السلام عليكم
إخوتي في الله، أنا سيدة متزوجة منذ عامين، ومشكلتي هي زوجي، إنه ينظر للمرأة نظرة دونية، وأهم ما يشغله فيها هو جسدها، وهو له مزاج خاص في جمال المرأة؛ فهو يهتم بشكل الجسد وجماله، ولقد حاولت المستحيل لكي أرضيه، مثل إنقاص الوزن، ولكنه دائما غير راض، مع أنني على مستوى لا بأس به من الجمال.
29/10/2022
رد المستشار
الأخت الكريمة، لو لم تكن هذه الصفحة إلا ملجأ لمن لا يجد من يسمعه فحسبها، ولكننا نطمع في أكثر من ذلك، فأهلا بك، ونرجو أن نكون عند حسن ظن الجميع، نعم يا أختي، الكثير من رجالنا -وبخاصة في المنطقة التي تعيشين بها- لا يحترمون المرأة، ويرونها أقل من الرجل في كل شيء، وللأسف فإن كثيرا من النساء يكرسن هذه النظرة بسلوكهن حين يتحولن إلى كائنات كسولة، لا تجيد غير التسوق، والثرثرة، والأنشطة الجسدية بأنواعها من أكل وجنس وما شابه، هذا إن أَجدْنَهُ، وأخشى أن يكون زوجك مثل الكثيرين؛ ليس مثقفا بالقدر الذي يعي معه وضعية الجسد ومكانته في الحياة عامة، وفي الزواج خاصة، كما أنه لا يدرك –مثل كثيرين- فقه الصورة، والتصوير إذا صح التعبير.
الأخت السائلة، خلق الله الجسد الأنثوي، وزينه بالكثير من نواحي الجمال؛ ليكون جاذبا من جواذب تكوين الأسرة بمعادلة: (تزوج لتحصل على هذا الجمال في بيتك)، ولولا جمال الجسد الأنثوي، وإغراءات أخرى معنوية ومادية، لما تزوج رجل عاقل؛ فالأسرة مسؤولية كبيرة وفخّ محكم لمن يعرف حقها، ويقوم به، والسعادة فيها محتملة، والتعب أكيد، ولكن كل شيء في الدنيا له مقابل، والحياة كلها أخذ وعطاء، وبهذا يكون العمران.
والمؤمنون حقا يعشقون المال والخمر وأجساد النساء، ولكنهم في عشقهم هذا يُؤثرون ما يبقى على ما ينفد أو يبلى، ومن هنا كان شوقهم للجنة عظيما؛ لأن فيها الزخرف الحق، والجمال الحق، والخمر لذة للشاربين؛ فلا تملأ عين المؤمن أجساد تبلى أو تترهل بعد حين، ولا تشبع نفسه بمال ينفد، أو جاه يذهب، أو خمر تحجب العقل حينا ثم تغيب.
والله يعلم هذا عنهم فقد ركبه فيهم، وهو يخاطب أصحاب الذوق السليم، وعشاق الجسد الجميل من أمثال زوجك؛ فيصف لهم، ويفصل عن الآخرة والجمال، الذي ينشئه هو فيها –سبحانه وتعالى- إنشاء مثل اللؤلؤ المكنون، ويسترسل في سرد نواحي هذا الجمال الذي لا يبلى ولا يبيد.
أما في الدنيا، فالجسد مجرد تجلٍّ واحد من تجليات الذات، وليست المرأة جسدا فقط، ولا يخلد الجسد ولو حرصنا، رغم أن الاهتمام بحق الجسد واجب على الرجل والمرأة لصيانة هذه النعمة الجليلة، وزوجك ينظر مشدوها إلى أجساد العاريات في التلفاز وعلى الإنترنت، ويلهث ملاحقا كل جديد وفريد وغريب من أوضاع المعاشرة، وأفانين أبالسة الإنس الذين انتزعوا الجسد الأنثوي من سياق المساومة والتفاوض الجنسي لتكوين الأسرة إلى سياق التسويق والإعلان، واستغلال هذا الجسد لأغراض مادية بحتة.
إنه انقلاب كامل في وضعية الجسد ليصبح هو التجلي الأهم، إن لم يكن الوحيد من تجليات الذات والتعبير الأظهر من تعبيرات الشخصية والكيان الإنساني، والويل لمن يخونه جسده في هذا السباق المحموم اللاهث.
وهي قضية شغلتني، وكتبت فيها بتوسع، ويمكن أن أوافيك بما كتبت -إن شئت المزيد-، وشتان بين "الموديل" العارية والمرأة العادية مهما كانت جميلة، وشتان بين لقطة الكاميرا وواقع الحقيقة، الصور هي الوسيط الذي يتم تسويق الجسد عبره؛ فما هي الصورة؟ إنها لقطة، أو عدة لقطات مصنوعة وغير حقيقية، انتزعها من يقف وراء الكاميرا من "الموديل" أو العاهرة بأجر التي تعمل في هذا المجال.
أتيحت لي الفرصة مؤخرا أن أحضر احتفالا في إحدى الدول الأوروبية، تصادف وجودي فيها لحضور ندوة في مجال عملي، أما الاحتفال فكان بمناسبة بلوغ أحد أهم مصوري اللقطات العارية سن الثمانين، وأهم ما في الاحتفال كان ذلك الفيلم الوثائقي الذي يتحدث فيه هذا المصور عن طبيعة عمله، وكيف أنه يظل يضغط على "الموديل" العارية بالأوامر والتوجيهات ليحصل على اللقطة المطلوبة.
والمسألة كلها تكمن في هذه اللقطة التي لا يمكن أن تتكرر؛ لأنه حتى لو تزوج زوجك واحدة من هؤلاء اللواتي يهيم بصورهن ولقطات أجسادهن؛ فإنه لن يظفر منهن بأكثر مما تعطينه إياه، أما اللقطة فتظفر بها الأوراق، وأغلفة المجلات أو شاشات التلفاز والكمبيوتر؛ فهل يعلم زوجك هذا؟ لأن هذه هي الخدعة التي لا يعرفها الكثيرون، أن هذا الجسد المحتشد بكل هذا الجمال هو مجرد سراب ووهم لا يمكن أن يتحقق في عالم الواقع أبدا، ومن العبث جر الواقع إليه أو مقارنته به، أو الحلم بالقبض عليه أو إمساكه، ولقد تحدث فقهاء الإسلام منذ وقت مبكر عما أسموه "عشق الصور"، ويالها من حكمة بالغة، ولغة نافذة صاغوها وهم يتحدثون عنه كمرض وبلاء يحتاج إلى علاج!!. وبلغة العصر فهو نوع من الإدمان المدمر، والذي يزيد من أثره عدم الإلمام بأسبابه وأبعاده وملابساته، وكيفية الخروج منه.
زوجك يستحق الرثاء يا أختي، ويحتاج إلى علاج وتوعية، والصعوبة تكمن في أن العلاج غير شائع والوعي بهذه الأمور ضعيف، ولكن هذا وذاك ممكن مع الصبر، وتوفيق الله سبحانه. وإدمان الانشغال بالصورة العارية له آثاره الكبيرة على تصورات الجنس والجسد، وعلى البنية النفسية لهذا المدمن، وقليل منهم من يعتقد ويقتنع بأنه مريض ويحتاج إلى علاج، وأن الاندفاع غير المحسوب وراء الاعتراف من شرب الماء المالح لا يزيد الإنسان إلا عطشًا فيطلب المزيد، ومن ثم يعطش أكثر، وهكذا في حلقة مفرغة رهيبة!! وعلى هذا الضرر يستند التحريم، ويلزم الانتباه، والمسارعة بطلب العلاج، وعواقب الإهمال وخيمة.
أقول هذا لأشرح أن تردد زوجك وقلقه وعصبيته وفتوره العاطفي والجنسي تجاهك إنما هي أعراض جانبية لإدمان الصور الخليعة الثابتة، والمتحركة، وربما يزداد الأمر مع بعض ردود أفعالك، والمشكلة الحقيقية أنك لن تصلي أبدًا إلى "المستوى المطلوب" ليس بسبب تقصيرك أو عصبيتك ـ ولا تعتبري كلامي تبريرًا لهماـ ولكن بسبب أن "المستوى المطلوب" طبقًا لإدراك زوجك، هو شيء وهمي لا يوجد إلا في الصور، وربما إذا أصبحت نحيفة أكثر يعيب هذا عليك!! لأن المزاج الجنسي لمدمن الصور شديد التقلب والاضطراب، وضغط المثيرات التي يعرض نفسه لها، والتداخل بين الصور التي تنطبع في ذهنه، والواقع الذي يعيشه يسلمه محاكة نفسية بائسة، أعتقد أن أول العلاج أن تتفهمي ما يحدث، وأن يهدأ إيقاع تفاعلك الغاضب والمتصاعد مع المشكلة، وبعد ذلك فإن المطلوب خطوات وإجراءات على المستويين القريب العاجل، والمتوسط الآجل، وكلاهما هام، وأساسي.
أرجو أن تجتهدي في لياقتك البدنية بالرياضة، وضبط الغداء، فيبدو أن لديك استعدادً كبيرًا لزيادة الوزن مع أول خلل، ولا داعي أبدًا للحمية الكيميائية... يكفي تقليل كميات الدهون والنشويات والاقتصار أساسًا على الخضراوات والفاكهة، إضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام... ولا تجعلي سيف "المستوى المطلوب" مسلطًا فوق رأسك، ولكن افعلي هذا لوجه الله، واحتفاء بنعمته عليك حين منحك جسدًا جميلاً ـ كما تذكرين ـ وهذه نعمة تستحق الشكر، وأول الشكر أن تحافظي عليها، فلا تكرهي جسدك/ ولا تنهكيه، ولا تتركيه أيضًا للبدانة فإنها أسوأ داء، بصرف النظر عن معايير زوجك.
لا تتوقفي أبدًا عن التعبير العاطفي عن حبك لزوجك، ولكن عليك حسن اختيار الوقت والأسلوب، وربما يكون من الأفضل الاهتمام بالعاطفة طريقًا للجنس، وليس العكس، ولا داعي أبدًا للحديث عن "أفضالك" و"تنازلاتك" المالية، وجهودك، وبرامجك الجسدية.
فأنت بذلت ماليًا لتحصلي على زوج رأيته وقتها مناسبًا، وهاهو عندك فتعلمي كيف تحافظين عليه، ولا تضيعي ما أنفقت!! ولا تكون المحافظة عليه أبدًا بالمن.. ولاحظي أن زوجك يعتقد في المرأة الغدر، وفي الرجال الوفاء!! فهل تريدين تكريس هذه الخرافات، وتأكيدها في ذهنه!! إياك والمن.
وأنت تهتمين بجسدك قيامًا بحق هذه النعمة الجليلة، وستظلين على هذا الاهتمام حتى تذهبي إلى الله سبحانه بعد طول عمر وحسن عمل، وعندها يسترد الله وديعته على أحسن حال كما وهبها لك على أحسن حال، فلا تفعلي هذا لأجل زوجك، ولا تقولي له: فعلت هذا لأجلك!!!
لا أدري الأسلوب المناسب الذي يفهم به زوجك خطورة ما يقوم به من إدمان للصور، وأن الذي يحسبه علاجًا للفتور، وسبيلا لتجديد العلاقة وحرارتها هو طريقه لتسميم هذه الرابطة وزيادة فتورها، فهل تعتقدين أنه يمكنه الاقتناع عبر حواراك المباشر معه، أم يناسبه أكثر أن يزور صفحتنا بسؤال أو بالإطلاع على حالات مشابهة؟!!
دعينا نتحاور سويًا حول هذه النقطة لنختار معًا الأنسب.
وعلى المستوى المتوسط والبعيد ينبغي أن تتراكم لدى زوجك انطباعات تتحول تدريجيًا إلى قناعات بأن ما يعتقده عن المرأة هو تعميم باطل وأن من النساء من هن أذكى وأوفى وأعلى من كثير من الرجال. والذكاء والوفاء والرقي لا علاقة له أبدًا بنوع الجنس، ولكن بحسن استثمار ما وهبه الله للرجال والنساء جميعًا، إنما يهمله البعض فيهبطون، ويرعاه البعض الآخر فيدركون المعالي.
ولا تتغير انطباعات الرجل عن النساء بامرأة تناطحه وتتحداه، ولكن بحكمة تحتوي نزقه، ورحمة تحتضن عيوبه، وعقل أوسع يحسن التصرف، ولا يملكه الغضب، فكوني أنت تلك الماجدة، وإنك بذلك لجديرة.
واقرئي أيضًا:
ما الريجيم إلا أسطورة! حل بديل!
فخ الصورة: أول الملف
ما هيَ تأثيرات الحمية المنحفة (الريجيم)؟