السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
إلى الأساتذة الأفاضل أسرة موقع مجانين....، أشكركم جزيل الشكر على موقعكم الرائع والمتميز الذي يضم جميع المجالات التي تهم كل الناس.. وقد أحسست من أسلوبكم ورغبتكم في حل المشكلات أن بإمكانكم أن تساعدوني لحل مشكلتي، فقد عرضتها على بعض صديقاتي ولم أجد حلا شافيا؛ لأنني لم أجد ذا اختصاص يساعدني، لذلك قررت أن أرسل إليكم مشكلتي.. وأرجو كل الرجاء أن تجدوا وقتا للرد عليّ.. ربما سأطيل عليكم بعض الشيء لكنني سأحاول الاختصار قدر المستطاع، وسأحاول عرضها في نقاط.
أنا فتاة في المرحلة الثانوية، ولدت وترعرعت في البلد الخليجي الذي تقيم فيه عائلتي منذ زمن طويل، ولم أزر بلدي إلا مرتين في حياتي ومنذ عدة سنوات.. المشكلة الآن أنني لا أحس بالانتماء إلى جهة معينة، فبلدي لا أعرفه، وهنا في البلد الذي أقيم فيه يقوم أهل البلاد والدوائر الحكومية بالتفريق بين المواطنين والوافدين, وبعض طالبات المدرسة عندما تحدث مشكلة ينعتنني بالوافدة، رغم أنني تربيت هنا حتى إن لهجتي مثل لهجة أهل البلد، لكنهم عند حدوث مشكلة يستغلون هذه النقطة، خصوصا ضد الطالبة التي لا تكون على هواهن، أما (اللي تكون معهن في الشلة تكون مرتاحة) بغض النظر عن جنسيتها أو لهجتها، المهم أن تكون معهن في كل شيء.
أنا فتاة متدينة ومتفوقة؛ لذلك فأنا لا أنضم إليهن أبدا.. ولا أرضى عما يفعلنه لكنني لا أتعرض لهن أو أمنعهن، بالرغم من ذلك فإنهن لا يكففن عن مضايقتي طوال السنة، أنا وبعض الطالبات الأخريات المتفوقات، ويحاولن إيذاءنا بأية طريقة، على الرغم من أننا لا نشتكي الإزعاج والفوضى التي يتسببن بها في الحصة وفي الامتحانات.. ففي بعض الأحيان لا أستطيع حل الامتحان من شدة الإزعاج الذي يقمن به .. وعلى الرغم من ذلك فنحن نسكت ولا نشتكيهن، أما هن فيحاولن إيذاءنا وإحراجنا بأية طريقة، وفي بعض الأحيان إن لم يجدن شيئا يقمن (بتلفيق) تهم لنا كالغش وغيره.. هذا غير استهزائهن ولسانهن الطويل.
والمشكلة أنني من النوع الحساس ولا أتحمل أي كلمة.. صحيح أنني أريهن أنني (ولا على بالي)، وأتظاهر بعدم الاهتمام، لكن في المقابل أعود إلى البيت في شدة الغيظ والقهر وأشعر بأنني ضعيفة وأتمنى في بعض الأحيان أن لو كنت (وقحة ونذلة) لأنني أشعر بأن هذه النماذج هي التي تسير في الحياة بلا خوف من المشاكل.
والذي يزيدني غيظا أن سكوتي لا يعتبر صبرا ولا كظما للغيظ؛ لأن كظم الغيظ يعني أن تكون قادرا على إيذاء هذا الشخص ولكنك تتمالك أعصابك ولا تقوم بذلك لوجه الله.. لذلك فأنا لا آخذ الأجر ولا راحة البال.. وإن قلتم لي بإمكانك تقديم شكوى ضدهن أقول لكم لا؛ لأن الإدارة تعلم بذلك لكنها لا تستطيع السيطرة عليهن؛ لذلك تتجاهل الموضوع.. كما أنني لا أستطيع الذهاب للإدارة وأشتكي للمسؤولة لأن هذا شأن شخصي، وكل شخص يجب أن يعرف كيف يدافع عن نفسه.
وقد جربت إحدى الطالبات أن تشتكيهن، وبالطبع علمن بالأمر فأرينها الويل من إهانات ومشاكل، بل وصل الأمر إلى قذفها بالأقلام في الحصص (وياريت بعد هذا كله لقينا نتيجة) بل على العكس لم يستمع إلينا أحد وأوقعت الإدارة هذه الطالبة في عدة مشاكل بدون أي فائدة.. والمشكلة أنهن يشكلن 75% من طالبات الصف.
أنا صبرت دون أي شكوى إلى نهاية العام الدراسي، وارتحت الآن، لكن هذا ترك في قلبي ونفسي جروحا كثيرة.. أحسست بأني ضعيفة وغير قادرة على المواجهة، واستغربت من تلك الفتاة كيف واجهتهن وتحملت المشكلات دون أي اهتمام إلى أن انتهت السنة.. عندما أراها أقول لنفسي لو كنت مكانها لجلست في البيت أو انتقلت من الصف.. الآن ارتحت منهن لكنني لم أرتح من مشكلتي فأنا أكره المشاكل.. وأخاف دائما أن يتطور الموضوع إلى ضرب، ففي بعض مدارس البلد حدثت مشكلة قامت قيها مجموعة من الطالبات بضرب طالبة ضربا مبرحا ترك على جسدها علامات وآثارا لا تزول وتشوه وجهها من أثر الجروح.
الآن شعرت بأنني لن أستطيع مواجهة مشاكل الحياة.. وبالرغم من أن الجميع يصفني بأنني قوية الشخصية فإنهم لا يعلمون أنني أصمت وأنا أحترق من داخلي.. فلو أنني أصمت عن قوة لما اهتممت، لكنني أشعر أنني أصمت عن ضعف.. هل سكوتي يعتبر ضعفا وتضييعا لحقوقي؟ وهل ستنتهي هذه المشاكل بنهاية الدراسة؟ أنا أستطيع مواجهة (صعاب الحياة) وليس (صعاب الناس)، فقد ابتلاني الله بأمراض عديدة وصبرت دون ضعف ومررت بظروف صعبة وأيضا صبرت، وكذلك واجهت أهلي برغبتي في لبس الحجاب الكامل ونفذت رغبتي رغم عدم اقتناعهم, لكنني لا أحتمل أن يهينني أحد أو يهزأ بي ولا أستطيع أن أرد.
إذا كان سكوتي ليس ضعفا فقل لي ذلك، فأنا مستعدة أن أصمت إذا اقتنعت بأن هذا هو أقوى المواقف، وإذا اقتنعت بأنني أؤجر عليه، لكنني أيضا رغم قدرتي على الصمت لا أستطيع أن أبعد الغيظ من قلبي .. وقد قرأت كتبا كثيرة وعلمت أن سعادة القلب تكمن في عدم الاهتمام، فكيف أستطيع أن أكون عديمة الاهتمام بمن يهزأ بي من داخل قلبي؟ والمشكلة أنني عندما أقرأ الكتب أجد نقاطا لا أستطيع تطبيقها، مثلا: كوني قوية العزيمة قوية الإرادة لا يهزك شيء.. لا أعرف كيف أطبق ذلك عمليا وأجعل قلبي من الداخل قويا لا يأبه بما حوله.. ويراودني شعور بأن الشخصية التي خلقني عليها ربي لا أستطيع أن أغيرها من الناحية النفسية، وخصوصا حساسيتي المفرطة بالنسبة لآراء الآخرين.
فأنا أريدكم أن توضحوا لي الفرق بين الحِلم والضعف، وهل إذا صبرت وسكت دون أي اهتمام من داخلي فإن سكوتي هذا يعتبر قوة؟!
وإن قلتم لي ردي عليهن، أقول لكم إن كلامهم غالبا ما يكون وقحا، وأنا لا أمتلك سرعة البديهة التي تمكنني من التفكير والرد بسرعة، لذا غالبا ما أرى أن السكوت والتظاهر بعدم سماعهن أصلا يكون أفضل، وأكرر أنا مستعدة أن أصبر وأسكت وأتحمل صعاب الحياة إذا علمت بأن هذه هي القوة وأنني أؤجر على ذلك.
كما أنني لست اجتماعية كثيرا ولا أندمج بسهولة مع الفتيات، وخصوصا إن لم يكن لهن حديث سوى الموضة والأزياء والمظهر.. فإنني في هذه الحالة أنفر منهن، ربما لأنني لا أهتم أو أتابع الموضة كثيرا ولا أعرف أسماء المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات، لكنني أهتم بمظهري وأحب أن أكون بسيطة وأنيقة بدون أن يكون هذا شغلي الشاغل.. وربما لأن بعضهن يتحدثن عن آخر المشاكل التي قمن بها، فأقول لنفسي ليتني كنت (مشكلجية.. كنت ارتحت في حياتي) ولكني أكثر ما أحب الجلوس في البيت لقراءة الكتب، ولا أحب الخروج منه إلا إلى مكان طبيعي وهادئ وبعيد عن الضوضاء والزحمة، كما أنني أشعر أن البيت هو مملكتي الصغيرة التي أحب الجلوس فيها.. أكره الأعراس والحفلات الصاخبة والأماكن المزدحمة أو المختلطة.
ومشكلتي الأخيرة أنني أشعر أنني (خوّافة) لكل الأسباب السابقة، ولكرهي المشاكل، وأيضا لأنني أخاف الخروج للسوق وحدي ويستحيل أن أركب سيارة أجرة وحدي.. كما أنني أرتجف خوفا إذا عاكسني أحد الشباب في الشارع وأسارع بالعودة للمنزل، علما بأنني لا أرد عليه أبدا وأتظاهر بعدم سماعي له.
أحس أن كل هذه المشكلات ستعيق حياتي المستقبلية، حيث إنني لن أتمكن من دخول جامعة بسكن داخلي إذا ظللت على هذه الحال، ولن أتمكن من الاستمرار في وظيفتي، علما بأنني إنسانة طموحة أحب القراءة والعلم والثقافة والدين وأطمح للنجاح في كل المجالات.. وأتمنى أن أعمل في وظيفة أكون فيها سيدة نفسي.
وأخيرا.. أرجو أن توضحوا لي معنى الكفاح، وكيف يكون في المجتمع المدرسي والجامعي والوظيفي، هل بالمشاكل أم بالسكوت والتحمل والصبر؟ وكيف تربطون هذا بحديث (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)؟ كيف يكون الضعف وكيف تكون القوة؟
أريد أن أعرف كيف يكون هذا في مختلف مجالات الحياة؟ فمثلا لو ذهبت إلى السينما - أنا لا أذهب إلى السينما لكنني دائما أسمع بهذا الموقف - وكنت أود مشاهدة الفيلم لكن هناك شخصا وقحا يتحدث في (الموبايل) بجانبك ماذا يتوجب أن أفعل في هذه الحال.. هل أصبر وأسكت أم أبدأ مشكلة فورا؟ وإذا نصحته ولكنه رغم ذلك عاند وأصبح يتحدث بصوت أعلى عنادا فما الذي يتوجب عليّ فعله في هذه الحالة؟ أعلم بأنني أطلت عليكم جدا جدا.. واعذروني لهذا.. وقد تكون مشكلتي تافهة في نظركم، لكنها تؤرقني وتنغص علي حياتي.. و أرجو أن تتفهموا هذا و أن تحاولوا مساعدتي.
ورجائي الأخير هو أن لا تقترحوا علي الذهاب إلى طبيب نفساني فإن هذا سيزيدني سوءا كما أنه احتمال غير وارد أبدا.
مع تحياتي.
16/11/2022
رد المستشار
مرحبا بكم أخت "نانسي"
تحية طيبة لكم وأود أن أصدق على كلامك بأنك تتمتعين بدرجة من الحساسية وتفضيل الانطواء والهدوء ولا يعني ذلك ضعف قدراتك بل على العكس فعقول الانطوائيين تكون نشطة، وإن كانت لا تظهر لياقتهم الذهنية في الموقف الاجتماعي لأن عضلاتهم في تلك المواقف ليست هي قدراتهم المميزة.
ما ذكرتِه من مترتبات إذا استمرت المشكلة يدل على رجاحة عقلك، فاستمرار الخوف من النزول في السوق أو التعرض لشيء من المعاكسات وأنت في بلد خليجي يتميز نوعا ما بالآمن وحدود المخاطر أقل عن بلدان أخرى. وبالتالي فنحن لدينا مشكلة في مهاراتك الاجتماعية وليس قدراتك، فأنت سليمة نفسيا ولديك الاستعداد النفسي لاكتساب المهارات بمجرد معرفتها ومحاولة التعرض لها تدريجيا وخصوصا مهارات توكيد الذات، والتعامل بشكل جيد من أفكار القلق الكارثية.
تمارسين نوعا من التجنب الذي يلفت نظر الآخرين لك، تجنب الفتيات وحديثهن جملة وتفصيلا ربما يجعلك تشعرين بالغربة ويمتد بك لتشعرين بأنك أقلية، ولا أعتقد أن ردود الأفعال ناتجة عن كونك كما يذكرون "وافدة" بقدر ارتباطها بشعورهم بالتهديد من عدم انسجامك معهن، فقليل من التقبل والتفهم لطبيعة الحياة المعاصرة لا تعني أن تكوني مثلهن ولكن تعني التبسم لبعض مواقفهن وتقبل وجودها والانفتاح على اهتماماتهن وهذا لا يعني اتباعهن إنما لك تفضيلاتك الخاصة وأنت تتفهمين وتنفتحين على بعض اهتماماتهن، فهذا جزء من الحياة ويقربك من فهم الواقع.
لديك مفاهيم دينية تختلط عليك في نظرتك وتفسيرك لبعض الأمور فمثلا كظم الغيظ يعني الكظم عند المقدرة، ولكن كظم الغيظ وضبط النفس في الموقف لا يرتبط بقدرتك على الرد أم لا، إنما رجاحة العقل ترتبط برؤية مترتبات الموقف واختيار أفضل طريقة مواجهة ربما مواجهة وربما تجنب وربما انسحاب حسب الموقف وطبيعته. كذلك سؤالك هل أصبر وأسكت أم أبدأ مشكلة؟ هذا اختيار محدود فليست إما صمت وشعور بالخضوع أو مهاجمة إنما بينهم درجات واختيار حسب الموقف والشخص كما ذكرت لك.
استبعادك زيارة اخصائي نفساني أو طبيب يبين مدى شعورك بالقلق أو خوفك من نظرة الآخرين، رغم أن خيرة القوم يذهبون للاستشارة والنقاش في أمور محيرة أو مربكة، بل هي جزء من الدين أن نسأل أهل الذكر بدلا من الحيرة والتخبط في المفاهيم.
وأخيرا أنصحك ببعض النقاط:
- أول الخطوات أن تحاولي حل مشكلة الخروج وحدك بدون قلق بالتدريج، فانزلي بعض المشاوير وحدك وابدأي بالأقرب والأقصر في المدة إلى أن تعتادي ذلك.
- لا تفكري قبل أو بعد النزول وحدك كثيرا. أيا كان تصرفك إن تعرضت لمعاكسة فهو مقبول مادمت تتحركين وحدك وتستقلين في أداء هذه المواقف الحياتية التي لابد منها.
- ثاني الخطوات: عند تعاملك مع الفتيات أو غيرهن فحاولي تفهم الاختلاف وتقبلي طبيعتك وطبيعتهن بهدوء ولا تعودي للبيت لتحللي المواقف ولا تدخلي في النيات فتلك مرحلة مراهقة وكل لديه طريقته في الحياة.
- ثالث الخطوات: دربي نفسك على مهارات توكيد الذات واقرأي عنها والأفضل أن تذهبي بضع جلسات مع مختص نفساني ليستمع إليك ويناقشك في بعض المفاهيم فليس عيبا ولا حراما ولا تهمة ولا وصمة.
تقبلي تحياتي.
واقرئي أيضًا:
ملف تأكيد الذات
نفس اجتماعي: الثقة بالنفس والتوكيدية Self Assertion