العلاج أهم من التشخيص..
السلام عليكم
هذه الرسالة من صاحبة مشكلة "العلاج أهم من التشخيص" إلى الدكتور وائل.. أرجو أن تخبرني بتشخيص حالتي؛ لأن طبيبي يتهرب كلما سألته: أنا عمري 30 عاما، وأعاني من هذه الحالة منذ 7 سنوات، والآن يا دكتور تراودني أفكار بأني غير مريضة نفسيا، وأن ما بي هو أنني مسحورة فتجدني طوال اليوم أبحث عن السحر في المنزل حتى أني قمت بتمزيق قماش الكنبات اعتقادا بأن السحر داخلها.. وقمت بتفكيك المكيفات لأبحث في داخلها، وهكذا لم أترك مكانا في بيتي إلا بحثت فيه. وأي شيء أراه سواء مسمارا أو حتى خيطا أعتقد أنه سحر موضوع لي، وكذلك وأنا جالسة أقوم بسحب شعري شعرة شعره حتى تنقطع وهكذا.
وأخبرك يا دكتور بأني قطرية، ومنذ إرسالي للرسالة الأولى حتى الآن لم يأت موعدي مع الدكتور فهو في ثمانية من شهر صفر، وأرجو منك أن تريحني يا دكتور وتخبرني بتشخيص حالتي؛ لأن الدكتور كلما سألته يتهرب، وهل صحيح أن ما فيّ هو سحر مع يقيني بأني مسحورة.
كذلك لا أستطيع النوم ليلا أو نهارا فكلما بدأت أغفي ينتفض جسمي بشدة كالطفل عندما "يفز" وهو نائم، وهكذا طول الليل، ولا أنسى أن أخبرك بأني كنت أعاني من نوبات صرع كبرى منذ أن ولدت حتى بلغت من العمر 15 عاما، وسبب النوبات هو أن جزءا من الدماغ يعمل بدون نظام. وبدأت الأعراض النفسانية بالظهور قبل 7 سنوات من الآن، وكانت بدايتها نوبات صرع شُخِّص بأنه صرعٌ هستيري، وأحيانا نوبات من الشلل الهستيري.
فأرجو أن ترحم حالي وتريحني وتخبرني بتشخيص حالتي،
وجزاك الله خيرا..
16/12/2022
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك.. وشكرا على متابعتك، الحقيقة أنني رغم صعوبة ما تطلبين مني، ورغم أن الرد الأمثل على مثل سؤالك هو:
إذا كان طبيبك النفساني المعالج، والذي يعالجك من اضطراب نفسي بدأ معك منذ سنواتٍ سبع يتهربُ منك كلما سألته عن التشخيص، فكيف تطلبين مني أنا أن أقول لك التشخيص، بينما كل ما يربطني بك هو عدة سطور إلكترونية، وجبل كبير من القلق عليك، وشعور بالالتزام والمسؤولية اللذين لم أتوقع أن أحملهما يوما وأنا أعمل مستشارا لهذه الصفحة المباركة.
أقول لك هذه الكلمات لأنني ربما استطعت توقع أثر كلماتي التي أقولها على معظم من كتبوا إلى صفحتنا يستشيرونها، لكنني في حالتك أنت أجد الأمر مختلفا؛ لأن اضطرابك النفساني في فترة اتقاد وخلل التفكير واضح والوهامات أو الأفكار الوهامية حامية الوطيس حتى أنك تتصرفين استجابة لها ليل نهار، فتفتشين عن السحر وتفكين قطع الأثاث، وتمزقين الكنب وتفكين المكيفات وتقطعين شعرك إلى آخر ما ذكرت من سلوكيات لا تأتيها عاقلة ولا أظنك تجهلين ذلك!
معنى هذا الكلام أن تأثير ما أقوله لك قد يكونُ في منتهى الخطورة عليك، وأنا لا أستطيع التنبؤ حتى بذلك التأثير، وفي أي اتجاه سيكونُ اندفاعك وتهورك القادم، يضاف إلى ذلك فقدانك الجزئي للاستبصار بحالتك فرغم علمك بأن ما تفعلينه من سلوكيات ليس طبيعيا بالمرة فإنك غير مكتملة الاستبصار من وجهة نظر الطب النفساني؛ لأنك ترجعين الأمر إلى السحر وهو ما نسميه فكرة وهامية أو ضلالية Delusional Idea، ورغم أنني سأعطيك ما أستطيع تسميته بالانطباع المبدئي عن نوعية اضطرابك إلا أنني أؤكد لك مرةً أخرى أن العلاج أهم من التشخيص، وأن الجرعة التي تتناولينها إن كنت ما زلت تتناولينها من الريسبيردون والكلونازيبام –كما جاء في إفادتك الأولى- عير كافية على الإطلاق في نظري.
أحلل لك بعد ذلك ما تعانين منه مع إعادة التأكيد على أن الأمر ليس أكثر من انطباع مبدئي، ويندرج تصوري لما يمكن أن يكونَ سبب الأفكار الذهانية Psychotic Thoughts (الضلالية أو الوهامية) تحت احتمالين في ضوء ما أضفت لنا من معلومات في إفادتك الأخيرة هذه:
الاحتمال الأول:
هو اضطراب ذهاني ثانوي لخلل عضوي بالمخ بسبب تأثير حالة الصرع القديمة، فكثير من مرضى الصرع يعاني من أعراض ذهانية عضوية المنشأ، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفا في ضوء ما قررته في إفادتك من تعافيك من حالة الصرْع تلك منذ كان عمرك خمسة عشر عاما، بينما بدأ ظهور الأعراض النفسانية بحالة اختلاج تفارقي أو انشقاقي Dissociative Fits (أو تشنج هستيري) بعد ثمانية سنوات من توقف حالة الصرع العضوية، فمن الممكن أن تكونَ هناك علاقة ما، لكننا لا نستطيع التخمين أكثر من ذلك خاصة أن كثيرا من حالات الاضطرابات العقلية تبدأ بأعراض هستيرية، ويمكنك معرفة كثير من المعلومات عن هذا الموضوع على الرابط التالي الصـــرع .
الاحتمال الثاني:
هو أن يكونَ اضطرابك هو اضطراب الفصام Schizophrenic Disorder وهو احتمال تشخيصي أقوى من السابق، حيث توجد معتقدات خاطئة راسخة لدى المريض ولا أساس لها من الصحة، ولا يقوم عليها دليل منطقي كافٍ، ولا تستجيب للإقناع ولا يشاركه فيها الآخرون من نفس مستوى ثقافته، كما توجد أعراض أخرى كالهلاوس السمعية أو البصرية أو غيرها.
والهلاوس Hallucinations هي واحدة من الأعراض الذهانية يقصد بها أن تستقبل الحواس منبها غير موجود أصلا، وتستطيعين معرفة الكثير عن هذا الاضطراب إذا قرأت ما يرد تحت الروابط التالية من على استشارات مجانين:
استنارة ذهانية: هل هو الفصام؟
هل أنا مريضة بالفصام فعلا؟... بلى!
بعد ظلمة نفسي وانقطاع رجائي: عاشقة الفصام!!
الصوفية والفصام: محاولة للفهم، ودعوة للاجتهاد
عزيزي هذا هو الفصام!
الفصام المزمن وأعراضه السالبة!
الفصام مرض مزمن لكن التعافي منه ممكن!
بعد ذلك أكرر لك أن ما أستطيع قوله ليس أكثر من محاولة رسم انطباع مبدئي عن حالتك، أنا لا أستطيع أن أضع تشخيصا نهائيا من خلال سطورك الإلكترونية، وقد يكونُ الأمر فصاما وقد يكونُ غير ذلك.
ومرةً أخرى أكرر لك أن عليك أن تعجلي بعرض نفسك على الطبيب النفساني المعالج، ولا تنتظري حتى موعد استشاراتك أو متابعتك القادمة؛ لأن الأمر جد خطير يا عزيزتي، ومن الممكن شفاؤه إذا هداك الله، واتبعت نصائح الطبيب المعالج بشرط أن يكونَ متخصصا في الطب النفساني.
وأما سؤالك الأخير عن مسألة السحر وغيره فلا أجد ردا عليك أبلغ من إحالتك للردود السابقة على استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
التلبس بالجن: مسرحيةٌ نعيشها حتى البكاء!
الاضطرابات النفسانية جسدية الشكل
اضطراب الضائقة الجسدية
التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري
الجن المخفي: التفارق وادعاء العلم بالغيب
الجن الأحمر والزار: التفارق والغيبة والتملك
وفي النهاية أكرر -لأنني في منتهى القلق عليك يا أختي- أن كل ما تعانين منه قابل للعلاج بفضل الله، فلا تترددي. وسارعي بمفاتحة زوجك بضرورة عرضك بسرعة على طبيبك المعالج؛ لأن العلاج مهم وملح في هذا الوقت، وتأكدي من أنه سيعطي نتائج طيبة بإذن الله. ولا داعي لأن نختلف حول كونك مسحورة أم لا؟ لأن العلاج في جميع الأحوال سيكون مفيدا بإذن الله تعالى.
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.