بداية.. لا أعلم لماذا أكتب الآن لكم.. ولماذا هذا التهور فجأة.. ولِمَ الشكوى بعد الصبر لسنوات وسنوات.. ما زلت في أول الطريق، وأنا أشتكي، قرأت عدة استفسارات هنا من بعض القراء والمتابعين كلها تطرح قضية التعامل مع التحرش الجنسي من الأقارب، أتساءل فقط: هل ما تم طرحه حل فعلا؟
أنا أبحث عن حل فعلي.. حل لي، وحل لغيري. طريقة أخرى للعيش هنا.. في عالم يظلم، ويحاسب المظلوم، إن أخبرتكم أنني في الرابعة والعشرين من عمري الآن.. تجاوزت مراحل الألم الأولى، وردات الفعل الأولية أيضا والتالية لها.. تعرضت لأسوأ أنواع الاعتداءات والتحرشات اللفظية والجسدية وغيرها من قبل مَنْ مِن المفترض أن يحميني.. أبي.. أخي.. عمي.. أسوأهم الشخص المفترض به أن يقوم بحمايتي، والخوف عليّ كنفسه.... أبي.
لكن "لا".. لم أمثل له سوى أنثى وأنا في الثامنة من العمر، ولسنتين تاليتين لا أزال أذكر كل شيء حتى اليوم، كل فعل، كل همسة، كل تهديد "إن أخبرت أمك.. ستموت هي.. سأذهب أنا.. لن تري إخوتك بعد اليوم".. لا تقتربي من أحدهم.. لا تحتضني أحدا.. أنت لي فقط، لم أقترب من أحد منذ ذاك الوقت، رفضت حتى احتضان أمي لي ولليوم.. أو لأعترف، رفضت أي طريقة تواصل إنساني، لا بأس، سبق أن قلت إنني تجاوزت مراحل الألم الأولى.. لم أعد أفكر بالانتحار كثيرا.. توقفت عن ذلك بعد 4 محاولات فاشلة.. وإن كانت تتسلط عليّ هذه الأيام.. وهذا ما يخيفني .. قد يكون هذا ما يدفعني للكتابة الآن.
حقيقة، لم أعد أرى داعيا لبقائي هنا.. لم أستطع أن أساعد أحدا أو أدفع الأذى عن طفل للآن، لم أستطع أن أساعد نفسي قبلهم.. عشت وكبرت مع فكرة قائمة وثابتة، بأنني طفلة مدنسة، لا حق لها بالحياة ولا بالعيش.. ستبقى وحيدة دائما، واليوم أراها تتحقق أمامي فعلا، وحيدة جدا، خائفة، متألمة لا غير، تحاول الهرب من نفسها، من تاريخها، ومن ماضيها كله، لكن.. بلا فائدة.. الذكرى تهاجمني، والنوم يصبح مستحيلا في الليل إلا بعد مرور ساعات وساعات، والخوف يدفعني للاستيقاظ عند كل همس.. سيعود في يوم ما.. أعلم ذلك.. عندما يستطيع القدوم والهرب من أمي من جديد.
المضحك في الأمر والمبكي في نفس الوقت أن أبي مثقف، وطبيب للأسف.. أقسم في يوم أن يحمي الإنسانية.. لكن فقدها في شخصي أنا. ولا أعلم إن كان أحدهم قد رأى منه ما رأيت. لا أمل لي، لا حل، لا أبحث عن شيء الآن، أفكر فقط في الصرخة التي عليّ أن أطلقها قبل أن أموت وأنسى.. أيها الآباء لنحمي أطفالنا من أنفسنا.. إذن من لهم هم؟ لماذا ينجب الآباء الأطفال إن كان الهدف هو إيذاؤهم وأخذ حق الحياة منهم.
أعتذر عما سبق وذكرته.. قد لا يصدقه أحدكم.. لذلك اخترت دوما الصمت.. تحت التهديد بالقتل وغيره في أول الأمر.. ومن ثم محافظة على استمرار أسرتي أنا. في آخر الأمر.. هناك من يحبه فيهم.. وأعتقد أنه تغير الآن وإن كنت غير واثقة تماما وقد يكون نسي كل شيء.. وقد يعتقد أنني نسيت أيضا. لكن أنا لم أنس، ولن أنس، النسيان والغفران ليسا من فضائلي الآن.. أريد أن أحيا فقط على ظهر السفينة.
بقليل من الحياة، وقليل من الأمان.. حسنا، لا بأس.. تجاهلوا ما لا يروقكم هنا أو تجاهلوا الأمر كله، لم أعتد أن يصدقني أحدهم في أي شكوى بخصوص أب!!! أنا أكتب لشخصي في آخر الأمر.. أو لعابر من هنا.. يستطيع أن ينقذ طفلا من أبيه في يوم ما.
14/11/2022
رد المستشار
شكرًا على مشاركتك الموقع بتجربتك الشخصية المؤلمة وكونك ضحية اعتداء جنسي في الطفولة.
الاعتداء الجنسي في الطفولة لا يقتصر على شريحة معينة في المجتمع ولا يصعب العثور عليه في مختلف الطبقات. كذلك التعامل مع الاعتداء الجنسي في الطفولة لا يقتصر فقط على الخدمات الطبنفسية والنفسانية٬ وإنما هناك الدولة والسلطات التي مسؤوليتها الأولى رعاية أطفالها وجميع المواطنين من الاعتداء الجسدي والابتزاز وضمان كرامة العيش وفوق كذلك مكافحة الاعتداء الجنسي.
رقي المجتمعات يتناسب طردياً مع رقي قوانينها. متى ما شعر المواطن بالأمان واكتسب الثقة في القانون توجه إليه لاسترداد حقه. لكي يتوجه الإنسان نحو القانون الذي يضمن حقوقه لابد من وجود سلطة تنفيذية تفسح له مجال التعبير عن تجربته والتحقيق في دعوته واتخاذ الخطوات الأولى التي تمهد الطريق لرفع الدعوى إلى القضاء. هذا ما يجب أن يحدث أولاً مع كل ضحية اعتداء جنسي في الطفولة.
الدور الثاني هو للخدمات الاجتماعية التي تتولى رعاية الأطفال وسماع شكواهم سواء كان ذلك عن طريق المدارس أو غيرها. الحديث عن الاعتداء الجنسي من قبل الضحايا ليس بالأمر اليسير٬ وعلى مؤسسة الخدمات الاجتماعية والتعليمية الانتباه إلى سلوكيات الأطفال وصحتهم النفسانية والتحري عن تعرضهم لصدمات نفسانية سواء كان ذلك في محيط المدرسة أو البيت وأبشع صدمة هي الاعتداء الجنسي في الطفولة الذي قد يترك آثاره على التركيبة النفسانية للفرد طوال العمر.
ليس كل من يتعرض لاعتداء جنسي يعاني من اضطراب نفساني بسببه والغالبية العظمى منهم يتوجهون صوب تحقيق أهدافهم في الحياة. و لكن كل ضحية اعتداء جنسي يشعر بالمرارة والغضب ويطالب باسترداد حقه الذي تم اغتصابه٬ وذلك لا يقتصر فقط على مرحلة الطفولة . لكل إنسان حق الحديث عن روايته وتجربته المريرة والخطوة الأولى توفير خدمات المشورة لضحايا الاعتداء الجنسي وبعد ذلك على الضحية الاستعانة بالقانون لاستراد حقها.
أنت آنسة في مقتبل العمر والدخول في جلسات نفسانية للحديث عن تجربتك في غاية الأهمية للسيطرة على مشاعر الغضب والألم. هدفك في المستقبل هو الاستقلال والتوجه بعيداً عن المستعمرة المريضة والسلطة الأبوية التي ارتكبت جريمة بحق رعاياها.
وفقك الله.
واقرئي أيضًا:
أبي يتحرش بي ادعوا له بالهداية !
ما ودك تركبي !؟ يتحرش بي أبي !!
بابا يده في مناطقي الحساسة
غشيان المحارم: أبي يتحرش بي وبأختي