السلام عليكم مجانين:
أمي الدكتورة/ سحر طلعت المحترمة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ها أنا أعود ثانية، لكي أخبرك بهمي الذي يثقل صدري.. وكنت أعتقد أنني أقوى من الموقف وأنني أستطيع المقاومة وأنني أستطيع النهوض من جديد وما كنت أدري أنني أضعف من أي كائن مخلوق على وجه الأرض، وإنه مع كل المشاكل والأحداث والأحزان التي تمر بحياتن، تخلق داخلنا فجوة وهذه الفجوة تكبر وتكبر مع كل حادثة حزن تمر بحياتنا، مع كل إحباط، مع كل فشل، مع كل هزيمة، ونخدع أنفسنا ونقول سوف نقف من جديد وسوف نواصل المسير وسوف، تكون الحياة أحلى لكن للأسف، الحياة أسو.. والفشل نتائجه تكون أشد مع كل هزيمة ويترك انطباعًا أكبر وتأثيرًا أكبر، وأحزانًا أكبر.
ما كنت أحب أن أبدأ في سرد باقي معاناتي ببداية فلسفية، لكنني أرى أنها قد تخبر قليلاً عن المشاعر والوضع الذي أعيشه، طبعًا ها أنا أعود من جديد صاحبة مشكلة، قلبه معي، وأمواله مع أمه، كيف نتزوج؟ ، وقد كنت أخبرتك في آخر رسالة أنه تم الفراق لكي ينفذ ما أرادته أمه، كنت قد نويت الفراق بعزيمة وإرادة قويين.. وما كنت أدري أنني أضعف من كل هذ، عند أول مواجهة، لقد افترقنا ومضى كل منا في طريقه، وحاولت أن أشغل وقتي تمامًا حتى أمنع نفسي من التفكير أو حتى من مجرد الذكريات، وأقوي نفسي، كنت أعمل ليلاً ونهارًا أواصل ست عشرة ساعة عمل يوميًّا لكي أعود منهكة القوى والنفس وكل شيء وأرمي بنفسي على السرير لأعاود الكرة مرة أخرى في اليوم التالي وأستمر الحال هكذا.
وفكرت أنني ربما أستطيع أن أفكر في شخص غيره، وحاولت أن أتقبل هذه الفكرة، وفتحت الباب، ووجدت أن العقدة عندي أنا، فعند أول عريس تقدم لي، صدمت بردة فعلي تجاه الموضوع، ما كنت أعلم أنني سأرفض التفكير مجرد التفكير في أي رجل غيره، وأنني سأواجه حاجزًا حديديًّا نفسيًّا داخليًّ، لا أستطيع التغلب عليه، حاولت أن أذيبه، وأذيبه، لكني لم أستطع مجرد التفكير برجل آخر يقلب كياني ويدخلني بحالة كآبة غير طبيعية ويجعلني أرى العالم بنظارة سوداء قاتمة.. فعند آخر عريس، أحسست بإحساس لم أستطع أن أخبر به أحدًا؛ لأنني كنت أصلاً مهاجمة من قبل عائلتي، لأنني كبرت، ولا بد لي أن أتزوج، وتم طبعًا ذكر سيرة الشخص الأول ومهاجمته أيضًا، لكنني بصراحة كنت أشعر بالقرف، القرف من نفسي ومن الشخص المتقدم لي ومن الموضوع كله، وجدت نفسي أقرف من مجرد التفكير بالزواج من إنسان غيره.
لذلك..، أنا أصد أي شخص يحاول أن يفكر في الارتباط بي لأنني غير مستعدة لخوض حروب أهلية من أجل الزواج؛ لأنني أنا أساسًا غير متقبلة لفكرة الزواج من إنسان غيره، ولا أملك القدرة على خوض تجربة أخرى أعلم تمامًا نتائجها وغير مستعدة أن أتحمل إثم ظلم إنسان آخر يكون هدفه أن يجد زوجة تشاركه مشاعره وأحاسيسه وأحلامه، وأنا أعلم تمام اليقين أنني لن أستطيع أن أكون هذه الزوجة؛ لأنني بصراحة أشعر أن قلبي ليس معي، بل هو معه.. وأنا إنسانة فاقدة الرغبة بأن أتعرف على أي إنسان آخر أو حتى أفكر أن أحلم مع إنسان غيره أو أشاركه أي شيء كان، أحس أن قلبي انطفأ تمامًا لذلك.
مرت الأيام وأنا أعيش على الأمل، أمل أن يعود لي، حتى حصلت المواجهة، تقابلنا في مكان عام هو مع زوجته وأنا بين صديقاتي، أستطيع القول إنني ووقفت مشدوهة مصدومة غير مصدقة ما أراه أمامي كانت الصدمة قوية وعنيفة وأكثر من طاقتي، بكيت كثيرًا وتعبت كثيرً، وقاومت كثيرً، واكتأبت كثيرً، وبعثت له بـ"إيميل" بعد فترة تردد طويلة لكن كان لا بد لي أن أعرف الثمن الذي حصل عليه من وراء هذا الفراق وهذه التضحية التي قمنا بها من أجل أمه.، ويا ليته كان هناك ثمن، الثمن كان رخيصا جدًّ، وتافها جدًّ، ولا يُذكر، كنت أعلم أنه لن يعود كسابق عهده مع أهله، وأن الشرخ الذي حدث داخل قلبه وروحه استحالة أن يندمل.. خاصة بعد وقوفهم جميعًا في طريقه عندما أراد أن يحصل على شيء من حقه الطبيعي، وكنت أعلم أنه ربما سيتزوج إنسانة أخرى، وقد يعيش معها بقلبه أو بدون قلبه، لكنه لن يظلمها فليس هو الإنسان الذي يظلم هو الإنسان الذي يتعرض للظلم دائمًا سيعطيها كل حقوقها المادية لكن المعنوية أشك في ذلك.
كنت أعلم أنه سيكره نفسه كل يوم بسبب الطريق الذي أجبر على المسير فيه لا لشيء، ولكن فقط حتى يحقق السعادة لمن حوله كنت أعلم أنني وهو الطرفان الخاسران الخسارة الأفدح في النهاية، بالإضافة إلى خسارة زوجة لا ذنب لها سوى أنها ارتبطت بإنسان قلبه ليس معه، كنت أعلم كل ذلك، ولكنني ما كنت أعلم أنني سأكون بهذا الضعف وهذا الحال، وأنا واقفة على مفترق الطرق أنتظر عودته، يالها من نهاية سعيدة تمنتها أمه، كلنا أطراف خاسرة، لكنني أتمنى أن أعرف ما الذي حققته هي؟ ماذا كسبت؟ أنا أعرف الخسارة، لكن أين الربح؟ يطالبني بالرضا بالنصيب، وهل ما حدث بيننا كان نصيبًا أم كان ظلمًا بشريًّا مارسته أمه علين، هو استسلم ورضي ولم يَعُد يجد أي فرق في أي شيء، حياة وسوف تمشي برضانا أو باعتراضن، لكن هل هذا هو الرضى؟ هل الله يرضى بالظلم؟ معقول هذا هو النصيب؟ الله لا يرضى بالظلم كي أرضى أنا؟ وإلى متى سوف يبقى راضي لن يتمرد على وضعه؟ سنة، سنتين.، ثلاث.، لا بد من يوم يتمرد فيه على وضعه؟
وماذا سوف تكون النتيجة... هدم أسرة، ضياع أولاد، زوجة معذبة، أنا أعلم تمامًا أن ما بني على باطل فهو باطل، وبعد ذلك نتساءل عن وجود المشكلات الزوجية، في حياتن، ومصدرها!! هو قد يرضى ويستسلم وتصبح حياته كمماته لأنها أمه، لكن هل أستطيع أن أرضى أنا بالظلم الذي دمر حياتي وقلبها وجعل مني جثة بشرية متنقلة لا تشعر بأن لها أي هدف أو رغبة أو أمل، لا أنكر أنني قد راودتني فكرة التخلص من حياتي؛ لأنني تعبت من كل شيء، وفقدت الأمل والرغبة بأي شيء، فقدت الهدف والإحساس... وفقدت الشخص الوحيد الذي رآني بقلبه قبل عيونه، وإلى الآن أمر بهذه الحالة، أشعر بنفسي كالآلة، تمشي تستيقظ صباحًا لتذهب للعمل، تقوم بواجباتها وتؤدي حقوقه، تجاه الجميع، تأكل وتنام بدون مشاعر وبدون أحاسيس وبدون أهداف وبدون رغبة في الحياة، وترتدي دائمًا قناع الإنسانة الهادئة المحبة للحياة الباعثة للأمل والتفاؤل لكل من حولها وفيما بينها وبين نفسها تخلع هذا القناع لترى آثار الدموع تحفر خديها.
نعم تعبت، ولا بد لي من الاعتراف بأن هذه التجربة قد كسرتني لنصفين وإنني من المستحيل أن أستطيع أن أقف من جديد، أعلم ما الذي سوف تقولينه يا دكتورة، وأعلم تمامًا وأحفظ الكلام التفاؤلي الذي ستحاولين أن تجعليني أصدقه كي أخرج من حالة الاكتئاب التي أمرّ به، أعلم كل هذا الكلام وأحفظه وأقوله لنفسي، لكنه لن ينفع هذه المرة؛ لأني كلما قلته لنفسي أكتئب أكثر، وأحس بنفسي كاذبة، مخادعة، غير قادرة على قول الصدق بيني وبين نفسي؛ لذلك أنا في الوقت الحالي أحاول التمسك بما بقي لدي من إيمان بالله، وأعلم تمام اليقين أنني لست ممن سيساعد نفسه للخروج من هذه الحالة، ولكن الله هو الوحيد القادر على مساعدتي فهو من زرع حب هذا الإنسان بقلبي وليس أنا من أحببته...، ربي، هو الذي أوجد هذه العاطفة بقلوبنا وليس أن، ليس أنا من سعى لهذا الحب.
والحب شيء ليس في يدي أستطيع التحكم فيه أو محوه من حياتي فليس أنا من يحرك عضلة قلبه عندما أسمع اسمه أو يمر بذاكرتي، أعتقد أن هذا ابتلاء من ربي لي، وله، هذا الشيء ليس بأيدين، ولا أدري لماذا البشر تحاسبنا عليه وتعاقبنا عليه بالفراق، ألا يعلمون أن هذه المشاعر هي هبة من الله، وليس نحن من أوجده، وأن الهبة هذه قد تتحول لنعمة تنور حياتنا أو لابتلاء نعيشه لباقي حياتن، لو بيدي ما كنت أحببته وما كنت مررت بكل هذه المشاعر والأحزان، ربي من يستطيع أن ينتشلني ويحقق لي أملي، في أن يعود لي في يوم من الأيام وأن نتزوج وأن نحقق السعادة التي طالما حلمنا به، أعرف أن أملي هذا فيه نوع من الجنون، وكيف أرضى لنفسي وأتمنى أن أعيش على حساب إنسانة أخرى، لكنني وجدت أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلني أستطيع أن أستمر في الحياة: أن أعيش على أمل أن يكون هو نصيبي، أو أن أقضي طوال عمري في انتظار رجوعه.
ألم أقل لك يا دكتورة أنه أمل مجنون، ربما لأنني أنا أصبحت على حافة الجنون، وهذا الأمل الوحيد الذي قد يبقيني في زمرة العقلاء، والأحياء، هذه هي حالتي، بعد الانفصال، ولم أبعث بحالتي هذه، كي أسمع كلمات التفاؤل والنصائح؛ لأنني أحفظها عن ظهر قلب، بل لأنني أعلم أنه قد يطلع أحد الآباء أو الأمهات على هذه المشكلة، وقد يتعاطفون معي وقد يعارضونني، لكنني أحببت أن أريهم الجانب غير المرئي من طبيعة المشكلة، والذي قد لا يفكرون فيه من أساسه، ولكن يفكرون فقط في أن هذه البنت مناسبة أو ل، وهذا الشاب مناسب أو ل، متناسين وجودنا وشخصيتنا واختيارن... المبني أساسًا على طريقة تربيتهم لنا، فعدم ثقتهم باختيارنا دليل على عدم ثقتهم بطريقة تربيتهم لنا.، والنتيجة، نحن الضحية، والأجيال القادمة ضحية ضحيتهم.
هذه هي القصة، وأشكر لك سعة صدرك، ووقتك الذي قضيته بقراءة، ما كتبته عن معاناتي، وعسى الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، في يوم سنحاسب فيه جميعا عن ظلمنا لبعض، وأدعو الله أن يثبتنا ويصبرن، ويغفر لنا ويهدينا لما يحب ويرضاه.
19/1/2023
رد المستشار
ابنتي الحبيبة..
هل تعلمين ما فعلته بي رسالتك منذ تسلمتها؟!! كنت كلما قرأتها أتمنى لو أنك تسكنين بجواري حتى أتصل بك وأطلب منك أن تقابليني في الحال، ولكن قدر الله أن تقطني في بلد غير البلد بحيث يصعب اللقاء على أرض الواقع على الأقل في الوقت الحالي، وكنت كلما هممت أن أكتب لك أشعر بالخوف ألا ترقى كلماتي لمستوى حزنك ولوعتك على فراق من أخلصت له الحب في الفترة الماضية، ومن أجل هذا تأخرت في الرد عليك؛ فأرجو أن تعذريني ولا تغضبي مني، وأرجو ألا تجدي في تأخري بالرد عليك أي نوع من عدم التقدير لعمق أزمتك النفسية، فأنا فعلاً أشعر بك وأقدر حجم ما تعانينه من ألم وحزن دفين.
ومن المهم لك أيضًا أن تدركي طبيعة ما تعانين وكيفية التعامل معه، ويمكننا أن نقول من وصفك لحالتك أن ما تعانين منه الآن يسمونه في الطب النفساني "لوعة الفقدان"، ولوعة الفقدان هذه تصيب الإنسان كرد فعل لفقدان الأعزاء، سواء بالموت أو كما حدث في حالتك بالفشل في قصة الحب، ولوعة الفقدان هذه تسبب الكثير من الآلام للشخص الذي يعاني منها، فمن السهل أن يشعر الإنسان أنه غضبان؛ وذلك لأن الغضب يحفز إفراز الأدرينالين الذي يشعره بأنه قوي، أما في حالة لوعة الفقدان فإن الإنسان يشعر أنه مثل البالون الفارغ، كما يشعر بمقدار عجزه وضعفه، وكذلك يشعر أنه غير قادر على المقاومة.
يشعر الإنسان وكأن الألم يبتلعه، يعتصره، وللأسف في مجتمعاتنا لا نعي شيئًا عن هذا الأمر، ولا ندرك أهمية تقديم الدعم الكافي ولا إستراتيجيات التعامل مع أزمة الفقدان هذه وما يصاحبها من ضعف، ودائمًا ما نسمع في هذه المواقف كلمات، مثل: "كف عن البكاء وابتسم"، "كن قويًّا ولا تظهر ضعفك"، وهذا ما حاولت أنت أن تفعليه مع نفسك، رغم أننا من الضروري أن نعيش لحظات الحزن والألم ونعبر عنها حتى نتيح لجراح الفقدان أن تلتئم بصورة طبيعية، وخطورة اللوع المكتوم أنه يمكن أن يؤدي إلى انفجارات من الغضب وشعور دائم بعدم الارتياح، وكذلك يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والإدمان والشعور بالقهر والتوتر الشديد، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى أعراض جسمانية ومنها زيادة شدة داء السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأورام السرطانية المختلفة، والحساسية بأنواعها المختلفة وبالذات حساسية الصدر، وكذلك اضطرابات وقرح الجهاز الهضمي.
ومما سبق ندرك أهمية أن نعايش فترة الحزن؛ لأن هذا التعايش هو الوسيلة التي تمكنا من أن نفصل أنفسنا تدريجيًّا من الماضي بما فيه من فقد، ونستبدله بالحاضر الذي يعني علاقات جديدة وطرقًا جديدة لتحقيق الذات، وأول خطوات معايشة لوعة الفقدان هو أن ندرك قيمة ما فقدناه، فلا ننكر الفقدان ولا نرفض التفكير في قيمة ما فقدناه. وأرى أنه من المفيد لك أن تتعرفي على المراحل التي يمر بها الإنسان عند تعرضه لأزمة الفقدان، وهذه المراحل يمكن تقسيمها كالتالي:
• لوعة الفقد الأولية والتي تستغرق عادة من ساعات قليلة وحتى أيام قليلة، ويظهر فيها شعور الصدمة مع إنكار الفقد وتفضيل العزلة.
• لوعة الفقد الحادة: وهذه الفترة تعتبر من أصعب وأقسى الفترات، وتكون فيها المشاعر شديدة الاضطراب والتنوع، حيث تنتهي مرحلة الإنكار، ويبدأ الإنسان في إدراك حقيقة وقيمة ما فقده، في هذه الفترة يتعالى الشعور بالغضب من الظلم ومن الحياة كلها، وفقد الشعور بالأمان والعدل، كما يصاحبها درجات متفاوتة من الاكتئاب وانخفاض القدرة على العمل.
• اللوعة المتراجعة: والتي يشعر المرء فيها أنه أصبح أكثر تقبلاً للفقد وأكثر قدرة على التعامل مع الحياة وخلق أشكال جديدة للحياة في غياب المحبوب، ولا يعني هذا انتهاء الحزن تمامًا، ولكنه يعني أن الحزن تخف حدته بدرجة كبيرة، وقد ترتفع درجة حرارته في بعض المناسبات، ولكن الإنسان يصبح أقدر على التعايش مع مشاعر الفقدان هذه، وهذه المرحلة شديدة الأهمية، ولكن من يتجنبون ويهربون من معاناة مشاعر اللوعة لا يصلون لهذه المرحلة المهمة أبدًا، ويمكننا أن نشبه الفقدان (وهو جرح مؤلم من جراح النفس) بجراح الجسد، وهنا تكون آلام لوعة الفقدان هي آلام التئام جراح النفس وهي تشبه الآلام التي تصاحب التئام جراح الجسد.
وقد يتصور البعض أن الوقت وحده كفيل بإزالة لوعة الفقدان، ولكن الواقع يؤكد أن الوقت بمفرده لا يزيل مرارة لوعة الفقد ولا يعتبر علاجًا لها، وأن المهم هو الإستراتيجيات المتبعة للتعامل مع أزمة الفقد هذه.
وكذلك قد يتصور البعض أن للفقد وقتًا محددًا، أو أن لمراحله التي ذكرناها سابقًا حدودًا فاصلة وتوقيتات زمنية معينة، ولكن طبيعة هذه المراحل والمشاعر التي تصاحبها تختلف باختلاف الشخص وباختلاف تفاعله مع الأزمة.
والآن ما الذي ينبغي عليك فعله لتجاوز أزمة الفقد التي تعانين منها:
• أولاً لابد من إيجاد الوقت والمكان المناسبين للحزن.
• عبّري عن ألمك وحزنك بكافة الوسائل الممكنة التي تريحك، ومنها البكاء أو التحدث لمن ترتاحين له من الأهل أو الأصدقاء، وكذلك تعتبر الكتابة والرسم من وسائل التعبير الجيدة، وقد يفجر حزنك بعضًا من جوانب الإبداع عندك، وخصوصًا وأنت تملكين قلمًا رشيقًا يبشر بكاتبة رقيقة إذا أدركت موهبتها وعملت على تنميتها وصقلها.
• تحدثي مع نفسك بإيجابية فقولي لها: "لا يوجد شيء خاطئ فيّ؛ لأنني أشعر بالتعاسة الآن؛ أنا أشعر بلوعة الفقدان وهذه اللوعة فعلاً مؤلمة".
• لا بد من بناء نظام داعم من الصديقات المقربات؛ لأن وقت الحزن والأزمة التي تمرين بها تعتبر وقتًا للمشاركة ولا يفضل فيها الانعزال بأي حال من الأحوال.
• لا تضعي هذا الإنسان في صورة خيالية خالية من العيوب، ولكن ضعيه في صورته الحقيقية وتذكريه دومًا بعيوبه وميزاته.
• عليك أن تدركي أن تعلقك الدائم بأمل عودته إليك عندما يدرك الخطأ الذي ارتكبه في حق نفسه وفي حقك وفي حق زوجته؛ هذا الأمل هو نوع من إنكار الواقع الذي يصاحب أزمة الفقد، فهذا الإنسان قد تزوج الآن من أخرى، ويذكرني حالكما بفيلم مصري عنوانه "الوسادة الخالية"، وفيه افترق بطلا الفيلم بعد قصة حب رائعة؛ لأن البطلة لم تستطع مقاومة ضغوط أهلها، ثم تزوج بطل الفيلم وظل سنوات مغلقًا قلبه عن زوجته، ولكنه بعد فترة التقى بحبيبته السابقة في إطار علاقة صداقة تربط بين الأسرتين، واكتشف من خلال هذه العلاقة أن بزوجته الحالية الكثير والكثير من أوجه الجمال الخلقية والخلقية، وأدرك مقدار الوهم الذي عاش فيه لسنوات مع صورة من الخيال صنعها في أحلامه لمحبوبته السابقة، وأدرك بعد سنوات أن الواقع الذي يعيشه أجمل بكثير من الخيال فتخلى عن رفضه لزوجته وبدأ يفتح مسام قلبه لها، وأنا أدعو الله له أن تتفتح مسام قلبه لزوجته، كما أدعو الله لك أن تجدي من يناسبك، ومن يستطيع أن يلعب على أوتار قلبك ليخرج منها أعذب ألحان الحب.
• أحيانًا نكتشف أننا يمكننا أن نساعد أنفسنا ونمسح عنها الحزن بتقديم المساعدة للآخرين ومسح دموعهم، ويمكنك هنا أن تشاركي بشكل إيجابي وفاعل في هموم مجتمعك وتقديم الدعم لمن يحتاجه من الفقراء أو الأيتام أو المرضى والمصابين، كما يمكنك أن تقدمي الدعم لمن يعانون مثل ظروفك ويمرون بنفس أزمتك، وذلك بأن تلتحقي أو تقومي بإنشاء مجموعة إلكترونية لدعم من يعانون من أزمة فقد المحبوب (أيًّا كان هذا المحبوب) سواء كما حدث معك، أو فقده بسفر بعيد أو بوفاة.
• وبمرور الوقت ستكتشفين أنك تقفين على أرض صُلبة، وأن هذه الأزمة مع كل ما فيها من مرارة قد أكسبتك الكثير من التوازن النفسي، وأثقلت شخصيتك وأكسبتك مهارات متعددة أهمها على الإطلاق مهارة حل المشكلات والتعامل مع الأزمات.
• لا تتسرعي بقبول أي طارق يطرق بابك الآن، ولكن أعطي نفسك فرصة حتى تتماسكي بحيث تتمكني من تحديد مشاعرك جيدًا واختيار الأنسب لك.
• قد يكون ضروريًّا أن تستعيني بمعالج نفسي إذا وجدت أنه لا يوجد أي أمل في التحسن أو إذا شعرت أن المرارة التي تعانين منها تعيق تواصلك مع الحياة وتمنعك من أداء ما عليك من واجبات، وتعيق تحقيق أحلامك وطموحاتك.
• ومع كل ما ذكرت أجد أن من أهم وسائل العلاج اللجوء إلى الله سبحانه؛ قفي بين يديه، واسجدي بين يديه، وتضرعي إليه، واسأليه أن يمدك بقوة من قوته، وأن يربط على قلبك، وأن يجمل حياتك بالصبر الجميل، وليكن دعاؤك دومًا: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها".
بنيتي الحبيبة، مرة أخرى أدعو الله سبحانه أن يكون عونًا لك في أزمتك وأن يعينك على تخطيها في أسرع وقت ممكن، وأن يبدلك زوجًا خيرًا من حبيبك السابق، وأن يرزقك حبًّا أعظم وأروع وأجمل من حبك السابق.
ويتبع>>>: الوسادة الخالية لوعة الفقدان وروعة القراء مشاركتان