كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد م
المشاركة الأولى:
الإخوة الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رسالتي هذه مشاركة لأختي في الله صاحبة رسالة "كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد" لأنها ذكرتني بحالي منذ عشر سنوات مضت.. فأسرتانا متشابهتان إلى حد كبير.. وأروي لك هنا أختي الكريمة بعض من ردود الأفعال التي حدثت حين تحجبت أنا:
1- أختي وأمي أمرتاني ألا أعلن أمام أحد أني قريبة لهما (في الزيارات والمناسبات التي قد تجمعنا بأغراب). وضاقت بي أختي ذرعا مدة طويلة من الزمن.
2- كنت في مدرسة راهبات تمنع الحجاب فاضطهدت بالكلمة والفعل وساءت معاملتي وكنت الوحيد المحجبة فكان هذا جزءا من المعاملة لحجابي والجزء الآخر خشية من انتشار الفعل (الحجاب) بين التلميذات المسلمات (وهو ما تم بفضل الله).
3- كنت الوحيدة المحجبة في عائلتي المقيمة في بلدي وأنا أصغرهن فكان البعض ينهرني لأنهن لا يحببن الحجاب والبعض الآخر لا يقوى عليه فيقول إنني (أحرجته).
4- كنت الوحيدة المحجبة بين صديقاتي.
5- ابتعد عني (أو بمعنى أصح ابتعدت عن) أقرب "صديق" لي وهو ابن عمتي لأني لم أستطع أن أرافقه في كل خروجاته نظرا لعدم إمكاني دخول بعض الأماكن التي كنا نذهب إليها بالحجاب، كما أن الأوقات لم تعد مناسبة لي لأخرج بصحبته، فقد تعودنا أن نخرج حتى الصباح وأحيانا كنت أخرج معه بصحبة أصدقائه.
والآن اسمحي لي أن أصف لك ما شعرت به وأنا أقرأ رسالتك:
أولا: كان على وجهي ابتسامة - رغم إحساسي العميق بما تشعرين به من حزن - ذلك لأني فرحة لك أن الله اصطفاك من وسط هؤلاء ليجعلك من أهله وخاصته، وما هو فضل لنا ولكنه من الله عز وجل فلله الحمد والشكر.
وابتسامتي كانت كذلك لأني أرى أمامي سنة الله لا تتغير ولا تتبدل يختص قوما بالهداية فإن استقاموا عليها وأدوا شكر "الهدية" جعلهم سببا في هداية من حولهم، وإن زهدوا فيها ولم يجد لهم عزما "وحبا لمن حولهم" اختص غيرهم - من أهلهم - ليقوموا بالدور.. فصدقيني يا حبيبتي، وجودك في عائلتك وذكرك لله بينهم إنما هو رحمة من الله بهم لأن مجرد "رؤيتك" واستقامتك سيذكرهم بالله شاءوا أم أبوا، ومع الوقت سيتم التغيير وإن لم يكن سريعا وإن لم يكن واضحا.. ستجدين أن الألسن بدأت تذكر أكثر، وأن الأذن بدأت تألف الحق أكثر والعين كذلك، وسترين علمهم بدينهم يزيد وقلبهم له يتفتح دون وعي كامل منهم، إنها رحمة الله تشع في القلوب فتنيرها وتهديها.
وكم استبشرت حين سمعت موقف صديقة خالتك - فها هو وجودك يستحي منه من هو على باطل ويمنع حدوث معصية، لكني تعجبت لرد فعلك جدا، تُرى حين قال المصطفى: "لو سلك ابن الخطاب فجا (أي طريقا) لسلك الشيطان فجا غيره" هل غضب عمر بن الخطاب؟ بالطبع لا، فذلك مدعاة لفخرنا حبيبتي.
لكن قولك نبهني إلى شيء، وهو أننا أحيانا نربط التزامنا بالـ"دين" في الدنيا وذلك لحرصنا على رضا الله في "الآخرة"، بينما الله يريدنا أن نسعى لرضاه وحسن العلاقة به في "الدنيا والآخرة" من خلال التزامنا بدينـه في الدنيا، والفرق هنا كبير، الفرق أننا لن نكون مع الله فقط في الآخرة، ولكن علينا استشعار أنه معنا الآن - لأنه كذلك!
حين قرأت كلماتك أحسست أني أرى قاعدة هرم وددت لو أن بيدي أن أرفع قمتها لأصلها بالسماء، وددت لو أجعلك ترين "البعد الثالث" .. الله معك حبيبتي، بحثت عنه في كلماتك التي تصفين بها معاناتك فلم أجده كثيرا، فاجعلي بينك وبينه "خطا ساخنا" كلما ضعفت كلميه - ليس فقط في صلاة أو دعاء - بل تحدثي معه في أي وقت وكل وقت وإن كان فقط بداخل نفسك، فهو يسمع ويرى ويعلم السر وأخفى، كلما جرى ما يؤلمك توجهي إليه بالشكوى وتكلمي معه واطلبي منه الثبات والرضا حتى تشعري بثلج الصدر وتجدي ابتسامة حلوة قد ظهرت على وجهك خارجة من أعماقك التي رد الله عليك بطمأنتها.
تحدثي واحكي وناجي واهدئي بين يدي ربك في صلاة واسمعي كلامه في قرآنه حتى يمتلأ قلبك برحمة منه تظهر في معاملتك لمن حولك وتجعلك كالنحلة بينهم تدخل في كل زهرة فترة فتعطي من خيرها بعد ذلك لكل من حولها.. تُزكي من رحمة الله بك رحمة لمن حولك، ومن العلم علما ومن الحب حبا ومن الصبر صبرا.
وقبل أن أختم حديثي بوصيتين صغيرتين لك أبشرك بحال أسرتي الآن:
1- أمي الحمد لله تحجبت منذ حوالي 4 سنوات الآن، وأختي كذلك منذ ما يقرب من عامين، وهما تقريبا آخر من تحجبن من سيدات العائلة، ولله الفضل والمنة.
2- أبي حج وأمي اعتمرت (بعد أن كانت ترفض ذلك رفضا شديدا - الآن العمرات هي أقرب شيء لقلبها وتسعى لحجة - أدعو الله أن يرزقها بها قريبا).
3- لا أستطيع أن أصف لك كم تبدل حال العائلة فالجميع الآن يصلي ويصوم ويزكي - ما عدا ابن عمتي لا يصلي إلى الآن لكن مشكلتك ذكرتني بتقصيري في حقه - إن شاء الله أُكثر من الدعاء له وأعطيه شريطا عن الصلاة عله يسمعه- لكن علاقتنا طيبة جدا خاصة بعد زواجه فإنني أحاول أن أحسن إليه من خلال معاملتي لزوجته وأولاده، لكن حتى هو زاد علمه بدينه ولله الحمد وذكره ربه وهو يكثر من أعمال الخير عل الله يبارك له فيما رزقه.
الآن وصيتي إليك أختي في الله هي أن تسعدي وتفخري بعزة الله لك أن هداك طريق الحق "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ َفلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" هنيئا لك اصطفاء ربك، ثبتك الله. كما أنني أوصيك بكثرة الدعاء لأهلك وأن تكوني داعية لهم بحالك قبل مقالك، وبحسن معاملتك.
وأقول لك - سبحان الله - بقدر تمسكك بالحق بقدر ما سترين أثر ذلك فيمن حولك، تعرفين، حين بدأت عدم مصافحة الرجال خاصة الشباب -كان أثقل ما علي كيف سأواجه ابن عمتي بذلك، لكن كانت حالتي الإيمانية مرتفعة جدا وقتها ولله الحمد، وحين دخلت عليه بيته هو وزوجته قلت له: أريد أن أقول لك شيئا، قال: أظنك ستقولين إنك لم تعودي تصافحين الرجال، قلت نعم، قال حسنا، فقط حاولي أن تظهري ذلك عن بُعد حتى لا تحرجي أحدا!!
بالطبع لم أكن أتخيل أبدا أن يمر معه الأمر بمثل هذه السهولة، لكن تخيلي أختي أنني حين أراه وتكون حالتي الإيمانية غير عالية وأسايره مثلا في الضحك وكذا أراه تجرأ علي ولمسني مثلا بغتة على كتفي أو كذا ليضايقني (وأنا أذكر ذلك لا لأجاهر به فهو يخجلني جدا لكن لعله يفيدك) وكذلك الحال مع أختي، أحيانا أتحرج منها لأنها تذكرني بالصلاة على وقتها وأنا مقصرة أو تذهب إلى درس ديني وأنا ماكثة في المنزل!!
كما أذكر نفسي وإياك بحسن الظن بالله فهو عند ظن عبده به وأرى إن شاء الله أن ربي الكريم قادر على أن يمنحك أهلك ومثلهم معهم رحمة بك منه وهدية لك على التزامك بدينه، وأذكرك كذلك بإرجاع الأمر كله لله، فأحيانا نشعر وكأننا من هدينا من حولنا لا سببا في هدايتهم، فالأمر بيد الله ليهديهم، جهدنا فقط هو لرغبتنا في ثواب كوننا سببا ولأننا سنحاسب على دعوتهم لله.
أخيرا وليس آخرا عليك بالصحبة، فالصحبة هي خير نعمة بعد الإسلام (أو هكذا أشعر بها) وهكذا شعر بها الخطاب رضي الله عنه حين قال "ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرا من أخ صالح" عليك بأخوات، مجرد رؤيتهن تذكرك بالله وتذهب عنك الحزن، فقد قال عمر كذلك: "لقاء الإخوان جلاء الأحزان".
وأختم كلامي بخير كلام "وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدا وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ".
ثبتك الله وأعانك وكان معك، ورضي عنك وأرضاك! ليتك تطمئنينا على حالك دائما، فكم سيسعدنا ذلك!
المشاركة الثانية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته د. أحمد عبد الله لدي تعليق على المشكلة التي بعثت بها الأخت الفاضلة، بعنوان: "كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد ". عندما بدأت بقراءة مشكلة الأخت الفاضلة لم أكن أتوقع نهايتها فاختنا أثبتت أن حب الله عز وجل وحب طاعته أقوى من أية عوائق مادية ونفسية.
أريد أن أخاطبك أيتها الأخت وأقول جزاك الله كل خير وألهمك الثبات والقوة ولا تنسي حديث رسولنا الحبيب صلى الله عليه والسلام: "ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:... وشاب نشأ في طاعة الله"، فهنيئا لك بما كسبت يداك. وأنت إن شاء الله من الصابرين وقال الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وبشر الصابرين" صدق الله العظيم. ولنا في حبيبنا الرسول الأمي الأمين قدوة فثباته وتحمله الأذى والعذاب رسالة لجميع البشر، فلا تهني ولا تحزني وأنت الأعلى بإذن الله.
وإياك.. إياك أن تتركي الصلاة، أبدا مهما حصل، على العكس فإذا بقيت مواظبة على الصلاة فإن أهلك سوف يملون من أن يضايقوك وتصبح لديهم هذه حقيقة ثابتة، ودائما لا تدعي لأحد أن يؤثر على إيمانك، أو النفس الأمارة بالسوء، فلا تصبحي عبدة نفسك وشهواتك. لقد كرمك الله فألبسك الحجاب فلا تلاقي القرب بالبعد.
وأقول لك أيضا بما أن أهلك وأقاربك لا يساعدونك فابحثي عن أشخاص يساعدونك مثل صديقات ملتزمات مثلك، وحتى أقارب بعيدين لكنهم ملتزمون ليساعدوك. ولا أدري لم فسخت الخطوبة من الشخص الذي شجعك على الحجاب.. فيبدو لي أنه خائف عليك لذا شجعك.
أريد أن ألفت نظرك يا أختي أنك قلت إن أولاد خالتك تربوا معك لذا هم أقرب لك من إخوانك بحكم تربيتكم سويا، وهذا كان في السابق، وقولين إنهم تعودوا على تقبيلك، وبرضا منك. لكن الآن تقولين إنهم يحاولون أن يدخلوا عليك الغرفة وأنت بدون حجابك ويحاولون تقبيلك... إياك إياك يا أختي، ولا تعطي فرصة لأحد ليستغلك ويجرح كرامتك ويعبث بإيمانك فإن حاولوا مرة أخرى فلديك الحق بالرد العنيف، وليست مرة واحدة تكفي لإيقافهم؛ فأنفسهم لا تمتلئ بالإيمان؛ لذا هم ضعفاء.
حافظي على صلاة الفجر مهما كانت الأسباب... ولا تفتر همتك عن الصلوات الأخرى.. فهن البركة والأبقى لك. كما أقول إن لديك واجبا وهو دعوة وهداية أهلك، ولا عذر لديك؛ فأنت معهم وعليك إرشادهم للطريق الصحيح، وخاصة أمك لأني لمست من كلامك أن لديها دافعا ورغبة فساعديها على ذلك. ولا تنسى يا أختي الاستعانة ببعض الأشرطة لبعض الدعاة مثل الأستاذ عمرو خالد، بسماع درسه عن الحجاب والعفة وهي موجودة على موقعه بالمجان.
ومرة أخرى للرسول الكريم صلى الله عيه وسلم المثل والقدوة حيث كان كل يوم يقف في مكة ويدعو الناس للإسلام، وفي إحدى الليالي الماطرة والباردة يطرق الباب على أبي لهب فيقول أبو لهب: إن الذي يطرق الباب لديه حاجة ماسة وسألبّها له.. فيفتح الباب وإذا به سيدنا محمد... ويقول الرسول الكريم أما آن أن يقولها يا أبا الحكم... ويناديه بأحب الأسماء لديه!!
فتمعني أختي الكريمة ولا تلن عزيمتك، والله يبارك فيك وفي أمثالك. في النهاية إذا كنت من سكان الأردن فإن خطيبتي كذلك، وإذا رغبت أن تكون صديقة لك وتساعد على الطاعة فأبلغيني بذلك وهي متحجبة ملتزمة بدينها. والله من وراء القصد.
وجزاكم الله خيرا.
المشاركة الثالثة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الإخوة القائمين على صفحة استشارات مجانين، السلام الله عليكم ورحمته وبركاته . أسأل الله العلي أن يجعل ما تقدمونه للمسلمين في جميع بقاع الأرض في موازين أعمالكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم.
من خلال قراءتي لمشكلة: "كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد" توقفت كثيرا عند قول الأخت: "وأحس بأني غريبة بين ظهراني عائلتي"، وقولها: "أصبحت وحيدة"، وأول ما تبادر إلى ذهني: لماذا هذا الإحساس وهذه الوحدة؟ هل الالتزام يؤدي إلى هذا؟ وذكرتني هذا الرسالة بالشباب (الملتزم) من الجنسين الذين أراهم في الجامعة -وأقول بعضهم- حيث يفهمون من الالتزام بأنه انقطاع عن العالم وهجر الأمور التي أباحها الله لنا، وتتصدر في أقوالهم كلمتي الحلال والحرام دون معرفة مدلولاتها، وكذلك دون ترتيب الأولويات.
أختي، الالتزام برأيي هو أن يكون حالك أفضل من الأول في جميع المستويات (في علاقتك بالله سبحانه وتعالى، ثم مع أسرتك الصغيرة والكبيرة، ومع صديقاتك ومع...) أي أن تكون أفعالك مترجمة لأقوالك وتكوني الفجر الذي يبدد ظلام الليل. وتكون هذه نقطه الأولى في خطة "الغزو"، غزو القلوب والعقول التي ذكرها دكتور أحمد مع ترتيبك للأولويات. أما الالتزام الذي يؤدي إلى العزلة والبكاء فقط فليس هو من الالتزام بشيء.
وحتى لا أطيل أود أن أركز على مسألة الترفيه بالنسبة لك. فإذا كانت أخواتك وبنات خالتك يذهبن إلى أماكن لا ترضين بها فلماذا لا تبحثين أنت عن البديل لهذه الأماكن.. خذيهن لمشاهدة مسرحية هادفة مثلا أو إلى أمسية شعرية أو إلى المتاحف ومعارض الكتب أو معارض الفنون التشكيلية، أو دعوتهن إلى طعام في مكان محترم. هل جربت أنت أن تشاركي في أعمال اجتماعية (كمتطوعة).. إذا فعلت اطلبي منهن مشاركتك في هذا العمل. أما الرياضة والسباحة فهناك نواد خاصة للنساء ابحثي عنها وستجدينها بإذن الله. هذا الأمور وغيرها كثير ترفه عنكن وتقضين وقتا طيبا ومفيدا معا وليس هناك ما يغضب الله سبحانه وتعالى بل تكسبن أجرا.
أختي مشاركة الناس وعدم انقطاعك عنهم أولا، ومحبتهم ثانيا، وإظهار الفرح والسرور عند لقائهم ثالثا هي مفاتيح تغيرهم.. فهل أنت تملكين هذه المفاتيح؟ أخيرا أقول لك كما قال دكتور أحمد: احمدي الله على نعمة العائلة المتفتحة المتفاهمة دون قهر، وخاصة الوالدين فهناك ملايين من البشر لا يملكون هذه النعمة.
أرجو أن أكون قد أضفت لك شيئا يفيدك، ونحن أسرة واحدة في هذا الموقع كما قال دكتور أحمد.
أسأل الله الكريم أن يحفظ الجميع من كل سوء.
23/11/2022
رد المستشار
يسرني أن أؤكد على سعادتي بهذه المشاركات المتنوعة التي جاءت من أطراف مختلفة في أماكن مختلفة لأختنا صاحبة الرسالة "كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد" وهي سطور تتضمن الدعم المعنوي الذي أعتقد أن ابنتنا تحتاجه، ولكنها أيضا تتضمن بعض المعاني، مما أحب التوقف عنده مع جزيل الشكر لكل كلمة دعم ومشاركة.
- أختي التي تنشط معنا في المشاركات بالفترة الأخيرة، أدعو الله لها بالخير، ولعلها تواصل الاهتمام، فهي تذكرني بمن شاركتنا حينا ثم انقطعت، مع أن خير الأعمال عند الله أدومها، وإن قل، وأقول هذا أيضا لأنني سأنتهز فرصة مشاركتها لأجدد الحديث في موضوع يهمنا، وأحسب أنها على دراية به، ولكنني أزيده تأكيدا ووضوحا بإذن الله.
- وأشكر أخي المغترب الذي أرسل عبر البحار ليوالي أخته في الله مصدقا لقوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..."، وكذلك الأخت التي شاركت بمساهمة تتفق فيها مع ما ذهبت أنا إليه، وزادته تأكيدا وتفصيلا ووضوحا.. بارك الله فيها.
- أنفقت أمتنا أوقاتا طويلة وجهودا كثيرة، والجهد والوقت المتاح المتوافر أمامنا أصلا قليل، في استهلاك مفهوم محدد أحيانا وفضفاض أحيانا أخرى لما يسمى بالالتزام، وقد ساعد على شيوع هذا المفهوم الكثير من الضغوط والعقبات من ناحية، والأفكار والقراءات والتأويلات من ناحية أخرى، والحصاد أننا -وبعد مرور عدة عقود- ما زلنا لم نحرز إلا معاني للالتزام بعينها يغلب عليها الشكل أكثر من الجوهر، والفردية أكثر من الجماعية المنتجة، والخير بمفهومه البسيط أكثر من العمران ومهام الاستخلاف التي ما خلقنا الله إلا للقيام بها!!!
- أكرر أنني أحسب مفهوم أختنا "النشيطة" عن الالتزام أوسع من هذا ولكن تعالوا نتأمل نص رسالتها.
- خبرة مدرسة الراهبات والصراع على شكل الزي، وهو ما يتكرر للأسف الآن في فرنسا مثلا، فيستقر لدى المسلمين -ولو دون وعي- أن الظفر بلباس فضفاض، وغطاء رأس هو النجاح والإنجاز والفتح المبين من رب العالمين، وأسمع من يقول بسرعة: الحجاب ليس مظهرا فقط، ولكنه كذا...
وأستطيع أن أقول مثلما يقول، ولكن واقع الحال أن نسبة كثيرة من المحتشمات بالزي الساتر قد اقتصرن عليه تقريبا، وبدلا من أن يكون مدخلا لبقية عالم الحجاب فإنه –وللأسف- كان بديلا عن جهود كثيرة، وأعمال متعددة، ومهام ملحة تحتاجها كل فتاة في مجتمعاتنا لتصبح إنسانا كامل الإنسانية والأهلية، وللقيام بواجب الاستخلاف وعمارة الأرض بما أمر الله جميع خلقه، ولا يقولن لي أحد: فماذا عن غير المحتشمات، ألسن أيضا تافهات، وفارغات؟! وردي ببساطة أن الجدية والاجتهاد... إلخ شيء، والاحتشام في الملبس والمسلك شيء آخر في مجتمعاتنا، رغم أنهما من المفترض ومن المنتظر أن يكونا وجهين لعملة واحدة لمن يعتقد أن الحجاب مظهر وجوهر، وأنه مدخل لطريقة في الحياة والسعي... إلخ.
- ولا أتفق أن التي تستر جسدها بلباس مزخرف، أو تغطي شعرها بأعاجيب الألوان والأشكال سوف تتخلى عن هذا –بالضرورة- لترتدي غدا ما هو أنسب وأهدأ، وبالأحرى لم يكن شرطا أن تنتقل خطوات أوسع وأهم من اللباس إلى الحركة وسط الناس بوعي ودور.. الواقع يقول هذا، والتجربة، وست أنا الذي أزعمه.
- ولذلك فإنني أخشى وأطالب بناء على هذه التجربة وذلك الواقع بوضع حجاب الزي في حجمه الأصلي كتوجيه رباني لا يعني ولا يغني الالتزام به عن بقية التوجيهات المهجورة، والفرائض الغائبة في الاعتقاد والفكر والسلوك والفاعلية والمشاركة، وهكذا أفهم الالتزام في الدين والدنيا، وهو ما أشارت إليه المشاركة النشيطة فجزاها الله خيرا، وهو جزء من خبرة صفحتنا هذه ورسالتها.
- والحجاب -من الناحية الاجتماعية والثقافية- هو مجرد رمز شكلي، وعلامة على مظهر إنسانة تحاول الالتزام، وينبغي أن ندعو الله وننتظر منها، ونساعدها على استكمال بقية نواحيه -وهي كثيرة، وأغلبها مهجور ومنسي- ولا بأس من التشجيع على "الحجاب الزي" كمدخل أو خطوة، وحذار من إعطائه أكبر من حجمه في قائمة التكاليف والمسؤوليات المطلوبة من كل مسلمة.
- مفهوم العبادة في الإسلام أوسع بكثير جدا من الصلاة والصوم والحج والعمرة وصيام النوافل، بل يذهب بعض العلماء إلى أن هذه العبادات والشعائر إنما شرعت لمقاصد تحسين السلوك وضبط الحركة الإنسانية، فلا خير في صلاة تامة الأركان والأشكال وتحري المكان والزمان بينما هي لا تنهى صاحبها عنه الفحشاء والمنكر بالمعنى الواسع للمنكر الفردي والجماعي، الأخلاقي والاجتماعي... إلخ، ولا خير في حج أو عمرة لا تنعكس أو تتجلى سلوكا يتحرى مصلحة المسلمين، ويسعى في قضاء حوائجهم، ورفع المعاناة عنهم، وتحسين مستوى معيشتهم، وترقية وعيهم، وممارستهم لدينهم في دنياهم، وأنا أدعو الله أن أشهد اليوم الذي يتبادل فيه المسلمون شرائط تشرح كيف ننهض من تخلفنا ببرامج عملية، وكيف تنضبط حركتنا الجماعية لنحل مشكلاتنا، وكيف نتكامل ونتكافل ونتحاور في جماعات الجيرة أو الاهتمامات المشتركة لنحصل على فرص تربية أفضل لأولادنا، وبيئة أنظف لعلاقاتنا الإنسانية وصورة أنصع في عيون العالمين تكون أقرب لحقيقة الإسلام من واقعنا المضطرب البائس حاليا... وهكذا.
- نحرص على أن ينتظم في الصلاة من لا يصلي، أو يهجر المعاصي الظاهرة من يجترئ على اقترافها، ولكننا ينبغي أن نستوعب وننشر على أوسع نطاق أن حضارة الإسلام لم تقم على ملايين الركعات والسجدات فحسب، وأن عطاء الإسلام للإنسانية أكبر بكثير من مجرد الشعائر والطقوس على أهميتها، ولزوم أدائها صلة بالله سبحانه وتعالى، وحرصا على أثرها في تقويم السلوك وإرواء النفس والروح ليجدد الإنسان همته وجاهزيته لنصرة دين الله في كل مجالات الحياة.
- أتمنى أن يطيل الله في عمري حتى أرى المسلمين يتعلمون أمور عمارة دنياهم كما يتعلمون الصلاة والطهارة، وبر الوالدين وآفات اللسان، وأدعو الله أن تظهر الدروس الدينية التي تتناول مهارات الوالدية الصالحة، والقيادة الراشدة، والحوار المنهجي، والعمل بروح الفريق، والتخطيط والإعداد والتفكير السليم بوصفها لوازم لحياة المسلم لا يكتمل سعيه في الخير إلا باكتسابها ومراعاتها.
- وأدعو الله أن يأتي اليوم الذي يعرف فيه الناس الإنسان الملتزم بالتغيرات التي أصابت برنامج حياته حين يصبح أكثر اتزانا، وأوسع ثقافة وأقل غضبا، وأنفع للناس لأن خير الناس أنفعهم للناس، ومعاني النفع هنا عديدة ومتنوعة، والاقتصار على معان بعينها ظلم للنفس وللدين بل يحمل في طياته جهلا بطبيعة الإسلام أو تكاسلا عن القيام بتكاليفه الأهم والأجدى لحركة الحياة التي تفتقد للهدي الرباني.
- إن عمارة الأرض بالثقافة والفنون الهادفة، والأبحاث والدراسات العلمية، والتطوع والأعمال الاجتماعية، والجهود والاستثمارات في الاقتصاد والتربية والتعليم، ورعاية حق الجسد بالرياضة والحرص على سلامة البدن وصحته.. هذه كلها فروض مضيعة ودوائر تشتكي إلى الله من غياب الالتزام والملتزمين عنها وانشغالهم بجدول أولويات آخر يستغرق في تكبير تفاصيل بعينها، ويتغافل أصولا وثوابت أولى بالرعاية والعناية، والنتيجة كما نراها: ملايين يذهبون للحج والعمرة سنويا، وملايين يحرصون على صوم النوافل وأداء الطقوس التعبدية، وملايين الفتيات يرتدين الزي المحتشم بأنواعه ودرجاته وألوانه، وملايين المحسنين الذين يبذلون من أموالهم للسائل والمحروم ليسدوا رمقه، أو يستروا عورته، يحدث هذا كله ونطرب له، لكن ندعو إلى بقية دين الله لأن نفس أمتنا هذه المتعبدة المحتشمة هي نفسها التي تزداد تخلفا وفوضى وفسادا وتبعية، وآن أن تنصرف معاني الالتزام إلى بقية القائمة، بإعادة ترتيب الأولويات لأن هذا هو ما نفتقده..
وشكرا للجميع.
ويتبع >>>>: كثيره يقلب الحال: الطرح التأصيلي "مشاركة"