في البداية أحب أن أشكركم على جهدكم الواضح والملحوظ في الموقع، وبالأخص الدكتور عمرو أبو خليل، كما أتمنى أن يساعدني الآن في حل مشكلتي. مشكلتي تتلخص في كلمتين: من أنا؟
فأنا يا سيدي لم أعد أعرف من أنا، وما أصبحت عليه؛ فأنا الآن مصاب بحالة نفسية شديدة أوصلتني إلى حالة من الاكتئاب المستمرة، وللأسف إلى حالة من العزلة الشديدة، واعذرني فلن أحاول أن أختار أسلوب كلامي بل سأترك للساني العنان.
أنا يا سيدي رجل تخرجت من إحدى كليات القمة منذ 3 سنوات.. لن أقول إني تخرجت بتقدير امتياز ولكن كان الكل يتنبأ لي بمستقبل باهر خصوصا أني متميز في تخصصي كما يقولون، وما إن تخرجت وأنا أنتظر هذا المستقبل الباهر إلا وقد صدمت بدخولي الجيش.
وللأسف أدخلوني ضابط احتياط أي 3 سنين في القوات المسلحة، وكأنهم يقولون لي لن نتركك حتى يضيع مستقبلك، ولكني حمدت الله على ما ابتلاني به، وأيقنت أن كل هذا قدر من الله عز وجل، وأن الله لا يضر عبدا من عباده أبدا، بل إنما هذا هو الخير لي، ولكن صدقني سيدي فقد عانيت الكثير في هذه المرحلة من حياتي؛ فبعد أن رسمت حياتي كعمل وزواج توقفت كل حياتي.
وأصبحت يا سيدي كصخرة وسط تيار ماء يجري سريعا؛ فكل من حولي تتحرك حياته ودائما في حياته الجديد إلا أنا، وكأن عجلة الحياة توقفت عندي أنا فقط، حتى إنه في يوم ما كنت مع صديق لي وسألني ما الجديد في حياتك فلم أستطع الرد؛ لأنه بالفعل لا يوجد لدي أي جديد؛ فأنا أعيش في روتين رهيب، ولكني أحمد الله على ما ابتلاني به.
وها قد اقترب الآن موعد خروجي من الخدمة، ولكن سيدي بسبب ما أنا عليه فقد افتقدت أشياء كثيرة جدا؛ فلم أعد أستطيع أن أتأقلم مع أصدقائي حتى أصبت بالاكتئاب، وأيضا بسبب خدمة الجيش الطويلة فرضت علي العزلة فلا أرى أصدقائي إلا قليلا جدا.
فقد تزوجوا جميعا إلا أنا، وكل منهم في عمله ومع زوجته، فأنا قليلا ما أرى واحدا منهم كل فترة، بل أظن أني كثيرا لا أريد أن أرى أحدا، ولكن لا أظن أن هذا هو سبب عزلتي وانطوائي، فأعتقد أن السبب هو أني أحاول الهروب من كل شيء؛ أحاول الهروب من الواقع الذي أعيش فيه حتى لا أصدم أكثر، فقد كنت سابقا أواظب على قراءة القرآن ولا أتخلف عن صلاة الجماعة، وكنت محافظا على صلاة القيام، وأحمد الله أني كنت ملتزما.
أما الآن فحالي يبكيني بالليل والنهار؛ فأنا قليلا ما أذهب للصلاة في الجامع، وقد هجرني القرآن كما هجرني كل شيء، كما أني لا أستطيع أن أدرس أي شيء من الكورسات التي من المفترض أنه بعد إنهاء خدمتي أن تكون معي حتى يقبلني أي عمل؛ فقد وصل الحال بي أني أخاف حتى من الدراسة لئلا أفشل، فشبح الخروج إلى الواقع بعد الخدمة يهددني، فماذا أفعل؟ وهل سأعمل والكثير عاطلون؟ وهل سيقبلني أحد وقد تخرجت من فترة؟ وهل سأتزوج؟
تساؤلات كثيرة تراودني لا أجد لها إجابات، فدائما ما أحس بالذنب لعدم قدرتي على الرجوع إلى ما كنت عليه، فأنا أريد أن أعود إلى الله مرة أخرى كما كنت، وأريد أن أتغلب على عزلتي ولا أعرف كيف، وأريد أن أعود وأدرس حتى يطمئن قلبي أني عندما أخرج من الخدمة سأجد معي ما أقول به إني مهندس؛ لأن فترة الخدمة الطويلة كأنها أذهبت عقلي.
تساؤلات كثيرة لا أجد لها إجابة.. وخوف رهيب يمنعني من القيام بأي شيء ويجبرني على الهروب دائما، حتى إني كثيرا ما آتي بالكتب وأقول لنفسي سأبدأ الآن دراسة فأجد نفسي أهرب منها بعمل أي شيء آخر؛ خوفا من ألا أقوى على الدراسة، وبسبب كل هذا أصبت بحالة نفسية صعبة.
فهل من حل لكل هذا...
عزلتي وانطوائي وهروبي وكل شيء؟
16/11/2022
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع.
أنت طبيب ولم تذكر بالتفصيل تدرجك المهني٬ ولكن حالك حال الكثير من الخريجين في العالم العربي وبل الدول الأوربية ومنها السويد حيث يتوجه الطالب بعد تخرجه لأداء الخدمة العسكرية. الصراحة لا علم لدي بقواعد ومنهج الخدمة العسكرية هذه الأيام في العالم العربي.
يبدأ مشوار الطبيب ورحلته الحقيقية بعد نهاية التعليم الجامعي وقد يتنقل من اختصاص إلى آخر وحياته الاجتماعية بعيدة عن المثالية بسبب العمل مع التعليم المستمر والتدريب الذي لا نهاية له حتى بعد دخوله مرحلة مستشار في اختصاص ما. رغم ذلك فأنت لا تزال في مقتبل العمر والكثير من الخريجين في بعض دول العالم يتخرج من كلية الطب بعد ٧ أو ثمانية أعوام من التعليم. لذلك عليك أن تضع نصب عينيك أولا بأن ما ضاع من الوقت سيتم تعويضه٬ وتجربتك في الجيش هي مرحلة قد تساعدك في النضوج فكريا وإدراك أزمات الحياة والمجتمع.
حين يصل الإنسان إلى مرحلة نهاية الخدمة العسكرية يشعر بالارتياح ويخطط لحياته وتدريبه وتعليمه٬ ويضع اهدافاً يسعى لتحقيقها في وقت ما. حين يشعر الإنسان بالانتكاس وتتغير شخصيته ويعتزل الآخرين فأول ما يفكر فيه الطبيب النفساني هو إصابة مراجعه باضطراب وجداني. الاكتئاب أحيانا يتغلغل بصورة تدريجية في أعماق الإنسان وتتغير شخصيته وسلوكه الاجتماعي وكل ما يفكر فيه هو اليأس والضياع وسوء الحظ٬ ولكنه في نفس الوقت لا يشكو من الاكتئاب ويعلل حالته الوجدانية بحدث ما.
خير ما يفعله الطبيب هو أن يتعامل مع حالته النفسية كما يتفاعل معها الآخرون ويتوقف عن محاولة تبرير أعراضه من خلال رأيه الشخصي. لذلك عليك أن تتوجه صوب استشاري في الطب النفساني أولا وتتحدث معه.
الخطوة الثانية تبدأ بالتخطيط لمرحة جديدة في الحياة وتحقيق طموحاتك السابقة، تخرج من عزلتك وتنظم إيقاعك اليومي وتضع جانباً أفكارك السلبية حول الماضي وتركز على حاضرك وتتوجه صوب أحلام مستقبلك.
وفقك الله.