السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نشكركم على مجهوداتكم الرائعة التي تبذلونها في هذا المجال ونصائحكم الثمينة التي تسدونها والتي تدعمونها بمبادئ ديننا الحنيف؛ لذلك لم أجد جهة أتوجه لها لمشاركتي في مشكلتي سواكم لما تتمتعون به من مشاركة جادة وتقديم الرأي والمشورة الصالحة لكل شخص يلجأ إليكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 29 عاما، وحاصلة على بكالوريوس اقتصاد وعلوم إدارية وعلى قدر من الجمال والأخلاق الحميدة، وأعمل في وظيفة محترمة في القطاع الحكومي، وتكمن مشكلتي أنني لم يتقدم لخطبتي أي شاب مناسب والذين تقدموا لي لم يكونوا على الأقل في مستواي العلمي أو التفكيري بغض النظر عن باقي النواحي الأخرى.. علما أنني محبوبة جدا من زملائي وزميلاتي في العمل، وناجحة والحمد لله في مجال عملي بشهادة رؤسائي في العمل.
صدقوني أن تأخر الزواج ليست مشكلة بالنسبة لي؛ لأنني والحمد لله مستعدة أن أبقى طول العمر بدون زواج؛ لأنني ناجحة ومبسوطة في حياتي وأعيش في بيت أسري طيب وحنون كثيرا، لكن المشكلة تكمن في أن المجتمع الذي أعيش فيه لا يرحم، فمثلا على مستوى العمل أجد إحراجا شديدا عندما يتوجه لي أحدهم ويسألني عن عمري وعدم زواجي حتى الآن، ولا أجد إجابة لذلك، وتتكرر هذه القصة يوميا معي؛ لدرجة أن زميلاتي في العمل يتهمنني بأن لي علاقة عاطفية مع شخص آخر وأنتظر الوقت المناسب لأرتبط به، والله في بعض الأحيان أضطر للكذب عندما يسألونني عن عمري لما سأتعرض له من الإحراج الشديد.
علما بأنه ليس لي أي علاقة عاطفية مع أي شاب، ونفس الكلام أتعرض له مع باقي الناس الذين أتعامل معهم؛ لذلك أفكر جديا في ترك الوظيفة لأتجنب مخالطة الآخرين والاعتكاف في البيت واقتصار علاقاتي على مستوى أسرتي الطيبة الحنونة.
أرشدوني جزاكم الله خيرا إلى الرأي والمشورة الصحيحة هل فكرتي في ترك الوظيفة والاعتكاف في البيت واقتصار علاقاتي الاجتماعية على مستوى أسرتي فكرة صحيحة؟ أم لا لأنني أصبحت في جحيم لا يطاق ولا أعرف كيف أتعامل مع هؤلاء البشر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30/1/2023
رد المستشار
يا أختنا الكريمة،
إذا كنت تطمعين في غرفة بمستشفى الأمراض العقلية، فأفضل الطرق لهذا هو أن تنفذي فكرتك "الرائعة"!! ولن أقول "الطائشة" حتى نظل أصدقاء!! خروجك للحياة الاجتماعية والعملية له ثلاث مميزات عظيمة:
الأولى: يمنحك الفرصة للنجاح في جوانب أخرى من الحياة، غير الزواج الذي لم ترزقي به بعد حتى الآن.
الثانية: يحفظ نفسك من الركود أو الفراغ الذهني والحركي وينقع نافذة حياتك ليدخل منها الهواء والشمس: فلا تصيبك العلل النفسية والاكتئاب والإحباط والملل، ولا تنشط المشكلات والمتاعب.
الثالثة: احتكاكك بالناس والمجتمع يجعل فرصة الزواج متاحة بالنسبة لك... بينما إذا "اعتكفت" -كما تقولين- في البيت، واقتصرت علاقاتك على مستوى أسرتك الطيبة فمن سيراك أو يعرفك ليطلبك للزواج؟
أردت أن أبدأ حديثي بتوضيح هذا الجانب جيدًا حتى تغلقي هذا الباب تمامًا وتستبعدي هذا الحل نهائيًا...
وبعد، فأنا أريد أن أطرح سؤالاً: إلى متى سيظل كل منا يعطي لنظرة المجتمع وزنًا أكثر مما ينبغي؟! تتأثرين بهذه "النظرة" إلى الحد الذي يدفعك -على أقل الدرجات- للكذب، وعلى أعلى الدرجات للتفكير في الانتحار بالسجن المؤبد في البيت من غير ذنب أو جريمة!!
هناك مثل شعبي مصري يقول "يا جارية اطبخي.. يا سيدي كلف"!! أي أن السيد عليه أولاً أن يعطي الجارية تكاليف الطعام قبل أن يعاتبها على أنها لم تطبخ طعامًا فاخرًا!! كذلك فإن "المجتمع" عليه أن يقدم حلولاً اجتماعية لمشكلة تأخر سن الزواج قبل أن يعتب على من تأخر زواجها!!
هذا المجتمع الذي يذبحك بنظرات الاستنكار والفضول لم يقدم لك شيئًا لم يعالج الأسباب النفسية والتربوية لإعراض الشباب عن الزواج، ولم يقدم حلولا اقتصادية لمشكلة البطالة، ولم يدع لتخفيف المهور أو إنكاح الأيامى!!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وأنا أوجه هذا الحديث الشريف لمجتمعنا الثرثار: فلتقل خيرًا أيها المجتمع أو لتصمت!!
أختي الكريمة، لا يعني كلامي أن أوجه دعوة للتمرد على المجتمع، بل على العكس، فإن من أروع ملامح ديننا الإسلامي أنه دين "جماعي"، وأنه يرفض انسلاخ الفرد عن مجتمعه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كدر الجماعة خير من صفو الفرد"، كما يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "لا إسلام بغير جماعة"، ونجد أن معظم العبادات في الإسلام جماعية؛ فالصلاة تصلى في جماعة، وفي رمضان نمسك عن الطعام ونفطر في نفس الوقت والزكاة نظام تكافلي اجتماعي، والحج جماعي، .. و .. و ...
أنا لم أقصد التمرد والانفصال إذا، ولكني قصدت أن علاقة الفرد بالمجتمع -أو الجماعة- تحتاج إلى ضبط فكما أنه ليس مقبولا أن تتجاهلي المجتمع تمامًا وتخرجيه من حساباتك، فإنه أيضًا ليس مستساغًا أن تقدمي مستقبلك قربانًا لإرضائه أو خوفًا من نظريته السطحية الظالمة.
أختم حديثي عن المجتمع بأن أوضح لك أن المشكلات التي أدت لتأخر سن الزواج، والتي لم يقدم المجتمع شيئًا لحلها.. أقول لك إنني أنا وأنت والجميع مسؤولون عن محاولة حل هذه المشكلات؛ فنحن المجتمع.. والمجتمع نحن.. ويجب ألا ننتظر حلولاً سحرية تهبط علينا من الفضاء.
أعتذر لإطالتي في الحديث عن المجتمع، وأعود إليك مرة أخرى لأقول لك:
كوني قوية "ثقي بنفسك" إن كان سن الزواج قد تأخر بك لأسباب اجتماعية واقتصادية فلا ذنب لك في هذا.
لا تكذبي عندما تسألين عن حالتك الاجتماعية، ولا تتركي وظيفتك، وتعاملي مع الآخرين بشكل طبيعي دون غضب أو اهتزاز أو ارتباك.
وأخيرًا أدعوك لقراءة مشكلات سابقة مثل:
تأخر سن الزواج…على من نطلق الرصاص، وغيرها.