السلام عليكم..
أشكركم على كل ما تبذلونه من مجهودات لفائدة شباب ونساء هذه الأمة.. وأقل ما يمكن أن نقول في حقكم إنكم منارة لنا في عدة أمور حياتية.. فجزاكم الله عنا كل خير.. لا أخفيكم أنني حاولت مرات عديدة أن أرسل هذه الاستشارة واستشارات أخرى لكنني فشلت بسبب كثرة عدد الاستشارات حتى أصبح هذا حلمًا أتمنى تحقيقه؛ لأنني أثق بكم جدا بعدما قرأت لكم عدة استشارات لكم في هذا الموقع المبارك.. أسأل الله أن يكون في عونكم ويجزيكم عنا خير الجزاء.
أنا طالبة جامعية، ومنضمة إلى حركة طلابية إسلامية من داخل الجامعة.. وللإشارة فنحن نشتغل فيها طلبة وطالبات ولكن طبعا باحترام الضوابط الشرعية في التعامل فيما بيننا.. وهناك عدة تجارب ارتباطات بين إخوة وأخوات من داخل التنظيم.. مؤخرا تقدم لي أخ يعتبر من القيادات الطلابية.. ذو خلق ودين.. تتمناه الكثيرات.. وأنا بصراحة معجبة بفكره ونضاله، وبالإضافة إلى أنني وجدت في نفسي قبولا له بل إنني أحبه وأحس أنه الشخص الذي سأسعد معه.. وهو أيضا يكن لي نفس المشاعر.. أنا أميل حقا لقبوله خاصة أنني أريد إنسانا يحمل الهم الإسلامي ويشاركني نفس المشروع.. لا أن أكون أنا في واد وهو في واد آخر.. إلى هنا ليس هناك أي مشكل.. ما يواجهني مشكلتان:
الأولى: أن هذا الطالب وضعه الاجتماعي متأزم لا يسمح له بالارتباط الآن.. لكنه شخص طموح جدا لا يضيع وقته في التوافه.. تجده دائما إما في خدمة العمل الإسلامي الطلابي أو الدراسة أو مطالعة كتاب.. وللإشارة فهو يعشق المطالعة.. وهو إنسان يعتمد عليه بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. أحس أنني سأتوافق معه فكريا ونفسيا.. ووالدي يعرفه ويقدره ويحترمه جدا.. بسبب تعامله وفكره الذي هو أكبر من سنه.. والذي نماه بكثرة المطالعة.
الثانية: الخوف من عدم موافقة والدي.. أولا لأنه طالب ولم يكوِّن نفسه بعد وأمامه سنتان إلى ثلاث سنوات ليتيسر له ظروف الزواج.. وثانيا لأنه أسمر.. وسبق لوالدي أن رفض شابا تقدم لأختي بحجة أنه أسمر.. ويقول والدي في هذا الشأن إنه يحترمهم ويقدرهم إلا في الزواج فمن الأفضل ألا يتزوج أسمر ببيضاء أو العكس.. ويستدل بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس".
هذا الأمر يحيرني وأنا ليس عندي مشكلة؛ فأنا أقبله كما هو؛ لأنني أعرف من حسناته ما يجعلني لا ألتفت لهذه الأمور التافهة.. لكني صراحة لا أريد أن أتمرد على والدي وأريده أن يقتنع بأن سعادتي بإذن الله ستكون معه.. لا مع غيره.. هذا الشاب الذي سينهي دراسته الجامعية في بداية السنة القادمة.. قال لي إنه يريد أن يكلم والدي في السنة المقبلة 2008.. ويقوم بخطبة.. وإنه سيقوم بكل ما من شأنه أن يقنعه ويجعله يوافق.. ووالدي ليس صعبا بطبعه بل يقدر العواطف ولا يرغمنا على فعل أمر لا نريده.
أنا لم أخبر هذا الشاب أن والدي سبق أن رفض شخصا لأنه أسمر، وذلك خوفا من أن أجرح إحساسه.. وللإشارة فقد ناقشت والدتي وأختي في الأمر ووجدت رفضا بشدة بحجة أن الأسرة والعائلة الكبرى لا تحب أن يكون من أفرادها شخص أسمر، وبأنني إن تزوجته فيجب أن أنسى أسرتي وعائلتي، بل وصلت إلى درجة أن قالت لي إنه يجب أن أنسى والدي إن وافقت على هذا الشخص لأنهما لا يريدان هذا الارتباط ولا يريدان حفيدا أسمر.. أنا أظن أن هذا الاعتراض لا أساس له شرعا بل هو فقط تأثر بالعائلة.. ولم يقنعني شخصيا.. فهل أخضع للعائلة التي همها المظاهر الفارغة والمادة أم أتبع مبادئي وما أومن به؛ لأن الزواج حياة أبدية غير مستعدة أن أخوضها مع أي شخص كيفما كان.. ومصرة أن تكون ناجحة وغير قابلة للفشل.
أقول لكم إن قدر الله ولم يتم ارتباطي بهذا الشخص فسيبقى هذا الأمر جرحا في قلبي طيلة حياتي، وستكون تضحية كبيرة مني لأجل رضا والدي.. وأكثر ما سيؤلمني هو ضياع القيم والمبادئ، خاصة عندما أراه من أسرة ملتزمة مثل أسرتي.. وأخبركم أنه سبق ومررت بتجارب من قبل أنهيتها مرة لأسباب متعلقة بالوالدين واقتنعت بها، ومرة أخرى لأسباب متعلقة بالأخلاق والمبادئ.. والتي هي أكثر ما يهمني، وعندما وجدت الشخص الذي اقتنعت به حتى النخاع قدر الله أن يكون أسمر واجتمعت فيه أولوياتي فكيف أحرم منه؟؟
هذا ويهمني رضا والداي.. ولا أريد أن أفعل ما لا يرضيهما، بل أريد أن يقتنعا باختياري.. ويرضيا عنه؛ لأن رضاهما من رضا ربي، وهو أغلى ما يهمني في هذه الدنيا.. أرجوكم أرشدوني ماذا أفعل؟ .. هناك أمر أخير لا أعتبره مهمًّا ولكن أريد رأيكم فيه إن أمكن.. وهو أن هذا الشخص يصغرني بشهر ونصف.. وهو لا يعتبر هذا الأمر مشكلا ولا أنا كذلك؛ لأن ما يجمعنا أرقى من كل هذا.
اعذروني على ضعف التنظيم في الكتابة، وأشكركم مرة أخرى، وفي انتظار ردكم بفارغ الصبر.. تقبلوا أسمى عبارات التقدير والاحترام.
والسلام عليكم..
11/1/2023
رد المستشار
الأخت الفاضلة "مريم" .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التقيت أنت وهذا الشاب النشط المكافح الملتزم على طريق العمل من أجل الإسلام، وتبادلتما الإعجاب في حدود من الاحترام والمحافظة على ثوابت الأخلاق ومكارمها، وبدأت تظهر بعض المشكلات ومنها عدم استعداده الحالي للزواج فهو لم يزل بعد طالبا، وسينتهي من دراسته العام القادم ولكنه يحتاج حوالي ثلاث سنوات ليكون قادرا على الزواج، وهذا ليس أمرا صعبا خاصة إذا لم يكن لديك ولديه مانع لبعض الصبر وتقديم بعض التنازلات من ناحية تخفيض نفقات الخطبة والزواج، بحيث ينخفض سقف الوقت المطلوب لتحقيق ذلك.. يمكن أن تتم الخطبة بعد انتهائه من دراسته العام القادم ويتم الزواج بعد ذلك بعامين، أما الاختبار الأصعب فهو رفض الأسرة على أساس لونه الأسمر، وإذا كنتما تعملان على طريق الدعوة، فإن من أساسياتها أنه لا فضل لأبيض على أسود ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وفي تاريخنا الإسلامي نماذج عظيمة من أبطال الإسلام ونوابغه كانوا من السود، وقد رفعهم الإسلام لمصاف العظماء والقادة.
أعرف أن هذا لا يسبب مشكلة شخصية لك، ولكن لوالدك بدرجة ما ثم لوالدتك وأختك بدرجة شديدة، وقد ذكرت أن والدك يسهل التفاهم معه وإقناعه، وأنه لا يجبرك على شيء تكرهينه، وهذا يجعل البدء به أفضل حين يتقدم هذا الشاب لخطبتك بشكل رسمي؛ فحاولي إقناعه بما تملكين من حجة، وأعتقد أن ذلك ممكنا، خاصة وأن الأسرة يبدو فيها أثر التدين.. أما من ناحية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لا يعنى أبدا اللون وإنما يعني الصفات والأخلاق.
ثم بعد ذلك يأتي الدور على أمك وأختك، وهما كما تقولين ترفضان بشدة وبإصرار متأثرتين بنزعات عرقية وعنصرية سائدة في المجتمع، لا تيئسي من محاولات إقناعهما فهما حين تتأكدان من قوة مشاعرك تجاهه ستقبلان في النهاية -ولو على مضض- فهما بالتأكيد تعرفان -كنساء- معنى أن تحب امرأة حبا صادقا.
في النهاية أنت لن تتزوجي ضد إرادة أسرتك -وهذه قاعدة مهمة- ولكنك ستبذلين جهدا صادقا وصبورا في إقناعهم، وتذكري أن لديهم صراعا بين قناعاتهم الدينية وبين العادات والتقاليد والأعراف السائدة، وأنت ستقومين بحل هذا الصراع لديهم وتحتسبين ما تقومين به من جهد عند الله، فإن هذا الأمر ابتلاء لك ولهم لأنكم تتجاوزون حواجز مصطنعة تنتمي إلى أعراف عنصرية جاء الإسلام وتجاوزها وأرسى قواعد الخيرية على أساس الدين والتقوى، وقرر رسوله العظيم ذلك في الزواج بقوله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
لا تجرحي مشاعر هذا الشاب بقولك إن أسرتك ترفضه للونه، ولكن اصبري أنت وهو حتى تزول العقبات المادية والاجتماعية، وواصلا التقرب إلى الله بفضائل الأعمال وواصلا الدعاء له بأن يجمعكما إن كان في ذلك خير لكما، والدعاء للأسرة بأن يهديها الله للتغلب على ضغوط العرف السائد والنزعات العنصرية والنزول على حكم الله في خيرية البشر.
أما عن فارق السن بينكما حيث تكبرينه بشهر ونصف، فإنه من المفضل أن يكبر الزوج الزوجة بمقدار 3-5 سنوات (وذلك لاعتبارات بيولوجية ونفسية)، وقد يمتد ذلك الفرق إلى عشر سنوات، ومع هذا فإن مسألة السن ليست مانعة فهناك بعض الزيجات الناجحة التي لا تتوافر فيها تلك القاعدة العمرية، خاصة إذا توافرت عوامل أخرى لنجاح العلاقة الزوجية.
أرجو ألا تشغلك تلك المشكلات عن النظر في بقية عناصر التوافق الزواجي مثل التكافؤ الاجتماعي مثلا، وهو أمر مهم عرفا وشرعا، وسوف تثبت الأيام القادمة قدرتكما على تجاوز المشكلات من عدمه، وفي هذا اختبار حقيقي لأصالة مشاعركما. قومي بأداء صلاة الاستخارة حتى يوفقك الله لما فيه الخير، فعلى الرغم من كل ما ذكرته من مزايا هذا الشاب، فالله وحده أعلم بالسرائر والمصائر والمآل.