هل كلنا خاسرون؟
بالله عليكم أنجدوني، اقرءوا، ثم احكموا بيننا من المخطئ أنا أم هي؟
السلام عليكم د. فيروز، أكتب إليك والمرارة تعتصر قلبي واللوعة تحرق ضلوعي والعذاب تغلل في ضلوعي، أشعر أني محتقر، وهدفي في الحياة تحطم، لم تعد لي الرغبة في العيش في هذه الدنيا الحقيرة التي لم تبخل علي بالعذاب والسهر وقلة النوم؛ فعظامي الهشة تتكسر واحدة تلو الأخرى وأنفاسي تحترق مع كل شهيق وزفير، أشعر أني منبوذ ولا يُرغب في وجودي؛ فأصبح وجودي وعدمه سواء.
لم أعد قادرا على أن أكتب شعري، حيث تعودت أن أفجر الكثير من المواهب عندما تعتصرني الحياة، لم يعد لي أنيس سوى أم كلثوم وهي تشدو وتغني لي وحدي، أجل تغني لي وحدي في قاعة فارغة من الأخلاء والأحباب ودموعي تنهال على وجنتي عندما ينام الكل وأبقى ساهرا حتى الفجر فأغسل قلبي بقطرات تنزل رغما عني دون نواح أو شهيق؛ لأحس أنني انخدعت وتم استغفالي من شخص ظننت يوما أنه لي.
قصتي التي لم أفكر أنني في يوم من الأيام أني سأمر بها هي أني كنت على علاقة بفتاة منذ سنتين سحرتني بكلامها وصوتها المخملي، عرفتها وأعرف كيف تفكر، وأعرف كيف تتصرف وكيف تتكلم، طلبتها للزواج مرة وكنت صادقا جدا فلست مراهقا يعيش قصة حب خيالية؛ فرفضت بحجة الدراسة.
بعد فترة من الزمن عندما تبدلت حالي وأحوالي كما تريدها طلبتها للزواج مرة أخرى، فشعرت أنها موافقة ففرحت، لكن قبل فترة تدهورت علاقتنا، وما زلت لا أعرف السبب؛ فأسبابها كانت ساذجة وغير واقعية ومتناقضة مع الواقع كأنها كانت تبحث عن سبب كي تنهي كل شيء.
لا أريد أن أخوض في الأسباب لأنها لا تنفع الآن، فما حصل قد حصل، أنا لست غضبان عليها أو من أجلها بل لنفسي وحالي واستغفالي طوال تلك السنيين؛ فهي لا تستحق حتى نظرة شفقة، لكن أحيانا نحن الرجال بحاجة لوقفة تعيد لك بريقك وتجعلك تفكر وتفكر وتفكر وتفكر.
لكن الذي قهرني عندما لا تجد صديقا تبوح له وينصحك ويخفف عنك أحزانك، الذي قهرني شيئان: أولا أنني لم أتوقع الرفض؛ لأن علاقتنا لم تكن حرجة، أقصد موضوع الخلاف كان تافها ولا يستحق منها الرد الذي ردت به علي، فكان قاسيا جدا وبشعا، وطريقة الكلام لا تصدر عن فتاة تحترم نفسها وتتكلم مع شخص كان من الممكن جدا أن يصبح زوجها في يوم من الأيام.
ثانيا: أنا غضبان على حالي ونفسي ولست غضبان عليها؛ لأنها كشفت عن وجهها الحقيقي وكان بشعا جدا، كيف حصل معي هذا، كأنني -لا بل- كنت مغفلا لهذه الدرجة؟ كيف لم أكتشف ذلك مسبقا؟ أجل كنت أحبها وأعشقها لكنها حطمت الحب الذي في صدري، أنا لا أريدها أن تقبل بي رغما عنها، ولا أريد أن أفرض نفسي عليها؛ فأنا أكره ذلك أكثر منها، وأنا لم أجبرها على شيء أو تستمر علاقتنا سنين حتى حفظتها عن ظهر قلب.
أنا غضبان على نفسي لأنني صدقتها... يا للأسف لم تعرف ماذا كنت أخفي لها، هي اختارت ولست أنا ولتتحمل مسؤولية قرارها. وعندما عدت لنفسي وفكرت في نفسي اكتشفت أن السبب الوحيد الذي لم أعرفه هو أنها كانت أمام أكثر من خيار؛ فاختارت الذي يلمع من الخارج ولا تعلم ما بداخله... ليس الشباب هم الذين يحطمون قلوب الفتيات بل هن كذلك، ما أبشعها من طريقة، لِم لا نكن صادقين مع أنفسنا قبل الآخرين؟ لماذا ندعي الصدق والأمانة ونحن نخون ونكذب ونغش؟
سأترك قلبي المجروح للزمن، ولا أدري هل سأنسى؛ فأنا من النوع الذي لا ينسى في حياته؟ هل سأغفر لها يوما؟ قصتي قد يكون الكثير مر بها من الشباب والبنات، ونصيحتي لأيهم تأكد من الذي أمامك قبل أن تفيض من مشاعرك نحوه فقد لا يكترث لمشاعرك عند أول هزة أو أمام أول إغراء له أو لها.. الله أكبر على الظالم، وليكن الله في عون المظلوم الذي يحترق قلبه.
قد تعود، لكنني متأكد أنه من على شاكلتها لا يعود أبدا؛ فهو يقتل ويلتهم فريسته ثم يتركها تصارع لتلفظ أنفاسها الأخيرة ثم تتركها وتبحث عن فريسة جديدة، كأننا نطبق قوانين الغاب في تعاملنا مع الآخرين وحتى الذين نحبهم ونخاف عليهم؛ فمجرد أنك تأخذ ما تريد من تسلية وقت الفراغ أو حتى تشعر أنك مرغوب وعندما تمل وتشبع رغباتك تترك وتفضل الانسحاب حتى بدون كلمة سلام حلوة أو وداع، أو اعتذار مهذب، لا بل تتعامل مع الشخص المقابل كأنه عديم الإحساس وأنت دنجوان عصرك وأفلاطون زمانك، أنت الذي يجب أن يأمر وينهى وتقول نعم ولا وعليه الطاعة، والعذر أنه يحبك بجنون ويجب عليه أن يطبق دون نقاش يا لسخرية القدر.
مهما تكلمت وقلت فلن يغير ذلك شيئا، وأنا لا أريد أن يتغير شيء، إنما كتبت لك يا د. فيروز لأني كنت قد كتبت لك من قبل، وأرجو طرح قصتي في استشارات مجانين كما عودتنا على مساعدة الملهوف الذي ينتظر أي كلمة حتى يشعر بأنه ما زال على قيد الحياة وأنه لا يحتضر.... وأرجو فتح قصتي للنقاش؛ فأنا متأكد أنه يوجد المئات من أمثالي وأمثالها، أنا لا أدري لماذا أكتب لك يا د. فيروز، ربما بحاجة أن أسمع نصيحة تمسح جراحي وتشفي صدري.
آسف على الإطالة والكلام العائم، لكني أعرف أنك ذكية وتستطيعين أن تقرئي ما بين السطور، وكما كنت أقول كيف تشعر عندما تكون من الخاسرين؟!! وجزاكم الله عنا كل خير.
5/2/2023
رد المستشار
لقد أدمعت عيني يا أخي!!
صعب أن يفقد المرء من يحب هذا هو همّ "الفراق"، وأصعب أن يكون هذا الفراق غدرا بدون أسباب نبيلة، وهذا هو همّ الشعور بالغدر وعدم الأمان، والأصعب ألا يجد المرء صديقا يخفف عنه أحزانه وهذا هو همّ الوحدة.
ولقد اجتمعت في قلبك الهموم الثلاثة:
الفراق والشعور بالغدر وعدم الأمان والوحدة؛ فماذا ستفعل تجاه المصائب الثلاث التي يسقط أمامها شدتها أقوى الرجال؟ هل تسمح لي أن أتناول -في إجابتي- كل همّ عل حدة؟
وكأني أريد من هذا التفصيل أن أفكك وأفتت أزمتك إلى عناصرها الثلاثة عملا بنصيحة الخبراء النفسيين: أول خطوة في حل المشكلة هو تفتيت المشكلة عندئذ تستطيع أن تعرف عدوك (الهم) في ثلاث جبهات فتقهرها جميعا ما رأيك في هذه الخطة العسكرية؟ هيا نقهر الهم يا أخي:
أولا الفراق: علاج الفراق يشبه علاج الإدمان؛ ففي الحالتين يعاني المريض نفسيا بسبب حرمانه من شيء قد اعتاد عليه؛ ذلك فإن هناك خطوطا مشتركة في العلاج أهمها إرادتك أنت شخصيا ورغبتك في التعافي وتجاوز الأزمة وإصرارك على أن تعبر محنتك وقد زادتك قوة وصلابة... قالوا المحنة التي لا تكسرني تقويني.
وابدأ فورا أخي؛ لأنك كلما تأخرت حاصرتك الهموم أكثر وأكثر وفتت في عضدك وخدرت إرادتك فإذا بك تدخل حلقة مفرغة يصعب الخروج منها، عجل وقفتك مع نفسك ولا تسلم رأسك للدموع والذكريات وأغاني أم كلثوم التي تشدو لك وحدك.
ماذا تفعل يا أخي عندما تكون متدثرا بغطائك في البرد ثم يحين وقت العمل أو الصلاة أو يزورك ضيف؟ إنك تدفع الغطاء عنك وتنهض مسرعا، هذا هو ما أريدك أن تفعله أن تدفع دثار الكآبة والحزن عنك وتفتح النوافذ وتغسل وجهك لتبدأ حياة جديدة مشرقة.
أعط حبيبتك التي افترقت عنها حجمها الطبيعي من الأهمية بدون مبالغة أو إفراط، ربما هي فتاة لاهية تسلت معك أو بك قليلا ثم ارتبطت بآخر تراه من وجهة نظرها أفضل منك، ربما هي حبك الأول ولكنها ليست حبك الأخير، وعليك أن تدرك من أعماقك أن القلب البشري قادر أن ينسى وأن يحب من جديد وأن الجروح مهما كان عمقها يمكن أن تندمل وتلتئم.
املأ حياتك بالخطط والأهداف والحركة، سواء على المستوى الشخصي من دراسة أو قراءة أو هواية أو تنمية ذاتية، أو على المستوى الاجتماعي من عمل الخير أو إصلاح، لا ترحم نفسك من الأنشطة الممتعة والترفية المباح؛ فالقلوب إذا كلت ملت.
ولا تنس الصلة بالله تعالى والتقرب إليه بالذكر والدعاء والصلوات، وربما يعينك على هذا الصحبة الطيبة.
ثانيا الشعور بالغدر:
الفتاة لم تحبك حبا حقيقيا هذا كل ما في الأمر!! ربما تكون قد خدعتك أو خدعت نفسها بعض الوقت لا أدري، المهم أنها لم تحبك وهذا حقها.
وبالمناسبة هي كانت واضحة منذ البداية ورفضتك مرتين لأسباب واهية، ولكنك لم تلتفت... حبك الغامر لها أعمى بصيرتك وصور لك أنها تحبك وجعلك تطاردها وتلح عليها، ويبدو أن الفتاة قد طاوعتك بعض الوقت ربما لتعطي نفسها فرصة لتحبك أو ربما لتقضي وقتا لطيفا معك يملأ فراغا عاطفيا لديها.
المهم أنها كانت واضحة ولم تحبك منذ البادية وحتى النهاية، لا تقل أنا غضبان على نفسي لأني صدقتها، ولا تقل كيف كنت مغفلا لهذه الدرجة، ولا تقل هل سأغفر لها يوما من الأيام، وهي لم تستغفلك ولم تخدعك بل أنت الذي استغفلت نفسك وخدعتها.
لذلك فإن ما تخرج به من القصة هو درس مهم ألا يدفعك حبك لأحد أن تطارده وتلح عليه موهما نفسك أنه سيبادلك الحب هو، ربما لا يفعل وهذا حقه، ويكون الخطأ هنا هو خطؤك.
ثالثا الشعور بالوحدة:
أنت لم تتحدث كثيرا عن مشكلة الوحدة، ولم تقل أين أصدقاؤك، هل أنت شخصية منطوية؟ يبدو يا أخي أنك شخص شديد الحساسية؛ وهو ما جعل علاقاتك محدودة بعض الشيء.. إذا كان استنتاجي هذا صحيحا فالأمر يحتاج إلى وقفة وتغيير.
لا تكن متطرفا في مشاعرك؛ إما أن تحب بجنون أو لا تحب على الإطلاق، حاول أن يكون حولك دائرة من الأصدقاء والزملاء الذين يجمعهم بك حد أدنى من التفاهم والود والحب في الله، لا داعي أن يكون حبك لهم غامرا، أيضا توسط واعتدل.
وأخيرا أقول:
أخي أنت لست من الخاسرين كما تتصور، هل تدرى مَن هم الخاسرون؟ "الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة"، وهم أيضا "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا".
هذه هي الخسائر الحقيقية، أما ما سوى ذلك فيمكن أن نسميه أي شيء آخر ابتلاء اختبار إخفاق في جولة من جولات الحياة، وهذه أمور طبيعية، بل هي جزء أساسي من حياتنا ما دمنا أننا على الأرض ولسنا في جنات عدن، أنت لست خاسرا يا أخي بل أنت من الغانمين بإذن الله.
أخي الكريم لا تنس الصلة بالله ولا تحرم نفسك من الدعاء، وأهلا بك صديقا لنا.
ويتبع>>>: خطة عسكرية.. ضد الهموم م