سأحاول الاختصار قدر المستطاع، وجزاكم الله خيرا..
أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري، أنعم الله علي بالحال الميسور، تعرفت بزوجتي وهي تصغرني بأربعة أعوام منذ حوالي السنة والنصف عن طريق بعض المعارف، وتمت الخطوبة، وكتب الكتاب ثم تزوجنا منذ ثلاثة شهور.
منذ فترة كتب الكتاب وأنا أرى أن أسلوب تفكير زوجتي مختلفا عن أسلوب تفكيري إلى حد كبير من حيث أولويات الحياة، فأولوياتي في الحياة هي تكوين الأسرة وبناء بيت يقوم على تقوى الله وطاعته والكفاح في الحياة بالعمل، وبذل الجهد لتدعيم هذا البيت. بينما تربت زوجتي منذ الصغر على أن العمل والطموح والمستقبل المهني (الـ career) هو أهم مقومات الحياة، وأن كل بنت لا بد أن ترسم لنفسها طريقا واضحا لمستقبلها في العمل حتى تصل إلى أعلى المناصب.
باختصار.. أنا أبحث عن تكوين البيت، ثم توفيق أوضاع العمل وفقا لمتطلبات هذا البيت، وزوجتي تبحث عن مستقبلها العلمي وتوفيق أوضاع البيت والزوج على أساسه.. دارت الكثير من المناقشات، وحدثت بعض الخلافات خلال فترة كتب الكتاب، ولكن ما حدث أننا اتفقنا على ما يرضي الطرفين، وأن الموازنة بين البيت والعمل أمر لابد منه. ونصحني أهل الخير بأن هذه الأمور والخلافات ستستقيم وتهدأ بعد الزواج وبعد دخول الزوجة بيت الزوجية وإحساسها بالمسؤولية الجديدة.
تم الزواج، ولم نكن نخطط للإنجاب في الفترة الأولى من حياتنا حتى تستقر أمورنا ومن ضمنها أنه كان من المخطط أن تسافر زوجتي للخارج لإجراء امتحان معادلة لشهادتها في ديسمبر القادم إن شاء الله.. ولكن أراد الله أن تحمل زوجتي بعد شهر من الزواج، ومن هنا بدأت المشاكل:
فزوجتي تصر على السفر لإجراء الامتحان في نفس التوقيت، بالرغم من أن هذا التوقيت سيوافق الشهر الثامن من الحمل، وعناء السفر ومشقته سيشكلان خطرا على زوجتي بشهادة الأطباء، مع العلم أنها تريد السفر وحدها، وستقيم عند عمتها في الخارج لمدة 10 أيام (وهي نقطة أرجو الإفادة في شرعية سفرها وحدها).
المشكلة أن زوجتي لا تصغى لكلامي، وتخبرني أنها قررت السفر بصرف النظر عن موافقتي من عدمها، بل إنها بدأت في استخراج بعض الأوراق والصور الخاصة بهذا الموضوع، ولا أجد أي نوع من الدعم أو التوعية من أهلها؛ لأنهم باختصار.. هم أصحاب الفكرة، ويعتقدون أنني أحاول فرض سيطرتي كرجل وتنفيذ أوامري دون النظر لأحلامها وطموحاتها.
ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني لا أسعى سوى لمصلحتها، ولا أرفض سفرها وحدها إلا خوفا عليها، مع العلم أنني أخبرها دوما بذلك، وأخبرتها أنه يمكن أن تسافر بعد الولادة لإجراء امتحانها دون مشاكل.
أنا الآن في حيرة من أمري، فأنا أمام خيارين:
الخيار الأول هو تصعيد الأمور والإصرار على عدم سفرها ومحاولة منعها بأية طريقة، وذلك قد يؤدي إلى تنفيذ رغبتي، ولكنه قطعا لن يؤدي إلى وجود أي نوع من الاستقرار في البيت.
والخيار الثاني هو الصبر، وترك الأمور بين يدي الله، وتركها للأيام، فالله وحده أعلم ما قد تأتي به الأيام القادمة لحين ميعاد السفر، ولكن هذا الخيار قد يضعني في موقف حرج، حيث إنه توجد إجراءات قبل السفر وهي أخذ تصريح السفر من السفارة، وحجز الامتحان، وحجز تذكرة الطيران، وكلها خطوات قد تقدم عليها زوجتي بدون موافقتي، كما أخبرتني بنفسها أكثر من مرة، وفي هذه الحالة لا أدري ما العمل؟
مع العلم أيضا أني جلست مع والدها جلسة مطولة بالأمس لمدة حوالي 7 ساعات، وجدت نفسي خلالها أتعامل مع أسلوب تفكير غريب، فبدلا من مناقشة المشكلة الرئيسية، حاول والدها وبصورة مستميتة إقناعي بأمر آخر ألا وهو ضرورة سفرها للولادة في الخارج أيضا حتى يتمكن الطفل من الحصول على الجنسية ومزايا الجنسية.. إلخ، بالإضافة إلى أنه أخبرني أنه رباهم على أن رأيه استشاري!! وهي صاحبة القرار.
فماذا أفعل إذا وصلت الأمور إلى أن أجدها مسافرة بدون موافقتي؟ هل يمكن أن تستمر الحياة بيننا بهذه الطريقة؟ وما ذنب ذلك الطفل في أحشائها ما إذا قررت الانفصال عنها؟
الله وحده أعلم بمدى الحيرة التي أعاني منها. أرجو النصح والإرشاد، وجزاكم الله خير الجزاء.
13/12/2022
رد المستشار
صديقي
من الواضح أنك وزوجتك لم تتفقا ولم تناقشا أمورا كثيرة قبل الزواج وأهمها مسألة الأولويات والزوايا التي يمكن النظر إلى الأمر منها.. مثلا: يمكن النظر إلى أن ما تريده زوجتك من نجاح في مستقبلها العلمي والعملي والحصول على جنسية أخرى كوسائل مفيدة في تكوين البيت ورخاء الأسرة المادي وبالتالي لن يكون هناك خلاف في الأولويات.. وهذا ما يحاول أهلها إقناعك به وهوالسبب في موافقتهم ومباركتهم لسفر زوجتك.
من ناحية أخرى يجب أن تعي أنك ذكرت مرارا وتكرارا مسألة "بدون موافقتي" وهذا ما يعطي الانطباع بأن ما يهمك حقيقة هو مسألة الزوجة المطيعة.
أعتقد أن كلاكما مخطئ في تناولكما للأمر.. وصفك لأسلوبها إن كان دقيقا يدل على أنها لا تشعر بالأمان وأن خطوة السفر والمعادلة والجنسية الأخرى للمولود وربما بالتالي لكما هي وسيلتها في الحصول على الإحساس بالأمان.. الحدة التي تشوب أسلوبها مثل أنها تقول لك أنها سوف تفعل ما تريد بموافقتك وبدونها يدل على أنها غاضبة.. الغضب كثيرا ما يحركه الخوف وهو ما يسبب الحدة والعنف.. قد تكون غاضبة منك ومن أي شيء آخر في نشأتها.. كل هذا يحدده كيف تنظر هي للأمور وما المعاني التي تراها فيها.
وكلامك عن إحساسك وموقفك والاختيارات التي طرحتها لا يوحي بأنك تخاف عليها وإنما يوحي بأنك تريد طاعتها كرمز لأهمية تكوين البيت والأسرة عندها ووضعه في المقام الأول... ليس هناك ما يمنع من تكوين البيت والأسرة أثناء سعي زوجتك للنجاح العلمي والعملي والذي هو مفيد في تكوين البيت والأسرة خصوصا مع غلاء الأسعار.. ولكن يبدو أنك ترى في أسلوبها معنى آخر مثل أنها إن أطاعتك فقد أثبتت لك أهميتك عموما وعندها خصوصا... ما هو السبب في عدم موافقتك على سفرها؟ يبدو لي أنها لا تحملك المسؤولية المادية والتمويلية لرحلتها.. إن كنت مصيبا في انطباعي فماذا يضيرك حقيقة من سفرها؟ .. هل تكوين البيت والأسرة يعني تأجيل رغبتها؟ إلى متى؟ بعد الإنجاب سوف يتعذر عليها السفر ربما لعدة سنوات.
تقول "تم الزواج، ولم نكن نخطط للإنجاب في الفترة الأولى من حياتنا حتى تستقر أمورنا ومن ضمنها أنه كان من المخطط أن تسافر زوجتي للخارج لإجراء امتحان معادلة لشهادتها في ديسمبر القادم إن شاء الله." ...هي تنفذ ما كان مخططا من قبلكما أنتما الإثنين... ومن حقها السعي إلى النجاح وما هو أفضل من وجهة نظرها مثل المعادلة والجنسية اللتان قد تتيحا لكما ولأطفالكما اختيارات جيدة في المستقبل.. هناك مخاطرة في سفرها الآن ولكنها تريد أن تخاطر لخوفها من عدم المقدرة على تحقيق أي شيء بعد الإنجاب وتأجيل ما هو مهم لديها لعدة سنوات لا تعلم عددها.. ربما أيضا لأنها تقول لنفسها أن إنجاب طفل في بلد آخر يمنحه جنسية أخرى سوف يكون مفيدا للطفل على المدى الطويل.. أليس هذا اهتماما بالأسرة؟
المناقشة بينكما لم تكن فيها محبة وتفهم ومحاولة التعاون وإنما كان فيها تحيز كل منكما لرأيه.. ينبغي الآن مناقشة المخاطر وكيفية التعامل معها إن وقعت وهذا ما يجب أن يحدد صحة قرارها بالسفر.. إن كانت المخاطر أكثر من الفوائد فعليها مراجعة وجهة نظرها.. والعكس صحيح.. ولكن يجب مناقشة الأمر من موقف يبحث عن "ما هو الاختيار الأفضل" بدلا من "من فينا على حق أكثر" و"من فينا القائد ومن فينا التابع"
سؤالك عن الموقف الشرعي يمكنك أن تستفتي فيه علماء الشرع ولكنه في الحقيقة يدل على أنك تريد إشهاد الآخرين عليها أنها مخطئة وعار عليها ما تفعل.. هذا ما يجعلني أقول أن المناقشة بينكم لم تكن من موقف المحبة والتعاون المتبادل.. لست عالم تشريع ولكن في زمننا هذا ليس من المنطقي أن يكون هناك مانعا شرعيا لسفر الزوجة وحدها لأن علة الخوف عليها من المخاطر والمشقة المتعلقة بالسفر في حد ذاته غير موجودة.. التقدم العلمي وفر الكثير من وسائل الراحة والأمان في السفر.
ابدأ من موقف المحبة التي تهدف إلى إسعاد الآخر.. ناقش معها ما يسيئك في أسلوبها من منطلق أنكما فريق واحد وأنه لا يوجد سبب للحدة والعنف في الإصرار على المواقف.. يمكننا الإصرار على مواقفنا بدون الحدة والكلام الجارح ومحاولة الحط من قدر بعضنا البعض.. يمكننا أن نحب بعضنا البعض بالرغم من اختلاف وجهات النظر والترتيب الظاهري للأولويات.. ابحثا عن ما تتفقا فيه أولا بدلا من البحث عن ما أنتما مختلفان فيه.
أعتقد أنه لا ضير من سفرها إلا إذا استشارت هي أطباء عدة في مسألة خطورة سفرها على صحتها وحملها.. إن كانت قد فعلت وأجمع الأطباء على عدم سفرها فاختيارها وكل تبعاته السيئة إن حدثت تقع عليها وعلى أهلها.. لن تقدر على منعها من السفر إلا بسبب قانوني جيد، وليس هناك سبب قانوني جيد في حالتك على حد علمي وفهمي.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب