صديقنا الثالث
أنا طالب في الصف الثالث الثانوي، عمري 18 عاما، ولي صديق آخر عمره 17 عاما، لنا صديق ثالث عمره 18 عاما، صديقنا الثالث يريد أن يرتكب جريمة الزنا والعياذ بالله لقد حاولنا أنا وصديقي منعه بشتى الوسائل ولكن دون جدوى، ذكرناه أن فعلته حرام بالرغم من أنه يعرف ذلك بل ويستطيع أن يلقي محاضرات عن أضرارها ومساوئها ومدى التحذير الذي وضعه الدين الحنيف من أجل الابتعاد عن هذه الفعلة الشنيعة.
حاولنا أن نذكره كثيرا ولكن دون جدوى من خلال معرفتي به علمت أن له أختا أكبر منه سنا (تقريبا 20 أو 21 عاما) حاولت أن أذكره بأخته وهل يرضي لها ذلك فرد قاطعا نافيا وبكل جزم ثم كرر أنه مصر على الذهاب وفعل الفاحشة وأخذ يقول: هذه مرة واحدة وأقلع بعدها.
سادتي الأفاضل أرجوكم أنجدوني وأرشدوني على الطريقة التي أستطيع بها أن أمنعه من ذلك.
وجزاكم الله خيرا
30/12/2021
رد المستشار
وأنا لم أملك إلا أن أدعو الله كثيرًا أن يحول بين صديقك وبين الفاحشة؛ حتى يصلك الرد، وهو سبحانه قادر على كل شيء، فإن كان قد وقع فيها قبل وصول الرد فأدعو الله أن يغفر لنا وله، وأن يقبل عذرنا، ولعل ردنا يفيد في منعه من تكرار فعلته، لأنه طالما اتبع أول خطوة وراء الشيطان فهو قطعًا سينوي متابعة المسير إلا أن يتغمده الله برحمته وحفظه.
مشكلة صديقك ليست هينة، مشكلته أن قلبه غافل، وكل أجهزة الاستقبال فيه معطلة؛ لذلك فهو لا يسمع شيئا مما تقولون أو يستجيب أو يتأثر بكلامكم، وأنا لست أدري ما الذي أوصله لهذه الحالة، قطعًا هناك سبب أو مجموعة من الأسباب؛ لذلك فإن أول مرحلة في علاجه هي إيقاظ هذا القلب الميت، قبل الحديث عن الحلال والحرام، والبحث عن الأسباب التي أدت لموته، وتتبعها واحدا واحدا.
وعلاجه بالتدريج هل هو تارك الصلاة؟ "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر" هل هو بعيد عن القرآن؟ فالقرآن ضياء وشفاء لمن يقترب منه بقلبه وروحه، ألا يوجد في حياته شخص قدوة شخص قريب أو بعيد، يتمثل به وبأخلاقه؟ هل هناك رفقة سوء؟ هل هناك مشاكل أسرية مدمرة؟ هل هناك ترف زائد أو حياة تسير بلا هدف؟ أين هو من الأشياء التي تحيا بها القلوب، والأشياء التي تموت بها القلوب؟
إذا استطعت أن تتبع هذه الأشياء وتصوغ برنامجا لعلاج هذا القلب الغافل تكون قد نجحت، وإياك أن تنسى الدعاء؛ فالدعاء سلاح المؤمن، وهو يستطيع أن يفعل كل ما لا تستطيعه باقي الوسائل من كتب أو لقاءات أو شرائط كاسيت أو فيديو، وكثيرًا ما يهدي الله القلوب بدعاء المخلصين "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
واسمح لي أن أخاطب صديقك مباشرة، وإما أن يقرأ كلامي بنفسه أو توصله أنت بلسانك عني.
سألت نفسي ما الذي أوصلك إلى هذه الحالة من الغيبوبة التي تجعلك تلقي بنفسك في النار، نار الدنيا ونار الآخرة، والتي تفقدك إرادتك ورشدك وصوابك؛ فتذهب بقدميك للجحيم، رغم أن كل من حولك يحاولون إيقافك وإيقاظك ولا فائدة. سألت نفسي ما هو سر هذه الغيبوبة؟ فلم أجد إلا إجابة واحدة: وهي أنك في حالة فرار من الله.
لماذا تفر من الله، لماذا تهرب من مواجهته؟ لماذا لا تحبه مع أنه هو يحبك؟ لماذا لا تقبل عليه مع أنه هو مقبل عليك ويرسل لك أصدقاء طيبين يدعونك للخير؟ عندما أقول لك كلمة الله ماذا تعني هذه الكلمة بالنسبة لك؟ هل تشعر تجاهها بأي درجة من درجات الود أو الحنين؟ أم تشعر بالفتور؟ أم تشعر بالغيظ، أم تشعر بلا شيء؟.
هل الله من وجهة نظرك هو المصدر الذي يحرم الأشياء ويضع حواجز بيننا وبين السعادة، ويهددنا إذا لم نلتزم بالأوامر؟ فإن جهنم في انتظارنا وبئس المصير، هل أنت ساخط من داخلك ولكنك لا تستطيع أن تظهر سخطك؛ لأنه هو (الإله) وأنت بالطبع لست كافرا.
فتكتفي بالفرار منه، وتظل تفر وتفر، وتصور لك نفسك أن هذا الفرار مؤقت، فتقول سأفعل الفاحشة مرة واحدة ثم أتوقف... أنت واهم؛ فأنت إذا دخلت هذه الدائرة دائرة الفرار ستكرر الفاحشة هذه أو غيرها مرات ومرات، ولن تخرج منها إلا إلى المصير الأسود.
لماذا لا تحب الله مع أنه هو يحبك؟ إذا كنت لا تصدقني أنا، فهل تصدقه هو سبحانه عندما يتحدث عن ذاته فيقول: "ولا يرضى لعباده الكفر" ويدعو الناس جميعا إليه بقوله: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، و"سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض"؟ .. الله سبحانه وتعالى يدعونا لنتوجه إليه بقلوبنا؛ فنجد عنده كل شيء ونجد غفرانا لذنوبنا، ونجد خيرا وحياة طيبة، ونجد عونا على مشقة الحياة ونضع بين يديه همومنا وكروبنا وأحلامنا، ونفر إليه كما أمرنا هو سبحانه وتعالى فقال: "ففروا إلى الله" وأنت تفعل العكس تفر من الله؟.
إذا كنت لا تعرف الله فيجب أن تتعلم كيف تعرفه.. فهذه مصيبة كبرى، هل تريد معرفته؟ انظر إلى الكون حولك، انظر إلى آيات الله في نفسك فسبحان من خلق فأبدع، وأعطاك الصحة والشباب والقوة التي تستخدمها فيما يغضبه، "وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" .. انظر إلى آيات الله من حولك ستجد الكون كله ينطق ويقول: "ءإله مع الله؟"؛ فترد أنت دون أن تشعر: لا إله إلا الله.
توضأ وضوء المحبين لله، وأمسك بالمصحف واقرأ كلام الله ورسالته للبشر.. اقرأ بقلبك ستجد فيه النور، والهداية، اقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان القدوة وليس فقط المشرع الذي يحرم ويبيح، هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبك؟ ماذا ستقول له إذا تخيلنا أنه رآك وأنت تفعل فعلتك، هل سيشفع لك مع باقي المسلمين أم سيتبرأ منك، ومن عملك؟.
إذا كنت لا تعرف عن الله سوى الحرام والحلال والتشريعات؛ فأنت مسكين إذا لم يكن بين قلبك وبين الله حديث ومناجاة وشكوى ودعاء؛ فأنت أيضا مسكين.
إن الله يفرح لتوبتك إذا تبت، ويحبك ويقبل عليك ويدعوك إليه، وهو (صبور) إلى أقصى درجة، ولكن إذا أصررت على الفرار منه وأصررت على معصيتك فسيكون قد حق عليك الغضب عندئذ.
والله هو الودود الرحيم الغفور الحليم مع من يتوب ويعود ويتوقف عن الفرار، وهو أيضا المنتقم الجبار، مع من يصر على الفرار، بما ينتقم منك بزوال نعمة الصحة التي تعصاه بها وليس الإيدز أو السيلان أو الزهري ببعيد، أو ربما ينتقم منك في أختك أو أمك أو زوجتك في المستقبل، وهو لن ينتقم منك كراهية لك؛ فهو لا يكرهك، ولكن أنت الذي تكره نفسك، وإنما سينتقم منك حتى لا تصبح الحياة فوضى؛ فالكون له مالك ومدبر ولا يسير عبثا، فتخيل مثلا أن شخصا فعل ذلك مع زوجتك أو أمك وتركه الله بغير انتقام.. شفقة ورحمة به، فهل هذا سيرضيك؟ الرحمة والشفقة لها حدود.
وأكرر السؤال للمرة الأخيرة: ما هو سر هذه الغيبوبة؟ هل تعتقد أنك أضعف من أن تتحمل التكاليف والأوامر التي أمرك الله بها. أقول لك أنت واهم، أنت لست ضعيفا.. أنت بداخلك طاقة الإنسان العملاقة التي جعلته جديرا بأن يكون خليفة الله في الأرض؛ فأسجد له الملائكة.. أنت قادر بعون الله على الاستجابة لأوامر الله، والشيطان يصور لك أنك لا تستطيع، وصدقني هذا كذب، لو كنت غير قادر لما كلفك الله؛ لأن الله لا يكلفنا إلا بما يعلم أننا قادرون عليه.
وإذا كنت أضعف من أداء أوامر الله؛ فهل أنت قوي تتحمل ضريبة عدم أدائها، هل تستطيع أن تتحمل الإيدز أو السيلان؟
هل تستطيع أن تتحمل الوحشة والبعد عن الله؟ أو تتحمل نظرة المجتمع لك إذا انكشف أمرك؟ أي الحملين أثقل أداء الأوامر أم عدم أدائها؟
والسؤال الأخير: هل تعلم ما هي مصيبة الطرد من رحمة الله؟ المصيبة الكبرى هي أنك لا تعلم متى ستموت، ربما تموت حالاً وأنت تقرأ هذه الكلمات، وربما تموت وأنت تفعل الفاحشة، والمرء يبعث على الحال التي مات عليها، عندئذ تقول: "يا ليتني لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه".
أدعوك أن تعرف الله وتقف أمامه في صلاتك، وتقترب منه وتزيل الوحشة التي بينك وبينه، وإذا كنت فعلت الفاحشة مرة فلا تبتئس (إن الله يغفر الذنوب جميعًا)، إذا رأى منك ندمًا عزمًا على التوبة، حاول أن تعف نفسك بالزواج إن كان متاحًا في أقرب وقت، وإلا فعليك أن تتجنب المثيرات وتشغل نفسك بالأنشطة الطيبة وتحضر حلقات الذكر، وتتمسك بصديقيك الوفيين وتصارحهما بالحقيقة فهما خير ناصح قد وفّى لك (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)