حائر بين الهجرة ورعاية أمي
السلام عليكم، أنا عمري 31 سنة، أعزب، وأشتغل بموظف هزيل لا يضمن لي مستقبلا آمنا، حاليا أنا مقبل على الهجرة لبلد أوروبي للاشتغال وتحسين وضعي المادي . مشكلتي هي أنني شديد التعلق بوالداي وخصوصا أمي لأني دائما بقربها أرعاها وأخرج للتنزه معها والترفيه عنها وأقضي حاجاتها وأسافر برفقتها، أحاول دائما تعويضها لأن والدي وإخوتي الأخ الأكبر والأصغر لا يقضون معها وقتا كافيا بالرغم من عيشهم معنا في نفس المنزل.
أنا أخاف أن تعاني أمي من الوحدة في حال هاجرت للعمل أخاف أن تحس أمي بالملل والضجر والوحدة في سفري وبعدي أعاني أيضا من وسواس فقد أمي لأني لن أتحمل العيش بدونها إن توفاها الله يوما ... تأتيني أفكار ووساوس عن موتها وأتخيل المنزل من دونها كيف سيكون مظلما وقاتما وموحشا ومهجورا ... أنا أخاف فكرة موت أمي لدرجة الجنون ولا أتخيل حياتي بعدها، بل وأصبحت أشاهد مقاطع فيديوعن فقد الأم أشاهد هذه المقاطع وأجهش بالبكاء وأعيش دور شخص فقد أمه. حتى أنني زرت طبيب نفساني من أجل التخفيف من هذه الأفكار لكي أتمكن من المضي قدما في حياتي.
وضعنا المادي مستقر وأبي متقاعد ولديه معاش جيد يكفي لسد حاجيات المنزل والعيش الكريم، كذلك أخواي يشتغلان بمرتبات محترمة هم أفضل حالا مني. يعني أنا أخاف على أمي فقط من الجانب النفسي وليس المادي والاقتصادي علما أنني أحاول جاهدا نيل رضاها وأشتري لها كل ما تحتاجه وأوفر لها كل ما تشتهي نفسها طمعا في رضاها عني لأنها هي دنيتي كلها.
أتمنى من حضراتكم أن تنصحوني وترشدوني إلى ما يتوجب علي فعله في هذه الحالة كي أعيش مرتاح الضمير
وشكرا
11/11/2022
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لك في برك بوالدتك وجعله في ميزانك يوم الدين. تبر والدتك حبا بها وليس تدينا وهذا لا ينقص أجرك إن شاء الله. تنبع حيرتك الحالية من شكل من الاضطرابات النفسية وهو قلق Attachment disorder أو اضطراب التعلق، وهو شائع لدى الأطفال ويتم تجاوزه بتوازنه مع النزعة الطبيعية في الإنسان للاستقلال، ولكن هذه النزعة تقمع أو تتشوه أحيانا وينتج عنها ما تعانيه حاليا، يمكن القراءة حول الموضوع لتعرف المزيد عنه.
تحتاج للسفر كي تتخلص من تعلقك المرضي بوالدتك والذي يعقد حياتك بما قد لا تكون له مدركا. تبدأ حالة الاستقلال عن الأم منذ لحظة قطع الحبل السري ويصبح الطفل قادرا على التنفس وتناول الطعام بنفسه، يليها قدرته على الحركة التي تزيد من معارفه، ورغم تعلق الأمهات بأطفالهن يسعدن باستقلال أطفالهن ويترقبن مراحل الاستقلال عبر مراحل العمر المختلفة وهي عديدة. في حالتك قد تكون حققت استقلال مادي عن والدتك ولكنك ما زلت معتمدا عليها نفسيا، من خلال اهتمامك بها تشبع شعورك بالأهمية ولكن تحتاج أيضا لمصادر أخرى لتشبع احتياجاتك النفسية.
بمجرد قطع الحبل السري يصبح الإنسان قادرا على الحياة بعيدا عن أمه فقاوم أفكارك اللامنطقية التي تسبب معاناتك، أنت تعيش بالفعل دون الحاجة لوالدتك ولكن لا خلاف بأن وجودها يضفي على الحياة طعم مختلف، شعور بالأمان لا ينتهي رغم أنه غير واقعي ولكنه موجود.
لن تفارق والدتك ما دمت حيا حتى وإن توفاها الله نعم هي تبقى حية في وجدانك وعقلك، حيث لا ينتهي تأثيرها في شخصياتنا. كذلك لا ينقطع ودها بعد موتها، في حياتها تتدلها وفي موتها تذكرها بالدعاء والصدقات ولا تدري أيهما أكثر نفعا لوالدتك برك لها حية أو ميتة.
كل ما يحقق استقلالك وسعادتك سيكون من ضمن رغبات والدتك، لا تريد أن تراك أقل من أخوتك في الدنيا بالتأكيد، سفرك لا يعني الانقطاع عنها ولا التخلي عن دور المؤنس في حياتها مع سهولة التواصل الحالي صوت وصورة وبسعر لا يشكل عبئا كبيرا.
لا يحبنا احد كوالدينا ولكن للإنسان رغبة طبيعية في الاستقلال تراها تحرك العالم من حولك بما فيها الحروب. يمكنك طلب إذنها ومشورتها في سفرك فالرسول عليه الصلاة والسلام أرجع خارجا للجهاد في سبيل الله ليجاهد في والديه ولكن والديه لم يكن لهما من يقوم بأمرهما سواه ولكن والدتك حفظ الله إخوتك وزوجها.
واقرأ أيضًا:
أهاجر أم أراعي والدي؟ أنت وفلسفتك!