السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أود أخذ رأيكم في مشكلة أخي الكبير؛ لأننا جميعا حائرون، ونريد أخذ مشورة أهل ثقة مثلكم، وأعتذر مسبقا على الإطالة..
أخي عمره 39 عاما، وزوجته أصغر منه بعام، متزوجان منذ 8 أعوام، ولديهما أطفال. أخي مقيم معنا في نفس العمارة، قبل الزواج كان كل طموحه في الزواج من فتاة، أهم شروطها "الدين والأصل الطيب"، وكان يعمل "مدير حسابات" في شركة ما. وفي العمل تعرف على زميلة له (زوجته حاليا)، لمس فيها ما كان يهدف إليه، وتغاضى عن أنهم أقل منه في المستوى المادي والمعيشي، واكتفى بأصلها الطيب وبأن جميع إخوتها متعلمون تعليما جامعيا، واتفقا على الزواج في منزل عائلته، ووعدها لو تحسن الحال في المستقبل إن شاء الله سيأخذ شقة أخرى خارج منزل العائلة، ويترك هذه الشقة لأخيه الأصغر.
وتم الزواج في خلال بضعة أشهر، وكان "أخي وزوجته" متعاونين ماديا يضعان "راتبه وراتبها" ويصرفان على المنزل، والباقي يدخرانه عن طريق عمل جمعية. وتحقيقا لهدفهما تم وضع "قيمة الجمعية ومبلغ من أخي الأصغر ومبلغ صغير من أهل الزوجة كسلفة" كمقدم لشقة تمليك، ولكن صاحب العمارة رجع في كلامه واعترض على المبلغ واسترد أخي هذا المبلغ، ودخل به في مشروع مع أصدقائه، ولكن شاء الله لهذا المشروع بالفشل، وخسر أخي كل المبلغ. ومن هنا بدأت المشاكل "بعد أربع سنوات من زواج هادئ نسبيا"
وللعلم خلال فترة السنوات الأربع ارتفع المستوى المعيشي والمادي والاجتماعي لأهل الزوجة (اثنان من إخوتها دكتوران في الجامعة، واحتلا مناصب علمية في الجامعة)، ونقلا مكان إقامتهما، وبدأت زوجته تطالبه بفلوس أهلها في أسرع وقت ممكن، واصطنعت مشكلة، وتركت منزل الزوجية، وذهبت بطفليها إلى منزل أبيها. وقام أخي بتدبير هذا المبلغ، وذهب لمصالحتها، ورجعت معه إلى المنزل، ولكن تغير الحال 180 درجة، حيث بدأت والدة الزوجة في التدخل في معيشتهما وهما مختلفان في الطباع؛ فهو يريد أن ينفق كل ما يملك من أجل بيته وطفليه، وأم الزوجة ترى أن ذلك كله كماليات يمكن الاستغناء عنها، وهدفها الأول والأخير أن يدخر أكبر قدر ممكن من راتبه ليصبح لديه رصيد في البنك، وتغير حال الزوجة؛ أصبحت معترضة دائما على الوضع، وتتصيد له الأخطاء، ولا تعترف أبدا بأخطائها، وكانت دائمة الشكوى بأنها تعمل، ولا بد أن تدخر كل راتبها، فطلب منها الجميع أن تجلس في البيت لتراعي أطفالها وهو ملزم بأن ينفق عليها، ولكنها كانت ترفض بشدة.
وللعلم أثناء ساعات عملها كانت تترك أبناءها معنا "أهل الزوج"، وكنت أقوم أنا ووالدتي برعايتهما على خير وجه؛ فنحن نحبهما حبا شديدا، وكذلك فهما مرتبطان بنا ارتباطا وثيقا، وعلى عكس ذلك فهم غير مرتبطين بأهل الأم، ويرفضان الجلوس عندهم.
المهم.. في يوم من الأيام تشاجر أخي وزوجته، ثم قام بمصالحتها، وخرج لعمله، فخرجت هي والأولاد دون علمه، وبدون حتى إخبارنا، وذهبت لمنزل والدها، وعندما عاد أخي اتصل بوالدها هاتفيا فوجده مؤيدا تماما لموقف ابنته، ولم يعترض حتى على خروجها بدون إذن زوجها، وعلمنا أن زوجته تحكي أدق تفاصيل حياتهما للجميع، وبرغم كل شيء قام أخي مرة أخرى بمصالحة زوجته برغم اختلافهما الدائم في الرأي، ولكن بسبب أولاده وبسبب رغبته في أن ينشئوا في منزل أبيهم وبين أبيهم وأمهم.
ومرت الأيام وبدأ المركز المالي للشركة التي يعملان بها في الانهيار، فاستقال أخي، ورفضت زوجته ذلك، وشجبت فعلته، واعترضت على ذلك، ولكن لم يمر أشهر قليلة إلا وتم تصفية الشركة نهائيا، وبالطبع تركت الزوجة العمل، ومارس أخي بعض الأعمال الحرة، ولكن كان عائده المادي أقل من ذي قبل، وفي الوقت نفسه كان يقوم بالبحث عن عمل دائم آخر مناسب، ولكن نظرا لظروف البلد الاقتصادية فشل، وكان أخي الأصغر يساعده ماديا لسداد مصاريف بيته، ولكن زوجته كانت تعترض على هذا الوضع، وكانت دائما تحسسه بأنه مقصر.
وفي ذات يوم (منذ 3 شهور) ذهبت لبيت أهلها بعلم أخي من أجل تهنئة أخيها بمولوده الجديد، ولكنها طولت الإقامة لأكثر من أسبوع، وكان دائم السؤال عنها تليفونيا، وذات مرة أخبرته في التليفون أنها لا تطيق العيش في هذه الضائقة المالية، وطلبت منه الطلاق، وقال لها: "إنها لم تشبع في بيت أبيها؛ ذلك أنها لم تقف بجواره في محنته"، وأغلق الخط معها. واتصل مرة أخرى بعد ذلك، فردت عليه أختها، فطلب أن يكلم والدها؛ وذلك للتفاهم معه، فأغلقت الخط في وجهه، فتركهم 3 أسابيع، وفوجئ بأنها ترسل له دعوة عن طريق المحكمة للنفقة عليها وعلى الأطفال، واتهمته -كذبا- بأنه طردها وطفليها من المسكن، وأنه لم ينفق عليهم برغم أنه ثري ودخله كبير.
وهو لا يريد أن يتخذ ضدها أي إجراء قانوني (طاعة مثلا)؛ وذلك حفاظا على أنها أم أولاده، بالرغم من أنها تضغط دائما عليه بالأولاد، ولا تريد حتى أن يكلموه تليفونيا، حتى أنا ذات مرة اتصلت بهم للاطمئنان على حال الصغار، فقامت أيضا أختها بإغلاق الخط.. وقد علمنا أن أخاها الكبير بحث لها عن عمل، واشتغلت من حوالي شهرين دون إذن زوجها، وعلمنا من مدرسة الولد الكبير أن الأم والجد ذهبا لأخذ ملف الولد لتحويله إلى مدرسة قرب منزل الجد، وادعيا أن الأب اضطر للسفر فجأة، وحلفا على ذلك كذبا، ولكن قوانين المدرسة منعتهما من تحويل الولد.
وعلمنا أنها يمكن أن تعيش ثانية مع أخي، ولكن بشرط ألا تعيش في بيت العائلة ثانية "بالرغم من أن شقتها منفصلة"، ويبقى على أخي أن يؤجر شقة أخرى لها أو ينتقل معها للإقامة في شقة أهلها القديمة في حي شعبي جدا وذات مساحة صغيرة جدا جدا.
أخيرا، جزاكم الله كل خير لسعة صدركم، وفي انتظار مشورتكم وعرضكم لجميع الحلول الممكنة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المشكلة
9/2/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة، أهلا وسهلا بك على موقع مجانين.
من المهم أن تدركي بداية أن العلاقة بين الزوجين علاقة شديدة التركيب والتعقيد؛ بحيث لا يمكن النظر إليها من أحد جوانبها؛ فمن الضروري أن يتم النظر لجميع جوانب الحياة الزوجية والاستماع لوجهة نظر كافة الأطراف المحيطة، وبالذات وجهة نظر الزوجين، ومعرفة تفاصيل ودقائق العلاقة الزوجية، وأسباب الخلل الحادث فيها يحتاج أكثر من نص مكتوب ترسله أخت الزوج. فالمؤكد أن الكثير من تفاصيل العلاقة غائب عنك بحكم أنك لست أحد أطراف هذه العلاقة وبحكم كونك ستميلين بدون شك لتبرئة أخيك، وإلقاء اللوم كله على زوجته وأهلها ولو بدون قصد، ولكن من قصتك ومن التفاصيل الموجودة يمكننا أن نلاحظ ما يلي:
* تذكرين أن الحياة كانت هادئة ومستقرة بين أخيك وزوجته لمدة أربع سنوات، وكانا يتعاونان سويا في الأمور المادية، ثم تطورت الأمور وتصاعدت حدة الخلافات بين الزوجين حتى وصل الحال بهما إلى ما انتهت إليه الأمور بينهما من نزاعات قانونية، فما هي الأسباب وراء هذه التغيرات المتصاعدة؟
* مما لا شك فيه أن اضطراب أحوال الأسرة الاقتصادية يؤدي إلى الكثير من الضغوط النفسية على الزوجين، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الكثير من المشاكل بين الزوجين ما لم يتحلَّ طرفا العلاقة بالكثير من الحكمة.
من قصتك يمكننا ملاحظة أن أخاك يتسم ببعض التسرع والاندفاع؛ فالمبلغ المعد كمقدم شقة يدخل به في مشروع غير مدروس فيفقده كله، تتبرم الزوجة وتطالب بأموال أهلها التي قدمت لها كسلفة حتى تتمكن من الاستقلال في سكن منفصل وهو ما وعدها به أخوك قبيل زواجهما؛ فهل وافقت هي على دخوله هذا المشروع (وجزء لا يستهان به من هذا المال يعتبر مالها ومال أهلها) أم أنه استقل باتخاذ القرار دون مشورتها أو دون موافقتها؟!!
تسرُّع أخيك واندفاعه يظهر أيضا في أنه يريد أن ينفق كل دخله من أجل الزوجة والأولاد؛ مع أن ادخار جزء من الدخل -وهذا بالمناسبة ما كانت تنصح به أم زوجته- مهما كان بسيطا أمر لازم وضروري تحسبا لطوارئ الزمان، ومنها هذه الأزمة الاقتصادية التي يمر بها حاليا.
ولقد تسرع أخوك أيضا عندما ترك العمل مع بدايات انهيار المركز المالي للشركة التي يعمل بها بدون أن يظهر في الأفق أي بارقة أمل في عمل آخر، وكان الأولى به -وهو راعي الأسرة والمسؤول عنها- أن ينتظر حتى يجد عملا آخر أو يجمع مبلغا من المال يعينه على تكوين مشروع خاص به، وفي المقابل نجد زوجته تصبر لعدة شهور أخرى وتتحمل الظروف غير المستقرة في شركتها حتى تغلق الشركة أبوابها.
وظاهرة ترك الرجل للعمل هذه تتكرر اليوم بصورة ملحوظة؛ فالرجل أصبح لا يتحمل ضغوط العمل وأي اضطرابات فيه، ويحجم عنه بدون النظر لما يسببه هذا من توترات في حياة الأسرة، وأعتقد أن هذه الظاهرة تحتاج لدراسة حجمها وأبعادها ومسبباتها.
وذكري لعيوب أخيك الظاهرة في رسالتك لا يعني أن زوجته مبرأة من كل عيب، وأنها لم تشارك بدور لا يستهان به في أزمتهما الراهنة؛ فتكرار خروجها من منزل الزوجية بدون إذن زوجها خطأ، وقصها لتفاصيل حياتهما ومشاكلهما للأهل جميعا -كما تقولين- خطأ.
أما بالنسبة للخيارات المطروحة الآن أمامهما فلن تكون إلا واحدا من ثلاثة:
محاولة التفاهم والوصول لصيغة ترضي طرفي العلاقة، أو الافتراق بالمعروف، أو الاستمرار في طريق المحاكم والمنازعات القضائية.
وبداية التفاهم بينهما يجب أن يكون بمراجعة متأنية لسنوات عمرهما السابقة، ومراجعة كل منهما لنفسه وتحديد أخطائه ومحاولة غض الطرف عن أخطاء شريكه، ويساعدهما أن يستعينا بمن يثقان بحكمته من العائلتين (حكم من أهله وحكم من أهلها) أو من الأصدقاء إن تعذر وجود أطراف من الأهل.
ويمكن أن يتم هذا بعد فترة قصيرة تسمح للنفوس أن تهدأ وتمكنهما من مراجعة دقيقة للنفس ولأحوال العلاقة بينهما، وعلى أن يتم الاتفاق بعد ذلك بينهما على الكيفية التي ستتم بها إدارة شئون الحياة ومنها الأمور الاقتصادية. وكذلك مكان الإقامة وإستراتيجية التعامل مع أهل الطرفين وكذلك إستراتيجية إدارة الخلافات فيما بينهما، وأحيانا يكون الافتراق بالمعروف هو الحل الأمثل إذا تعذر إتمام الاتفاق، على أن يتم التراضي حول كل النقاط الخلافية، وأهمها على الإطلاق كيفية الاشتراك في إدارة شئون الأطفال. وبالطبع فإن الاستمرار في المنازعات القضائية يعتبر أسوأ الحلول، وأكثرها ضررا؛ لما يسببه من إيغار للنفوس لا يسمح فيما بعد للتواصل الإنساني السوي بينهما الذي يمكنهما من التعاون في إدارة شئون الأولاد.
في بعض الأحيان ومع بعض الشخصيات الحساسة قد تقضي الحكمة والدبلوماسية أن يتم نوع ما من فصل "القوات" بين الزوجة وأهل زوجها. ويعني هذا أن تكون العلاقة بينكم وبينها رسمية إلى حد ما؛ فلا تتدخلوا في شئونها وشئون أسرتها إلا بالقدر الذي تسمح هي به، ولا تتوقعوا منها أن تقدم لكم أكثر مما تقدم هي عن طيب خاطر، على أن يؤخذ هذا في الاعتبار؛ سواء انتقلت إلى منزل آخر أو استمرت إقامتها في منزلكم، وليتم التعامل معها على أنها زوجة للابن وأم وراعية للأحفاد، وهذه الإستراتيجية في التعامل سوف تخفف كثيرا من ضيقها وتبرمها من الإقامة في منزل العائلة، وستخفف كثيرا من الضغوط التي تمارس على أخيك.
مع دعواتنا أن يقدر الله لأخيك كل الخير، وأن يصلح له أسرته، وأن يعينكما على إصلاح ذات البين، وأن يرزق جميع الأطراف الحكمة المطلوبة لإدارة شئون هذه الأسرة الصغيرة.
واقرئي أيضًا:
دبلوماسية العائلة.. البر المبصر
دبلوماسية العائلة والندم حيث لا ينفع الندم
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب