الإخوة الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة في العقد الثاني من العمر، تمت خطبتي منذ وقت قريب إلى أحد الشباب المعروفين بحسن الخلق في بلده. لم أكن أنا ولا أهلي على سابق معرفة به ولكن تمت الخطبة عن طريق أحد المعارف ولا أخفي أنني كنت أخاف من فكرة العنوسة بسبب عدم وجود نشاطات اجتماعية لي ولكنني عندما جلست معه وجدت أنه يفكر بطريقة منظمة وهو هادئ الطباع.
في البداية كنت خائفة أن أكون قد وافقت لمجرد أن يقال إنني مخطوبة وخوفي من ألا أتزوج على الرغم من أنني تقدم لي في هذه الفترة شخص آخر، ولكن ما أراحني في خطيبي عندما جلست معه هو تفكيره المنظم والهادئ وكنت أنا على سجيتي تماما على غير عادتي مع الغرباء، ولا أخفي عليك أنني كنت أشعر برغبة أبي وأمي في إتمام الأمر. تمت الخطبة بعد ذلك بثلاثة أسابيع.. إذن أين المشكلة؟ ... دعني أحدثك عن نفسي قليلا: أنا فتاة ليست لي تجارب عاطفية وإلى حد كبير متحفظة في التعامل مع الآخرين، وهو ما جعل والديّ قبل الخطبة قلقين من أكون فظة معه أنا أيضا شخصية مستقلة وكتومة إلى حد كبير أتمتع بقدر كبير من الثقة بالنفس يزيد ويقل أحيانا أتمتع بقدر من الجمال وأعمل في وظيفة جيدة جدا وأحمل مؤهلا عاليا.
ليس لي أصدقاء كثيرون، أما الأصحاب فلا أميل إلى التجمعات الكثيرة ولا إلى الصخب بالرغم من أني لست هادئة إلى هذا الحد بل إنني أميل إلى الضحك والتنكيت، ولكن دائما مع المقربين مني وهو ما جعل معظم الناس تهابني وتتهمني بالغرور، بالرغم من أنني لست كذلك كل ما في الأمر أنني لا أميل إلى الاختلاط بشكل عشوائي وأحب الاحتفاظ بمساحة بيني وبين الناس.. مررت بتجربة الحب من طرف واحد في البداية انبهرت بأحد الأشخاص في بداية عملي، ولكن نظرا لأنني دائما أزن الأمور بعقلي، وأقرأ كثيرا فقد أدركت أن شعوري هذا ما هو إلا انبهار تتعرض له معظم الفتيات في بداية التعامل مع الناس في العمل خاصة إذا لم يكن لديهن سابق تعامل مع الجنس الآخر كما هو في حالتي، وهذا ما ساعدني أن أتخطى هذا الشعور بسرعة دون أن أنزلق فيه.
ولكني بعد فترة أحسست بشعور نحو أحد الزملاء ظل حبيس صدري دائما خاصة أنه ترك العمل بعد، وعرفت فيما بعد أن هناك زميلا حاول التوفيق بيننا ولم يخبرني بسبب فشل الموضوع، ولكنه وفي أثناء هذه الفترة ألمح لي أحد الزملاء بشعوره وتقبلت هذا الشعور برغم شعوري نحو زميلي الذي ترك الشركة وفوجئت بأن هذا الزميل يعترف بحبه لي ولكنه خاطب لإحدى قريباته وهو يعلم أنني لا أدخل في قصص الحب، لكنه لم يستطع منع نفسه من أي يصرح بحبه، ورفضت الموضوع شكلا ومضمونا، ولكن ذلك سبب صدمة لي ثم حدث أن انتقلت للعمل بشركة أخرى، وهناك التقيت بأحد الأشخاص في البداية لم أشعر ناحيته بشيء لكن ما لبث أن تولد عندي نوع من المشاعر لم أعرف هل هي حب أم افتتان لكن المهم أنه لم يلتفت لي إطلاقا؛ وهو ما سبب لي دائما نوعا من الإحساس بالنقص من هذه الناحية وعزوت السبب إلى نفسي وعدم إبراز شخصيتي الحقيقية بالشكل الكافي، وبدأت أحدث نفسي أنني أنا من أبعد الناس عني بتحفظي والتزامي الزائد على حد تعبير البعض.
المشكلة أنني أجد صعوبة في التواصل مع خطيبي وأفتقد شعوري به، خطيبي يصرح دائما أنه تخطى مرحلة الإعجاب بي إلى الحب المطلق، ولكن ما يقلقني هو أنني لا أشعر بالحب تجاهه وأبحث عن سلبياته قبل إيجابيته، ولكني أجده دائما رحب الصدر لا يتردد في بذل مشاعره لي وهو ما يشعرني بالذنب. أرجعت السبب في البداية إلى شعوري الموجه لناحية أخرى، ولكني أدرك أن هذا الموضوع مستحيل ولابد أن أواصل حياتي. فترة التي تعرفت عليه فيها ليست كافية لأحبه صحيح، ولكن أليست فترة كافية لحدوث إعجاب مثلا وهو ما لا يتوافر عندي. أحيانا أكون عدوانية معه ودائما متوترة ومشدودة عند أول اختلاف، حتى لو مزاح، وذلك على عكس طبيعتي. هو يحب دائما أن ينظر إلى أما أنا فلا... أنا لا أنفر منه، ولكن عندما لا يكون موجودا لا أفكر فيه وأشعر بالذنب لأنه صرح لي أنه يحبني جدا ولذلك لا يهم إن كنت عصبية عليه دائما وإنه يعرف أنني لم توجد لدي المشاعر القوية مثله بعد لأني أخذ وقت في تكوين ارتباط عاطفي دائما يصرح لي بمشاعره وينتظر مني أن أفعل مثله وأنا أحاول أحيانا ولو حتى على سبيل المجاملة ولكن لا أستطيع تقف الكلمات في حلقي لا أستطيع أن أقول له أحبك كيف وأنا لا أشعر بذلك ليس ذلك فقط أنا لا أشعر بلهفة للقائه أو سماع صوته مع أني لا أنفر من الجلوس معه ولكن إذا لم يأت فلا بأس.
أحيانا أشعر بود ناحيته وأشعر بالرغبة في سماعه، ولكن لأنني أحب شعوره ناحيتي ففي حياتي لم أختبر أن يعلن أحد حبه لي بهذا الشكل ينتظر مني دائما الرد على مشاعره، ولكن لا أرد فإذا به يقول إنه لا يستعجل هذا الأمر وإنه يحبني بغض النظر عن مستوى شعوري ناحيته. هو واسع الصدر أمام خلافتنا القليلة لا يتحمل غضبي أو زعلي، ويسارع بمصالحتي على الرغم من أن معظم ردوده تكون رد فعل لكلمة قاسية قلتها أنا، ويوضح هو لي بهدوء أن الكلمة أو الأسلوب أغضبه أو من الممكن أن ينفعل ثم يهدأ بسرعة، ويحرص على ألا أغضب منه، ولكني على الرغم من معرفتي بكوني المخطئة لا أرغب في مصالحته أو حتى القول بأن كلمتي في الأصل ما كان يجب أن تقال مع العلم بأن معظم الناس تقول عني إنني أعرف جيدا أدب الكلمات والتعامل مع الآخرين، ولكن أين يذهب ذلك معه لا أدري!! دائما أشك في أنه يخفي عني تحت كل هذه الصفات عيوبا قاتلة، وأتحين الأوقات لإثبات ذلك ولا أنجح، أقنع نفسي بأنه غير طموح بالكفاية أو أنه أقل مني وظيفيا، حيث إن العمل الحكومي كما تعرفون غير مجدٍ، ولكن يكون الرد اتقي الله فهو لديه عمله الخاص ويتابعه ويحرص عليه، ولكني كنت أتمنى أن أرتبط بشخص يعمل في شركة مرموقة ووظيفة مرموقة.
أخاف أن أكون لديه رصيدا سلبيا يؤثر على حياتي معه فيما بعد وأسأل نفسي هل سيأتي الحب بعد الزواج ولماذا لا أشعر نحوه بتلك المشاعر الجارفة والمتدفقة التي كنت أشعر بها من قبل تجاه زميلي والتي كنت أتعذب لأنها حبيسة صدري وعندما جاء من يحمل حبه إلي لم أجد تلك المشاعر.. أعتذر لطول رسالتي، ولكن فعلا لا أعرف هل أستمر في هذه الخطبة، مع العلم أن أهلي يحبونه جدا، وليس أمامي بديل آخر وأبي سيرفض فسخ الخطبة لأن أسبابي في رأيه واهية فموضوع المشاعر هذا لا يحضرهم أما إخوتي فيرون أنه شخص هادئ وحلو المعشر وقد نجح في فترة قصيرة أن يكسبهم.
أرجو النصح فأنا أشعر بالاضطراب في مشاعري نحوه وأرغب في أن أعيش فترة الخطبة كأي فتاة وأستمتع بها ولكن لا أستطيع. أشعر أن أي كلمة حب يقولها لي تصطدم بجدار صلب بيني وبينه لا أشعر بالسعادة لكلمات الحب التي يقولها بل أشعر بالعجز أمام إحساسه الجارف نحوي فشعوره نحوي لا يثير في داخلي سوى إحساسي بالذنب بسبب عدم قدرتي على حبه، والسؤال الذي يلح علي الآن الحديث الشريف يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا تكن فتنة..."، وهو على دين وخلق ولكني لا أشعر نحوه بالحب، لا أنفي أنني لا انزعج من رفقته لكن طوال الوقت في وجوده لا أفكر إلا في سبب جمود مشاعري وعندما أرغب في قول أي كلمة حلوة له لا أستطيع فأنا لا أشعر بها وأسأل نفسي هل أفسخ الخطبة لهذا السبب؟ وهل الحب ضروري لإنجاح الزواج؟ هل يكفي حبه لي وإذا قمت فعلا بفسخ الخطبة هل يقع علي الإثم؟ وإذا استمررت فيها هل ستنجح هذه الزيجة بحب طرف واحد فقط إن فشلت في أن أكون على مستوي شعوره.
كنت أتخيل أنني سأعيش قصة حب أسطورية مع زوجي، وعندما أتى وجدت قلبي مغلقا دونه ولا أعرف هل السبب في أنا أم فيه؟ كلما نظرت إلى خاتم الخطبة أشعر بالرغبة في البكاء أشعر بأنه طوق حول رقبتي كأن مشاعري تختنق بوجوده في إصبعي وأشعر بالرغبة في خلعه دائما ولا أدري ماذا أفعل؟؟ هل الزواج التقليدي ينفي أن يكون هناك هذا الشعور باللهفة نحو شريك الحياة المنتظر والاختلاج الذي ينتاب المحبين؟ أين كل هذه المشاعر التي لا أشعرها مع خطيبي صارحت أمي وأبي ببعض من هذه المشاعر، وللحق فقد تحدثا معي بعقلانية شديدة وتركا لي في النهاية الاختيار ولا أنفي أن أبي على غير العادة أخذ الموضوع بهدوء وحاول الوقوف على أسبابي، وقد نجح لحد كبير في إقناعي بعدم فسخ الخطبة حاليا، وأخبرتني أمي أن الشعور الذي يأتي بعد الزواج هو أفضل كثيرا مما أطلبه حاليا، حيث يتخطي الأمر مجرد الشعور باللهفة أو الشوق وأن السكن والمودة التي تنشا نتيجة لهذا الزواج هي الحب الحقيقي، ولكن ماذا سيحدث إذا لم أشر بالحب تجاهه بعد الزواج؟
وهل القبول وحده كافٍ لإنجاح هذا الزواج خاصة أني دائما أشعر بأني أستحق من هو أفضل ودوما أقارن بينه وبين الآخرين. أعتذر ثانية للإطالة برجاء الإفادة برأيكم الكريم.
3/12/2022
رد المستشار
الأخت الكريمة:
أهلابك، وأعتذر عن تأخري في الرد على رسالتك، والتي أنتهزها فرصة لمناقشة أوسع حول الطريقة التي تتعامل بها في ميدان العلاقات بين الجنسين في المجتمعات العربية المعاصرة، والمرتبطة بالزواج حين نقرر، أو يحين الوقت للارتباط!!
ومعذرة فأنا أرى الأمور في سياقها الأوسع، ولعل هذا ينفع البعض في التعرف على جذور المشكلات التي نعيشها، وربما تتضح أمامهم خريطة الالتباس، وبالتالي خطة الخروج من التيه الذي نتخبط فيه، ولو حسب بعضننا أننا بخير أو نحسن صنعاً!! وأول ما أبدأ به هو التحذير من التسطيح، وهو في حالتك ذلك الظن الشائع والسائد والمنتشر بأن ما تفصلين عنه في رسالتك يختصر تحت تصنيف أو عنوان أو تشخيص أنك لا تشعرين نحو خطيبك بالقدر الكافي من الأحاسيس التي من المفترض تواجدها.. والحقيقة أن اضطراب مشاعرك نحوه هو قمة جبل الجليد – كما يقولون – وتحت هذا الاضطراب يكمن خلل أعمق وأوسع في تفكيرك، وفي سلوكك تجاه الجنس الآخر، وتجاه الحب والزواج بالتالي، وللأسف فإن هذا ما تعيشه ملايين البنات العربيات!
تعالي معاً نتأمل في رحلة هادئة أصحبك فيها عبر كلماتك، ولنتعرف عبر نصك الثرى جدًّا على بعض ملامح خريطة عقلية ونفسية الفتاة العربية فيما يتعلق بالعلاقة مع الجنس الآخر، والحب والزواج بالتالي!!
أنت لم تتعرفي على هذا الشاب، الذي هو خطيبك، قبل أن يدخل إلى بيتكم، ولا أهلك كانوا يعرفونه، وتقولين إنه معروف بحسن الخلق في بلده!! أي بلد تقصدين؟! هل هو من دولة أخرى غير دولتك؟! أم تقصدين بلدته الريفية مثلاً، في نفس دولتك؟! غرقت معك في تفاصيل كثيرة، وغفلت أنت عن تجليه هذه المعلومة الهامة "لا أخفي أنني كنت أخاف من فكرة العنوسة" أعتقد أن هذا هاجس كبير عند كل فتاة عربية -تقريبا- هذه الأيام، وأشكرك لأنك عبرت عنه بوضوح وصدق، وعدت للتنويه حول أن والدك ووالدتك لديهما رغبة في إتمام هذه الزيجة لما يرونه من ملاءمة هذا الشاب لك، وربما لأنهما يخافان عليك من العنوسة أيضاً
نستمر... أحييك على وعيك بأنك غير ناشطة اجتماعية، وأن لهذه علاقة بتأخر سن الزواج، دون أن تكون العلاقة حتمية! ومع ملاحظة أننا نفتقر لدوائر النشاط الاجتماعي الآمن والنافع الكافية لاستيعاب طاقات ملايين الشباب والفتيات، في مقابل عدم اهتمام الأغلبية بالمشاركة في هذه الأنشطة وإن وجدت أو عدم الاكتراث بها أصلاً، والاقتصار على نمط مشابه لحياتك: من البيت للعمل، ومن العمل للبيت!!
وأرجو ألا يستدرك عليّ أحد قائلاً: لا.. نحن نتعامل مع الأصدقاء والأقارب في المناسبات، فليس هذا ما أقصده بالأنشطة الجماعية المجتمعية، ومن يتابع إجاباتي السابقة يعي تماماً ما أعنيه.. مبرراتك المبدئية لقبول هذا الشاب خطيباً، هل ترينها كافية!! كلام من قبيل خوف العنوسة، أو أنه هادئ الطباع، ويفكر بطريقة منظمة، وجاء لزيارتك مع أهله إلى بيتكم!! أو أنه يحبك!! طبعاً أنت تربطين بين طباعك المتحفظة، ومحدودية نشاطك الاجتماعي، فهل نستنتج من ذلك أن الفتاة صاحبة النشاط العام هي غير محافظة أو متحفظة بالضرورة؟!
وأراك تخلطين كما هو شائع – بين غياب التجارب العاطفية، وانعدام التجربة والخبرة الإنسانية!! أقصد الاجتماعية العامة، وفيها رجال، حيث إن المجتمع نساء ورجال!! أنت مثل الملايين تتعاملين مع الرجال في حدود العمل، ولا تميلين للتجمعات الكبيرة، وليس لديك نشاط اجتماعي، وتمرين بتجارب الحب "بينك وبين نفسك" فإما أن يحبك أحدهم "مثل خطيبك"، أو تحبين أحدهم من طرف واحد، أو تنبهرين به!! ولديك مخزون – مثل ملايين الفتيات – من الخيالات والتطورات عن ماهية الحب!! ومن هو فارس الأحلام، وما هي المشاعر التي نسميها حبًّا، وما هي ليست كذلك، وهذا كله كلام وأشياء في رأسك وصدرك فقط؛ لأنك لم تتعاملي مع رجال بشكل إنساني عام، والعلاقات عندك: إما علاقة عمل، أو تجارب عاطفية، فهل هذه حصريًّا هي الصيغ المفترضة لعلاقات النساء بالرجال؟!
ولافي نيتي تبرئة السادة الرجال من الخلط والتخبط، فها هو زميلك يعترف لك بحبه، بينما هو مرتبط بخطبة مع أخرى، وعلاقته بك لم تتعد حدود الزمالة في العمل، فكيف أصدر حكماً بأن ماضي صدره نحوك هو "الحب" .. وما جدوى أو معنى أن يعترف لك بهذا؟! وما هو المترتب على هذا الاعتراف العشوائي والذي هو متناقض مع سياق حدود العلاقة بينكما، وكذلك وضع ارتباطه بقريبته؟! "نحن جميعاً نتخبط" نعم... هذا هو المعنى الذي أقصده، والفوضى التي نعيشها في العلاقات، وفهم ذواتنا والآخرين، هي التي تمنحنا البؤس، وترشحنا للتعاسة والفشل في الزواج بعد ذلك. هل تلاحظين ما يحدث لك من عجزك عن تحديد مشاعرك أو توصيفها حين يدق قلبك تجاه أحدهم! مثلك كثيرات، لأننا لم نتدرب على تحديد أو فهم مشاعرنا!! ولن يحدث هذا إلا عندما نعترف أن لدينا قصوراً في هذه المساحة، ونبدأ سعياً جادًّا في سبيل مواجهة هذا القصور، وجزء من المصيبة أن أصحاب الرأي والفتوى، والتحليل والتشخيص لأمراضنا الاجتماعية إما أنهم لا يرون هذا الجانب من الخلل، أو يرونه ولا يجرؤون على مصارحة الناس بوجوده إيثاراً للسلامة، وتجنباً لصداع الرأس لأن مثل هذا الاعتراف هكذا قصور ينبغي أن يوجد علاج لتلك المشكلة، ولا يبدو مجتمعنا مستعدا له!!.
تعالي نستكمل معاً ما لديك، وهو شائع ومنتشر كما أكرر!! تقولين: "أجد صعوبة في التواصل مع خطيبي، وأفتقد شعوري به، لا أشعر بالحب تجاه، أحياناً أكون عدوانية، ودائماً متوترة ومشدودة.. وذلك على عكس طبيعي" ...إلخ. وتستغربين من جهة أخرى، وتتساءلين: "لماذا لا أشعر نحوه بتلك المشاعر الجارفة والمتدفقة التي كنت أشعر بها من قبل تجاه زميلي، والتي كنت أتعذب لأنها خبيئة صدري...." إلخ. لاحظي أن كل فتاة عربية قد تلقت تدريباً مكثفاً على الحب في الخيال!! مخزون هائل من كلمات الرومانسية وصورها ومشاعرها تملأ رأس كل فتاة عربية، ومشاعرها، وتفكيرها، وأحلامها.
وزميلك الآخر أنت أحببته "بينك وبين نفسك"، في خيالك، وبالتالي مارست معه كل ما تدربت عليه من قبل، ولذلك تدفقت المشاعر قوية هادرة طالما هو في خيالك، ليس لأنه رائع بمقدار ما أنك مدربة كالأخريات على العشق في عالم الخيال!! وخطيبك الحالي هو واقع، وليست لديك أي معلومات ولا خبرات، ولا تأملت، ولا علمك أحد عن الحب في الواقع، ولذلك فإن إصدار حكم قطعي يبدو مستحيلاً، وأقصد حكما بأن خطيبك هذا ملائم أو غير ملائم؟! هل ستأتي المشاعر بعد الزواج أم لن تأتي!! عن أي مشاعر نتحدث هنا؟!
ما هي مشاعر وصور الحب الواقعي؟!
ليست لديك إجابة محددة، ولا لدى أهلك غالباً، ولا لدى من حولك، ويقولون لك: هو ملائم وستحبينه!! وليس لدينا غالباً سوى صور وأوهام الحب الخيالي من الأغاني والأفلام وروايات الجيب، ولم نتحدث أو نتعلم أو نتدرب في ورش عمل، أو عبر كتب علمية عن معانٍ وصور وممارسات الحب الواقعي!! بماذا يمكن أن نشعر، وكيف ينبغي أو يمكن أن نتصرف!!. وتقولين: "كنت أتخيل أنني سأعيش قصة حب أسطورية مع زوجي،" تأملي قولي "أتخيل" فهو يلخص ما أقول، ليس العيب فيه، ولا فيك بالمعنى المباشر للكلمة، وهو فيكما بنفس الوقت: أنت متخبطة كالباقيات، وهو يحسبك في تخبطك هذا غارقة في الخجل، أو ما تلبثين أن تتحرك مشاعرك نحوه فيتدفق الحب "الأسطوري" بينكما!! بنفس العقلية السائدة ما زلت تقارنين بين واقع خطيبك وخيال الحب، وظروف الآخرين الذين هم أفضل منه طالما هم في دائرة الظل، ولكن لو اقترب أحدهم ليكون واقعاً سيحدث معه مثل ما يحدث مع خطيبك!
ومما تجدر ملاحظته أن الحب في ثقافتنا المعاصرة السائدة عربيًّا هو من أكثر ما يتردد في عالم الأغاني والخيال، بينما هناك نوع من الخوف والتخويف منه، هناك غموض رهيب يكتنفه ويكتنف الموقف منه!! استوقفي أي سامع للأغاني، أو مشاهد لأفلام الحب، أو من تردد قصصه وأشعاره، وحاولي أن تعرفي رأيه أو رأيها أو موقفها المتكامل من حادث الحب! اسألي أي أب أو أم عن موقفهم لو عرفوا أن قلب ابنتهم ينبض بالحب تجاه أحدهم!! أي تناقض نعيشه، ونحن نغرق في خيالات الحب، والكلام المعسول عنه، بينما لا نعرف كيف نتصرف حين نشعر به؟! بل أصلاً كيف نتصرف إذا كنا نريد أن نشعر به تجاه أحدهم، أو أن نعرب له أو نعبر عن مشاعرنا تجاهه! كيف نشعر بالحب؟! كيف نتواصل مع من يحبنا؟ هل سمعت هذه الأسئلة من قبل؟! وهل سمعت لها إجابات راشدة مقنعة؟! والسيدة والدتك أخبرتك أن الحب الذي يأتي؟!
سيقول السفهاء من الناس إن إجابتي هذه عليك إنما هي دعوة لنشر الغرام، وهو عندهم حرام، والحقيقة أنني أحاول أن أحبو معك على أعتاب فقه المحبة والألفة كما فعل الإمام "ابن حزم" رضي الله عنه، وهو يحاول أن يتتبع معاني الحب وأعراضه في "طوق الحمامة".
أحببت أن أرسم لك خريطة الفوضى في فهمنا لأنفسنا ومشاعرنا، ولعل في هذه الخريطة تخفيفاً عنك فيما تعلنين منه توتراً وقلقاً، ولعل فيها فهماً وتفهيماً لبعض مشاعرك وأفكارك، وقد حاولت أن أتغلغل بكلماتي في مساحة غير مطروحة إلا نادراً، ولعلي أضأت لك بعض ما كان معتماً في نفسك، وفي أمورك، وأرجو أن يساعدك هذا في التخفف من بعض ما يثقلك ويرهقك، ولعلك ترين المسائل الآن أوضح، وأهلا بك.