أنا فتاة، عمري 27 سنة، قصتي تبدأ منذ أن كنت في الخامسة، حيث كان أخي المراهق (15 سنة ساعتها) يتحرش بي، واستمر ذلك حتى دخلت المدرسة، وبعدها توقف عن استغلالي وانتقل لشقيقتي الثانية.. ما زلتُ أشعر بالذنب؛ لأني كنت أصغر وأضعف من أن أحميها.. توفي أبي وأنا على مشارف المراهقة، أصبت بعدها بوسواس قهري (وسواس في النظافة والصلاة)، تزوج أخي والتزم وظننت أن القدر سيبتسم لنا مجددا لكنه عاد وتحرش بإحدى شقيقاتي، وكان عمرها 12 سنة عندما سنحت له الفرصة.
وعندما أصبحت شقيقتي في 14 من عمرها تحرش بها عمي أثناء زيارته لنا، حيث إنه يسكن في مدينة أخرى فقد ظننا للحظة بأنه سيعوضنا عن حنان والدنا.. وعندما كشف أمره أنكر ثم زعم أنها استدرجته وأنه اعتدى عليها من الخلف ولم يؤذ بكارتها.. انتهى الأمر وكأن شيئا لم يكن.. عاودني الشعور بالذنب بعد أن فتر زمنا؛ لأني لم أحم شقيقتي الثانية أيضا برغم أني شعرت بأن عمي ليس أهلا للثقة، لكني تجاهلت هذا الشعور كان يجب أن أفعل شيئا لمنعه، كان يجب أن أتعلم الدرس وألا أثق بأي رجل.
الآن تعرفت على رجل في الستين عن طريق النت رأيت فيه الأب، ولكن للأسف هو لم ينظر إلي كابنة، المهم استمرت علاقتي بصديقي المسن، تفصل بيننا حدود جغرافية وسياسية في الواقع، أما في عالم الخيال فأنا أنام بين أحضانه كل ليلة.. رأيت في صداقته تعويضًا لمشاعر الأبوة التي فقدتُها عندما كنت في أمس الحاجة لها، لكن للأسف لقد كان في النهار صديقا وأبا مثاليا، وفي الليل ينقلب الحال ويصبح شخصا آخر لا أعرفه يتحدث بطريقة غريبة يركز على الجنس يحاول أن يوقظ فيّ أحاسيس كانت نائمة وينشط عواطف كانت كامنة يريني صورا ومقاطع مخلة في البداية كنت أصدم وأنسحب وأحتد وأغضب وأقاطع، ولكن مع مرور الوقت وتوثق العلاقة وبالتدريج البطيء جدا كنت أتقبل بصمت.
وكل مرة كان الفضول يجعلني أبقى لفترة أطول لأرى إلى أين يصل؟ في البداية كنت أشفق عليه، ثم وصلت لمرحلة كان لا بد أن أشفق فيها على نفسي، لقد وصلت لمرحلة كنت أتجاوب فيها معه، أدمنت الحديث معه، مع أنه كان كتابيا، لكني بعد ذلك أشعر بالذنب، وأجلد نفسي حتى تظهر الكدمات على أجزاء من جسمي.
أشعر بالراحة عندما أرى جسمي مشوها، لكن الألم يصبح شديدًا في الأيام التالية، ويصبح حتى السير والاستلقاء مؤلما.. دخلت في دوامة العزوف عن الزواج، كره الرجال، ممارسة العادة السرية، ثم التلذذ بتعذيب الذات، ولا أعرف إن كنت سأتخلص من هذا، وأصبح فتاة طبيعية؟
24/10/2022
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الكريمة "سارة" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد،،،
أهلا وسهلا بك على موقعك، نشكرك على تواصلك معنا، و ثقتك في شبكتنا
بداية، والله لا أدْري بِمَ أفتتِح الحديث؟! وبم أستهلُّ الكلام حولَ تلك المُصيبة التي ابتُلينا بها، وهذا الهمُّ الذي صار شبحه يُخيِّم على حياةِ الكثير مِن الفتيات البَريئات الطاهِرات ويؤرِّق ليلهنَّ ويكدِّر نهارهنَّ، الا وهو التحرش الجنسي بجميع صوره ووسائله، والذي حول حياة الفتيات إلى سلسلة مِن عذابات لا تَنتهي، وأيامهنَّ إلى رِحلة من أحزان لا تَختفي، ولياليهنَّ أشد سوادًا من ليل القفار الموحشة، فلا شيءَ يَعدِل الألَم الذي تشعُر به الفتاة إذا ما تعرضت إلى الاغتصاب أو تحرُّش المحارم؛ فكلاهما من أشدِّ الصدمات التي تتعرَّض لها الفتاة؛ لما يحويانه من الآم جسديَّة، واختراق لخصوصيَّتها، وفوق كلِّ ذلك تهديد أمْنها، وفِقداناَ لثقتها بالمقرَّبين منها
أتساءل يا عزيزتي: أين والدتك؟! لم تذكريها لي في رسالتك، أين هي من ما تعرضتي له أنتي و أخواتك الفتيات من تحرش من أخيكم!!؟ فما أكثرَ المصائبَ الناتجة مِن إهمال الأمهات وإغفالهن دَورَهن الفعَّال في تربية بناتهن، والتقرب إليهنَّ في وقتٍ أشد ما تكون الفتاة فيه ضعيفةً قلقة مِن كل ما حولها ، فماذا دهاكُنَّ أيتها الأمهات الفضليات؟! أين أنتُنَّ من تلك الأمانات!؟ أيضا ، أين والدك – رحمه الله – من ما حدث لك في الطفولة!؟ ولماذا لم تصارحيه بما تعرضتي له من أخيكي، فلعل هذه المصارحة كانت كفيلة بأن يقوم بإعادة تقويم أخيكي، ودرء خطره عنك وعن أخوتك الفتيات، فقد يكون هذا الأخ هو أيضا ضحية لحادثة تحرش، وقد يكون مدمنا على مشاهدة الأفلام الجنسية منذ الصغر من ما زاد من غريزته الجنسية اتجاه إخوته الفتيات، وفي جميع الأحوال معرفة والدك بالأمر كانت ستحميكي وتحمي أخواتك الصغيرات من شروره.
لا أملك إلا أن أقول سامَح الله الأهل الذين يَغفلون عن أطفالهم ومشاعرهم، وما يمرُّون به، ويَعجِزون عن تقديم الحماية والرعاية لهم؛ لكن لعلَّه الجهل الذي يُعانونه حول هذه الأمور، وكذلك الجهل بضرورة تعليم الأبناء أهمية المصارحة والمكاشفة لكل ما يتعرضون له بعيدا عن أعينهم، خاصة إذا كان هذا الذي يتعرضون له يهدد أمنهم وخصوصيتهم وسلامهم النفسي
ابنتي الكريمة: لقد اخْتَصَرت بداية الطريق الآن بمواجهتك لبداية المشكلة، وبإدراكك – بأنَّك وأخواتك الفتيات – كنتن ضحيَّة لتعدٍّ غير مُسوَّغ من أخ خبيث، وقريبٍ أُعْطِي ثقةً ما كان يستحقها، لكن ماذا عن ما تعرضت له في الكبر وعلاقتك بهذا الصديق العجوز!؟ فتعرُّضكِ - يا عزيزتي - للتحرُّش الإلكتروني بالطريقة التي وصفتيها في رسالتك تشير إلى خلوتكِ بمفردكِ مع مَن قام بهذا الفعل، وهو لا شكَّ أمرٌ مرفوضٌ شرعًا، كما أنه مرفوضٌ على مستوى التقاليد والأعراف التي تتعلَّمها الفتاةُ منذ نعومة أظفارها،؛ لأنَّ المجتمع كله يتبنى هذا المبدأ، كما أنك أعطيتيه الفرصه ليتمادى معك، والتزمتي الصمت، ولم تغلقي باب الشيطان منذ البداية، ومن ثَمَّ فلا يوجد أي مُبَرِّر يُفسِّر ذلك، وما بالكِ بتَكرار الأمر لأكثر مِن مرة خلال فترة تعارفكما حتى أصبح ما يعرضه عليك مألوفا لك، بل وتطور الأمر إلى ممارسة العادة السرية، وتخيل النوم في أحضانه!؟ في هذه الحالة ليس مِن الصواب أن نلقي باللوم على هذا الصديق العجوز فقط؛ لأنَّ قبولكِ بالخلوة معه، وبما يعرضه عليك، واستجابتك له لا يقبل إلا تفسيرًا واحدًا
وإني - يا عزيزتي - إذ أضَعُ الخطوط تحت الأفكار والسلوكيات الخاطئة التي بدرتْ منكِ، فليس من باب التوبيخ - معاذ الله تعالى - بل لأجْلِ دفْعكِ نحو إعادة التفكير في أساليبها وتبيُّنكِ منها، واكتشافكِ مكامِن الخطأ فيها؛ لتعزمي بعدها على فتْحِ صفحةٍ جديدةٍ مع شخصية سويَّة ومتَّزنة تتسمين بها - بإذن الله تعالى - ولكي يتحقَّق ذلك فلا بدَّ لكِ أولا مِن الكفِّ والامتناع عن مشاعر توبيخ النفس عمَّا صدر منكِ، واستبدلي بها الإيمان بأن كلَّ ابنِ آدم خطَّاء، واعزمي على أن تكوني مِن خير الخطَّائين بصِدْق توبتكِ، فعدم الرِّضا عن الذات وجلْدها يُمكن استشفافه مِن سِياق رسالتكِ، وهو ما يتسبَّب في نوبات الانفعال المتطرِّف لديك، وجلد ذاتك حتى تظهر الكدمات على جسمك.
فلَوْمُ الذات على ارتكاب الخطأ يُعَدُّ أمرًا مهمًّا؛ لأنه يدفع بصاحبه إلى التصحيح ونبْذِ الخطأ، لكن جلدها يُضعفُ الثقة بالنفس، ويزيد مِن عدم الرضا، ويقود إلى اليأس من رحمة الله تعالى والعياذ به عز وجل ... ابنتي الكريمة: لا شك أن التجربة القاسية التي مَرَرْتِ بها كانت كفيلة بأن تجعلك تعانين نقصًا حادًّا في الثقة بالنفس سببُه أولئك الذِّئاب، وبإفْقادك الثقةَ فيمَن حولك من رجال، و الدخول في دوامة العزوف عن الزواج، والتعرض للإصابة بالاضطرابات النفسية والسلوكية، وهذا أمرٌ شائعٌ عند كلِّ مَن تعرَّض لتحرُّش واعتداءٍ.
تَحتاجين إلى أن تُتابعي مراحلَ علاجٍ عند استشاريَّة نفسانيَّة، تُعينك باحترافية من خلال الجلسات العلاجية على التخلُّص من رواسب الماضي وآثارها، وتساعدك على بناء الثقة في النفس وترميم ما تهدم منها، وتسهل عليك معرفة الطرق السليمة لتنظيم مشاعرك حتى لا تؤذي نفسك أو تستمتعي بالعذاب، لاسيما بعد ما تعرضتي له من أنواع التحرش الجنسي المختلفة، فلا تكفي رسالة عن بُعدٍ لعلاج حالتك للأسف؛ لأنَّ مراحل العلاج تتضمَّن خُطوات يجب أن تكون متتابعةً وبإشراف مباشرٍ، لذلك، عليك الذَّهاب إلى مركز استشارات، والمتابعة معه لتبدئي أولى مراحل التعافي وتخفيفَ آثار الأزمة، والذهاب للمختصات النفسيَّات هذه الأيامَ بات أمرًا عاديًّا وطبيعيًّا في مجتمعاتنا، وهذا يدلُّ على وعي وإدراك - ولله الحمد – وستكون أولى خطوات العلاج – بإذن الله – في الامتناع منعًا نهائيًّا من الالْتقاء بهذا الصديق الخبيث ، فهذه هي الخطوة الأولى، ابذُلي من أجلها كلَّ الأسباب والوسائل التي تناسبك مهما تعرضتي للآلام، ولا تليني في هذا الجانب أبداً
أخيرًا: تعليق صغير على كرهك للرجال وعزوفك عن الزواج بسبب ما تعرضتي له من تحرش، فالحقيقة أنَّه لا يوجد مستحيلٌ واحد ولا عَقبة واحدة أمامَ الزواج، وإنْ كنتِ تظنِّين أنَّ ما حدَث يُعدُّ من موانع الزواج فقد جانبكِ الصواب! كم مِن فتاة وقعتْ ضحيةً لذئاب وحيَّات مِن أخبث ما يكون، ثم مَنَّ الله عليها وأكرمها بزوْجٍ صالح، وبدأت معه حياةً طيبة صافية نائية عن عالَم الافتراس الذي لا يعرِفَ الرحمة ولا يَدري ما الشفقة!
اجعلي أملَكِ في الله كبيرًا، ثقي في الله، وتقرَّبي إليه بالنوافل، ولا ترْفُضي عرضًا مناسبا للزواج يأتيكِ لاسيما إذا أتممتي علاجك ، لكن إيَّاكِ أن تُحدِّثي بما كان؛ فسيذهَب الماضي بمساوئه ولن يعود، وسيقبَل الحاضر بمسرَّاته - بإذن الله - فأقْبِلي عليه واستبشري
ابنتي الكريمة : لا تَيئسي مِن لطف ربِّكِ، وتمسَّكي بإيمانكِ ويقينكِ، ابدئي مِن الآن رحلةَ العلاج، والعلاج سيجدي – بعونِ الله – مع وجود الإرادة والوعي، والمتابعة منك، وكما يقولون إذا كان هناك إرادة فهناك طريق، ولا تَقلقي، فحالتك لها علاجٌ - بإذن الله