السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الأساتذة الأجلاء مشرفو الموقع. ولله الحمد تخرجت في الجامعة منذ مدة يسيرة، وأنا الآن في مرحلة تكوين نفسي ماديا، والموضوع الذي سأحدثكم عنه هو الزواج، وقبل أن تقرءوا وجهة نظري أقول لكم بأن عمري 25 سنة، وأحب فتاة أكبر مني بـ 23 شهرًا! وحتى تسعفوني برأيكم اقرءوا ما يلي: أستطيع أن أصف نفسي أني دقيق ومتمهل جدا، ويرعبني أن أقع في غلطة سوء الاختيار، خصوصا في موضوع مصيري سيغير مجرى حياتي للأبد مثل الزواج.
أنا أبحث عن زوجة من نوع خاص، فإني والله أتضايق حين أتخيل نفسي زوجًا لإحدى اللواتي أعرفهن، تلك النماذج التقليدية، النساء المتفرغات للنميمة والغيبة والقيل والقال، والمجلات والأزياء، والمطربين والمطربات.
إني أتساءل: ما سبب مجيئنا إلى هذه الحياة؟ ولمن خلق الله معالي الأمور؟ أشعر عمومًا أن روح التمرد على الواقع تجري في عروقي، وأن نارًا تحت الرماد ستحرقنا يومًا، نار الجهل والفساد المنتشر حولنا، لا يكاد يخلو بيت من مشاكل اجتماعية، قد لا نراها بعيوننا وقد لا يصرح أصحابها علانية؛ لأن البيوت أسرار، لكن ذلك لا يعني أن نتعامى أو نتغابى. أريد أن أقول بأن من يرى حوله هذا الكم الهائل من الفساد ولا تحدثه نفسه بالحذر والحيطة يستحق أن تملأ المشاكل بيته ومن يسكنه من زوجة وأبناء منذ اليوم الأول.
إن كل ذلك يدفعني إلى القول بأن البقاء أعزب دون زواج خير ألف مرة من زواج فارغ من روح الإسلام، ينتج عنه ذرية لا خير فيها لنفسها أو لأمتها، فلا ننال من هذا الزواج خيرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
لي الآن أن أحدثكم عن تلك الفتاة؛ فقد تعرفت عليها بشكل سطحي نسبيا ونادرا ما أراها، أعجبت بدينها وأخلاقها وأحسبها كذلك، وكنت أنتظر اللحظة المناسبة حتى أتقدم لها، ولكني سألتها صدفة عن عمرها وسألتني هي أيضا، فتبين أنها أكبر مني بـ 23 شهرا، كانت مفاجأة لي؛ لأني ظننتها أصغر من ذلك. وأنا لم أصارحها للآن بشعوري أو خططي المستقبيلة، ولكن تلك المعلومة أثارت في الهواجس؛ فقد خشيت من رد فعلها من منطلق أن كل البيوت يكون فيها الزوج أكبر من زوجته بالعمر.أشعر أن عقلي مختلف عن الناس، وأني أحكم على الأمور من منظور آخر، وأن ليس كل الناس من يستحق أن يكون قدوة لي أسير وراءها... في تاريخنا الإسلامي قرأنا أن أمنا خديجة كانت أكبر من حبيبنا رسول الله بخمسة عشر عامًا، وأنها كانت له الزوجة المحبة وكان لها الزوج المحب والنموذج الصالح، وأنه أنجب منها الذرية الصالحة، فكان زواجهما سعيدا، وكان ذلك برهانًا أن فرق السن بين الأزواج ليس هو من يحدد مصير الأسر.
عن نفسي أقول: إني أراها تصلح أن أبني معها بيتا مسلمًا مستقيمًا، وأني مقتنع بها تمامًا، ما يهمني قبل كل شيء هو أن أجد فيها إنسانة كريمة صالحة، تعلم أنه عز وجل قد أراحنا من التفكير، وبيّن لنا الخطأ من الصواب، ولم يبق علينا إلا اتباع أوامره وترك نواهيه، فنكون قد أرحنا واسترحنا... أنا أحب تلك الزوجة بعيدة الأفق، ليست كمثل اللواتي لا يتعدى تفكيرهن مقدمة الأنف، أحب تلك الإنسانة التي تنظر إلى زرقة السماء فتحدثها نفسها بأن يكون بيتها أصفى من رقعة السماء وأنقى من بياض الثلج وأرق من نسيم البحر، يا للعجب! أين ذهبت تلك النساء الكاملات الموصوفات في القصص والحكايات؟ أكانت مجرد قصص لا علاقة لها بالواقع؟
أريد الزوجة التي تعرف ماذا تريد منذ اليوم الأول، والتي تعرف أن طفلها يجب أن يشق طريقه في هذه الحياة بالعلم والإيمان، لا أريد من تترك البوكيمون أو المسلسلات المكسيكية المدبلجة تتولى مهمة تربية أطفالها، ولا أريد الزوجة التي ترضى بي لمجرد أنها تخشى أن يفوتها القطار... ها أنا أعلم ما أريد، وأعلم رأيي بها، ولكني لا أعلم رأيها بي، ولا أعلم ماذا تريد بنات هذه الأيام، وأخشى أن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفينتي، أخشى أن يكون فرق السن مهمًّا عندها فأكون بذلك فقدت فرصة أعتبرها ذهبية.
هل تعتبر المرأة أن من شروط الزوج أن يكون أكبر منها سنًّا؟! مصيبة كبرى إن صح ذلك، بالنسبة لي لست أرى ذلك، وأراه يتناقض مع أبسط قواعد المنطق، ستكون صدمة كبيرة لي إذا كانت لا تراني في عينها رجلا كاملا.
قد يراني قارئ هذه السطور جافا جادا ومعقدا، وربما أكره الحياة والناس ولا أضحك، وأنه لن يكون بيني وبين زوجة المستقبل مكان للرومانسية، وأن حياتنا ستكون عبارة عن معركة مع أعداء وهميين اخترعتهم أنا من خيالي، فتكون حياتنا عبارة عن مسلسل من مليون حلقة تدور أحداثه عن زوج وزوجة يعيشان حياة يملأها النكد والقلق والخوف من المجهول.
بالعكس لست كذلك، من يعرفونني عن قرب لم يقولوا ذلك، ولكن الرومانسية وحب الحياة عندي ليست مجرد أضواء أو شموع حمراء في منتصف الليل أو دواوين شعر نبطي أو عمودي. أنا أحب الشعر ومن يحبه، وأحب الحياة ومن يحبها، وأحب التفاؤل والضحك، وأحب خفيفي الدم والوجه البشوش.
5/12/2022
رد المستشار
الأخ الكريم، أشكرك على ثقتك بنا.. تلك التي دفعتك لتكتب لنا هذه القطعة الصادقة من حوارك الداخلي مع نفسك وحديثها، وحوارك الذاتي حول الزواج وهواجسك تجاه الأمر، وتجاه من ترغب فيها.
يا أخي، ألا ترى أن كل هذه الهواجس والأفكار يمكن أن تنجلي حين تتعرف على من ترغب بها بشكل أدق وأكبر، وأنت تقول: "تعرفت عليها بشكل سطحي نسبيًّا، ونادرًا ما أراها"، وبالتالي هي أيضًا لا تعرفك إلا بشكل سطحي، ونادرًا ما تراك، فعن أي شيء تريدني أن أتحدث معك؟! وعن أي رأي تريد أن تسألها؟! عن رأيها فيك؟! وهل تعرفك؟! عن رأيها في مسألة فارق السن مثلا؟! وهل عرفتك هي حتى تضع هذه المسألة في حجمها وسط بقية النقاط؟! هل هي من تبحث عنها، وتحلم بها، وتتمنى أن تكون شريكتك في بناء ما تريد من أسرة تصفها في رسالتك؟! لا أدري أنا، والأهم أنك أنت أيضًا لا تدري؟!
أنت تشعر أن عقلك مختلف عن الناس، وكل إنسان يعجبه عقله، كما يقول المثل العامي، والأهم أن تراك هي كذلك، المهم أن تراك هي أكمل عقلا، وأعمق نظرة، وأقدر على قيادة سفينة حياتكما فتسلم لك الدفة والقوامة اليوم وغدًا، وإلى الأبد.
وأنت تقول: يهمني أن أجد فيها إنسانة صالحة كريمة، وأنك مقتنع بها، فكيف تقتنع بمن لا تعرفها إلا سطحيًّا، ولا تراها إلا نادرًا؟! ويا أخي الحبيب، هل الإنسان الصالح هو الذي يعلم أن الله أراحنا من التفكير؟!! هكذا؟!! وهل الله سبحانه قد أراحنا من التفكير فعلا؟! وهل هذا هو عقلك الذي تراه مختلفًا عن الناس.؟! وهل هذا هو بعد الأفق الذي ترى به الأمور، وتريد زوجتك أن تكون مثلك؟
أخشى أن ما لديك حتى الآن هو خليط من الأماني الطيبة، والمشاعر الدافئة تجاه فتاة رأيتها فأعجبتك، وتركت في نفسك انطباعًا أوليًّا جيدًا، وهذا كله لا يكفي لأي شيء فيما يتعلق بالزواج؛ لأن هذا كله مجرد بداية بسيطة تحتاج إلى خطوات تالية لتتضح الصورة فتكمل أو تتراجع.
صدقت أنت حين وصفت خطورة خطوة الزواج، وخطورة قرار الاختيار وعقبات سوء التدقيق فيه، وأسهبت في التنظير والتحذير، ثم لما وصلت إلى حالتك أنت الشخصية تركت المنطق الهندسي الرائع المحكم الذي بنيت به أفكارك حول الزواج، واستسلمت لانطباعات سريعة متعجلة، وذهبت تسقط عليها كل أحلامك ورغباتك، وهذا مسلك غريب وخطير في ذاته بغض النظر عن الطرف الآخر الذي يبدو مبهمًا لك ولي حتى الآن؟!
وأنا أنصحك بالتفكير الذي فرضه الله علينا، وما أراحنا منه إطلاقًا، وما شرع لنا الحلال والحرام إلا ليعطينا مادة التفكير ومساراته، ومعالم الاختيار ومداراته. ولا تنتظر راحة في الدنيا فقد خلقنا الله في كبد وسعي نحو الحقيقة، وكدح إليه بالليل وبالنهار، إنما الراحة في الآخرة لمن تعب في الدنيا.
فاستخدم عقلك كما تفاعلت مع مشاعرك، واجمع حول فتاتك قدرًا أكبر من المعلومات وتعرف على عيوبها قبل مميزاتها، وانظر إليها جيدًا كأنثى، وتعرف إليها قدر الإمكان كإنسان بما تتيحه لك ظروف وبيئة الحركة العامة التي يمكن أن تجمعكما، واسأل واستشر، واستخر المولى عز وجل، وقبل الإقدام على أية خطوة رسمية عليك أن تتفقد موضع قدميك جيدًا، فتضع مسألة السن -وهي ليست في صالحك- وسط بقية جوانب الأمر...
وتابعنا بأخبارك وأفكارك.