السلام عليكم،
بعد أن أعياني التفكير وضاقت بي الحيل.. لجأت إليكم.. راجية أن يتسع لي صدركم، أنا فتاة في منتصف العشرينيات من العمر، يشهد لي كل من قابلني بالأخلاق ورجاحة العقل، أعمل في وظيفة مرموقة، اشتهرت سريعا بين زملائي والمديرين بالتزامي العملي والأخلاقي، وتقدمت سريعا في العمل، واكتسبت ثقة كل من حولي.
لكن حدث ما لا حسبت له يوما حسابا، ولا خطر لي على بال، عملت مع مدير شاب في النصف الأخير من الثلاثين، احترمته كثيرا، وارتحت في التعامل معه، وأعجبت بطريقته وحكمته، وبادلني الاحترام الشديد والثقة، ورأيت فيه الأخلاق والالتزام في العمل والحياة، ولم يكن هذا رأيي وحدي بل كان رأي أي شخص قابلته من الغفير حتى المدير، بأنه حازم وجاد،. يعرف أمور دينه ويحبه ويحترمه كل من اقترب منه
- لاحظت في البداية أننا نشبه بعض كثيرا في صفاتنا الشخصية.. فتحفظت معه كثيرا، كل يوم كنت أتاكد من تشابه الشخصية بل وتطابقها كأننا وجهان لعملة واحدة، ولكني التزمت الصمت دائما، فلم أكن أريده أن يدرك هذا التشابه الذي تعجبت منه، ولكن من كلامه فهمت أنه يدرك، ويتعجب أيضا لهذا التشابه،. ولكني التزمت الصمت والتحفظ واحتفظت بكل خواطري لنفسي.. في البداية رفضت تماما خاطر تعلقي به، ولكن تأكدت أني عندما أختار شريك حياتي سوف أبحث فيه عن شيء من هذا الرجل،. كل تصرف وكل كلمة، وكل موقف أرى فيه وجها جديدا يزيد من انجذابي إليه وإعجابي وتقديري له.
وبرغم أني وجدته لا يغيب عن بالي لحظة واحدة، لا يخلو حديثي من وجوده كلما تحدثت، حكيت كثيرا عنه بتلقائية شديدة، أشعر بسعادة بوجودي هناك بجانبه وأفتقده بشدة.. لم أتمنى شيئا سوى أن أظل قريبة منه، يكفيني من الحياة أن أبقى قريبة منه أتابعه في حديثه وتصرفاته وأستقصي أخباره.. تمنيت أن أتعرف بأسرته وأقترب منهم، ولكن كل هذا في داخل نفسي، حاولت إقناع نفسي كل يوم أن هذا الحب ليس إلا حب وانبهار برئيسي في العمل كما يحبه الناس جميعا ولا يجوز لي أن أزيد عن هذا الحب شيئا. وقررت إن حمل قلبي له شيئا رغما عني أن أحتفظ به داخل نفسي لا أبوح أبدا به، ولا أحلم به حتى بيني وبين نفسي حتى لا يظهر في تصرف من تصرفاتي، وأدعو الله أن يعينني وتهدأ هذه المشاعر في قلبي،
ذات يوم جاءت صديقة تقول في مكتبي مداعبة بتلقائية: "إن هناك عرسان كتير يتقدمون لي"، وعاتبتها على ما فعلته؛ لأني لم أحب أن يسمع أحد عن حياتي الشخصية، صرح لي عن رهبته الشديدة من تطابق شخصيتينا، وأنه لم يقابل في حياته شيئا كهذا. فقلت له ألا داعي لهذه الرهبة وكل منا يعرف مكانه واحترامه للآخر وانه كل منا يحمل للآخر قدرا كافي من الثقة بحيث لا يقلق، وإن هذا التشابه نستطيع أن نستثمره في العمل ونحقق تقدم.. اعتقدت أن صمتي أخفى عنه مدى التشابه بيننا، ولكن لم نكن نحن فقط من لاحظنا بل لاحظه زملاؤنا وكل من عرفه وتعامل معي.
لاحظت توتره، ولكن لم يخطر على بالي أبدا أنه تعلق بي ويفكر في، بعد فترة،. صرح لي بحبه ورغبته في الزواج مني،. وأنه حاول كثيرا أن يطرد هذا التفكير من رأسه، ولكن حياته تغيرت وفقدانه لي قد يفقده اتزانه، وهو الرجل المتزن الذي يشهد الجميع برجاحة عقله، لا يدري كيف فلتت زمام الأمور هكذا من بين يديه.. رفضت ما يقوله، ونبهته أن له زوجة وأبناء، وليس له أن يفسد حياتهم، وأني أرفض هذا المبد،. ولن أتحمل أن أكون السبب في تعاسة أسرته، وأنه لا بد أن نوقف هذه العاطفة، ونوجهها توجيها صحيح، لأن العواقب ستكون وخيمة.. وفي نفسي تفكير أني لا بد من ترك العمل بعد هذه المصارحة، وبعد أن أزيحت الحواجز بيننا.. ولكني لم أقدر على أخذ هذا القرار، أكد لي صدقه في رغبته، وأنه ليس بالشاب المراهق، ويدرك تماما عواقب الزواج الثاني ويتحملها جميع،.
وسوف يقنع أهلي ويقدم لهم كل الضمانات المادية والمعنوية التي يستطيع أن يقدمها حتى يتأكدوا أنها ليست نزوة عابرة وأنه يستطيع الحفاظ علي وحمايتي وحفظ حقوقي حتى آخر نبض في حياته، وأنه يريدني زوجة وأما أبنائه، وأراعي أبنائه معه، وأنه القدر هو الذي جمعنا ولم يكن بأيدينا أن تملأ قلوبنا هذا العاطفة.. وجدت نفسي أقتنع أن بإمكاني إقناع أهلي وحلمت الحلم الذي طالما خفت أن يسيطر علي وتنقلب حياتي، وكان بالفعل أن تملك مني الحلم بأن بإمكاننا أن نجتمع ونتزوج ونسترضي أسرته وأهلي ونصبر عليهم حتى ننال رضاهم.. ومن يومها وأنا أتمزق بين حبي له، وعدم تحملي لفكرة الابتعاد عنه.. وبين شعوري بالذنب تجاه أسرته وأهلي، لا أستطيع أن أعيش حياتي معذبة الضمير، ورحت أحاول إقناعه بما سيحل من دمار على أسرته ومعارضة من أهلي ومواجهة المجتمع.
كان هو الآخر يشعر بذنب قاتل تجاهها وتجاه أبنائه ووالله لم يذكرها أبدا بسوء، وكان يعدد فضلها ووقوفها بجانبه، وأنه أبدا لم يرد ظلمه، ولكن لا يدري كيف يتصرف، شعوري بالذنب يقتلني، لا أنام.. ولكن تمكن مني حبي له، ورحت أفكر في طريق ما لتحقيقه. انهارت كل قواي أمامه، ووعدته أن أفكر معه في حل لما أحل بن، سألني إن كنت أرضى بأن أكون زوجة ثانية ولا أطلب منه الانفصال عن الأخرى، فوجدت نفسي أرفض مبدأ أن ينفصل عن زوجته نهائي، وكيف أحمل همها، وأشعر بالذنب تجاهها، وأنت تهتم بأمرها وأطلب منك الانفصال عنه، لن أكون من تفرق أسرة أبد.. لم ينتظر، واعترف لزوجته بكل شيء كما حدث تماما وأبلغها برغبته في الزواج، فانهارت ورفضت رفضا تام، أشفقنا عليها وقررنا بعدها أن نغلق هذا الموضوع نهائيا ولا نفتحه مره أخرى، وكان بالفعل، حبست أنفاسي وتجهمت وجوهنا، وأغلق كل منا على نفسه وأصابنا الإعياء،.
تماسكت كثيرا أمامه، ولكن بيني وبين نفسي كنت أنهار، حتى سقطت مريضة وأخذت إجازة من العمل، لم أسترد صحتي قليلا إلا عندما وصلني منه باقة زهور يدعو لي فيها بالشفاء، التقط أنفاسي، وتأكدت أنه يحبني وما نحن فيه هو برغم عنا.. حاولت أن أبتعد، وأن أقبل بمن يتقدم لي، فلم أستطع قبول الفكرة،. مرت فترة يحاول كل منا تجنب الآخر ونحاول الرضاء بما كتب لنا، ولكن لم يستمر هذا طويلا وضعفت قوانا ولم نستطع، فكرت جديا في ترك العمل، لكني كلما نويت وقررت أصابتني حالت إعياء شديدة وأتراجع عن قراري، نصحته بمحاولة العودة لأبنائه لان لا ذنب لهم وان ليس هناك أمل معي وأنا سأواصل طريقي وأجد من أرتبط به،. ولكن بعد فترة انقطاع تهاوت قواه وقواي وتجدد داخلي الأمل مرة أخرى
خاصة أني لم أستطع قبول فكرة الارتباط بأي شخص آخر، ورفضت كل من يحاول الاقتراب مني أو التقدم إلي أو محاولات فتح هذا الموضوع معي من أساسه.. قال لي إن حياته كلها ستنهار إذا بعدت عنه،، لا ينام ولا يمكنه أن يستمر في حياته، وعلمت أن زوجته رفضت وطلبت الانفصال، وأنها لا تريد الحياة معه بهذه الطريقة،. واتفقوا على أن يعطوا أنفسهم فترة، إن نجحت فسيكملون بهذا النمط من الحياة، وإن فشلت فسينفصلون في هدوء، وحاول إقناعي بأن ليس لي يد في هذا.. فكرت ولم أستطع التخلص من ذنب هذا الانفصال فلملمت كل شجاعتي ورضيت بأقداري وأبلغته برفضي وتركته يعتقد أني قد تبدل رأيي وأدركت أني لن أستطيع الزواج منه، فصمت وعذرني وقال إن ما أقوله من حقي،. وإن حبي سيظل في قلبه أمد الدهر إذا اخترته أو رفضت، وإن هذا لن يغير شيئا بينه وبين زوجته وسيظل على اتفاقه معها.
تماسكت وتركته يعتقد أني أريد أن أبحث عن فرصة أخرى، وأن هذا الوضع لا يناسبني ماديا ولا اجتماعي.. تركته يعتقد ما يريد من أسباب رفضي، واحتفظت لنفسي بالسبب الحقيقي، حتى لا يرق قلبه علي وحتى لا يحمل لزوجته شيئا في نفسه، ويقرر في حياته وأنا خارجها.. والسبب الحقيقي أني لا أستطيع أن أتحمل الشعور بأنني سبب في انهيار بيت، ولا مجرد اتهام نفسي بذلك.. حتى إن لم أكن أنا السبب المباشر.. فأنا لم أتمنَ الأذى لمخلوق في يوم، فكيف يكون لي يد في الأذى لأبناء وأسرة من أحببت.. ويعلم الله أني صدقا أحبهم وأحرص عليهم وتمنيت أن أكون بجانبهم يوم،. بدون أي غرض أو غصة في قلبي، وأتمنى لهم جميعا السعادة، أردته يشعر أنه خسرني حتى يحاول صادقا في استعادت بيته، وأن يتحمل الحياة لأجل أبنائه.
لا أدرى كيف تماسكت أمامه، ولم يلحظ الدوار والغثيان الذي أصابني.. ولحسن حظي أنه غادر المكتب باقي اليوم، من يومها وهو صامت،. لا نتحدث إلا في العمل، نحاول تقليل الاحتكاك في العمل،. أصابه وأصابني الإعياء والألم.. يحاول الهروب طوال اليوم خارج المكتب في الاجتماعات والسفريات، ويعلم الله أني استعنت بالصلاة والدعاء، واستخرت الله كثير، لعل ربي يجعل لي مخرج، وحتى أستطيع التماسك أمامه، وعدم إشعاره بأني أتألم وأنهار.. وأقلل تماما من الاحتكاك به.. ولكن من داخلي محطمة تمام.. ألم ومرارة في قلبي، لا يفارقني الصداع، وكأن شيئا ما سينفجر من مخارج رأسي، لا أستطيع التركيز في أي شيء، اختناق دائم،. نوبات بكاء وانهيار كلما فكرت أن تكون هذه هي النهاية، أفقد أي معنى أو رغبة في الحياة، فقدت شهيتي ورغبتي في أي شيء.. لا أكاد أنفرد بنفسي حتى أشعر أني أنهار.. أذهب إلى المنزل بعد العمل منهكة، وكان صراعي طوال اليوم مع نفسي وتماسكي يهلكني تماما، حاول أن يكثر على العمل والمسؤوليات وأحاول أن أركز أكثر في العمل وأنسى، ولكن يزداد حالي سوءا يوما بعد يوم، وأفقد تركيزي، أشعر بانقباض وضغط هائل وفقدان للنوم والراحة، وأتمنى لو تنتهي حياتي إذا جاء في مخيلتي أنه قد ينسى ويفقد الأمل ويستمر في حياته.
حاولت الصلاة والاستخارة وسماع القرآن، وحاولت الخروج مع الأصدقاء والترويح أو الاهتمام بأي نشاط، حاولت الانهماك في العمل، ولكن لا شيء يفيد، تقدم لي شاب وحاولت إقناع نفسي به، ولكن لم أستطيع قبوله أبدا، ولم أتحمل الفكرة، ألجأ للصلاة والدعاء، وأدعو الله أن يجعل لي مخرج، قولوا لي بالله عليكم، ماذا أفعل؟ أخاف ألا أستطيع التماسك أكثر من هذ.. أخاف أن أضعف مرة أخرى، وبالفعل قد بدأت أنهار وأتراجع،. لكن هروبه معظم الوقت ساعدني على إخفاء بعض الألم.. رجاء لا تقسوا علي؛ لأن بي من عذاب الضمير والقلب ما يكفيني، لم أرد ذلك لنفسي يوما ولم أتمنى أبدا ما ليس من حقي.
لا تظلموني فلم أكن يوما فتاة طائشة، وليس لي أي تطلعات مادية، ولست أتعجل الزواج ولا الارتباط، ويتقدم لي الكثيرون ولم أستطع قبول أي منهم، ولا تظلومه فلم أعرف عنه سوى خير، ولم أسمع من الناس عنه سوى المدح والحب الكثير.. جدير بالثقة والاحترام، ليس هو من يكون ظالما أبدا، وليس هو من أخاف على مصيري معه ولا مصير أي أحد آخر.. قرأت كثيرا عن الزواج الثاني والمشاكل وتجارب بعض الأشخاص ورأي الدين، وفكرت كثيرا فيما يمكن أن أقابله، وما زلت لا أتوقف عن التفكير ليلا ونهار، ولكني كلما فكرت أجده الرجل الذي تمنيت، ولكن لا أريد أن أكون ظالمة أو معتدية، وهو أيضا يخاف أن يكون ظالما.. فكرت في ترك العمل قبل أن تنهار قواي، ولكن إذا فكرت في خاطر ترك العمل أشعر باختناق وأصاب بحالة إعياء، ولن أتحمل إجراءات ترك العمل وأسئلة زملائي حولي،. لن أتحمل أبد.. لا أتصور أن أترك العمل ولا أن أبتعد عنه، ولا أن أعود لمعانات البقاء في المنزل والبحث عن عمل آخر، ولا أتحمل عصبيا أو نفسيا أن آخذ هذه الخطوة، وفكرة أني أرتبط بشخص آخر هي أشد ألما.
بالله عليكم إن طلبتم مني الرضاء بقدري وتحمل تركه للأبد، فاقترحوا علي اختصاصيا أو معالجا نفسيا يساعدني؛ لأني حقا أحتاج إلى علاج ومساعدة،. لن أستطيع فعل ذلك وحدي "لا أستطيع التخلي عن أمل ضعيف يعيش في أعماق قلبي بأن يجمعنا الله يوما" .. ولم أقدر على تحمل فكرة فقدان الأمل!!، وليس حولي وحوله شخص حكيم نثق في رأيه ويمكنه التدخل وأدرك تماما أنه يحتاج ويقبل المساعدة هو الآخر فهو يحتاج إلى من يتحدث معه بدون آراء متحيزة.. أريد أن أخفف هذا الألم في قلبي، أريد أن أراه فلا أشعر بإعياء.. أريد أن يهدأ الشوق في قلبي، أريد أن أرتاح من هذا الاختناق والإرهاق الدائم.. ماذا حل بي؟ ماذا أفعل كي أرتاح؟! لا أستطيع تخيل حياتي بدونه، ولا أتحمل قبول شخص آخر،
لا أتحمل أن أفقد الأمل، سأجن!!
عذرا قد أطلت عليكم، ولكن كي تعرفوا أبعاد الموقف.
30/1/2023
رد المستشار
حين نستأصل جزءا من أجسادنا صار مؤلماً ألماً يصعب تحمله بعد تناول المسكنات ومحاولات العلاج السلمية والدعاء بالشفاء السلمي سيكون حتماً صعباً مؤلماً؛ ولكنه بعد وقت قل أو كثر نستطيع أن نعاود كرة الحياة من جديد، برغم افتقادنا لهذا الجزء الغالي من أجسادنا وشعورنا بفراغ مكانه، وهذا ما سأحدثك عنه على كراهته -وهي حقيقة-، وجزء كبير من صعوبته هو أن كل صاحب قصة حب يتصور أن قصته تختلف، وأنه ليس عاشقا مثل باقي العشاق، وأن محبوبه شخص آخر لم يؤتى بمثله في عالم المحبين؛ والحقيقة الوحيدة هي أن الاختلاف يكون في معادن البشر!!
ولقد دافعت بكل ما أوتيت من قوة عن معدنك ومعدنه، وأنا لا أشك للحظة في نبل معدنك أو حلو خصاله، ولكن الحقيقة ستظل حقيقة، ولا يمكن استخدام ألفاظ أخرى تداريها أو تجملها أو تقلل من وطأة آثارها، فالرجل لم يكن يشكو من زوجته، ولم تكن حياته تعيسة أو بها مشكلات من العيار الثقيل حتى ألخص القصة في مساحة "التفزلك" في مساحة التعارك من أجل الزواج الثاني، فأحواله لم تتبدل إلا بعد لقياك، فهذه حقيقة تتواطئان على إغفالها، وما يقوله عن أن قراره تجاه زوجته لا يتعلق بك هو محض "وهم وزيف" سيكتشفه حين تختفي من حياته بصدق ودون مناورات، فهناك كائن متوحش هارب تركتماه يركض كيفما يشاء مطلوب ذبحه على وجه السرعة لكي ترتاحا ولو مع كثير من الألم والمعاناة، ولكن بعدها ستحل الراحة بعد حين، هذا المتوحش اسمه "الأمل" فوجود الأمل الذي يبرق لكما بين الحين والآخر بوعوده الجذابة هو ما يجعل الفراق أمرا مستحيلا ثقيلا على نفسيتكما، وحين نتشبث بما أرانا الله جل وعلا أنه لا مجال لتحقيقه -وبعد الأخذ بالأسباب- إلا بجلب مشكلات ضخمة، ستفقد القصة روعتها وجمالها والتي كانت في البدء سر التشبث بها!
فسأتصور معك أنك استطعت أن تجتازي حواجز كثيرة كإقناعك لأهلك وإقناعه لأهلك وتم الزواج؛ ستجدين بعد قليل أنك حين وصلتِ لحلمك قد اضطررت للسير على جثث كثيرة كانت الثمن للوصول إليه منها زوجته التي كانت تحيا حياة طبيعية مع زوج وأطفال قد انطفأت وصدمت من زوجها الذي خاضت معه اختبارات الحياة الزوجية الأولى وفترات الصمود وتحقيق الأحلام؛ يدير لها ظهره ويضعها في مقارنة مع فتاة عرفته بعدما استقر وتبلورت شخصيته ومكانته الاجتماعية، وهؤلاء الصغار التي توترت علاقتهم بأبيهم عما كانوا عليه ولا تتوهمي أنك ستقتربين منهم، وأنك ستكونين صديقة لهم، فالزوجة الأولى تكرهك، ولن تدع لك مساحة مع أبنائها هذا إذا ظلت زوجة له، وهو الاحتمال الأقل وستحيين مع رجل يحمل "النصف" في كل شيء فسيحيا معك بنصف عقل ونصف اهتمام ونصف مشاعر؛ لأنها حقيقة الوضع مع زوج لأخرى وأب لأبناء يكبرون وتزداد احتياجاتهم ولو بعد حين، حتى قرار الإنجاب منك سيكون محسوباً تماماً فهو على أغلب ظني لديه طفلان على الأقل، فحين تنجبين طفلك الأول سيكون بالنسبة له مسؤوليته الثالثة أو الرابعة فكم عدد من الأطفال ستتصورين أنه سيتركك تنجبين منه؟
ولا أريد أن تفهمي من حديثي أو أي أحد أنني ضد الزواج الثاني، فهذا ليس صحيحا فهو أمر من أمور ديننا لا يجوز النقاش فيه كمساحة نقبلها أو نرفضها، ولكن حين يشرّع لنا الله عز وجل أمراً يمس حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية المهمة، فعلينا أن ننفذها في إطار من المفهوم العام لديننا وإطار بشريتنا وإطار الاحتياج الحقيقي.
وما علي إلا أن أذكرك بالآتي:
- أن قوة مشاعرك تجاهه ترجع؛ لأنه حبك الأول وبعد غياب طويل، والحب الأول سيظل له رونقه وجاذبيته، برغم أنه في كثير من الأحوال لا يكون حبًّا ناضجاً أو حتى حقيقيًّا.
- أثبتت الدراسات أن التشابه بين الزوجين ليس في صالح انتعاشة الحياة الزوجية، ولقد قمت بعمل بحث بنفسي يخص ذلك الموضوع، وكانت نتائجه متناقضة، ولكن أشارت معظم النتائج إلى أن الاختلاف في السمات الشخصية للزوجين يحقق تكاملا أكثر.
- فراق الحبيب أمر شاق ومؤلم يأخذ من الجهاز العصبي والنفسي الشيء الكثير، ولكنه ممكن! فكم فرقت الحياة بين محبين لأسباب نبيلة فيكون عزاؤنا فيه أننا كنا شرفاء ونبلاء في هذا الفراق.
- هناك خمس مراحل نمر بها بسبب الفقد لعزيز علينا أرجو إضافتها في نهاية الإجابة فقراءتها ومعرفتها تساعد كثيراً في تخطي المراحل بشكل أفضل.
- لا ينقصك سوى القرار، فأنت على المستوى العقلي ترين بوضوح كل ما أشرت لك عنه، ولكن يرجعك صوت القلب والمشاعر وحين يغلب صوت العقل صوت القلب لابد من أخذ إجراء، والإجراء هو تركك لعملك يا حبيبتي دون تفكير، ودعي الزمان يقوم بعمله وستتألمين ولكنك ستعودين لنفسك ومنطقك وستستطيعين أن تكوني قوية من جديد وبرغم عدم قدرتك على رؤية ما أراه في تلك اللحظة إلا أنك ستستطيعين الحب والزواج بعد ذلك.
- كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر إلا ما يكرهه الإنسان فيبدأ كبيراً كريهاً صعباً ولكنه بمرور الوقت يصغر.
- معك في أنك لن تستطيعي وحدك، فإن كنت تأتمنين صديقة صدوقة تجدين عندها الحكمة وتحبك وتثقين بها فلتقصي عليها مشاعرك ولتبكي؛ فالتعبير عن المشاعر مفيد جدًّا، وإن كان يؤخر الشفاء قليلا إلا أنه مفيد ويعينك ولا مانع من التواصل مع اختصاصي نفسي يعينك إذا لزم الأمر –يفضل اختصاصية وليس اختصاصيا.
- اشغلي نفسك بعمل جديد وبهواياتك حتى تقلّصي فترات تفكيرك بما مررت به.
- إذا استطعت أن تمارسي أي رياضة فافعلي فهي تعمل على تناغم الجهاز العصبي والنفسي وإخراج الطاقات المكبوتة.
- الجئي إلى الله -جل وعلا- يا صغيرتي، وتقتربي منه من جديد بروح المشتاق المحتاج فهو القادر على شفاء قلبك بدعائك له ورجاء رحمته بمنحك الصبر والنسيان، وبعد فترة ستستطيعين حين تلملمين نفسك أن تقرئي الحكمة من مرورك بتلك التجربة العميقة ففيها عرفت نفسك أكثر، وفيها عرفت نقاط قوتك وضعفك، وتعلمت أن تتحدي نفسك وتنجحي في اختبارات الحياة الجادة، وعرفت ما الذي تحبين أن يكون عليه زوج المستقبل، وعرفت أن تخطي حدود الله وإن كان على غير عمد لا يأتي بخير، وأن هناك مرحلة في حياة الإنسان إن لم يأخذ فيها القرار المناسب في الوقت المناسب لن يجني إلا التعب النفسي والجسماني وعرفت أن ببعض "الحرمان" تقوى وتهذب النفس وتتعلم، وأن ما نراه كل الحياة في وقت هو في الحقيقة جزء منها ليس أكثر.
أتمنى لك أن يتفوق صوت عقلك على صوت قلبك، وأن تعودي كما كنت مشرقة قوية.