السلام عليكم
مشكلتي في شخصيتي، حيث إنني أغضب بسرعة جدا من أي شيء وفي هذه الحالة أتكلم عن الشخص الذي أغضبني عند شخص آخر وأبين عيوبه حتى أفض غيظي. وبعد فترة أندم لماذا تحدثت عنه.
وكذلك مشكلتي بأنني أغار جدا حتى إنني أغار من أخواتي كأن يقول أحد: أختك أجمل منك أو أختك أذكى منك.. أحس أحيانا بأنني أغار من تلك الأخت وأتحسر لماذا أنا لست مثلها، أحس بأنني تائهة وأتمنى أن أغير مجرى حياتي أتمنى أن تتغير شخصيتي أن أكون قليلة الكلام، وإن تكلمت ألا أتكلم إلا في خير. مع العلم أنني متزوجة منذ سنة ونصف ولدي طفل عمره 3 أشهر وأخاف أن حالتي تؤثر حتى في حياتي الأسرية.
أحس بأنني بعدت عن ربي وأصبحت لا أقرأ القرآن كثيرا، أصبحت أحس بالكسل من أداء واجباتي اليومية في المنزل والعمل، أتمنى أن أرجع مثل ما كنت في السابق حيث كنت فتاة هادئة وأقرأ القرآن بعد كل صلاة مفروضة وبتركيز ولكنني الآن حتى وإن قرأت لا أركز فيه مما يجعلني أتقاعس عن القراءة.
وعن تاريخ مرضي فإنني أصبت بالخوف من الموت القهري قبل 6 سنوات حيث أنني قرأت كتاب "إثبات عذاب القبر" وهذا ما أثر في من حيث تمسكي بالدين ومن حيث العصبية. وبما أنه لا يوجد لدينا أطباء أكفاء في علاج الأمراض النفسية فقد عولجت فقط عن طريق القيام بتمرينات استرخاء وساعدني ذلك كثيرا، ولكنني ما زلت أعاني من الخوف بين فترة وأخرى وهذا ما يجعلني لا أركز حتى في صلاتي، حيث إنني كلما حاولت أن أركز في صلاتي أحس بأنني سأموت في تلك اللحظة.
ولعلمكم فإن شخصيتي تغيرت بسبب هذه الحالة المرضية وسبب غيرتي من أخواتي لأنني تأثرت منذ صغري، حيث كان كل من يراني ويعرف بنت من أنا يسألني لماذا: أنت لا تملكين جمال أخواتك بالرغم من أنني جميلة وبيضاء، ولكن الفرق بسيط في لون بشرتي وكذلك لون العينين.. فهنّ يملكن عيونا زرقاوات وخضراوات، أما أنا فلون عيوني بني.
وكذلك أغار من معاملة زوجي لأخته. أنا لا أحب الغيرة وأنتقدها، ولكنني لم أستطع التخلص منها، فماذا أفعل لكي أتغير للأحسن؟ مع العلم بأنني أعيش مع أهل زوجي في نفس البناية، أنا في الطابق الأول وهم في الطابق الأرضي وهي على شكل بيت واحد.
أتمنى أن تجدوا لي حلا، حيث مشكلتي في شخصيتي، وكذلك في حالتي المرضية على الرغم من أنني أحس بأنني لم أكتب لكم مشكلتي بطريقة منظمة، ولكن ربما تستطيعون فهمي.
22/11/2022
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا بك، الحقيقة أن تركيزك في عرض مشكلتك جاء على جوانب فرعية عديدة ولم تأت الإشارة فيه إلى لب المشكلة إلا من بعيد، حتى إننا احترنا في الوصول إلى حكم حول نوع المشكلة: هل هو اضطراب حالةٍ أي اضطراب عابرٌ تمرين به بحيثُ تكونُ له بدايةٌ واضحةٌ في حياتك؛ وإن شاء الله تكونُ له نهاية قريبة، أو هو اضطرابُ سمةٍ أو سماتٍ في الشخصية وهيَ الحالة التي لا تستطيعين فيها تحديد بدايةٍ لمعاناتك، وغالبًا ما تكونُ رحلة العلاج المطلوبة طويلةً.
وحتى الغيرة التي تريدين منا أن نساعدك فيها فقد رحت تكلميننا عن أسباب معاناتك منها من وجهة نظرك بالطبع، دون أن تذكري شيئًا عن كيفية تلك المعاناة. فمن الممكن أن تكونَ الغيرة شعورًا عابرًا لا يكادُ يؤثرُ في السلوك، ومن الممكن أن تصل الغيرة بصاحبها إلى حد إتيان أغرب التصرفات، ومن الممكن أن تأخذَ أفكار الغيرة شكل الأفكار التسلطية (أي الوسواسية) بحيثُ تظل الأفكار تحاصر صاحبها وتعذبه وتدفعه إلى فعل ما لا يريد فعله.. كل هذه صورٌ محتملةٌ للغيرة، فما نوع معاناتك من الغيرة؟ تلك التي تصفينها بأنها حتى من أخواتك وكأن هذا غريب مع أنه هو الشائع أصلاً!!
ثم بينت لنا أنك قد أنعم الله عليك بالزواج من الرجل الذي رغب فيك واختارك زوجةً وأتم الله عليك النعمة بأن أنجبت طفلك الأول، منذ ثلاثة شهور، إذن فأنت الآن ترضعين طفلك، وهو ما يستدعي أن يبتعد الطبيب النفساني المعالج عن العقاقير الدوائية في علاج حالتك التي تقترب حسب إفادتك من الاكتئاب ربما الخفيف الشدة أو متوسط الشدة، فهذا واضحٌ في وصفك لفتور علاقتك بالله وتقاعسك عن أداء ما اعتدت من عبادات فضلاً عن الكسل وعدم القدرة على التركيز.
والذي يبدو أن اكتئابك نتج عن تراكم القلق داخلك لفترة طويلة، بسبب الخوف من الموت، هذا الذي تسمينه بالخوف القهري من الموت دون أن تبيني لنا أي شيء عن تفاصيله ولا عن سبب تسميتك له بالموت القهري.
إن ما نستطيع استنتاجه من إفادتك قليلٌ مع الأسف، ولعلك أدركت ذلك عندما قلت في إفادتك: (أحس بأنني لم أكتب لكم مشكلتي بطريقة منظمة، ولكن ربما تستطيعون فهمي)، وواقع الأمر أنك حيرتنا حيرةً كبيرةً وجعلتنا نشتبه في أن اضطرابك قد يكون نوعًا من أنواع اضطرابات القلق كنوبات الهلع Panic Attacks مثلاً، أو ربما أحد أشكال الوسوسة، وكلتا الحالتين قد تؤدي بصاحبها إلى الاكتئاب بعد فترةٍ من المعاناة.
وفي حالتك أنت تحديدًا فإنه احتمال اضطراب القلق والاكتئاب المختلط Mixed Anxiety Depression، وذلك إذا تذكرنا أنك في الشهر الثالث بعد الولادة وهيَ فترةٌ تكون فيها المرأة أكثر قابليةً للاكتئاب (وتمتد هذه الفترة من بعد الولادة وحتى الشهر السادس)، وهنا أحيلك إلى قراءة إجابات سابقةٍ لنا على صفحة الاستشارات:
نوبات الهلع وخلطة القلق والاكتئاب
شاهيناز وخلطة القلق والاكتئاب
وأما عن علاقة بداية اضطرابك النفساني أو خوفك من الموت القهري كما تسمينه بقراءة كتاب إثبات عذاب القبر، فنحن رغم رفضنا لأساليب بعض المؤلفين التي تتخذُ من الترهيب أسلوبًا يقع كثيرون من الناس خاصةً في سن الشباب والمراهقة ضحايا له، ومخالفة ذلك كما نرى لقوله تعالى: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هيَ أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" صدق الله العظيم (النحل الآية 125) .. بالرغم من ذلك فنحن لا نستطيع إرجاع سبب اضطرابك النفساني كليةً لذلك الكتاب أو لأي سبب واحد غيره، لأن أسباب الاضطرابات النفسانية غالبًا ما تكونُ متعددةً ومتداخلةً إلى حد التشابك.
والحقيقة أن القلق والوسوسة ونوبات الهلع والاكتئاب الخفيف أو المتوسط الشدة (وهذه هيَ الاضطرابات النفسانية الأكثر شيوعًا التي يمكن أن نتوقعها فيمن تصف حالتها بالخوف من الموت القهري) كل هذه احتمالات قائمةٌ في حالتك إضافةً إلى احتمال وجود خليط منها كلها أو بعضها وإفادتك حتى الآن لا تستطيع إيصالنا لقول نهائي في ذلك.
المهم أن طريقتك السابقة في العلاج بتمرينات الاسترخاء لم تستطع مساعدتك إلا قليلا، ولكن هنالك طرقًا عديدةً يستطيع الطبيب النفساني المختص القيام بها لمساعدتك إلى جانب هذه التمرينات التي نتمنى أن تكتبي لنا كل خبرتك معها وعنها لكي نستطيع فهمًا أكثر لطريقة تطبيقها على المسلمين، لأن الذين ينجح معهم العلاج بالاسترخاء حسب خبرتنا العملية في الطب النفساني من المسلمين جد قليلين، فمن الممكن أن يلجأ طبيبك النفساني إلى العلاج المعرفي السلوكي الذي نسأل الله أن يفيدك إذا واظبت عليه والتزمت بمواعيده.
أما ما عبرت عنه من انفعال ساعات الغضب حين تتكلمين في عيوب من أغضبك عند الآخرين ثم تندمين على ذلك فلم تبيني لنا إن كانت الغيرة أحد أسباب غضبك من إنسان ما في بعض الأحيان أم لا؟، وهل حاولت منع نفسك من ذلك؟ وهل عندك تفسير لعجزك عن جعل سلوكك كما تريدين؟ هل تتصرفين مثلاً دون أن تفكري، أي أنك تتصرفين هكذا في فورة غضبك دون حسابٍ للعواقب أي باندفاع؟ أم أنك تعانين من أفكار تسلطية تتعلق بالغيرة وتدفعك إلى الكلام عن ذلك الشخص الذي أغضبك؟
نحنُ نحتاج إلى معلومات أكثر.. ثم إن تغيير صفةٍ ما في الشخصية يحتاج إلى علاج نفسي يقوم به أحد المختصين. وأشرت بعد ذلك إلى خوفك من أن تؤثر مشكلتك تلك في حياتك الأسرية لا قدر الله، وهذا ما يجعلنا نطلب منك التحرك بسرعة لطلب العلاج المعرفي السلوكي، والاستمرار على تمرينات الاسترخاء التي نجحت معك في نفس الوقت، وكانَ الله معك وتابعينا بأخبارك.