السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنه لمن دواعي الفخر والثقة لنا نحن المسلمين وجود مؤسسة طبنفسية ثقافية كـ "مجانين.كوم"، ويزيد فخرنا أكثر حينما نجد ذاك الإقبال الحثيث على المؤسسة من قبل الزوار فشكرا لكم ولجهودكم. الواقع أنني شخص لم يكن يتوقع أن يكون له نصيب على ساحة استشارات مجانين، إلا أن الضرورة تفرض ذلك بعناد، ولا أعرف بدقة كيف أشرح المشكلة؛ لأنها مكونة من شقين مختلفين، وكان ذلك سبب حيرتي بتقديم أحد الطرفين على الآخر.
هذه هي المشكلة ومعذرة على طولها:
المشكلة الأولى قد تكون وليدة للتداعيات الاجتماعية التي أعيشها، ولكن تجسيد المشكلة ليس بخصوص المجتمع الأمريكي قطعا بل العربي. إن المجتمع العربي يزعجني للغاية بكل تناقضاته وبروحه الخانعة للتبعية الفكرية للغرب، وأكثر من هذا هو انزعاجي العميق من موقف المرأة العربية، أجل المرأة العربية، ولن أقول المرأة المسلمة؛ لأن التباين الثقافي صار واضحا للأسف بين الهوية الإسلامية وبين الهوية العربية بعصر العولمة والتسلط الأنجلو-أمريكي.
لقد امتدت فكرة الفينيميزم (التطرف الأنثوي كما أعرّبه) إلى بلدان شرق المتوسط وجنوبه بشكل سريع جراء البرامج الفضائية والمقالات المغرضة، وأول ما يسترعي الانتباه هو الصبغة العنصرية لهذه الظاهرة، فليس النظرة للمجتمع بالنسبة إليها على أنه مخطئ بل (ذكوري)، وليس الديانة بنظر ناشطات هذه الظاهرة إلا أداة (ذكورية أيضا) لقمع المرأة.
لقد أمسى استخدام مصطلح (ذكوري) واسعا بين أنصاف المثقفات اللواتي يتحدثن بالفضائيات، وحتى بين كاتبات ومفكرات إسلاميات كنَّ من المفترض أن يتصَدَّين لهذه الظاهرة المتطرفة الهدامة للمجتمع. وما حدث كان مخيبًا للآمال؛ إذ إنهن أوجدن ثمة إيدلوجيا دينية جديدة لتبرير الظاهرة النسوية المتطرفة هذه، وتم الأمر ببضع تفاسير لآيات قرآنية وذكر أحاديث نبوية.
بالطبع أنا لا أنكر وجود خلل في أوضاع المرأة، ولكني أؤكد بأن هذا الخلل غير مقصور على المرأة وهو قطعا ليس (مؤامرة ذكورية) على النساء كما تسميها بعض الجاهلات.
ما يحدث هو انقسام حاد بالمجتمع يا سادتي وسيداتي، فلقد تحول النداء الثقافي النسوي المتطرف من صيغة "حقوق الإنسان" إلى حقوق "الأسرة"، ومن ثم انتهت لصيغته النهائية "حقوق المرأة"، وعلى هذا المنوال فإن المرأة تعتبر ذاتها فوق المجتمع الإنساني، أو أنها منفصلة تماما عن واقع الرجل بمعنى أصح.
هذا ما نلاحظه في ميدان الدعاية النسوية المتطرفة، فقد تحولت المرأة المتطرفة لند للرجل، وهذه الندية فرضت تداعيات خطيرة على كلا الجانبين؛ فلقد بدأ تذمر الرجال يبدو واضحا من تدخل النساء بمجمل أعمالهم المهنية؛ الأمر الذي أدى إلى وجود حالة بطالة رجالية ببعض الدول العربية، خصوصا بعد ظهور "موضة" الرشوة الجنسية النسائية مقابل الترقية بالعمل، والطريف أنني ذكرت ذلك لفتاة عربية متعصبة للمرأة فقالت: "خليهم يتفلقوا.. هذا زمن الحريم".
أما النساء فقد صدقن ما ابتكرنه بهذا الباب، ورحن يتبجحن بأنهن أفضل من الرجال بأداء الأعمال وحتى الدور الجنسي والحكم والقضاء! وأن الرجل وحشي ودموي وخير للمرأة لو انفردت بعيدا عنه، أو أنها أعادت صياغته بنفسها وكأنه قابل للصياغة أو عدمها! وتنسى ناشطات الحركة أن هناك مهام مشتركة بين الجنسين، وأن هناك تمايزا متبادلا بين الجنسين فيما يخص بعض النشاطات الحياتية، ونعلل وجود هذا التمايز وفق الخاصيات النفسية والجسدية، وبحكم البرهان المنطقي الصرف.
هذا واقع مأساوي للغاية، وهو نتيجة طردية للذهنية اللادينية البحتة وللفكر الوجودي الصراعي الذي لا يمت لهويتنا الفكرية بشيء.
والمشكلة هي كيف أعيش مع نموذج "المرأة الرجل" بالمجتمع؟ لقد فكرت مرارا برفض الحياة جراء حالات كره مدوية لكل ما للمرأة من صلة بي وبها، ولقد روعت من وجود رغبة غريبة بداخلي بأن أقتل امرأة من نموذج المرأة الرجل، وما راعني أكثر هو ذبول الرغبة الجنسية بداخلي أحيانا، بالإضافة لشجاري الدائم مع أمي وأخواتي وخطيبتي وحتى زميلاتي الجامعيات المسلمات اللواتي يشاركنني رأيي بأغلب الأمور. يزعجني أن أقولها، ولكن الصرخة تعلو رغم اصطكاك أسناني: أكره المرأة ولا أثق بها.
أما المشكلة الثانية فهي مع خطيبتي (خليجية) التي تدرس لتكون مخرجة سينمائية، ولقد شجعتها كثيرا بالبداية؛ فنحن بحاجة لمخرجة إسلامية وكاتب إسلامي وغيرهما. إلا أن ثقتي بدأت تتزحزح بها مؤخرا، وذلك نتيجة حديث عرضي عن صديقات لها يمارسن الشذوذ الجنسي. ولما استنكرت هذا بشدة وشجبت صداقتها لفاسقات مثلهن، قالت إن أغلب الفتيات التي تعرفهن بالجامعة هن كذلك، وأنه أمر عادي بالنسبة لهن.
ومرت الأيام التي كشفت تغير معاملتي معها، فصارت أسئلتي مخاتلة لها، وصرت أفكر بها وكأنها واحدة مثلهن رغم أنها تركتهن بموجب رجاء مني. ولما أحست بهذا فاتحتني بالموضوع، ولم أحاول التظاهر بأنها واهمة بل تحدثنا عن المشكلة، وكانت هناك مشكلة أخرى ضاعفت شكي، وهي أنها نفت هذه المرة وجود هذه الظاهرة، وقالت إنها كانت تبالغ آنها، وهذا ما أزعجني أكثر لعلمي بأنها تتهرب من المواجهة ليس إلا.
رغم هذه المشاكل وعناد والدتها العنصري برفض زواجي منها، فإننا معا ونخطط لنتزوج بعد أن نتخرج لأتمكن ماديا وتنال نصيبا أكثر من الاستقلالية.
ولكن عملها المستقبلي لا يطمئن؛ لأنني لم أتخيل نفسي مع زوجة تتغيب لأيام بمواقع التصوير، أو أنها تعمل لأكثر من عشر ساعات متواصلة لتعود كي تنام فقط وكأننا عائلة أمريكية! ولم أتخيل أن تعمل بوسط فني مليء بالمنحرفين والمنحرفات.
ناقشتها بذلك البارحة، فقالت إن شكي وخوفي لا محل لهما؛ لأنها واثقة من نفسها وتصرفاتها وكنت قد اقتنعت من ذلك رغم أنها ليست محجبة، ورغم عنادها بهذا فإنها مهذبة وطاهرة للغاية.. وقالت أيضا إن مهامها الحضارية كأم لأسرة هي الأهم برأيها، وإن عملها سيكون هواية فقط. وبصراحة أقول لكم فأنا لا أثق بقصة العمل الهوائي هذا، ويخيل إليَّ بأن القصة ستتطور لاحقا ليكون عملا شاملاً وهذا ما سيحول حياتي لجحيم.
بالأمس سألتني وسط دموعها:
هل أنت سعيد معي؟ فقلت بعد حالة ذهول سريعة: نعم. ولكن الحقيقة أنني لن أكون سعيدا بعد زواجنا على ما أظن، لقد فكرت بإنهاء حب عامين لصالح حياتنا، إلا أنني متعلق بها بشدة ولا أعرف معنى للحياة دونها، والمخيف أنها هي من بدأت تفكر بالانفصال مؤخرا.
أتمنى أن تساعدونني بإيجاد حل،
ولكم الإثابة والشكر الجزيل.
29/10/2022
رد المستشار
ومن دواعي فخرنا أن من جمهور صفحتنا أناسا أمثالك وخطيبتك –إن كانت تزور صحفتنا- وفي أذني كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر) رواه أحمد، وذكر ما معناه أن الرجل يذكر الكذبة فتبلغ الآفاق، وها هي الكلمة نكتبها نحن وننشرها هنا في القاهرة نرجوها في سبيل الله، فتبلغ الآفاق وتصلك في أمريكا، وأنت من أنت: جذوراً، وأصولاً فنعم المنبت بإذن الله، ونعم الأصول الثابتة في الأرض مثل نخيلكم يا أهل العراق، والأغصان الباسقة كفرع أشجار دجلة والفرات، اللهم احقن دماء إخواننا هناك، وأعز الإسلام بعراق حر شامخ مبدع ومعطاء كما كان دائما.
يرد على ذهني خاطر أحب أن أشارككم فيه، فأقول لنفسي أحيانا ألا تكفي تلك السنوات الأربع في عملي بالصفحة؟! ألا أرتحل لموضوع آخر فأخدم أفكاري وأهدافي وأهل أمتي؟! ماذا عساي أن أقول أكثر مما قلت، أو أضيف، أو حتى "أتعلم جديدا؟!" ثم تنتقي لي أختى وزميلتي "سمر عبده" من بين الرسائل الواردة للصفحة ما يدهشني، ويحملني على التراجع، وتنحية هذا الخاطر جانبا لما تحمله هذه الرسائل من شئون وشجون، وأفكار ومقترحات أتعلم منها، وأراه لازما أن أتفاعل معها، ورسالتك هي واحدة من ثلاث استلمتها دفعة واحدة فكانت وجبة دسمة، فشكرا على ثقتك بي، وشكرا على ثقة أختي سمر، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الجميع، وليضعني الله حيث شاء، أسأله العون والسداد.
نعم يا أخي الكريم، نحن نتراجع تحت ضربات المفاهيم المستوردة المدججة بسلام الأسطول السادس الأمريكي والمدعومة بجيوش العملاء الحضاريين من أساتذة جامعات، ومراكز أبحاث، وسماسرة ترويج المصطلحات الملغومة من قبيل "تمكين المرأة" وغيرها، وبضاعتنا في مواجهة هذا التحدي لا تزيد عن الصراخ الحماسي أو الولولة أو الرفض بخطاب الوعظ الديني التقليدي الرافض لكل ما يأتي من الغرب؛ لأنه من الغرب، وإن كان نفس الخطاب الوعظي يقبل ما هو أخطر من هذه المفاهيم والمصطلحات، وتلك قصة أخرى.
والبعض منا يتوق للانعتاق من التخلف والتحرر من قيود الاستبداد والقهر، وركام العادات والتقاليد، وعقود الركود والانهيار، فلا يرى بأسا من ترديد نفس المصطلحات والمفاهيم والكلمات حول "الذكورية" و"الأبوية" و"البطريركية" وغيرها من الألفاظ المترجمة بين خطاب الوعظ الديني أو الحماس السطحي لتراث أو واقع فيه خير، وفيه تخلف باسم الدين، وبين خطاب "التحرير المدبلج" الرائج على ألسنة ما أسميتهم أنت بحق أنصاف الباحثين والمثقفين، والمحنة ثقيلة، نسأل الله العون.
ولا أريد أن أبدو مثل مذيعات برامج الطبخ لأقول لك إن وصفة العلاج سهلة، تتمثل في الصيغة الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة، وفي التحرير الإسلامي للمرأة على غرار ما حدث في صدر الرسالة وعصور الراشدين. ورغم أن هذه هي بضاعتي فعلاً فإنني لا أعتقد ولا أزعم أنها وصفة سهلة أبدًا، بل تبدو ضائعة وسط ضجيج الباطل، وغموض الموقف فيما يتعلق برغبة المسلمين –أو عدمها- في التحرر من الجاهلية القديمة والمعاصرة.
سألت أحد أساتذتي –وهو مفكر إسلامي شجاع- قلت له: يا شيخ هل هناك وجود واقعي حقيقي للإسلام كما نتصوره وندعو إليه... وليكن اسمه الإسلام الصحيح أو المستنير.... أو أو .... فقال أكرمه الله: "نعم... هو موجود في الواقع مثل دبة النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، مستعيرا وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم للشرك الخفي، وأحيانا أشعر أن صوت الحق فعلاً ضائع وسط الكثير من الجعجعة والصخب، وأصوات الجهل، أو القول بغير علم، وذاك حديث يطول"، دعني أعد لرسالتك.
أقول إن أوضاع مجتمعاتنا تستفز كل صاحب عقل وضمير، وتتنوع الاجتهادات في التعامل مع هذه المشكلات والأوضاع، ولا ضير من أن تتنوع الرؤى من اقترابات مختلفة، ومتوقع أن يظهر تيار من "النسوية" أو "الأنثوية" أو "التطرف الأنثوي" كما تعربه أنت، وفي ظل تصاعد الحالة الإسلامية من المفهوم أن يكون لظهور هذا التيار تجليات تحاول الاستتناد إلى قراءة للنصوص الإسلامية من وجهة نظر أو اقتراب نسوي/ أنثوي، ولا حجر على رأي أو فكر، ومرحباً بكل اجتهاد، ولكن تبقى المشكلة في الجمهور الذي هو بحكم تكوينه الثقافي والشخصي المتواضع مستعداً لقبول أي كلام طالما كان متضمنا لآيات وأحاديث نبوية، ولديه قابلية للتشويش أو التناقض أو البلبلة حين يسمع الكلام ونقيضه انطلاقا من نصوص أو تأويلات معينة للآيات أو الأحاديث، وهو لا يكاد يعرف معنى ولا أصول ولا تاريخ أو تجليات الفكر الأنثوي المتطرف، ولكنه أصبح في قلب هذه النقاشات فجأة –بسبب عصر الاتصالات- ودون سابق استعداد أو تكوين، ولا تقتصر المأساة على الكلام –وإلا كان يخطب- ولكن أيضا وأخطر ما يحدث من تعديل في أوضاع وقوانين الأسرة في أغلب البلدان العربية، والبقية تأتي، وهذا كله يتم باسم إصلاح أحوال النساء ورفع الظلم عنهن، وأغلبه من قبيل كلام الحق الذي يُراد به باطل، ولكن من يفهم ويدرك؟!!
أقول إن الجهل يجعل تأثير هذه الأفكار ضعيفا في مجتمعاتنا العربية –حتى الآن-، ولكن الأوضاع التي تتعدل في القوانين والتنمية، والتشغيل والتعليم والإعلام... إلخ، تعني أننا سنعاني من أزمات أعمق بسبب سيادة هذه المفاهيم والأفكار، وقيادتها لدفة الأمور، رغم أن الأغلبية تجهل طبيعتها ومعانيها وتداعياتها، وطالما لسنا في مجتمعات أو دول ديمقراطية فإن وعي القطيع بخطة سيره واتجاهاته يبدو أمرا ثانويا.. أليس كذلك؟!! وعندك في أمريكا فإن الصورة مختلفة تماما لأنكم وسط المعمعة، ولستم قطيعا بل تعيشون في مجتمع مفتوح، وفيه حرية على نحو ما، ونوعية التحديات التي عندكم وشدتها توجب التسلح برؤى وأفكار أعمق وأوضح، ولكن من يبدع وينتج؟!
ومبدئيا -حتى لا أستطرد أكثر وأكثر- يمكنكِ والمهتمون العودة إلى كتاب "المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية"، وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومقره الرئيسي: واشنطن، وهو في الأصل رسالة ماجستير لباحثة مصرية... يتصادف أنها زوجتي.
أنتهز هذه الفرصة لأدعو الله لها بالتوفيق في إنهاء أطروحتها للدكتوراة في النظرية السياسية، ولتتفرغ لعدة مهام منها تحديث هذا الكتاب الصادر في منتصف التسعينيات، ولكنه يحوي نقدًا عميقًا للنسوية وأطروحاتها، ورؤية متقدمة لما يطرحه الإسلام في شأن المرأة والأسرة، ودعواتك بالبركة في الوقت والجهد لنقوم بالتجميع والتطوير؛ لأن الحاجة تبدو متزايدة لمثل هذه الرؤى.
أقاوم الاستغراق أكثر في الجانب النظري العام لرسالتك على أهميته وأتفق معك فيما ذهبت إليه فيه، وأتجه فورًا إلى الشق الخاص، وأقول لك إن إسقاط أطروحات "الأنثوية المتطرفة" على كل أنثى تعرفها هو ظلم بيّن لا يرضاه عقل ولا دين، فما دخل والدتك أكرمها الله، أو أختك أو زميلتك بأطروحات الكفر والضلال الفكري والمعرفي، وجاهلية القرن العشرين.
وهل صفة الأنوثة قد أصبحت لديك مدانة ومستفزة كما الذكورة مكروهة ومستنكرة وسبة في مقاييس "الأنثويات"؟!! ألا ترى أنك قد أصبحت في موقفك هذا مجرد رد فعل للطرح الذي ترفضه وتهاجمه؟! فكما يقول هذا الطرح: كل الذكور أشرار؛ لأنهم ذكور، تقول أنت: أكره "المرأة" ولا أثق بها!!! والله سبحانه يقول: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فاتق الله يا أخي.
من هذا يبدو موقفك من خطيبتك مفهوما في سياق أفكارك ومشاعرك ومخاوفك العامة، ولكنه ليس عادة يا أخي الكريم، فتارة تنظر إليها كسحاقية، وتارة تبالغ في الخوف من دراستها ومستقبل عملها، رغم أنكم في أمريكا، ولم يجبرها أحد على حبك أو الارتباط بك، بل إن والدتها تعارض زواجكما كونها "خليجية" من ذوات الدم الأزرق!! وأنت من أصول "عراقية" شعب الله المختار!! وخطيبتك تقاوم هذا من أجلك، وتبكي بين يديك تحت ضغوطك وشكوكك.
وأنا هنا لا أنتقدك بقدر ما أتفهم موقفك، وأود معك أن نصل للموقف العادل الذي يرضاه الله ورسوله، وتستريح إليه نفسك، ولا نظلم به خطيبتك وحبيبتك كما يقول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على النفس من وقع الحسام المهند
أقول:
شكوكك مبالغ فيها، وردود خطيبتك عليها مثالية وبريئة كما تصفها أنت، فمن احتكاكي بالوسط الفني والإعلامي فإنني أقول –والله حسبي ونعم الوكيل- إنه وسط فيه الطيب وفيه الخبيث، ولكن خبيثه أكثر لأسباب يطول شرحها، وبخاصة في أمريكا "أم الخبائث"، ولكننا أيضًا لا نملك ترف الامتناع عن دخول كل مجال لما فيه من الخبث، ومن يخوض في مستنقع ينبغي له أعلى درجات الحذر حتى يقتصر ما يصيبه على الرذاذ الخفيف، والأذى البسيط، لا أن يتلطخ كالآخرين.
وأوصيك تحديدا بأن تتحاور مع خطيبتك، حول الأمر، وتشترط عليها بوضوح، وربما تكتبان هذا في عقد زواجكما، أي أنها ستستجيب لطلبك فوراً إن طلبت منها الامتناع عن العمل في أي وقت، وبالمقابل أرجو منك أن تتقي الله، وألا تتعسف في استخدام هذا الشرط بعد الزواج.
وأوصيك أيضا أنه في حالة التصوير أن تكون معها أنت مرافقا ورفيقاً، وبخاصة في التصوير الخارجي، وبخاصة في الأماكن البعيدة أو المواعيد المتأخرة، وأرجو أن تفهم هي الأخرى أن دخولها لهذا الميدان هو من التحديات الصعبة والمركبة التي يلزمها متانة في التكوين النفسي والإيماني، ولا أريد أن أحكم عليها كونها لا ترتدي الحجاب، ولكنها قد تختار ارتداءه، وهو الأصل في زي المسلمة، وفي حالتها سيكون رادعا لمن حولها عن التعامل معها إلا بأقصى درجات الاحترام والتعاون.
ولدي تجربة تتعلق بصديق شجعته لدخول هذا المجال، وهو ناجح الآن بكل المقاييس، ولكنه محتاج للدعم المتواصل على الأقل من الناحية المعنوية، وفي هذه الناحية أرى أن دخول زوجتك إلى هذا المجال هو مشروع يستحق دعمنا جميعا فلا تدخلا هذه المغامرة وحدكما، وكن على صلة بنا لنساعد بما نستطيع. والله معنا، وتمنياتي بالسعادة والتوفيق.
ويتبع >>>>: سي السيد وبنت الشاطئ: شرق المتوسط