْنا مدة ثلاث سنوات، وكانت الأمور على ما يرام.
فجأة كُنَّا نقود السيارة عائدين من شاطئ بالقرب من مَنزِلي لِأَخذ عُبُوَّةِ الدواء التي وصفها الطبيب، وبدأ يبكي. بذلت قَصَارى جُهدِي لِتَهْدِئَتِه، لكنَّني كنت أقود السيارة، وبمُجَرَّد أن اقتربنا من الصيدلية بدا أكثر هدوءًا. مررنا بكنيسة وسألنا عَمَّا إذا كان بإمكاننا الذهاب إلى هناك؛ قُلت أنَّنا قد نكون قادرين على ذلك بعد أن نأخذ الدواء من الصيدلية. سألته عمَّا إذا كان لا يزال يسمع الرسائل والأصوات في رأسه، فقال "نعم ، ولكن رسائل جيدة مثل: عليَّ أن أُنقِذَ العالم. الله لديه مُهِمَّة لي في هذا الكون" عندما وصلنا إلى المنزل.
لقد تحَمَّلت أَوْهَامه لمدة 4 أيام، حيث تدَهْوَرَت أَحْواله منذ ذلك الوقت، وأصبح مُرتَبِكًا جدًا. لم يكن ينام، وكان يُوقِظُني بمُجَرَّد أن أنام؛ لأنَّه كان خائفًا مِمَّا يحدث في عقله. لقد حطَّم قلبي عندما سأل "هل حدث لكِ هذا من قبل؟"، وكان عليَّ أن أقول له لا، وأنَّنِي لم أفهم، لكنني سأحاول المساعدة.
بَقِيتُ معه في الليل وغادرت في الصباح. لقد كنت مُنهَكَة للغاية في هذه المرحلة، لدرجة أنَّنِي لم أَكُن أَمْلُك الطاقة للبقاء بِقَدْرِ ما أُحِبُّه. في تلك الليلة ذهب للمستشفى، واحتَجَزُوه مُدَّة ليلة واحدة ثم خرج. خلال الأيام القليلة التالية أخبرني أنَّه توَقَّف عن تناول دوائِه لأنَّه يعتقد أنه يُسَمِّمُه. أدركت أنَّه كان لا يأكُل إلَّا القليل.
لقد مارسنا الجنس في اليومين الأَوَّلَين من تَواجُدي هناك، لكن بعد ذلك رفض أن يَلمِسَنِي، وكان لا يُوافِق أن يُمسِكَ يدي ولا يُقَبِّلَني ولا يريد ممارسة الجنس. قال إنَّه بحاجة إلى الحفاظ على جسده طاهرًا من أجل الله (وهذا يُفسِّر قِلَّة الطعام وعدم وجود اتصال جسدي).
بدا مثل صديقي، صوته مثل صديقي، لكنَّه كان شخصًا آخر تمامًا. لقد رحل الرجل الذي وقعت في حبه. في اليوم السابق (صباح الأحد) استيقظت وذهبت لأُقَبِّلَه، وأَدَار رأسَه بعيدًا. كنت مصدومة ولم أَكُن أعرف ماذا أفعل سوى البكاء. بكيت لساعات طويلة ذلك الصباح، وقلت أنَّنِي آسفة لكنني لم أَعُد أستطيع فعل ذلك والاستمرار في العلاقة. توَسَّلْت إليه أن يأخذ دواءه أو يتَّصِل بطبيبه أو التَّحَدُّث إلى والديه، اللذين قاطعهما لأنه يعتقد أنهما "أشرار".
لقد أَوْصَلِني إلى مَحَطَّة الحافِلات في صباح اليوم التالي للعودة إلى المدينة التي أَقْطُن بها، وقبَّلْتُه على خَدِّه وقلت له أنِّني أُحِبُّه. عندما كان يقود سيارته بعيدًا، راسَلت والدته وأخبرتها أنه لم يأخذ أدويته. لم تَكُن تعرف لأنَّه لا يتحدث معهم.
الآن أنا وحدي، مكتئبة، وعلى حافَّةِ الانهيار كل ساعة من اليوم. كلما أنام لدي أحلام مُرَوِّعة وكوابيس عنه وما حدث خلال الشهر ونصف الماضي. الشعور بالذنب لا يمكنني تحَمُّله. لا أعرف ما الذي كان بإمكاني فعله. أخبرني أنه يعتقد أنَّني عاهِرَة لأنَّني أَرَدْت أن أُمارِسَ الجنس معه في آخر يوم لنا معًا، وعلى الرغم من أنَّني أعلم أنَّه لم يكَنُ "هو" حقًّا، فقد شعرت بالحزن والإهانة حقًا.
أقوم بإيذاء نفسي كثيرًا، ولا أستطيع التَّوَقُّف عن التفكير به. لا أعلم هل أقطع هذه العلاقة وأمضي في حياتي،
أم أعود إليه وأَصْبِر عليه لعَلَّه يعود كما كان. أَرشِدُوني كيف أتعامل معه.
21/6/2021
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع.
استشارتك من شقين٬ الأول يتعلق بتاريخك الطبنفساني وهو بوضوح يشير إلى اضطراب الشخصية الحدية. علامات هذا الاضطراب مسطرة في المخطط أدناه. لا أحد يعلم بالتأكيد سبب امتلاك الفرد لمثل هذه الصفات الشخصية ولكن هناك عوامل تكوينية٬ صدمات والبيئة الاجتماعية. في نهاية الأمر الذي نعلمه بأن الإنسان الذي يتم وصفه بهذه الشخصية يمتلك طبعاً يتم وصفه بالغلو القطعي Hyperbolic Temperament. هذا الطبع يدفع الإنسان إلى سلوكيات شخصية قد تكون نتيجتها كما يلي:
تأجيج صفات الشخصية الحدية
تلطيف صفات الشخصية الحدية
يمكن مناقشة علاقتك بهذا الإنسان من خلال دراسة المخطط أدناه. صفاتك الشخصية الحدية بسبب الطبع القطعي دفعتك إلى الدخول في علاقة لا تمتلك مميزات النجاح في المستقبل القريب أو البعيد٬ ولكنها في نفس الوقت ساعدت إلى حد ما في تلطيف أعراض اضطرابك النفساني لفترة مؤقتة. في نفس الوقت مثل هذه العلاقة غير مستقرة وفاشلة في تلطيف طبعك على المدى البعيد وبالتالي السيطرة على أعراض اضطرابك٬ والذي حدث معه ليس غير متوقع. الآن وبعد فشل هذه العلاقة غير الناجحة عادت أعراض اضطرابك بالظهور.
على ضوء ذلك ما أنصح به هو أن تسدلي الستار على هذه العلاقة وتستوعبي أن دخولك فيها كان مصدره أصلاً أعراض اضطرابك المختلفة وطبعك.
حاولي مراجعة أهدافك في الحياة وكوني دوماً على اتصال بمشاعرك وحاولي السيطرة عليها وإدراك تأثير ظروفك البيئية على السلوك الشخصي وهذه المشاعر.
وفقك الله
واقرئي أيضًا:
الوصفات الطبية للشخصية الحدية
العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الحدية
ويتبع >>>>>>: الحدية والذهاني م