السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أود أن أعبر عن خالص شكري للقائمين على هذا الموقع.. فجزاكم الله خيرًا وأثابكم.. أما بالنسبة لرسالتي فما أصفه بها أنها بعض من مكنونات نفسي، ودت أن أبوح بها فكانت من نصيبكم أنتم.. أنها ليست قطعًا أدبية أعبر بها إنما مشاعر تجتاحني، وودت لو تحدثت عن أسبابها، لكني سأكتفي بنتائجها على نفسي، وإني أعتبرها رسائل أرسلها إلى نفسي من خلالكم علَّها تهدأ قليلاً.
الرسالة الأولى..
أتأمل ذلك النائم بجواري وعقلي يفكر ويعيد التفكير في صحة اختياري أو بمعنى أدق رضائي عن هذا الاختيار.. في الصباح الباكر وقفت أمام منزلي أردد تلك الخواطر بيني وبين نفسي علِّي أتذكرها حين أصل إلى العمل فأحاول تسجيلها، لكن عبثًا حاولت الحفاظ على الكلمات، لكن بقيت الفكرة وصار عليّ أن أبحث عن كلماتي ثانية.. عندما أراجع الزمن أتمنى لو أعود إلى الوراء، ولا أعرف هل سأتخذ نفس قراراتي تلك أم سأغيرها، أقف أمام منزلي أراجع نفسي في كل اللحظات التي أدت بي إلى هنا، أحاول أن أقيم حياة قصيرة ما زال العمر أمامها، وهي غضة لم تتعدَّ الأشهر الثلاثة، لم تتضح ملامحها بعد وإن كانت جيدة.
بمنطق العقل ومعايير الزمن الحالي يعتبر وضعي رائعًا، ولا بد أن أعترف أن زوجي نعمة من الله أتمنى أن يديمها عليّ، لكن ماذا يكون الحل عندما يشعر الإنسان أنه طير مقيد السراح، طوال الحياة ينقل من قفص إلى قفص تحت وطأة المسؤولية تجاه الآخرين، أن تكون قيد التصرف طبقًا لما متوقع منك لا طبقًا لما تتوق إليه روح جامحة تضطرب بين الجوانح، لا تطلب تفسيرًا لمعنى الجموح فليس بالضرورة أن يكون المغزى سيئًا.. تبدو الصورة رائعة، لا يسعك التمرد، لكنك تطمح إلى التحليق على أعلى ارتفاع وبأقصى سرعة، لكنك أبدًا لم تحلق ولن تحلق، تغزوك الثورة من حين لآخر ويشملك الاضطراب حين تتمرد الأجنحة المدفونة في أضلعك رغبة في أن تزهر، لكنك تجمحها وتعود فتبتسم.
أكون كاذبة لو ألقيت كل اللوم على عاتق الآخرين، إنه الضعف والرغبة في الالتزام تقود من قيد إلى قيد، الرغبة في أن تكون وفقًا للصورة، وفقًا للمقياس العام وأبدًا لن تكون، تعطيك الحياة كثيرًا من جميل الأشياء، وتأخذ منك البعض ولن نرضى أبدًا، إنه قلبي يطلب بعض العدل أن يكون له نصيب من الاختيار، لكنه أبدًا ما حاز ذلك المركز، وعقل سئم من أن يكون في المقدمة، قلب غض لم تترك الحياة فيه الكثير من البصمات، ينبض بالكثير من الأحلام أضحى موقنًا أن الأحلام ما عادت تجدي سبيلاً مع ذلك الحارس العتيد.. عقلي.
عندما تصبح الأحلام نادرة تتحول الحياة إلى الجمود، إنها الأحلام تنقضي بمرور العمر، فترة صلاحية الأيام تنتهي نعم، لاحظت أنني كلما كبرت أصبحت قدرتي على صنع الأحلام أقل، إنها تلك القدرة التي دومًا ما دفعتني على تحمل سجن الصورة الرائعة.. إنه نائم بجواري لا يدري عن كنْه نفسي شيئًا، بينما يتخيل أنه سبر جميع أغواري وأنا أعرف لربما لم أكن لأتشكك فيك لو لم أقبل بك لكونك جعلت الصورة رائعة، لكوني مطالبة أن أكون على قدر المتوقع، لكوني مطالبة أن أحكم العقل وأن أرضي الله، لكوني مطالبة أن أكون بعضًا من نسيم النجاح لوالديّ ليتفاخرا ويسعدا بك، لربما ولربما... لكني لست براضية عنك ولا عن نفسي ولا عن حياتي، إنه ليس تمرد على المكتوب أو قسمة الله، إنه ذلك الطير الجامح يطل برأسه طالبًا الفرصة ولو لمرة واحدة، إنه ذلك الأسير الذي يضطرب بين ضلوعي متطلعًا أن أفك القيد عن نفسي، وأنا أعرف أنني لن أفعل.
أنظر إليك وأنا أعرف أنك بداخلك دومًا ما تشعر بنقص في شعوري نحوك، وأنا أرغب في الحصول على دفئك وأنت دافئ القلب، لكنك لست أسطوري النكهة، وأنا كذلك أنت كباقي الرائعين نعم.. أنت رائع، لكني لست كذلك لأنني أمشي كما تتطلب الصورة.. من حين لآخر تنتابني تلك الرغبة الجامحة في الثورة فأفقد الشعور ببهجة الحياة من حولي، ثم أودّ لأكبح نفسي من جديد، لكنها الآن تأتي عاتية، أنظر إليك أيها العزيز الغالي علي قلبي وأشعر بالرغبة في البكاء بين ذراعيك، لكن لا أستطيع فماذا أخبرك؟.. أخبرك أني لست راضية عن اختياري لك؟ أخبرك أنني أرغب في التمرد عليك، لست أنت فقط، بل كل العالم من حولي؟ أشعر بعدم الاستقرار، أشعر دومًا بالرغبة في البكاء لا أعرف لنفسي أو لك هدفًا واضحًا في الحياة، إننا نحيا كما يحيى كل الناس، ننام ونستيقظ ونأكل كأنها طبيعة الحياة، فقط أن نفعل ذلك.. لم أتخيل يومًا أن أكون عادية ككل الناس وأنت جعلتني كذلك كما جعلني كذلك كل من حولي من قبلك، كم أود أن أحطم ذلك النموذج الرائع الذي وضعت فيه.
أبدًا لم تكن الحياة مثالية أو حتى جميلة، لكني حرصت على أن تبدو كذلك، حرصت على نداء العقل لتفادي انفجارات الحياة وتقلباتها.. لكم وودت أن أنفجر وأفجر الغضب داخلي.. ولو مرة واحدة، وأصرخ ليست تلك الحياة التي تمنيتها، ليست تلك اختياراتي، أود أن أحلِّق.. أن أغضب.. أن أصرخ.. أن أثور.. أن يرى الناس ثورتي وغضبي، هذه ليست ما أريد.. أنا شيء آخر.. حياة أخرى.. أهداف أخرى.. أشعر أن هذه الحياة لا تسعني ولا تسع حدودي المسروقة، وطموحاتي المنتهية، لقد انتهى عهد الأحلام داخلي، كنت أنفس عن ثورتي بالأحلام، لكني لم أعد أحلم والغضب يحرقني والقلب يتمرد عليّ.. إنه مدفون بلا هواء لا حلم ولا واقع.
الرسالة الثانية..
أعرف أنني أحبك، حبك في مكان ما داخلي إنه فقط تائه وسأحاول العثور عليه؛ لأني أعلم أنه موجود داخلي في مكان ما، فقدته حينًا تحت وطأة الثورة داخلي، لكن يقينًا أحبك وإلا فلم تنتابني تلك اللحظات تجاهك.. تلك اللحظات الأسطورية.
اعذرني فخريطة أعماقي مليئة بالمتاهات، بالمسارات المتشابكة، بكثير من الرغبات المكبوتة، لكنه يقينًا موجود.. حبيبي كلمة لا أشعر بها الآن لكنك حبيبي.. أنا متأكدة من ذلك، فقط أنا مشوشة مرتبكة، لو تأخذني بين ذراعيك دون أن تصر على معرفة السبب كعادتك، دون أن تصر أن أبوح لك بما يقتلني، فقط احتويني واتركني أبكي بين ذراعيك كما لم أبكي من قبل، لكني لن أفعل حتى لا تُجَنّ أنت فأنت لا تتحمل رؤيتي أبكي، أي نعمة تلك التي حباني بها الله بعد طول انتظار، بينما أنا ما زلت في متاهة نفسي .. لكن يقينًا أنا أحبك صدقني سوف أجده مرة أخرى.
الرسالة الثالثة..
أعتقد أنني فقدت القدرة على الكلام، لا أشعر بالرغبة في الحديث عن أي شيء حتى لو أرقني وأتعبني، أعتقد أن هذا يحدث عندما تدرك أخيرًا أن الحديث عن معاناتك لن يغير شيئًا.
فقط أريد المضي صامتة فما فائدة الكلام حين تعرف أنك ستتحدث وتنفس عن غضبك، ثم يأتي الصباح وأنت على نفس الحال وفي نفس الموقع، فالأمور ليست بيدي؛ لذا سأمضي صامتة كبركان يحرق بعضه بعضًا.
2/12/2022
رد المستشار
هذه الرسالة ربما أكون قد سمعتها أو قرأتها عشرات المرات من قبل!! ولكن الجديد هنا -ليس في المحتوى- وإنما في الأسلوب الأدبي العميق الذي تميزت به.
يا أختنا الكريمة.. أنت قد استطعت التعبير بدقة وبلاغة عن "أشهر" الصراعات التي تدور في النفس الإنسانية.. الصراع بين العقل والمشاعر، وبين الواقع والأسطورة، وبين ما يفرضه العرف أو الشرع وما تمليه رغبات النفس وأهوائها!! هذه هي أشهر مساحات الصراع داخل النفس البشرية، ولقد عبرت عنها ببراعة... وأنا أحييك مرتين، المرة الأولى على هذا المستوى الأدبي المتميز، والمرة الثانية لأنك قادرة على السيطرة على هذه الصراعات -حتى الآن- لصالح العقل والواقع والشرع والعرف؛ لأن كثيرين غيرك استجابوا لثوراتهم وجنونهم حتى كانت عاقبة أمرهم خسرًا.. وسبب هذا الخسران الفادح الذي لحق بهم هو أنهم لم يستوعبوا ثلاث حقائق هامة جدًّا، وهي:
1 - أن هناك واقعًا نتحرك في داخله إلى أن نلقى الله تعالى، وهذا الواقع له قوانينه وسننه، وأن أي محاولة للهروب من هذا الواقع لن تنجح في فكّ أيدينا من قيوده ولن ينتج عنها إلا المزيد من الصراع معه.
2 - كما أن هناك (عقلاً) قد جعله الله حارسًا لنا، وصمام أمان يحول بيننا وبين أهوائنا، وهو نعمة من الله -وليس نقمة- ولولاه لعصفت بنا رغباتنا ولتحولنا إلى حيوانات هائمة، وإن عذاب الحرمان الذي نعانيه بسبب أحكام العقل أهون كثيرًا من عذاب الحسرة والفشل والضياع الذي نعانيه عندما يغيب العقل.
3 - كما أن (الشرع) هو النعمة الأكبر والأعظم، فهو الدليل الذي يتبعه العقل ويسترشد به؛ ليحدد اختياراته وقراراته وسلوكه ومنهجه.. هذه هي الحقائق الثلاثة التي عندما يتجاهلها الإنسان متصورًا أنه سيصل بهذا إلى السعادة، يفاجأ بأنه لم يظفر إلا بالشقاء والألم.. ولعل نسب الانتحار والجرائم والانحرافات في الغرب خير دليل على هذا المعنى، ولعل ازديادها مؤخرًا في بلادنا علامة خطر تدعونا لمراجعة أنفسنا.
الإنسان يقع تحت تأثير قوتين مدمرتين:
القوة الأولى: تزيين الخيال..
والقوة الثانية: تقبيح الواقع..
فمثلاً -على مستوى علاقتك بزوجك- هناك قوة تزين لك الخيال، فتقولين إن زوجك (ليس أسطوري النكهة).. وهل هناك زوج في الكون أسطوري النكهة؟! هذا النموذج موجود في الأسطورة فقط، وهناك قوة تتمادى في تزيينه لأنه خيال، أما القوة الثانية فإنها تتمادى في (تقبيح) الواقع، فنجدك تتحدثين عن الزواج على أنه (صورة) وهو في الحقيقة ليس كذلك الزواج "أسرة.. سكن، مودة، رحمة..." وهذه المعاني -بالمناسبة- لا تتحقق بالضرورة بمجرد كتابة عقد الزواج، وإنما نحن ننحتها بالجهد والصبر والتعب، ونصل إليها بعد طريق طويل من العطاء والتواصل.
إذن هناك قوة تزين الخيال، وأخرى تقبح الواقع.. وبالمناسبة.. هذا سينطبق في يوم من الأيام على زوجك أيضًا، فهو -ربما بعد سنوات- يتطلع خياله لامرأة أسطورية النكهة، ويرفض تلك القائمة بجواره منهكة من عمل البيت وتربية الأولاد!! وعندئذ سنقول له ما قلناه لك...
أختنا الكريمة.. أذكر لك في النهاية تعليقًا أخيرًا: أنا لم أقصد أبدًا الاستسلام التام للواقع، بل إني أدفعك للقليل من التمرد، وأن تخرجي أحيانًا عما هو مألوف، وتكسري الملل الذي قد يتسرب لحياتك سواء على المستوى الشخصي من أنشطة وهوايات، ولعل على قائمتها الهواية الأدبية التي ستجد لها متنفسًا طيبًا في (المدونات) مثلاً ليس مقبولاً أن نكون كالقطار الذي يسير على نفس القضبان!! لا مانع أن نتجاوز الحدود، نتجول يمينًا أو يسارًا.. المهم هو ألا نقفز في البحر مثلاً، وإلا سنغرق طالما أننا لسنا سمكًا أو غواصات!!
مرة أخرى.. أحييك على قدرتك على السيطرة على صراعاتك، وأتمنى أن يمنَّ الله عليك بالرضا والسعادة.
ويتبع>>>>>>>: حياتي دون "نكهة أسطورية".. م