السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري، لست متزوجا، وأنا والحمد لله مستقر حياتيا، وأتمتع بقدر لا بأس به من الالتزام والخلق، وأحافظ على الصلاة في المسجد والحمد لله، وأتبوأ وظيفة مرموقة في مصر.
أما مشكلتي التي أرسل إليكم بشأنها والتي أخجل منها ولا شك، أنني -على ما يبدو لي- قد تعلق قلبي بإحدى المطربات اللاتي ظهرن حديثا، وذلك عندما رأيت بعض أغانيها المصورة وبعض الأحاديث التي أجريت معها وتأتي على التلفاز، وذلك رغم أنني لست كثير الجلوس أمامه ولا أشاهد -في العادة- إلا بعض القنوات الدينية والإخبارية.
وإزاء تعلق قلبي بهذه المطربة أصبح ذهني وفكري ينشغل بها كثيرا وأفكر فيها في كثير من الأوقات، وأجد في نفسي رغبة شديدة في مشاهدتها، ليس وهي تغنى وترقص بطبيعة الحال، لكن في مشاهدة حوار معها مثلا.
ولا أبالغ وأقول بأنني لا أستطيع العيش مثلا، ولكن لا شك أن هناك تأثيرا في تفكيري وفي جوانب حياتي المختلفة بدرجة كبيرة، وتكثر أحلام اليقظة التي أحلم من خلالها أنها تابت والتزمت وأنني ارتبطت بها، رغم إدراكي واقتناعي التام أن هذا أمر بعيد المنال.
وقد وصل بي الأمر ذات مرة أنني بكيت عندما قرأت خبرا عنها جاء فيه أنها ارتدت المايوه في إحدى الرحلات التي قامت بها، رغم إدراكي أن هذا أمر عادي ومتوقع من قبل الممثلات والمطربات.
ومنذ ذلك الحين وأنا تتنازعني الرغبة الشديدة في معرفة أخبارها ومعرفة كثير من الأمور عنها بصفة عامة من ناحية، ومن ناحية أخرى الابتعاد عن معرفة أخبارها في وسائل الإعلام المختلفة خشية مثل هذه الأخبار التي يضيق صدري بشدة من معرفتها، وربما وصل الأمر إلى الحزن الشديد والبكاء كما ذكرت.
وقد وصل بي الأمر أنني قمت بكتابة رسالة إليها كي أقوم بإرسالها عبر البريد الإلكتروني أو عنوانها إذا استطعت الوصول إليه، وقمت بالفعل بإرسالها عبر البريد الإلكتروني لها ولأحد الأشخاص من مصممي المواقع الخاصة بها والذي يعرفها لكي يقوم بإرسالها إليها، كل ذلك وأنا لا أعرف إن كانت هذه الرسالة سوف تصل إليها أم لا، ولكني فعلت ذلك لأن هذا هو ما أستطيع القيام به، ولو أستطيع أكثر من ذلك كمقابلتها مثلا فربما لم أتردد في ذلك.
وأنا إن كنت أرى وأدرك تماما استحالة الارتباط بها استحالة مطلقة، فإنني يراودني الأمل -وإن كان صعبا للغاية أيضا- أن أتقابل معها يوما ما حتى أعطى الفرصة كي أقول لها ما أريد أن أقوله لها، لعل ذلك يكون له بصمة في حياتها أو يساعد في تغيير مسار حياتها وإبعادها عن الطريق الذي تسير فيه.
وقد سألت نفسي كثيرا عن سبب تعلقي بها وأنا أختلف عنها اختلافا كليا في أسلوب الحياة والعيش، وهل من المتصور أن يتعلق قلب امرئ بامرأة يكون الاختلاف بينهما كبيرا إلى هذه الدرجة، خاصة أنه لم يحدث تقابل من أي نوع بيننا مما لا يتيح معرفة كثير من جوانب الشخصية؟ وهل يمكن أن أكون متوهما؟ لكنني لا أستطيع تحديد هذا الأمر، وهو ما أتمنى أن يشمله الرد الذي آمل أن أتلقاه منكم.
وأنا إذ أرسل إليكم هذه المشكلة فإني أطلب استشارتكم في هذا الأمر والتفسير الحقيقي لهذا الشعور ومساعدتي في كيفية التخلص منه، باعتبار أن ذلك هو المتاح لعدم إمكانية أو ربما استحالة الزواج منها أو القرب منها بدرجة أو بأخرى لوجود الكثير من الموانع الشرعية والواقعية،
شكرااا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
22/11/2022
رد المستشار
أخي الكريم، لقد حيرتني مشكلتك، وحيرتي نابعة من حيرتنا نحن البشر في فهم ماهية الحب وفهم صفاته؛ فالحب قد حير الإنسان منذ الأزل، والتساؤلات حول الحب ومعناه وتفاصيله وصفاته لا تنتهي، لماذا يحب الإنسان شخصا معينا دون سواه؟ ولماذا ينفر الإنسان من آخر؟ ما العضو الذي يتحكم في الحب؟ هل تتحكم تفاعلات كيميائية معينة في مشاعر الحب؟ لماذا يحب الناس من النظرة الأولى أو حتى من خلال الوصف؟ ماذا.. وكيف.. لماذا؟
تساؤلات كثيرة قد لا يسهل الإجابة عليها أو قد لا تتوافر لها إجابات واضحة ومحددة، لكن مما لا شك فيه أن البشرية من قديم الأزل تتعرض لخبرة الحب، ومن هذه الخبرات يمكننا أن نقول بأنه من أفضل الوسائل للتعامل مع مشاعر الحب أن نتعامل مع هذه المشاعر ببصيرة، وأن ندرك ونحلل جيدا ما نشعر به وما نحس به.
ومن بياناتك ومن أسلوب عرضك لمشكلتك أجد قدرا من التعقل والحكمة يدفعانني لمناقشة جوانب مشكلتك مناقشة عقلانية، وسأحاول أن أصيغ نقاشي في النقاط التالية:
• هل حاولت أن تعرض على نفسك هذا السؤال: ماذا أحب؟ بالطبع ستقول إن الإجابة سهلة وميسرة؛ فأنا أحب المطربة فلانة، ليأتي السؤال الثاني:
وماذا تعرف عن هذه المطربة؟ ستكون الإجابة: أعرف شكلها وصوتها وأعرف عنها بعض المعلومات البسيطة والتي لا يمكنني التأكد من صحتها؛ لأنها معلومات تتناقلها وسائل الإعلام كدعاية لهذه المطربة.
إذن أنت لا تعرف هذه الإنسانة ولا تحبها من هذا المنطلق، لكنك تحب شكلها.. جسدها.. صوتها، أي أنك تحب مظهرا وشكلا.
نأتي للسؤال التالي:
هل هذا المظهر والشكل الذي أحببته هو الواقع والحقيقة أم أنه صورة مصنوعة تدخل في صناعتها عوامل عدة، منها فرشاة الماكيير والأضواء الساطعة والكاميرات مع توجيهات المخرج والمصور، ولو أتيحت لك الفرصة لتقارن بين الصورة التي تراها على شاشة التليفزيون لأي فنانة أو إعلامية وبين شكلها في الواقع لأدركت حجم الهوة بين الصورتين، فمن الضروري أن تسلم لنفسك بأنك عاشق لصورة مصنوعة وغير موجودة إلا على شاشات التلفاز، والمهم أن هذه القناعة مطلوبة لتكون أول خطوة على طريق علاجك مما تعانى منه.
وفي عشق الصورة أحيلك لهذا الرابط: "الصور العارية: الفقه الغائب، والمستوى المطلوب".
من الواضح أن مشاعرك اتجهت نحو هذه الإنسانة من مجرد عدة نظرات محدودة، وفي هذا يقول الخبراء بشأن العشق، ومنهم ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة: إن الحب إذا دخل بسهولة ومن نظرة واحدة أو من نظرات محدودة فإنه ينتهي بسرعة وذلك بعكس الحب الذي ينمو بطيئا، وهو قانون في جميع الأشياء "أسرعها نموا أسرعها فناء، وأبطؤها حدوثا أبطؤها نفادا".
أنت تقول إنك تحب هذه الإنسانة، ومن الواضح أنك إنسان ناضج ومتدين حتى إنك تتعجب من نمو هذه المشاعر في قلبك، فما هي النهاية التي تراها لهذا الحب؟
منطقك يقتضي أن تفكر في أن تكلل قصة الحب هذه بالزواج؛ لأن تدينك يمنعك من أن تقيم معها علاقة بدون زواج، وأحلام اليقظة تستغرقك فتتخيل أنك التقيت بها وحادثتها واقتنعت بكلماتك، قد يكون هذا ممكنا، ولكننا اتفقنا على أنك تحب صورة مصنوعة، فهل تضمن أن صورتها الحقيقية ستروقك؟ وما هو أهم: هل تضمن أن تتوافق صفاتها وأخلاقها مع صفاتك وأخلاقك؟ وهل تضمن أنها الزوجة الأنسب لك؟
من المسلم به أن منطق الحب يختلف عن منطق الزواج، فنحن عندما نحب نحلق مع المحبوب في السماء ونسهر نناجي القمر ونعد النجوم وننشد الشعر مع المحبين أو نستمع لأغاني الحب، ولكننا عندما نتزوج ننزل لأرض الواقع بمسؤولياتها ومشاكلها، فمن أدراك أن هذه الإنسانة هي الأصلح لأن تشاركك رحلة الحياة؟ وكيف لك أن تتأكد من هذه الحقيقة وأنت لا تعرف عنها إلا صورتها المصنوعة؟
والحل يا أخي الكريم أن تعمل على التخلص من هذا الحب وذلك بأن تحرص على أن تتجنب كل ما يذكرك بها فلا تتابع حواراتها ولا أغانيها، وأن تنخرط في أي اهتمام أو هواية بحيث تقلل من المساحة المتاحة للاستغراق في أحلام اليقظة.
أعلم أن الأمر سيكون في بدايته صعبا، ولكن لا سهل إلا ما يسره الله؛ فاستعن به واسأله أن يرزقك بحب العمر مع الإنسانة التي تناسبك وتصلح أن تكمل معها حياتك، وساعتها ستدرك أن حب الواقع أجمل وأبقى وأدوم من سويعات تقضيها في أحلام اليقظة مع صورة مصنوعة، والفارق بين الحالين كالفارق بين الدمية الجميلة ذات الوجه الملائكي والشعر المسترسل وبين الطفل الحقيقي، الفارق بين الحالين كالفارق بين الجمود والحياة.