وسواس المرض: الاضطراب المراقي
متابعة
بداية أشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على الرد على كل الاستشارات التي ترد لموقعكم..
كم كانت فرحتي كبيرة عندما قرأت الرد على مشكلتي إلا أنني أتساءل هل شعوري هذا وخوفي من المرض وبالتالي من الموت مجرد مرض ويمكن السيطرة عليه والتخلص منه؟؟
إنني وعندما أفكر أن هذا مجرد مرض أكاد لا أصدق،، حيث اعتاد عقلي على فكرة أنني سأموت قريباً ولم أعد أستطيع استيعاب عكس هذه الفكرة.. وكي أوضح أكثر كلما بدأت التفكير بالمستقبل أقول: "انسي يا بنت ما إنت ما رح تعيشي ليش تتخيلي وتتأملي وتحلمي؟؟" فهل حقاً أنني سأستطيع التفكير بالمستقبل دون خوف أو قلق؟؟
أما بالنسبة لسؤالك فيما إذا كنت أشتكي في جميع المرات التي عرضت فيها نفسي على دكتور من وجع في العضو فأجيب: نعم.. فقد كنت ما إن سمعت أحداًً يتحدث عن وجع معين في مكان معين وذهب إلى الطبيب واكتشف الطبيب أنه يعاني من مرض معين حتى بدأت أحس بنفس الأعراض ونفس الألم في نفس المكان ومن هنا تبدأ الأفكار الوسواسية تدور في رأسي..
أما بالنسبة لجملتي التي لم تكن واضحة "بصراحة عندي خوف من كل ما هو جديد ومن كل ما يفرح فأشعر أنني إذا فرحت سيحدث لي مكروه" فأقول موضحة بذكر بعض الأمثلة التي قد تساعدني في توصيل فكرتي،، نعم قد يكون فيها بعض الإطالة إلا أنني طامعة في سعة قلبكم للاستماع لمشكلتي وبالتالي إعطائي الحل المناسب بعد كل هذه السنين من المعاناة.. ومن الأمثلة على خوفي من أي جديد: لقد اعتدت أن أرتدي ساعتي في اليد اليمنى ولا أستطيع لبسها في اليد اليسرى ليس لأنني أستصعب لبسها في تلك اليد إنما لأنني أحس أنه إذا ما قمت بتغيير مكان لبسها سيحدث شيء سيء لذلك أفضل أن أحافظ على لبسي لها في اليد اليمنى..
مثال مشابه: لقد اعتدت أن أرتدي أجلكم الله حذائي مبتدئة بالجزء الشمال من الحذاء ثم اليمين وإذا حدث وأخطأت فلبست الأيمن قبل الأيسر أعيش بدوامة طوال النهار أن هناك ما سيحدث بسبب هذا الخطأ.
أما من الأمثلة على خوفي من كل ما يفرح: نكون في جلسة والجميع مبسوطين ويضحكون وأنا كذلك إلى أن تبدأ الأفكار التي تقول لي:"أتريدين أن تموتي توقفي عن الضحك فالفرح نهايته بكاء ولن يكون البكاء إلا عليّ".. وغالباً ما كنت أترك تلك الجلسات المليئة بالفرح وأذهب لأنام.. أتريدون الحقيقة "لم أذق بحياتي طعم الفرح (الفرح الحقيقي المتكامل) فقد كان هناك دائماً غصة في فرحتي ألا وهي أنني كنت أشعر أنه يجب أن لا أفرح كي لا أموت...
فلم أفرح لا في يوم نجاحي بالثانوية علماً بأنني حاصلة على معدل عالي ولا يوم تخرجي فكم هو يوم جميل، وكما يقولون: "ليس هناك أجمل من فرحة النجاح والتخرج" ولم أصدق أن ذلك اليوم قد مرّ بسلام.. كذلك الحال عندما انتقلنا إلى منزلنا الجديد فلم أعرف النوم في تلك الفترة من خوفي من الشيء المجهول الذي سيحصل لي ليس لأي أحد آخر ..... وهناك العديد العديد من الأمثلة فهي معاناة سنوات طوال....
إلا أنني أعترف أن فكرة الموت التي تحيطني من كل جانب ازدادت منذ 4 سنين وذلك إثر وفاة عم لي ليس كبيرا في السن ولا يعاني من أية مرض ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر بقرب الموت أكثر من السابق،، أعرف أنني قد أطلت كثيراً إلا أنني أحاول ذكر هذه التفاصيل كي تساعد في تشخيص حالتي وإعطائي الحل بإذن الله لهذه المعاناة التي لطالما عذبتني.......
وأخيراً أود أن أنوه أنه مما شجعني على أن أرسل لموقعكم أنني كنت قد قرأت كتابك دكتور وائل" الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي "والذي لا أنكر أنه ساعدني كثيراً وخاصة في التقليل من تلويم نفسي على هذه الأفكار الغبية التي تجول في خاطري وأنها مرض ويمكن الشفاء منه بإذن الله.....
أشكركم
أشكركم جداً....
28/01/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا على متابعتك، إذن توضحين لي في متابعتك هذه أن تخميني السابق كان صحيحا فأنت على أغلب الظن مريضة وسواس قهري، وسمة التطَيُّر أو التشاؤم هي واحدة من سمات الموسوسين ناقشناها في الكتاب الذي أشرت إليه الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، فالشخص الموسوس من خلال نزوعه للتفكير السحري يقع فريسة في حياته لمجموعة من الأفكار غير ذات المعنى ولكنه يعجز عن التصرف على غير أساسها، ومن ذلك التشاؤم، والتشاؤم لغة: تفاعلٌ من الشؤم وهو خلاف اليُمن، وأصل هذه الكلمة يدل على الجانب اليسار، ولذا سميت أرض الشام شاما لأنها عن يسار الكعبة، والطيرة لغة: فِعَلَة بالكسر ففتحتين وقد تسكن العين من التطيُّر، وأصل الكلمة واحد يدل على خفة الشيء في الهواء ومن ذلك الطير. والمراد بهما في لسان الشرع: توهُّم وتوقُّع حصول المكروه بمرئي أو معلوم أو مسموع. وأعدك بأن أضع مقالا على نطاق الوسواس القهري عن العلاقة الملحوظة بين التشاؤم والوسوسة فانتظريه.
ومن الناحية المعرفية تجدين أن ديننا واضح في جعله التطير (التشاؤم) من الشرك الأصغر!، يقول ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث:"الطيَرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن: هي التشاؤم بالشيء. وهي مصدر تطيّر، وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك)) أخرجه أحمد والطبراني وصححه الألباني.
معنى ذلك أن ما تسمينه بالخوف من كل جديد إنما يقع ضمن إطار التطير وأن عليك مراجعة مفاهيمك من هذه الناحية لأن هذا أمرٌ يمسُّ العقيدة وأنت تكادين تتعايشين معه دون إدراك أنه لا يصح من مسلمة، ومن الناحية السلوكية فإن لبس الساعة في يدك اليمنى وكذلك أن يكونَ ارتداء النعلين بترتيب معين وإلا فالعواقب وخيمة، كل هذه أفعال قهرية تجنبية Avoidance Compulsions لا معنى لها، وكذلك قيامك من مجلس الفرح إلى آخر ما ظهر هنا وهناك في إجابتك، وأنصحك -إلى أن تعرضي نفسك على طبيب نفسي بأسرع ما تستطيعين- بأن تحاولي تذكير نفسك وردها عن الاستجابة التطيرية بقول ما أوصانا به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك، ولا تهملي الإسراع بالسعي في طلب العلاج، لأننا لا نستطيع تقديمه عبر الإنترنت فلا تأجلي أكثر من ذلك.
وأما موضوع التذكر المرضي للموت فأحسب أنه جزءٌ من الخلطة التوجسية النفسية التي تعيشينها، وفصل قولنا في موضوع تذكر الموت تجدينه في إجابتنا السابقة: الخوف من الموت: بين الطبيعي والمرض، وتزيدين أنت الوسوسة عن صاحبة تلك المشكلة، والوسوسة عادة ما توقع صاحبها في الاكتئاب أو تصحب معها اكتئابا، أو هي أحيانا تعبرُ عن وجوده كل هذه الأمور التي تجمعت عليك أيتها الأخت العزيزة تستدعي منك سرعة الحركة لعرض نفسك على من يساعدك في الخلاص هداك الله وأنتظر منك متابعتنا بالتطورات ولكن بعد أن تنفذي الخطوة الأولى.