السلام عليكم
باختصار، لقد علمت أن زوجتي تستخدم مواقع الشات الإلكتروني في ممارسة ما يسمى بالجنس الإلكتروني. تتحدث كتابة مع أغراب باسم مستعار، وتتجاذب معهم أطراف الحديث. تتبادل عبارات الغزل، وعبارات تصف الجماع بين رجل وامرأة. علمت التفاصيل المؤلمة.
واجهتها واعترفت، وطلبت السماح، ووعدت بأنها لن تلمس الكمبيوتر مرة أخرى. وعلى أي حال فقد غيرت كلمة السر فلن تستطيع استعماله ثانية. وبدا لي أنها ندمت جدا، يبدو أن الفراغ كان عاملا مشجعا، حيث إنها لا تعمل وليس لدينا أولاد بعد، ولكن لم أكن أتصور حدوث هذا منها أبدا.
بعد أن اعترفت توسلت وتذللت كثيرا أن أسامحها وامتنعت عن الطعام خمسة أيام حتى أغمي عليها.
فقد كنت عازما على الطلاق. هي تصلي معظم الأوقات وترتدي الحجاب. ولكني لا أستطيع نسيان ما حدث، وبالكاد أقاوم رغبتي في تطليقها منذ حدث ذلك من ثلاثة أشهر. لم أعد أثق في تصرفاتها أبدا وكلانا يعيش في عذاب مستمر بعد هذه الحادثة.
من شهر ونصف وأنا أفكر ليل نهار. سويعات أشعر بأني أستطيع أن أسامحها، ومعظم الوقت أميل إلى الطلاق. لقد كنا زوجين مثاليين، أحسبها تحبني جدا، وكنت أحبها قبل هذه الواقعة جدا. أنا لا أريد أن أحملكم مسئولية اتخاذ قراري ولكن أبغي حكمتكم ونظرتكم للموضوع بعين الإرشاد. فقد أرهقني التفكير وكان وقع الحادث على عظيما فأصبح تفكيري مشوشا.
لو كانت الخيانة حقيقية لما ترددت لحظة في تطليقها. ولكن هذه خيانة خيالية في معظمها، ولكنها أيضا حقيقية، وتؤدي في أحيان كثيرة إلى الخيانة الحقيقية، ويكفي أنها أبدت استعدادها للخيانة الحقيقية. فمثلها، سعيدة في حياتها الزوجية، تحب زوجها، وتغار كثيرا عليه، فلماذا تفعل ذلك؟!. لقد قرأت كثيرا عمن قلن أو ادعين أن أزواجهن أهملوهن، أو قسوا عليهن. ولكن الأمر في حالتنا ليس كذلك.
كنت أعتقد أن المرأة سوف تنفر من فعل هذه الأشياء إن دعاها بعض الرجال لفعل ذلك إن كانت متزوجة وتحب زوجها، هذا ما أعتقد أنه طبيعي. فقد كانت تخاطب صديقاتها فقط على غرف الشات في أول الأمر. ثم أصبحت تتجاذب الحديث مع أي رجل، فيكفي أن تدخل إلى هذه الغرف باسم فتاه، وألف من يعرض الحديث. حتى إنها كانت تتكلم مع اثنين أو ثلاثة في آن واحد، إن تكلم في الجنس لا بأس، كلام عادي لا بأس، يحاول التعارف لا بأس. يطلب البريد الإلكتروني لا بأس، هي جاهزة ببريد إلكتروني مستعار، حتى إنها أحيانا تتقمص شخصية رجل يبغي علاقة مع رجل آخر ليفعل به عمل قوم لوط من خلال الإنترنت والشات أيضا.
لا أدري هل كان من الممكن أن يتطور هذا العبث الحقير لإعجاب ومن ثم علاقة وتعلق بشاب بعينه، طبعا أقصد عندما تكون تلعب دور الفتاه. ولا حول ولا قوة إلا بالله. أظن أن ملامح نفسية الإنسان لا تتغير. فإن مر الوقت وأمنت عدم اكتشاف أفعالها لفعلتها ثانية. فالطماع طماع دائما، والبخيل بخيل دائما والخائنة خائنة دائما. كل الصفات والطبائع تلازم الإنسان طول عمره. وإن مر شخص واحد بنفس الظروف تماما مرتين لتصرف نفس التصرف.
دائما أرى أن من يفعل فعلة يكررها. صعب جدا أن يتغير أحد. لقد قرأت كثيرا عن قصص خيانة، وبسبب الأولاد يسامح الزوج أو الزوجة لا أدري كيف، وتتكرر الخيانة. ولكن هذه المرة نحن بصدد أمر جلل، ينتشر في البيوت انتشار النار في الهشيم.
كانت الخيانة صعبة سلفا، ولكن الآن خيانة الإنترنت ما أسهلها، تختفي تحت اسم مستعار ولا تخدش حياءها، أقصد نفاقها. إن مواقع الشات لها وقع السحر على بعض الناس. لا أدري ماذا أفعل. هل سأفاجأ بعد أمد طال أو قصر بأنها بدأت تخونني من خلال وسيلة أخرى.
مثلا: يسكن بجانبنا شاب ويدعوها ويضحك عليها فتستجيب،
فقد استجابت من قبل على الإنترنت.
8/12/2021
رد المستشار
تأخرت في الرد عليك يا أخي الكريم، ولو كان الأمر بيدي لتأخرت أكثر لأنني أنا وأنت في موقف لا نحسد عليه. أنت في لجة صدمة مزعجة للغاية تشغل ذهنك، وتؤرقك وتؤذي مشاعرك منذ شهور، وتقف بك على حافة الطلاق، وأنت متردد هل تتقدم على هذا القرار الخطير أم أنه سيكون ظلما وقسوة؟!
وأنا لا أريد أن أقول لك هزلا أو تسطيحا أو تسكينا. فاقد أنت للثقة فيها، وعندك حق، وهي في مأزق إنساني حاد، لو سكتت فالسكوت ضدها، ولو تكلمت فلن تصدقها، ولو اعتذرت أو لم تعتذر فالإدانة نصيبها لأن ما وقع قد وقع، وانتهينا. وأنت أمام وضع ملتبس هو "الخيانة الافتراضية"، وهل يمكن أن تتطور إلى خيانة واقعية أم لا؟!
وأنا أعرف أن فتيات وزوجات كثيرات قد مررن بتجارب مشابهة لما قامت به زوجتك، وقد سترهن الله فأقلع بعضهن، وما زال البعض منهن مستمرا في الاتصال برجال عبر شبكة الإنترنت سرا دون علم أزواجهن أو ذويهن، ولهذا الاتصال درجاته ومستوياته وأغراضه المتنوعة، وأسبابه وخلفياته.
وأنا مثلك ومثل كل إنسان يحاول ألا يفقد صوابه أمام هذا النمط الجديد من الاتصال المذموم الذي قد تذهب إليه المرأة من باب التجريب أو الانتقام أو التعويض أو محض العبث والتسلية، وأنا معك أتطلع إلى أن أسمع من صاحبات هذا الشأن: لماذا يجري ما يجري؟! وكيف؟! وما هو المنطق والتأويل والتبرير لاستخدام الشبكة العنكبوتية في هذا؟!
وحتى يحدث هذا فنعرف أنا وأنت، تعال معي نتأمل:
1- لو أنك حصلت على نصوص لما كانت زوجتك تقوله لهؤلاء الرجال فإنها ستكون فرصة نادرة لمعرفة احتياجاتها التي ربما تستحي من طلبها أو تفتقدها معك ولا تصارحك بذلك، وسيكشف ذلك لك بعضا من المساحات التي لا تعرفها عن زوجتك، ولا تتسرع فتعتقد أن هذه الجوانب هي حقيقة شخصيتها فقط، إنما هي الجوانب غير المعلنة حين تجد في الشبكة وسريتها فرصة لتنطلق دون رقيب أو خوف من المؤاخذة أو حتى الضبط الاجتماعي المتعارف عليه.
2- جيد أن تدرك أنت أن الفراغ كان عاملا مشجعا للشيطان، ولكن هل الفراغ وحده؟!
في معظم حالات العبث الإلكتروني كان الفراغ سببا غير مباشر، ولكن كانت هناك الوحدة بمعناها العميق: فالإنسان يحتاج إلى أن يكون جزءا من مجتمع أو جماعة يتبادل معهم الآراء والمجاملات، وربما الزيارات والحوارات، وأنت في الغربة، في أحوالك ودراستك مشغول، وهي لا تعمل ولا تخرج غالبا إلا لحاجة، أي إنها في عزلة مثل من يعيش ويعمل في بعض المجتمعات العربية التي لا توجد فيها حياة اجتماعية، وغياب الحياة الاجتماعية الطبيعية مقدمة ممتازة للتورط في العلاقات الشبكية، فأين حياتكما وحياتنا الاجتماعية؟!
3- البنية التحتية التقنية متاحة فالحاسوب موجود وخط الإنترنت جاهز، والسرعة فائقة، والعالم عند أطراف الأصابع بضغطة زر، وطالما أن الإمكانيات موجودة فالاستخدامات كلها تصبح متاحة، ودعك من الحديث عن الاستخدام الإيجابي للشبكة أو لكل تقنية الديجيتال فما زلنا نستخدم الإنترنت والفضائيات للإثارة والتسلية أكثر مما نستخدمها في أغراض جادة، والأفضل -في رأيي- الاستغناء عن هذه التقنيات أو تقييد استخدامها ما أمكن، على الأقل.
4- قارن هذا بالبنية التحتية الاجتماعية: أين التجمعات العربية والإسلامية في المهجر؟! وأيها يفيد ويغري بالانضمام؟! بل أين هي في أوطاننا هنا ليختار الناس النزول إليها بدلا من التحليق في العوالم الافتراضية، والسماوات الفضائية؟! أين الدور الاجتماعي للمسجد؟! وأين جماعات الجيران وشبكات التكافل والتواصل والحب في الله بين المسلمات؟!
ألم نعد جميعا نشبه الجرذان التي تتحرك من غرفة مغلقة إلى أخرى مصطحبين معنا "ألعابنا" الإلكترونية لنتصل ونتواصل عبر المحمول أو الإنترنت أو الأطباق اللاقطة؟! أين المجال الاجتماعي العام المفتوح للناس يتقابلون ويتعارفون كما أمر الله سبحانه، وكما يحتاج البشر أصلا؟!
5- إذا كنا أمام بنية جاهزة وحرة ومنطلقة، ودائرة تكفل الخصوصية والفردية والسرية والأمان ولو "نسبيا"، وليس عندنا سواها غير الفراغ، فالبنية الاجتماعية الواقعية أصبحت متخيلة أي منعدمة، ورغم ذلك نتحدث عنها كأنها موجودة، بينما المتخيلة الافتراضية أصبحت هي المتاحة الجاهزة. فما الذي سيعمل فورا، وفي أي اتجاه؟! رغم النوايا الحسنة؟!
6- هل جربت لعبة "الحفلة التنكرية" التي يلعبها الناس على الإنترنت؟!
أية مغامرة وأي فضول واستكشاف ومتعة تحصل للإنسان من وراء هذا التلبيس والكذب الرقمي الجديد؟!
لعبة أقنعة: اختباء وظهور، مراوغة وانتحال، تقمص وتمثيل، وكل هذا في قالب جذاب من تقنية متقدمة، وسرعة في الأداء وخفة في التلاعب؟!
إذا كان لديك وقت واستعداد، وتفتقد لمشروع حياتي كبير يشغل تفكيرك، ويحتكر جهدك، فإن هذه اللعبة ستكون هي الأجمل والأروع من بين الألعاب الموجودة في حياتنا المعاصرة، وهي ما يلعبه الملايين حول العالم، والناس -أقصد المسلمين- في غفلة عن ملابسات الأمر، ومنهم من يبرر تورطه أو يتردد ويتصنع أو يتأول، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
7- صارت التكنولوجيا إذن هي التي تستخدمنا، وأصبحت الأجهزة تستهلكنا، وترسم لنا حياتنا بخرائطها ومرجعياتها، وصارت المرحلة وثورة الاتصالات هي التي تتلاعب بنواصينا، ونحن فرحون بالحاسوب المحمول، والنقال بالكاميرا، وعشرات القنوات الفضائية، وملاين الأجهزة الجديدة، فهل ما زلت تسأل عن التقوى والضمير وسط هذا كله؟!
ضميرنا يقف مثل الطفل الصغير الأبله في محل الألعاب الكبير، أو وسط مدينة الملاهي الإلكترونية، يقف وحده بلا سند من جماعة تنصح أو أسرة ترشد وتعين، وحين تستخدم التكنولوجيا وحيدا فإنها هي التي تستخدمك: تبتلعك أنت وضميرك وأهلك وقيمك وأخلاقك، وتهضمك ثم تلفظك مسخا بلا معالم، فلا أنت غربي مثلهم، ولا أنت عدت كما كنت، فهنيئا لنا وعلينا "منجزات" العصر الجديد؟!
8- ولا ينفصل في حالة زوجتك العام عن الخاص، وأحسب أن علاقتك بها كانت جيدة، ولكن عادية، مثل العلاقة بين أي زوج عربي وزوجته في مهجر ذهبا إليه من أجل دراسة الزوج، أو عمله، وزوجتك في غربتها تسمع وترى وتتأثر وتتغير، فهل حسبت لهذا حسابه؟!
هل دققت وراقبت كلماتها وتصرفاتها وأصغيت بالسمع، وقرون الاستشعار لترصد المتغيرات عليك وعليها أم إنك تحسب -مثل الآخرين غالبا- أنها جاءت من بلدكم "ليلى" -مثلا- وهي كما هي ما تزال ليلى. بنت الخليج؟! في عصرنا الصعب هذا يتغير الناس في أوطانهم وسط التحولات والأجهزة والبث، فما بالك بمن يخرج ليواجه مصادر هذه الرياح في عقر دارها؟!
هل نتركه هو وضميره في مهب هذه الرياح العاتية؟! ثم حين يخطئ تصدمنا سقطته، ونتشتت؟! هل أعني بكلامي هذا أنك المخطئ أو المسئول عن فعلتها؟! اللهم لا.. ولكن كيف كانت علاقتكما من هذه الزاوية؟!
9- هل اللعبة الإلكترونية مثل الواقعية أو مقدمة لها؟!
هل الخيانة الافتراضية يمكن أن تنقلب إلى حقيقية بالضرورة؟!
لا توجد أية صلة حتمية، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، وأنا أردت أن أرسم لك خريطة العمليات، أي المناخ المحيط بفعلة زوجتك التي تؤلمك ويؤلمها اكتشافها، ولعل الخيانة الإلكترونية أو هذه الحفلة التنكرية تكون بديلا عن العبث في عالم الواقع لأن الحياء والضبط الاجتماعي، والرادع الواقعي موجود في الحياة الاجتماعية الحقيقية بينما هو يغيب تماما أو يكاد على الشبكة.
هل أضاءت كلماتي أمامك شيئا؟ هل ستصل إلينا مشاركات جادة تعينك وتعيننا لنفهم بوضوح أكثر، فنقرر قرارا أعدل؟! تذكر أنك إذا طلقتها فستظل تعتقد أنك ظلمتها، ولو أبقيتها فستظل تشك في أمانتها وصدقها، فلا تتسرع، ولكن كن معنا نتشاور لعل الله يفتح علينا وعليك.