هموم فتاة حائرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أبدأ رسالتي بشكركم يا سادتي لجهودكم الجبارة ودأبكم على توعية الشباب والشابات، ومساعدتهم على ترتيب أولوياتهم، والشكر كل الشكر لإيجاد مرجعية حكيمة أمينة وواعية بأمور الدين ليلجأ إليها الشباب عندما تستعصي عليهم المشاكل. أنا أعرف أن مشكلتي أيها السادة ربما تكون لها عدة جوانب، ولكنني واثقة من رجاحة عقولكم.
أنا شابة عمري واحد وعشرون عاما، مقبلة على عامي الجامعي الأخير، لا أقول ملتزمة ولا متدينة؛ لأنني لم أعد أدري ما المعيار للدين والالتزام هذه الأيام وبماذا يقاس، ولكنني -والحمد لله- أصلي خمسي، وأقرأ القرآن على قدر استطاعتي، وأرتدي الحجاب.
لن أكذب عليكم وأقول إنني لا أستمع للغناء مطلقا، بل أحب الاستماع إلى أغنية رومانسية بين الوقت والآخر، أو إلى أخرى وطنية أو أجنبية، ولكنني أستمع أيضا إلى النشيد الإسلامي والمناجاة، وأشاهد الدراما والبرامج الدينية والوثائقية والعلمية بحدود ساعتين في الأسبوع، وأذكر الله بالتسبيح والاستغفار، وأقرأ الكتب الدينية أحيانا، ولكنني في أحيان أخرى أكون متعبة من الدراسة والتدريب والعمل المنزلي والواجبات الاجتماعية فأخلد إلى النوم أو الراحة.
أنا متفوقة -والحمد لله- في دراستي، وعلى قدر مقبول من الجمال، ونشيطة في العمل، ومحبوبة جدا على مستوى الكلية بأكملها، قد تقولون يا سادتي ما المشكلة؟ أقول لكم إن المشكلة من شقين؛ الأول هو أنني كنت خجولة في سنتي الأولى من الجامعة، وكنت أمتنع عن مخاطبة أي شاب، فقد كنت أخشى الحرام، ولكن مع تعمقنا في مواد التخصص واجتماعنا معا في جميع المواد والمحاضرات، وعملنا جنبا إلى جنب في مختبرات الجامعة، وبعد كل ما اجتزناه معا من الامتحانات النظرية والعملية والأوقات المفرحة والمحزنة والمشحونة بالضغط تارة وبالراحة تارة أخرى، وبعد أداء ما علينا من ساعات لخدمة المجتمع، والنشاطات والمسابقات والمؤتمرات التي اشتركنا في تنظيمها سويا، زاد احتكاكي بهم كثيرا، وتوطدت علاقتي بالشباب من دفعتي والشابات على السواء.
مشكلتي يا سادتي أنني أعيش صراعا في نفسي، فالأهل والفقهاء والمجتمع بأكمله يفتي بعدم جواز التعامل غير الرسمي أو العفوي مع الجنس الآخر، وأنا من جهة أخرى لم أستطع أن أحصر علاقتي بهم في إطار (السلام عليكم وعليكم السلام) و(ضع هذا) و(هات ذاك)، فقد حاولت أكثر من مرة تجنبهم، ولكن احتكاكي بهم لساعات طويلة في الجامعة قد تمتد حتى السادسة مساء بحكم محاضرات المختبر الطويلة والمتأخرة، والأنشطة التي كانت تستغرق عطل أواخر الأسبوع، قد جعلت من محاولاتي صعبة للغاية.
أنا يا سادتي أتمزق من الداخل، فأنا أحس أن ما أفعله حرام بحكم الدين والعرف والمجتمع، ومن جهة أخرى أرى عقلي وواقعي يفرض علي هذا، فأنا أحتك بهم طويلا، وأنا اجتماعية للغاية، كما أنني كإنسان أريد أن أحقق أكثر من التفوق الدراسي، أريد أن أعبر عن رأيي، وأن أنمي علاقاتي مع أبناء وأساتذة تخصصي، وأن أسمع العالم أفكاري، وأن ألهم الناس وآخذ منهم وأعطيهم وأتبادل الأفكار معهم، وأن أعرف، وأكون معروفة، وأن تكون لي بصمة فأتذكر، وقد نجحت في هذا والحمد لله، فالجميع يعرفني ويحترمني ويطلب مساعدتي ومشاركتي في المسابقات والنشاطات والأبحاث العلمية، فهل أنا ملتزمة أم متفلتة؟
مع العلم أن كلامي لم يكن فيه "دلع ومياعة" أو ألفاظ خادشة للحياء، وأنني أرتدي الزي الشرعي، ولم أضع يوما الأصباغ والدهانات عندما أخرج، فكل ما أردته هو أن أبرز كإنسان لا كأنثى.
الشق الآخر من مشكلتي هي أن شابا من دفعتي قد أعجب بي، أقصد إعجابا يتضمن العاطفة والمواصفات، وفاتحني أنه يريد التقدم لخطبتي، وأنا لا أخفيكم أنني بادلته الإعجاب، الشاب من مدينة أخرى غير مدينتنا، وأنا أعرف أنني سأواجه صعوبة في السؤال عنه وعن أهله، ولكنني سأبذل جهدي في محاولة السؤال عنهم من خلال أهل بلدهم في الجامعة، وسأبذل جهدي في محاولة التعرف عليهم وعلى طباعهم حين يحين الوقت، كما أنني قد أسأل معارفي الذين تزوجوا من مدن أخرى عن تجاربهم.
لقد فاتحت أمي مبدئيا في الموضوع، فأبي متوفى منذ ست سنوات، وبسبب وفاته عدنا من الخليج إلى وطننا الأم، فرأيت أن أفكر في مواصفات الشاب في الوقت الباقي، فإن رأيت أنه مناسب، فله أن يتقدم بعد انتهاء السنة، وإن رأيت عكس ذلك أن أرفضه، وقد أبلغته فعلا بذلك.
هذا الشاب يصلي خمسه ويصوم شهره ويحب أهله، وهم يريدون تزويجه فهو وحيدهم، كما أنه على الرغم من حركتي المتواصلة في الكلية وإعجابه بي، لم ينظر إلي يوما خلال مجيئي وذهابي، ولم يتلفظ بأي كلمة من كلمات الحب حياء وخوفا من الحرام، ولم أخرج يوما بصحبته، ولم نجلس يوما في خلوة، حتى مفاتحته لي بالخطبة كانت في حرم الجامعة وبين الناس، وليس عندي رقم هاتفه، ولكنه أعطاني رقم هاتف أخته لأصل لها الرد، وأخيرا فليس له مشاكل في الجامعة، ويحاول مساعدة الآخرين قدر استطاعته.
وعلى الرغم من أن الموضوع لن يتم بشكل رسمي قبل فصلين دراسيين أحدهما سنتم فيه الدراسة، والآخر سنتم فيه التدريب كل في مستشفيات مدينته، إلا أنني أعرف أن أمي غالبا ستعترض عليه لكونه ليس من الشباب المداومين على زيارة المساجد، كما أنه مثلي يحب سماع أغنية من وقت لآخر، فهي ترى أنه تقدم لي مهندسون وأكثر تدينا منه، فكان من الحري بي أن أوافق على أحد منهم بدلا منه. كثير من صديقاتي يعانون المشكلة ذاتها، فقد تقدم لهن شبان يؤدون الفرائض ومؤدبون في التعامل مع الناس، وقد ارتاحت أنفس صديقاتي لهم، ولكن أهاليهن يرفضون؛ لأن هؤلاء الشباب لهم بعض الهفوات، وربما يرتكبون الصغائر التي باعتقادهم تنافي التدين والالتزام، ولأن هناك من هو أعلى منزلة اجتماعية وتعليمية خطبوهن من قبل..
ماذا ترون يا سادتي؟ هل أنا ملتزمة أم متفلتة؟ وهل الشاب الذي أريد ملتزم أم متفلت؟ هل هو ممن نرضى دينهم وخلقهم؟
إن كان كذلك فكيف سأقنع أهلي به؟ وما هو المقياس للالتزام والصلاح؟
وأخيرا آسفة على الإطالة وتواضع اللغة،
وأرجو أن تكون الفكرة قد وصلت، والسلام عليكم.
08/11/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا ومرحبا بكِ "حنان"، على موقعكم موقع مجانين.
اللهم افتح لنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وصل اللهم على سيد الكونين والثقلين آمين...
أما بعد:
أبدأ إجابتي لكِ من سؤالك عن حدود العلاقة بين الشاب والفتاة داخل إطار العمل، وما أشبه ذلك، وأودُّ أن أُعلمكِ أن إجابتي ليست فتوى، وإنما هي إجابة سألتُ فيها مشايخي من قبل لأجل نفسي، ولأجل أن أعرف الحكم أيضا، فهل مجرد العلاقة بين الرجل والمرأة يُعني مخالفة شرعية أم لا؟، وكان الجوابُ:- لا، ليس مجرد العلاقة يعني مخالفة شرعية، وإنما يجب أن تتحلى العلاقة بضوابط يعلمها الطرفين حتى لا تكون بداية خطوة من خطوات الشيطان.
التعامل الملتزم بالضوابط لا شيء فيه، مثلا:- فيم يتعلق بالمرأة... ١-أن تتعامل بحزم، لا تميل ولا تميع.
٢- أن تتحدث بقدر الحاجة ولا يتفرع الحديث إلى غير الحاجة.
٣- في مكان العمل مثلا أو الجامعة، أو أيا كان ... يكون الحديث أمام الجميع، بمعنى ألا يكون هناك بين الطرفين حديث خاص بمعنى "أسرار" ... لأن هذه النقطة قد تنقل العلاقة إلى شيء آخر.
٤- ألا يغلق الباب عليهم حتى لو بنية أخرى، كأن نقول أسرار مثلا... فالأسرار كما في النقطة السابقة بين الطرفين... مخالفة للضوابط.
٥- المقصد من كل ذلك... أن تكون طبيعة العلاقة واضحة أمام الجميع، وفي إطار معين يفرضه طبيعة العمل مثلا .. أو الجامعة... وكل إنسان يعرف نفسه من داخله... لذلك الرقابة الداخلية لها دور كذلك في هذا الأمر.
٦- وإن حدث وصار مشاعر أخرى يجب أن يأخذ ذلك أيضا مجرى بحيث يوضع في محله، فيجب أن يعرف الجميع بذلك حتى نحفظ المشاعر الداخلية من الشعور بأننا نفعل شيئا خطئا.
* بالنسبة لكِ:-
فأنت بإذن الله تعالى على خير ما دمتِ تتحرين الحلال والحرام، وتبحثين عن ذلك بكل جهد، وبالنسبة لنقطة الأغاني، التي من قبيل اللهو، فما دام الإنسانُ عالما بأن ذلك غير جائز، ويحاسبُ نفسه على ذلك... فهو أيضا على خير، من منا مثالي بهذه الدرجة، جميعنا نجتهد قدر المستطاع لنكون في صفوف الالتزام ... اللهم آمين، لكن لا يعني ذلك أبدا أن نشد الحبل على أنفسنا تجاه الهانات أو الأخطاء التي تقع... بحيث نصل بذلك إلى معنى من معاني القهر والضغط ... فأجد نفسي منضغطا من الدين وبعد وقت ربما نافر منه... (حفظ الله الجميع)، لنبق في دوائر الاتزان ... لا نشد على أنفسنا فالإنسان مجبول على الخطأ، حتى يعود ويحاسب نفسه ويستغفر.. ولا ننساب أيضا مع الأخطاء بحيث يحدث استمراء لها... نبقى هكذا... كلما أخطأنا، رجِعنا وعقدنا العزم على ألا نعود، واستغفرنا، وإن عدنا للخطأ... نعود من جديد على عقد العزم على عدم العودة للخطأ والاستغفار. "ولا يمل الله حتى تملُّ" هكذا قال سيدنا الحبيب للرجل حين سأله عن الذنوب، المهم في قضية الأخطاء ألا يدخل الإنسان منطقة الراحة تجاه أخطائه بحيث لا تحرك ضميره ولا تعود توخذ في مكامن نفسه..، فما دام هو في منطقة عدم الراحة تجاه أخطائه ويستغفر كلما أذنب. فهو على خير بإذن الله.
* بالنسبة للشاب:- إن كان كما وصفتِ، فما دام يصلي فروضه، فهو أيضا على خير بإذن الله، وأنا الهفوات والزلات فصارت واضحة في النقاط الأعلى من الإجابة على الاستشارة.
* كيف تقنعين أهلك به:-
لا شك بالحديث معهم بلطف، وود... وإخبارهم بأن لك غرضا في ذلك .. وميلا إليه، والتحدث عن نقطة الهفوات كما تحدثنا.
كذلك يمكنك الاستعانة بالدعاء، لكن قبل ذلك... صل استخارة في شأنكما.. وما ييسره الله جل وعلا بعد الأخذ بالأسباب هو الخير بإذن الله تعالى... أبشري.
- وفقك الله تعالى وفتح لك، وهداك سبل الرشاد لما ينفعك في الدنيا والآخرة، آمين.
-في انتظار المزيد من المشاركات بإذن الله.
- دمت سالمة