بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم إخوتي في الله جزاكم الله ألف خير وبارك الله فيكم.. إخوتي مشكلتي هي مشكلة نفسية وهاجس البر بالوالدين يقلقني ويؤرقني وخاصة علاقتي مع والدي، وإليكم تفاصيل تلك القصة..
أنا من عائلة محافظة وسعيدة وهادئة تربيت على الدين والشرف والعلم والتحفيز على بلوغ الرفعة في الأخلاق والعلم والفضل كله يعود إلى والداي اللذين قضيا حياتهما من الصغر بالكفاح والعمل، وكانا يشجعاني أنا وإخوتي على هذه الأعمال، ولكننا لسنا من عائلة ملتزمة دينيا سواء من ناحية اللباس الشرعي برغم أننا محجبات أنا وأخواتي أو من ناحية الأغاني والاختلاط مع المحارم في الأعراس وغيرها.. كان يأمل والداي أن نأخذ أعلى الشهادات العلمية، ولكن شاء القدر أني دخلت إلى كلية العلوم قسم الفيزياء والفلك، مع أن رغبة والدي كانت في الطب ولكني بدأت أجهد نفسي لكي أحصل على مرضاته هو ووالدتي لأنه كان يضع اللوم علي ويعتقد أنه كان تقصيرا مني في عدم بلوغي إلى ما كان يريد.
الحمد لله تفوقت في اختصاصي حتى تخرجت وكنت من الأوائل وقدمت على العمل في الجامعة وعلى الماجستير للدراسة معا ونجحت وتفوقت ونجحت في الامتحانات، ولكن أيضا شاء القدر ولم أستطع الاستمرار لأني تزوجت برضى والداي، حيث أتاني زوج طبيب متدين وحالته المادية جيدة جدا ومقيم في دولة أوروبية للدراسة والعمل فاضطررت أن أسافر معه، مع العلم أن والدي كان يفكر في عدم قبوله بزوجي كونه يقيم في الخارج ومتدينا فاشترط علي وبموافقة زوجي أن أكمل الدراسة هنا في الغربة أو أن أعمل.
ولكن شاءت أيضا الأقدار أن أحمل وأرزق بطفلتين خلال سنتين وبسبب وجود الأطفال وعمل زوجي المتعب جدا جدا خاصة في الغرب، وبسبب صعوبة اللغة التي تحتاج أوقاتا وأوقاتا بالخروج والدراسة في الجامعات لتصبح قوية لم أستطع التوصل إلى ما طمحت له في البداية مما سبب لي الإحباط والاكتئاب خاصة أن الهدف الأساسي في طموحاتي في حصولي على الشهادات العالية والعمل هو إرضاء والدي ومساعدته ماديا لأنه محتاج وليس لديه عمل.
ولدي أخوات وأخ صغير تحت رعايته، خاصة أن بيتنا القديم مرهون للدولة منذ زمن النظام السابق وخاصة في هذه الظروف الصعبة والمحرجة التي يعيش بها العراق وأن أبي يعمل الآن في بيع عبوات البنزين أمام الشارع ليسترزق منها وهو قد تعب جدا جدا وخاصة أنه مصاب بمرض الضغط وعمره 56 سنة، ولكنه بسبب عمله من عمره الصغير وكفاحه يبدو تعبا جدا جدا، وكان يأمل من ابنته وأطفاله أن يجازوا والدهم بما فعل لهم منذ الصغر، وهذا طبيعي جدا وعندما رأى أبي ما مر بي، وأني لم أستطع أن أعمل أي شيء لا له ولا لنفسي حزن حزنا شديدا وغضب غضبا شديدا على زوجي وجعله السبب الأساسي بما مر بي وبدا كلما أتصل به لأسأله عن حاله يرد علي ببرود الحمد لله يا ابنتي لا تفكري بي كونك سعيدة مع زوجك، كنت أعرف كل المعرفة أنه يقولها بعدم رضى.
وبعض الأحيان عندما يعود من العمل متعبا جدا يصادف اتصالي به فيقول ماذا فعلت لوالدك شكرا على هذا الجزاء، وخاصة أن والدي وأهلي وجميع الناس يعلمون أن زوجي حالته المادية ميسورة وجيدة جدا وخاصة أنه يعيل أهله، وكان والدي عندما يسمع أن زوجي يرسل كل شهر إلى أهله أموالا كثيرة وسيارات وزكاتنا جميعها يشعر بالإحباط الشديد، ويقول لي ماذا سيحصل إذا ساعد زوجك والدك.
المشكلة أن والدي حساس جدا وعنده كرامة عالية جدا بحيث إنه يرضى على نفسه كتم جراحه، والعمل على أن يمد يده أو ينطق لسانه ليطلب حاجة من أحد ولكني لأني ابنته وقريبة منه أو بالأحرى جميعنا أنا وإخوتي قريبون منه ومن والدتي حيث كنا ومازلنا كعائلة مترابطة فيحاول أن يحسسني بأنه قد تعب ووصل إلى حد الإشباع من العمل والتعب ولكني لالالالا أعلم ماذا أعمل له فأنا مكتفة (مقيدة) بين زوجي وعائلتي وبين الغربة واستحالة العمل وبين مساعدة والدي، خاصة أني أخجل من أن أطلب من زوجي أن يلتفت إلى والدي ويمد يد المساعدة له على الأقل أن يجعلني أساعد في مصروف البيت ولو بالقليل.
ولكن زوجي منذ أن أتى للعراق وخطبني يعتقد أن والدي ووالدتي يطمعان فيه وفي ماله، وبات قلبه قاسيا جدا عليهما، والسبب في ذلك أن والداي أغدقا عليه بالطلبات لابنتهم لأنهما كانا خائفين على ابنتهما من شخص جاء من الغرب ولا يعرفانه، وكذلك لأنه أتتنا إشاعة عنه أنه قد قتل شخصا وبسبب ذلك هرب إلى الخارج، ولكن زوجي في ذلك الوقت أصر على عدم تلبية أي طلبات لهم وأرغمهم على قبول شروطه، ولأن صفات زوجي كشخص ملتزم ومتدين وصاحب شهادة عالية لم يستطع والداي رفضه فتم الزواج وهناك نغصة عند والداي تجاهه، وكذلك عدم ثقة منه، واستمر هذا الحال إلى الآن خاصة أن والدي يعتقد اعتقادا كاملا أن زوجي مقصر معي منذ البداية إلى الآن ويظن أنه السبب في ما أنا عليه.
وعدم رغبة زوجي في مساعدة والداي تكمن هنا لأنه أخذ فكرة عنهما أنهما قبلا به بسبب ماله ووالدي يعتقد أن قلب زوجي قاس على أهلي وهو الصحيح ومقصر معي وهو غير صحيح فهو ملتزم معي، وأنا "عايشة في وسطهما" أريد إرضاء هذا وذاك خاصة أني أحب والدي بشدة وأتمزق لأني أراه يعمل هذا العمل الحقير، وأنا هنا أتنعم بالخير ووالدي وزوجي لا يعمل أحدهما على أن يجذب قلب الآخر إليه، فأنقذوني ما هو العمل في حالتي.. وأعود وأقول لكم إني أخجل أن أطلب من زوجي هذا الطلب فأنا أحس بالكرامة ولا أريده أن يظن أننا محتاجون له، مع العلم أن لدي أخا كبيرا ولكنه طالب ويدرس وهو يكافح لكي يساعد والدي، ولكن طريقه طويل جدا لكي يكمل مشواره.. والله إني لم ولن أقصر في الدعاء لوالدي في كل يوم والبكاء والطلب من الله أن يرضى عني ويرضي والداي عني ويرضى زوجي عني خاصة أن والدي يحبني حبا شديدا ويحترم زوجي عندما يتصل به هاتفيا، ولكن اللي في القلب في القلب وكلها شكليات فقط.
ولقد دخلت على مواقع كثيرة لأبحث عن حل ومنها موقعكم، ولكن نفس الجواب لا حل فقط ادعي لوالدك ولكني مللت من الحزن؛ لأنه ليس في يدي فهو والدي وأحس بفضله على يوما بعد يوم وخاصة عندما أصبحت أم لبيت وأطفال ورأيت صعوبة الحياة وبدأت أحس بالعزلة عن زوجي وأهلي فزوجي لا يعينني لا معنويا ولا ماديا وأهلي لا أستطيع أن أشكو لهم ما في داخلي فهم يعيش وظروف تعسة ومرهقين نفسيا، وخاصة بما يمر به العراق من ظروف دموية يوميا، ومع كون عمل والدي مهددا من قبل الاستغلاليين والفاسدين فعائلتي تحتاج إلى من يبعد عنهم ما يمر بهم ويواسيهم فالتجأت إلى الله ودعوته بشدة فأحسست أن الله يوجهني إليكم فبدأت أكتب لكم لا إراديا فعسى أن تكون وجهتي هي الصواب وبارك الله فيكم ألف خير.
أختكم في الله..
مها العراقية
20/12/2022
رد المستشار
أختي الكريمة.. قلوبنا جميعاً معكم يا أهل دجلة والفرات تنزف مع العراق، ولا تعرف الغمض حتى تقر عيون بلاد الرافدين، وأدعو الله أن يكون الفرج قريبا.. لا أزعم أن عندي حل سحري لأوضاعك، ولكن دعينا نحاول ونقلِّب النظر في الأمور:
إذا كان زوجك قريباً منك في العمر فإن هذا هو التفسير الأقرب إلى أنه لا يلتفت إلى تضاريس الصورة أو الحالة التي تعيشونها.. عندما رسم الله سبحانه وتعالى لنا تصوراً للأسرة المسلمة فإنه كان يضع أسساً تصلح لتسيير هذا النظام في أي ثقافة بشرط فهم فلسفة هذا الكيان، وفلسفة النظام الرباني لتسييره.
فالمرأة في هذا التصور ينبغي أن تكون مكفولة بالكامل، ومغطاة ماديًّا بحيث تتفرَّغ دون قلق ولا ضغوط لرعاية شؤون الأولاد والزوج، وتوجيه طاقتها إلى هذا المجال يعني أنها لن تكون غالباً بقادرة على العمل أو ممارسة أي نشاط منتظم خارج البيت يدر دخلاً، أو يحتاج إلى وقت يتعارض مع شئون رعاية بيتها وأسرتها، وهو ما يحدث أكثر في بداية الزواج والإنجاب.
إذن يؤمِّن الإسلام للمرأة الجانب المادي الناتج عن حجبها أو حجب طاقتها عن المشاركة في سوق العمل، والقاعدة في الإنفاق هي: لينفق كل ذي سعة من سعته.
أي أنه على زوجك أن ينفق عليك على قدر سعته، ويعوضك عن عدم العمل على قدر سعته، وأرى أنه لو كان موسراً بقدر كبير فإنه يلزمه أن يساعد أهلك، الأمر الذي يقوم بديلاً عن جهدك أنت، لو كنت تعملين، ولكن لا أحسب أنك تستطيعين إلزامه بهذا، وربما لا يستطيع أحد ذلك أيضا، ولكن إن وُجد من يتحدث إليه في هذه الناصية يكون ممتازاً أن يجري مثل هذا الحديث، لعله ينتبه من غفلته ويقوم بواجبه.
أذكرك أنني أقترح عليك، وأنت أدرى بما يناسب ظروفك، وأطرح مسألة أخرى ربما تناسبك أكثر، وفيها يمكنك أن تقتطعي جزءاً من مصروفك الشخصي الذي يعطيه لك زوجك، إذا كان هذا هو أسلوب إنفاقكم في البيت!!
بمعنى إذا كان زوجك يعطيك مبلغاً شهريًّا لنفقاتك الشخصية يمكنك تدبير أمورك من ملبس وخلافه بحدود ضيقة، وتوفير ما تستطيعين، وإرساله لأهلك.
واقتراح آخر هو أن تقومي بممارسة عمل يدر دخلاً، وأنت في البيت، وهذا يعتمد على خلفيتك العلمية، وظروفك وعلاقاتك في المحيط المجاور!! وانغلاقك وعزلتك لا يفيدان هنا، لأنه ربما تجدين من جارات مسلمات من تريد أن تتعلم القرآن مثلاً، أو هي تعمل وتريد الاعتماد عليك في طبخ بعض الوجبات مقابل بعض المال، وغير هذا كثير، وهذا يتوقف على ما تجيدين من مهارات، كما أنبهك إلى شيء رائع تستطيعين اكتشافه بنفسك، والاستفادة منه، ألا وهو شبكات وجهود دعم النساء لبعضهن، فقد أودع الله في قلوب هذه الكائنات وعياً وقدرة على التضامن في مواجهة خطوب الحياة، وهذه القدرة، وهذا الوعي ستجدينه متجاوزاً لحواجز الاختلاف في الدين والثقافة، فاستكشفي هذا واستفيدي منه.
فالمرأة تدعم المرأة بأشكال ومستويات بلا حدود، فقط تحتاجين إلى أن تكوني معروفة بظروفك للدائرة المحيطة بك من النساء، وربما تجدين من الأجنبيات دعماً وتفهماً أكبر وأكثر من العربيات، وفي كل خير وأذكرك أيضا أن الإنترنت الذي أرسلت لنا عبره يحمل مقررات دراسية، وتكوين أكاديمي ودراسي يمكنك الاستفادة منه، وتطوير مهاراتك ومعارفك، وأنت في بيتك وتراعين أطفالك، وعالم "التعليم الإلكتروني" يساعد زوجك في تمويل حصولك على شهادة أو تطويرك لغتك...إلخ، ولا أحسبه يمانع في هذا.
وبشكل عام يمكنك السؤال حولك عن كل ما هو متاح لزيادة معارفك، ولاكتساب المال دون خروج كثير من منزلك، والغرب متطوُّر أكثر في إبداع صيِّغ تناسب كل الظروف، فابحثي جيداً.
وأخيراً أذكرك أن الوقت يمر، وبعد عدة أشهر وبالكثير عامين مثلاً سيكون في إمكانك الخروج أكثر للدراسة أو العمل، وأرجو ألا تتعجلي في إنجاب المزيد من الأطفال كما تعجلت في إنجاب طفلتين برغم أن ظروفك كانت تسمح لك بغير ذلك، ولكن لعل البنات يا أم البنات مجلبة للرزق، أسأل الله العظيم واسع الرزق أن يرزقك وإياي من أبوابه وخزائنه، وأدعوه أن يكون الغد أفضل لك وللوالدين الكرام ولعائلتك كلها، ولكافة أهل العراق الحبيب الذي أتمنى أن نفرح به قريباً درة وسط العرب كما كان دائماً، وأن تطيب كل الجراح، ونعبر جميعاً ليل الأحزان الطويل الثقيل.
التعليق: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، كانت ظروف عائئلتك صعبة وحاول أبوك مساعدتك كي تأمني معيشتك وربما مساعدته أيضا.
أي أنت الآن تحسين بأن عليك دينا يجب سداده لوالدك، قدمي الأسباب فقط، صحيح زوجك لديه ضغوطات كبيرة في العمل لكن أظن توجد أوقات حوار بينكما، كما قال الدكتور أحمد عبد الله في رده، يمكنك البحث عن عمل من المنزل وبالطبع ستناقشين زوجك في الموضوع وسيتسائل لماذا زوجة الطبيب تبحث عن عمل بسيط، هنا تخبرينه أنه ليس لأنه مقتر في الإنفاق وإنما لدين عليك ييجب سداده ولسد باب ينغص عليك معيشتك فلم تستطيعي الهناء وأبوك يتعب،
وأنا أرى هنا أنه ليس من المهانة إخبار زوجك بظروف عائلتك بل العكس عندما تخبربنه عن كفاح والدك وعفافه مع فقره سيلغي فكرة أن والدك بخيل أو جشع،
وهنا أقترح عليك حلا آخر إلى حين إيجاد عمل وهو الاقتراض إن لم يتطوع زوجك، أي يقرضك شهريا مبلغا، تسددينه عند إيجاد عمل، بالطبع هذا مع الادخار من مصروفك الخاص.
بخصوص جمعيات النساء، أنصحك بجمعيات المساجد وتحفييظ القرآن، حتى لا تقعي في فخ الحركات النسوية ولا تفتني في دينك.