السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتى تونسي (أقطن بتونس) أبلغ من العمر 17 سنة، أدرس بالمعهد النموذجي بسوسة (يضم نخبة من تلاميذ تونس) من عائلة محافظة أو لنقل مسلمة إسلامًا معتدلا، ولدت بالمدينة المنورة، وترعرعت فيها وتلقنت فيها "مبادئ الإسلام" التي لا تزال راسخة فيّ جدًّا..
المهم قد تبتسمون وقد تتململون ضجرًا إذا قلت لكم: إن لي عشرات الأسئلة التي تؤرقني، ولولا ثقتي في كونكم ذا عقل وحكمة ومعرفة وتجربة؛ لما أقدمت على استفساركم عن مشاكلي هذه التي أرجو أن تعينوني من خلالها على شق طريقي في الحياة عبر الطريق السليم.. في طريقة تفكيري وكلامي وتعبيري عن أفكاري.. أجدني "منطقيًّا" جدًّا لدرجة أني أملّ من نفسي.
صدقوني .. وعلى الرغم من أن من يحيطون بي يجدونني عبقريًّا في تناولي للمشاكل وحلها على اختلافها (من أبسط المشاكل العائلية إلى أصعب البرمجيات الإعلامية)، أنا نفسي أبقى مندهشًا حائرًا هل المنطق طريق قويم لحل كل مشاكلي أم هو صالح لبعضها فقط؟
أوليس المنطق من صنع العقل البشري والعقل البشري ليس فذا بما فيه الكفاية؟
أعينوني جزاكم الله خيرًا.
06/12/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أهلا وسهلا ومرحبا بك "جمال" على موقعكم موقع مجانين.
في البداية أود أن أخبرك بأنني سعيدة ومبتهجة جدا من رسالتك التي تعكس عقلا منهجيا بفطرته، يظهر ذلك من خلال عرضك للرسالة أيضا، فأسأل الله أن يفتح لك من العلم فتوحا واسعة.. آمين.
* لا شك أن المنطق منهج منضبط لحل المشكلات، لكن تصبح كلمة المشكلات عامة وواسعة يندرج تحتها أنواع كثيرة، فهل نتحدث مثلا عن مشاكل علمية أو عمل أو شخصية، وهكذا سيبرز لكل نوع من المشكلات منهج مختلف عن الآخر، وسيظهر أن المنطق نافع في العلم والعمل وحتى المشاكل الشخصية من جهة تقييم المشكلة، لكن ليس المنطق وحده يسد جوانب المشاكل التي تنبع عن العلاقات لأنه سيتطلب الكثير من المرونة التي تخالف المنطق كأسس لا يجوز الخروج عنها، بخلاف المشاكل العلمية التي تعتمد على أسس العلم وفهمه حتى يتسنى الخروج بحلول منضبطة.. يكون قاعدتها التسلسل المنهجي لهذا العلم، كذلك جانب التجريبيات في العلم لا يعتمد على المنطق بقدر ما يعتمد على التجارب التي في نهايتها أستخلص قانونا ما، لذا يجب أن نحدد نوع المشاكل حتى نرى كم يحوز خلها على المنطق الذي استشعرت من سؤالك أنه منطق حسابي أكثر، وإلا فلكل مشكلة منطق خاص بها.
* بالنسبة للسؤال الثاني، فالإجابة عليه هي: فالمنطق ليس من صنع البشر، المنطق العقلاني سيستم رباني يدرك من خلاله العقل الصحيح من الخطأ، والصالح من الفاسد، مثلا: هل الأعداد والحسابات من صنع البشر، أم أنها بدهيات يدركها العقل، ويعرف أنها ثوابت ثابتة في الكون حتى من دون أن يدركها العقل الإنساني، أي هناك فرق بين المسلمات وبين النظريات، المنطق من المسلمات، ومسلمات أي بدهيات ثابتة بذاتها لا تحتاج إلى براهين ليستدل عليها، إنما بمجرد النظر يدركها الإنسان، مثلا العقل يدرك أن الجزء أصغر من الكل، وأن الواحد زائد واحد يساوي اثنان، هذه مسلمات وبدهيات، لم يصنعها العقل، وإنما يدركها العقل، ومن خلالها يبدأ في بناء نظريات ترجع في أصلها إلى البدهيات، ذلك في العلوم النظربة، أم في العلوم العملية، فالمعمل هو الذي يفصل القول في القانون الذي سينبثق من خلال النتائج، هذه النتائج التي بحث الإنسان في موادها، ولم يضع هو القانون، إنما استنتج بالملاحظة والمراقبة.. القانون.
* أتمنى أن أكون قد أجبتك إجابة وافية، وفي انتظار المزيد من المشاركات الطيبة التي يبتهج لها العقل، وإن ما خفي عليك شيء فأنتظرك بإذن الله بكل حماس وشغف.
-دمت سالما.