بسم الله الرحمن الرحيم،
أنا شاب ملتزم ولله الحمد، مذنب أسأل الله المغفرة لي ولكم، أبلغ من العمر 20 عاما، وسأكمل دراستي الجامعية إن شاء الله السنة القادمة (بكالوريوس).
أريد أن أطرح مشكلتي التي حيرتني كثيرا، وإذا قرأتموها فستحكمون عليّ بأني معقد وأنني أقفل على نفسي كل باب، ولكنني والحمد لله شاب مستبشر وطموح ومرح وهادئ في جل أمري.
مشكلتي في البحث عن شريكة الحياة التي ما دائما أسأل الله أن يوفقني في اختيارها، ولكن قد وقعت في قلبي فتيات وكنت أخطط لاختيار إحداهن شريكة لحياتي، ولكن للأسف فالعادات الاجتماعية الجديدة تجعل والدي يحاول ألا نفتح له موضوع الخطوبة والزواج حتى أكمل دراستي الجامعية، وذلك مما جعل الفتيات يذهبن؛ فالأولى تزوجت والثانية خطبت وأنا صامت، وبقيت حائرا في البحث عن شريكة حياة من جديد؛ حيث إني كنت أعرفهن معرفة لا بأس بها منذ صغرهن، ولكني والحمد لله أحاول ألا يتعلق قلبي بحب واحدة حتى لا أصاب بصدمة حينما تذهب.
وهناك بيت ملتزم والحمد لله أخبرونا بأنهم يحبوننا كثيرا ومعجبون بي وبأخي ويريدون تزويج بناتهم لنا إذا وافقنا؛ لأننا ملتزمون وأكفاء حسب نظرتهم إلينا والله أعلم، ولكن تكمن المشكلة في أني لا أعرف واحدة من بناتهم لا من صغر ولا من كبر، وقد قرأت بأنه الأفضل أن يصل معرفة المخطوبة إلى نسبة 50%.
وأنا أبحث عن الفتاة ذات الدين والخلق ومن هي على قدر من الجمال حتى أحصن نفسي من الفتن وكذلك المتعلمة والمرحة، وهم يريدون أن نرجع لهم خبرا في أقرب وقت ممكن وإلا فإذا تقدم غيرنا لخطبتهن فلن يردوه، وهم يأسفون لذلك، وأخشى أن يذهبن كما ذهبت السابقات.
وفتيات مجتمعنا ملتزمات بالحشمة واللثام؛ وهذا مما يزيد صعوبة التعرف على صورهن أو التخفي والنظر إليهن، ونحن في مجتمع مدني والنظر في المجتمع المدني أصعب من المجتمع الريفي. ومما يزيد ذلك أنني ليس لدي أخوات يمكن أن يعرفن ويميزن بين البنات التي تصلح لأخيها من بنات جيله، فإذا قلتم أمي فإن أمي حثتني على الموافقة وأخبرتني بأنهن لسن على قدر كبير من الجمال ولكنهن خلوقات وتحبهن، ولكني أرفض مشورة أمي لعدة أسباب:
1- كونها غير متعلمة وريفية ولا تعرف بنات هذا الجيل.
2- أخشى أن تكون غير حيادية لأنها تحب تلك البنات.
فإذا قلتم إذا أردت الخطبة فانظر إليهن فإن أعجبتك إحداهن فاخطبها وإلا فارفض، فإنني لا أريد -إذا رفضت الخطبة- بعد أن أراها بعلمها أن أكون سببا في عقدتها أو عقدة أي فتاة.
وأخشى أن يكنّ على غير القدر الذي أريده من الجمال وأرفض ذلك مبدئيا. ولأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تحض وتحبب النظر إلى من يريد المسلم خطبتها بدون معرفتها بذلك.
وقد توفرت فيهن أغلب الشروط مما استخلصته من كلام أمي ولكن بقي شرط مهم مبهم وهو الجمال، لا أدري كيف أعرفه، فأريد منكم نصيحتي كيف أخرج من هذا المأزق وكيف نرد عليهم؟ (والرد لا يعني الخطوبة ولكن الموافقة المبدئية لأن الخطوبة صعبة قبل إكمال دراستي) وهل شرط الجمال الذي أعتبره مهما بعد الدين والتعليم يجب الاهتمام به وعدم إهماله حتى لا أظلم تلك المرأة ويحصل بذلك التحصين؟ وكيف أستطيع أن أختار شريكة حياة بشكل عام في المجتمع الذي أعيش فيه وفي الوضع المحيط بي وظروفي التي ذكرتها لكم؟
هذا وتقبلوا خالص تحياتي ووفقكم الله، وسامحوني على الإطالة وعدم ترتيب الأفكار؛ وذلك لصعوبة إرسال المشاكل لصفحتكم إلا في أوقات محدودة وصعبة، أريد جوابا شافيا في أسرع وقت، وجزاكم الله خيرا.
2/2/2023
رد المستشار
ذكرت في السطور الأولى من مشكلتك أننا سنحكم عليك أنك معقد. ولكن يبدو أن الله خيب ظنك فانطباعي عنك أنك شاب محترم، وعاقل وواضح الهدف مرتب الأفكار.
كما ذكرت أنت أيضا أنك تقفل على نفسك كل باب، ولكن الله خيب ظنك في هذه أيضا؛ فهناك باب مفتوح يمكن أن يتسلل حل المشكلة من خلاله، هذا الباب هو تغيير فكرتك عن أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تحبب النظر إلى من يريد المسلم خطبتها بدون معرفتها هذا ليس صحيحا في تحقيقه.
فأنت إذا أعدت قراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن تجد أنه يشير إلى جواز أن ينظر الشاب للفتاة التي يريد خطبتها دون أن تعلم ولكنه لم يقل صلى الله عليه وسلم أن هذا مستحب. وفارق كبير بين الجائز والمستحب.
يقول صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر لخطبة، وإن كانت لا تعلم. رواه أحمد.
وهذا هو عمر بن الخطاب يعرض حفصة رضي الله عنها على عثمان فيرفض ثم على أبي بكر فيرفض، وهنا نرى أن عمر بن الخطاب قد غضب بسبب رفض صاحبيه لابنته ولكن هذا الغضب لم يضطرهما لزيجة لا يريدانها، وإن كان هذا الكلام ينطبق أكثر على عثمان رضي الله عنه؛ لأن سبب رفض أبي بكر رضي الله عنه هو علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ينوي خطبتها.
وهذا كلام منطقي فأي الاختيارات أفضل:
أن تظلم الفتاة ظلما دائما وتتزوجها مضطرا حتى لا تجرح مشاعرها، أم أن تؤلمها ألما مؤقتا برفضك لها؟
هذا حقك أن تراها مرة واثنتين ثم تقبل بعد ذلك أو ترفض، وهناك صيغة مهذبة للرفض وهي "لا يوجد توافق نفسي"؛ فهذه الكلمة تدل على أن "التوافق بينكما غير متوافر، ولا تدل على أنها دون المستوى المطلوب" .. فقد يحدث توافق بينك وبين من هي أقل منها جمالا وقد يحدث توافقا بينها وبين من هو أفضل منك.
وعن جابر قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال جابر: كنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها (رواه أبو داود).
هذه الأحاديث تدل على جواز النظر دون علمها ولا تدل أبدا على أن هذه هي الوسيلة المستحبة. وهاهو الحافظ ابن حجر يقول في فتح الباري قال الجمهور: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها، وعن مالك رواية "يشترط إذنها".
ولا حرج أبدا في أن يعرض الأب ابنته على الشاب الصالح، ولا حرج أيضا أن يراها هذا الشاب بعلمها أو بدون علمها ثم يقبل أو يرفض، وهذا هو شعيب عليه السلام يعرض إحدى ابنتيه على موسى عليه السلام فيقبل.
وفي كلمة أخيرة عن الجمال أحب أن أختم بها: قيمة الجمال تتناقص بعد الزواج بينما تتزايد قيمة حسن الخلق والعشرة؛ لذلك فأنا أنصحك وأنصح كل شاب ألا ينظر تحت قدميه فقط وأن ينظر لجمال الروح والشخصية فهو الذي تقوم عليه العلاقة الزوجية.
لذلك أعط نفسك فرصة لرؤيتها والحديث معها عسى أن تكتشف فيها جمالا باطنا لن يظهر إلا من خلال الحديث.
أدعوك يا أخي لقراءة مشكلة بعنوان الجمال والزواج: أحاديث قبل الارتباط، ولا تنس الدعاء والاستخارة.