بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا شاب عمري عشرون عاما، أدرس في كلية، أعيش حياتي بمبادئ أخلاقية، ولا أتخلى عنها، لا غش ولا خداع وغيرها من المبادئ، ولكن لم تكن لحياتي معنى، كل يوم نفس ما سبق.
في بداية الفصل الرابع وهو الأخير، كنت في استراحة المحاضرات أنتقل إلى القاعة التالية، وبالصدفة رأيت فتاة خفق قلبي لها، لم يحصل هذا معي من قبل، كانت متحجبة وتلبس لبسا فضفاضا، مشيتها قمة الرزانة، ووجهها كالبدر، سألت عنها، وزاد إعجابي بها، فهي حسنة الأخلاق، وملتزمة بالصلاة.. لم أكن أعرف ماذا سأفعل، لا أستطيع الكلام معها، وبالفعل أريد أن تكون هذه الفتاة زوجة لي، لم أستطع أن أفعل أي شيء، حاولت النسيان ولكن لا مفر من هذه المشاعر، أصبحت أحس بضيق صدري.
ما زاد من ألمي أنه كان على طاولة إحدى الغرف لدينا ورقة مزخرفة مكتوب عليها آية، وهي: "وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ"(النور/26)، بدأت أبكي في داخلي، لم أتحمل، فأفصحت بالسر لأختي الكبرى، تعجبت، ثم قالت: "لا بأس فهذه مشاعر قد وضعها الله في الإنسان"، ارتحت لتفهم أختي، ثم قالت لي: "ولكنك ما زلت صغيرًا على الزواج ولا تملك شيئا، لا مال، ولا عمل، ولا منزل خاص، ومع ذلك ما زلت طالبا".
شعرت باليأس، حاولت أختي أن تواسيني، مرت الأيام، وبالصدفة وأنا صاعد الدرج رأيت الفتاة، عاد قلبي يخفق، ومن ثم أحسست أنني سأبكي من الألم، ألم القلب، قررت أن أخبر أمي، كنت أتخيل أنها ستغضب وتخبرني أن أركز على دراستي وأنسى هذه المواضيع، لكنها تفهمت الأمر.
قالت لي أمي: إنني لا أملك شيئًا، مثل ما قالت أختي، وقالت إنها في مثل عمرك -بالفعل هي الأخرى عمرها عشرون عاما- ولن ترضى أن ترتبط بي، فطلبت من أمي أن ترى الفتاة وتسألها على الأقل، أريدها أن تنتظر عاما أو عامين حتى أكون نفسي، فقالت إنها ستفعل ولكن بعد أسبوعين، أحسست براحة كنت قد اشتقت لها، تغيرت حياتي، وبتعبير أقوله دائما "أصبحت الحياة لها لون"، أصبح لي هدف، أن أكون نفسي بأن أحصل على علامة متفوقة في امتحان التجسير -امتحان القبول للجامعات- فبدأت أدرس وتحسنت علاماتي في الكلية، وضمنت أكثر من عمل، لكي أختار بينهم بعد انتهائي من الامتحانات.
بعد غد أمي ستأتي، بدأت الشكوك تدخل إلى قلبي، ماذا لو رفضت الفتاة؟ ماذا لو كان في قلبها إنسان تحبه؟ ماذا سأفعل بعد ذلك؟ ماذا... وماذا...؟، آلاف التساؤلات، بدأت أحس بألم في قلبي، فكل من حولي يؤكد لي أنها سترفض، وإن لم ترفض فأهلها سيرفضون، إنني أبكي في داخلي، ولا أجد ما أفعله، بعد كل صلاة أدعو الله أن يريح بالي.
لا أعرف إن كان أحد يحس بالألم الذي أحسه، إنني لا أفعل شيئا حراما، ولكن حتى الحلال قد لا ينجح، أحس أنني ضعيف وفاشل، هذه هي مشكلتي، فأرجوك أيها القارئ إن لم تعطني جوابا فعلى الأقل ادع لي بالتوفيق في حياتي. جزاكم الله خيرا.
2/2/2023
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الزواج كالمال والصحة من الرزق الذي قسمه الله تعالى لعباده، لن يحصل عليه إلا من كتبه الله له، ولن يحرمه إلا من لم يقدره الله له.. فلا تشغل بالك بما في عالم الغيب، فلن يصيبك إلا الخير إن شاء الله.. أما عن شعورك بألم الاحتياج ولوعة العشق، فعليك أن تقتنص من الألم إيجابيته وليكن محركًا ودافعًا لك نحو التفوق في ميدان الحياة العملية.
بني.. كان الله في عون جميع المحبين، ومع ذلك لا تنظر لتعلقك القلبي كأنه محنة بل هو نعمة.. تقول إنك رقيق القلب وهي من النعم التي ذكر بها رب العالمين الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/159).
يتألم المحتاجون في انتظار حاجتهم مهما كانت، ولا يستثنى العشاق من ألم الانتظار، ولكن من الخطأ أن تقول لنفسك إنك فاشل أو ضعيف فإيجابية الألم، إن كان للألم إيجابية، هي أنه يصقلنا ويعرفنا على طاقات في نفوسنا ومساحات كنا نجهلها لكن نكتشفها لحاجتنا إليها.
إيجابية الألم
هكذا نستثمر الألم ليدفعنا للنجاح، ليس فقط في النواحي العاطفية، بل في جميع النواحي، فما من إنسان خلقه الله إلا وسوف يبتليه، وكل يكون امتحانه على قدر طاقته، فرب العالمين لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فإن رفضتك فقد وضع الله فيك القدرة على تحمل ألم الرفض، فقط عليك الانشغال بالبحث عن هذه الطاقة.
بشكل عام لن ترفضك الفتاة إلا إذا لم تكن من رزقك الذي كتبه الله لك، وتذكر بني أن الإنسان جهول يدعو بالشر دعاءه بالخير، وتذكّر الآية الكريمة: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة/216) .. اكتبها في ورقة واجعلها أمامك كي تصبرك على ما يقضي الله في جميع أمور حياتك.
تكمن مشكلتك في إلحاحك على فكرة العذاب، برغم وعيك بأنه لا بد من امتحانات في الحياة كما في الدراسة، وقد يكون حبك امتحانك، وقد يكون قبول أو رفض الفتاة أو أهلها امتحانك، وعند الامتحان لا بد للعبد المؤمن من أن يصبر ويشكر الله على نعمة الامتحان، فأرزاقنا في السماء لا يعلمها ولا يغيرها إلا رب العالمين.
تذكر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حبيب الله كان يعاني ويحزن فيصبر ويشكر وما نحن بأعز على الله من صفيه محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن إن كان الفرح قدرك مع هذه الفتاة فاجعله وسيلة للتقرب من رب العالمين.
وإن كان غير ما تتمنى فاجعل صبرك على ما لا تحب شكرا لنعم الله.. ومع كل ما فات أرجو الله أن يجعل خيرك فيما تحب ومع من تحب.. وهل لي أن أتطفل فأطلب منك أن تتابعني بأخبارك.
خالص دعائي بأن يعطي الله كل من يتمنى مناه إن كان له فيه خير.