بسم الله الرحمن الرحيم..
أرجو منكم أن تضعوا هذه المشكلة في الصفحة العامة؛ لأني أظن أن الموضوع عامّ ويشمل نسبة كبيرة من الشباب، أحب أن أرسل إليكم هذه المشكلة واضعا عليها عنوان "الوسواس والجنس والجهل... مثلث الهلاك".
أنا كأي شــاب مسلم يقال عنه ولله الحمد ملتزم ممن التزموا بظاهر المسائل، وأنا في العشرين من العمر تتنازع الإنسان شهواته، ولكل نفس وسواسها، والشيطان يلعب بي على أوتار الجهل، أعاني من الوسواس القهري في الوضوء والصلاة، ولكن "قلنا ماشى يا عم"، ولكن استمرت المناوشات، وأنا من أنا، حيث كنت مضرب المثل في الجرأة والتسرع أيام بدايات الالتزام حتى تطاولت إلى العقيدة، وذلك منذ حوالي العام، وأنا أناوش مع عقلي وشياطيني يمنة ويسرة وأغلبه وأقيم ديني، ويرسل الشبهات والله المستعان. ولكن على طول الخط تحول دخول المواقع الجنسية والأفلام إلى هواية ومزاج خاص، وما يعقبها من استمناء عرفته بالتجربة، ولم يعلمه لي أحد.
ومع ذلك كان الإنسان يتوب ويندم ويجلد ذاته، ثم يعود مرارا وتكرارا حتى صارت التوبة شيئا عاديا وأمرا لا يحتاج إلى نية، إذ صارت كشرب الماء بعد الأكل مثلا لا يثير اهتمامك كثيرا.
المهم ذهبت إلى إخصائية نفسانية بسبب مشكلة الوسوسة فقط، ولم أرد أن أفضح نفسي بما اقترفت، وصفت لي عقار الـ sertraline، بدأت في أخذه شهرا وشهرين، ثم قررت الطبيبة زيادة الجرعة من 50 مجم إلى 100مجم يوميا، وما زالت في الشهر الثالث لا أنكر وجود تحسن، ولكنني لا أعده كافيا والله المستعان المشكلة إذن هي:
1- لنترك الوسواس جانبا فهو أمر سخيف، والحديث عنه يغيظني، ولنتحدث عن الكارثة الأخرى وهي تطاول النفس على محارم الله في الخفاء، والله إني أشعر بالنفاق مما فعلت ووقعت فيه، ولكن كيف الخلاص؟
2- قد لا يكون الأمر مجرد شهوة، بل لمجرد فراغ أو تسلية أو مزاج فأدخل على النت للاصطياد من حصيلة العاهرات.
3- أعرف أحد الإخوة الأفاضل الذين ابتلوا بهذه المعصية، ولعب الشيطان برؤوسهم فقرر أن يترك الصلاة ما دام لن يقلع عن الأفلام والصور العارية والعادة التي أظنها أصبحت علنية وليست سرية.
باختصار ماذا أفعل وماذا يفعل؟!
وشكرا لكم
4/12/2022
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، أحييك أولاً على روح الفكاهة التي كتبت بها عن معاناتك وإن لم تخل من المرارة التي أسأل الله أن يعينك على الخلاص منها، لقد وضعت لردي عليك نفس العنوان الذي اقترحته في إفادتك؛ لأن الجهل مع الوسوسة مع الجنس يمكن بالفعل أن يشكل كل هذا مثلثًا للهلاك، وإن كنت أختلف معك فيما يتعلق بالوسواس وبالجنس فهما ليسا كالجهل في واقع الأمر، كيف ذلك؟
أنا أقول لك كيف ذلك، مبتدئًا بالوسواس كما بدأت أنت به في العنوان الذي اقترحته، فالوسواس يعذب صاحبه ويدفعه إلى اللجوء كل ملجأ، ولكنه إذا لم يصاحبه الجهل فإن همه بإذن الله يكون خفيفا إذا لجأ صاحبه إلى الطبيب النفساني وتناول علاجه كما فعلت، وتحسنت حالتك جزئيا، وإن شاء الله ستتحسن تماما بعد قليل من الصبر، وبعد اتباع ما سأنصحك به بعد قليل.
وأما الجنس فليس الجنس إلا غريزةً جعلها الله في فطرة الإنسان، وجعل سروره في ممارستها عظيما كما يقول أخي الدكتور أحمد عبد الله، ولكن بشرط أن تكون الممارسة في الحلال بالطبع، وأما إذا اقترن الجنس بالجهل، بمعنى أن الإنسان يجهل الممارسة الحلال، أو إذا صاحبت الجنس الوسوسة فأصبحت المحرمات موضوعًا للوساوس الجنسية، فإن الأمر هنا يمكن أن يتسبب في هلاك الوقت والجهد وضياع مرحلة من أزهى مراحل حياة الإنسان في مجتمعاتنا التي هي بأمس الحاجة إلى كل طاقات شبابها المؤمن الجاد، ولكن شبابنا الطيب الملتزم مع الأسف يقضون تلك المرحلة في صراع لا يهدأ مع رغباتهم الجنسية دون أن يكون الحلال متاحًا، ودون أن يكف المحيط بما في ذلك الهواء الذي يتنفسون، والصوت الذي يسمعون ناهيك عن المشاهد التي يشاهدون عن إثارتهم ليل نهار.
والحل الوحيد والأوحد والذي طالما قلناه في استشارات مجانين هو الزواج الشرعي، أيا كانت الطريقة، وإن احتاج الأمر إلى ثورات فكرية واجتماعية من أجل أن تتغير المفاهيم الحجرية التي تقف أمام الشباب الملتزم الذي يروم الزواج ويتوق إليه ولكنه لا يستطيع، هذه المفاهيم التي ضيعت طاقات أمتنا على مدى العقود الطويلة، ولكنك يجب ألا تنسى ما جاء في الحديث من أن ثلاثةً وجب على الله عونهم، ومنهم طالب إحصان نفسه بالزواج، أي أن عليك المحاولة والإقدام على الزواج وأن تترك الباقي على الله وأنا أعرف بالطبع أن احتمال نجاحك في أن تجد أسرةً تقبل ذلك ليس احتمالاً كبيرًا، ولكنني أحلم لك ولغيرك من شباب المسلمين الملتزمين، فلا أقل من أن تحلم أنت لنفسك.
ما تشتكي منه أنت وتعتبره تطاولاً على محارم الله وإن لم توضحه لي بالضبط: هو أنك تتصفح المواقع الجنسية، ثم تمارس الاستمناء بعدها، ولا يوجد في إفادتك ما يشير إلى كون ذلك ناتجًا عن وسواس قهري، وإن لم نستطع بالطبع استبعاد الوسواس الخناس، المهم أنك حتى تشير إلى حدوث ذلك أحيانًا دون أن تكون واقعًا تحت تأثير الشهوة المفرطة؟ وهنا ما لا يستقيم مع فهمي لشخصيتك كما حاولت بيانها لي، فالمتوقع منك هو ألا تقع في الذنب إلا مضطرًا، ولكنك قلت بالحرف الواحد (قد لا يكون الأمر مجرد شهوة بل لمجرد فراغ أو تسلية أو مزاج)، فهذا أمر يختلف بكل تأكيد عمن يقع في مثل ذلك الذنب تحت تأثير الشهوة المكبوتة! وعند هذا الحد أنصحك بالاطلاع على مشكلتين سابقتين:
- هل أنا حيوان ؟ هل نفسي دنيئة ؟
- المواقع الساخنة... الاستمناء ... وداعاً للإدمان
المهم هو أن أمر تصفحك للمواقع الجنسية لا يبدو مرتبطًا بالوسواس القهري، ولا أستطيع أن أعتبره إدمانًا أيضًا؛ لأنك لم تذكر أعراضا مثل ذلك النوع من الإدمان -باعد الله بينك وبينه-، وأما صديقك الذي قرر ترك الصلاة؛ لأنه يشاهد المواقع الجنسية والصور العارية فهو على خطأ جلل ولا شك في ذلك؛ لأن تصفح تلك المواقع لا يزيد عن كونه سيئةً، والله تعالى يقول في سورة هود: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" (هود: 114)، أي أن فعل السيئات ولو وصل حتى إلى إدمانها، يمكن أن يقلل المسلم من آثاره بالمواظبة على الصلاة.
واعلم بأن الشيطان الرجيم لا يرضى من المسلم إلا بأن يسلم القضية كلها فيكفّ عن مقاومة نفسه ومقاومة الشيطان، وهنا يكون انتصار الشيطان كاملاً عافاك الله ومنعك منه. وأما التوبة، التي أصبحت تتكلم عنها متفكها وتصفها بأنها أصبحت ككوب الماء البارد فهي نعمة يا أخي وتظل نعمةً أنعم الله بها على المسلمين، والله سبحانه يقول في سورة التوبة: "لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة: 104)، وفي سورة البقرة:" ....إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " (البقرة: 122)، فالتوبة خير دائمًا للمسلم، حتى وإن أصبحت عادةً كشرب الماء كما تقول بأسلوبك الفكاهي.
وفيما يتعلق بالجهل فإنه شر كله في حالة المسلم، خاصةً ذلك الذي يجهل أنه يجهل، ومع الأسف فالغالبية العظمى من الناس في مجتمعاتنا يجهلون الكثير عن الوسواس وعن الجنس وأفكارهم تكاد تكون أفكارًا من القرون التي سبقت نزول الإسلام مع الأسف الشديد، والأدهى من ذلك هو أنهم يجهلون جهلهم هذا! وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولعل هذا هو السبب الذي جعلني أوافق على اقتراحك لعنوان هذه المشكلة.
وأما التحسن الجزئي الذي حدث في وسواسك القهري لأنك تراه جزئيا دفعت طبيبتك إلى زيادة الجرعة من 50 مجم إلى 100 مجم، فإنني أرى أن هناك التباسًا لديك في المقصود بالتحسن ذلك الالتباس الذي اعتدنا أن نقابله في كثيرين من مرضى الوسواس القهري وهو اعتقادهم بأن التحسن معناه أن تنسى الأفكار التسلطية تماما، فلا تخطر لك على بال، وأنا أقول لك كما أقول دائمًا لمرضاي إن التحسن معناه أنك إذا تذكرت أفكارك التسلطية القديمة وجدت نفسك قادرًا على التخلص منها، ووجدت استجابتك لها لم تعد تتسم بالخوف والضيق والانزعاج الشديد كما كنت قبل تناول عقار الماسا، وأما ما هو أهم فهو أن انتظار ثلاثة شهور على جرعة العقار الأولى وهي 50 مجم في حالة العقار الذي تتناوله، أظهرت عدة دراسات أنها تعطي نفس التحسن الذي تعطيه جرعة 100 مجم بعد مرور ثلاثة شهور بمعنى أنك لو لم تدفع طبيبتك النفسية إلى زيادة الجرعة قبل الأوان لكان من الممكن بعد مرور الشهور الثلاثة أن تصل إلى نفس النتيجة! وأحيلك هنا إلى قراءة إجابة سابقة لنا على صفحتنا استشارات مجانين بعنوان:
- الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواس
إذن عليك الاستمرار على عقار الم.ا.س.ا الذي تتناوله، ويمكنك استشارة طبيبتك، بأن تنقص جرعة السيرترالين إلى 50 مجم مرةً أخرى، وأن تستمرّ عليها، وأن تطلب منها بعض جلسات العلاج السلوكي المعرفي لكي تفهمك المقصود بالشفاء في حالات الوسواس القهري.
وفي النهاية أسأل الله أن يوفقك، وأن يوفق طبيبتك إلى مساعدتك على الخلاص من معاناتك كلها، وأن يوفقك إلى ملء فراغك بما يفيدك؛ لأن في ذلك ما يساعدك على تجنب الذنوب، ففي الإنترنت الكثير مما لو شغلت نفسك به لاستفدت وأفدت الإسلام والمسلمين، ولألهيت نفسك عن السقوط في المحرمات، ولا تنسَ كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (الدارمي والترمذي- إسناده حسن). وتابعنا بأخبارك.