الرسالة والقضية والصحبة: عن التكوين تسألني!!
المشاركة الأولى:
أولا لا بد أن أشكر لكم مجهوداتكم في هذه الصفحة التي أصبحت بحق منارة لكل التائهين، وكم أتمنى لو يتحول الموقع برمته إلى قناة فضائية.. آمين!
أدخل في الموضوع مباشرة:
لقد أسعدني جدا كلام الأخت الفاضلة صاحبة مشكلة الرسالة والقضية والصحبة: عن التكوين تسألني!!؛ فقد قامت بتلخيص ما يجيش بصدري وصدر الكثيرين ممن يتمنون "خدمة هذا الدين". فباختصار قد مررت بنفس الظروف الدعوية التي مرت بها الأخت بعض الشيء، بدءا بالمشاركة مع إحدى الحركات الإسلامية المشهود لها بالاعتدال -وكان ذلك في المرحلة الثانوية- وشعوري لفترة كبيرة بالنقص؛ فأصبح الموضوع لي -وهذا كان شعور الكثيرين معي- هو متى يأتي اليوم الذي سيتم فيه القبض علينا، وأن هذا الابتلاء الذي لا بد أن يقع نظرا لما نقوم به من دعوة في سبيل الله!! لا أعرف هل هذا بسببنا نحن أم بسبب من كانوا يقومون بتربيتنا؟
أنا لا أحب أن أطعن في هذه الحركة؛ فأعتقد أنها من الأسباب المهمة في انتشار الدعوة في ربوع الأرض، وأنا أعد منتميا إليها إلى الآن، ولكن يا سيدي صدقني.. فقط عملا بحديث "إن الذئب يأكل من الشاة القاصية"!! فأنا أخاف على نفسي أن أظل بمفردي فأنحرف عن جادة الطريق. إلى أن منَّ الله علينا بهذا الداعية الفذ .......... فباختصار غيَّر مفاهيمي في كيفية قيام الإنسان بخدمة دينه، فبدأت خطوات عملية في هذا الأمر، وبدأت مواهبي المدفونة في الظهور، وبدأت أعيش بكياني لهذا الأمر، ولكن الأمر كما ذكرت الأخت بدون ترتيب أو تكوين جيد، فصرت أتخبط، وأصبح معنى "خدمة الإسلام" مجرد أمانٍ!! أنا لم أفقد الأمل بعد، ولكن كيف نستطيع البدء بحق في أن نكون ممن يقومون بخدمة هذا الدين؟
قد ذكرت لنا يا سيدي أن هناك وسيلة ما تقوم بتنظيم هذا الجمع الذي شعاره خدمة هذا الدين؛ فقد ذكرت في إجابتك فقرة أشعلت بحق حماسي، وهي: "إذن محتاجون نحن أن نتجمع من جديد، ونعيد الاعتبار لفقه الأمة وحركة الناس وحياة المجتمع الثقافية، ولن يكون هذا إلا بالانخراط في الأنشطة القائمة وتطويرها، واستحداث الغائب منها".
وأيضا: وواجب الوقت أن نتجمع أنا وأنت وأمثالنا من الساخطين؛ فلا ننتظر حكومة ولا نرجو حركة، وكل إيجابي يأتي من هذه أو تلك له كامل الاحترام والتقدير، ولكنه ليس الأصل الآن، وبعد أن شبعنا من انتقاد الآخرين، والعيب في الزمان والسابقين، وشتيمة الحكام وأساتذة الجامعة، وصب الغضب على كل أحد حينا بعد آخر، آن لنا أن نجمع أمرنا ونتدبر شئوننا؛ فإن كنا نحتاج إلى بيئة اجتماعية وثقافية تنضج الأجيال الجديدة وتعالج أمراض الأجيال الأكبر، وإذا كنا نحتاج إعلاما مستيقظا، وتعليما حديثا ناهضا، وتكوينا متينا عصريا في شئون الدنيا والدين، إذا كنا نحتاج إلى هذا وذاك وغيره... فإن هذه كلها ليست معجزات ولا معضلات، ولكنها مجرد مهام يمكن إنجازها بالتدريج وبتقسيم الأهداف إلى مراحل وأجزاء، ولو طال الطريق؛ فهذا أفضل قطعا من الاكتئاب.
فنرجو جميعا من سيادتك كيفية القيام بذلك على أرض الواقع، ولنبدأ من هنا.. من مصر! ولك جزيل الشكر.
المشاركة الثانية:
إخوتي الكرام، جزاكم الله خيرا على هذا المعين الفكري والنفسي والثقافي والاجتماعي.. لقد أدمنت صفحتكم المتميزة.. إنها ليست فقط مجموعة من القصص الواقعية المسلية التي أقرؤها لأتسلى أو أتعظ.. وإنما أصبحت نافذة مفتوحة على نفوس وأفكار الشباب والمجتمع العربي والإسلامي الحالي.. أقرأ من خلالها واقعنا.. وأتعرف على نماذج مختلفة من البشر.. أستغرب.. أستفز.. أتأثر.. أتفاعل .. أتعاطف.. أفهم.. لا أفهم.. وأستنتج الكثير، وأربط الكثير.
وأيضا أصبحت أجد نفسي وسط أصدقائي وأقراني المجهولين عبر الصفحة.. بدأت أشعر أن هذه الصفحة شكلت رابطا خفيا بيننا.. لم تعد فقط جعبة يفرغ فيها كل منا همومه، ولكنها أصبحت منتدى فكريا للشباب المسلم.. دائما ما كانت تساورني أفكار وآمال ومشاعر خاصة بواقعنا كمجتمع وأمة.. وأحيانا كنت أناقش فيها من حولي.. ثم تتغيب الأفكار تحت وطأة الحياة اليومية.. ولكن عندما أقرأ رسائل إخواني عبر صفحتكم أشعر كمن يضع الخطوط تحت أفكاري ويظللها بظلال لافتة..
أشعر بوجودي وانتمائي عندما تتزايد الأصوات وتتشابه الأفكار.. وينقصني الآن أمر واحد، وهو التكتل.. فكما قلت يا سيدي العزيز في ردك: آن الأوان أن نكف عن الشتيمة وإلقاء التبعات على مشجب أو آخر.. آن الأوان أن نتجمع ونتكتل.. أذكر كلمة زميل لي منذ "سنوات": "أهل الشر تجمعوا وتكتلوا ونحن ما زلنا شتاتا"، والأولى بنا أهل الحق أن نتكاتف ونتجمع..
ولذلك أشعر بزهور الأمل تنبت في قلبي من جديد.. عبر صفحتكم الكريمة.. جمعونا.. كتلونا.. اصنعوا لنا الجدائل لتربطنا.. يسروا لنا نظاما لا للتجمع فقط ولكن للإنتاج.. للتغيير.. علمونا كيف يبدأ كل منا بنفسه.. علمونا كيف نطور الأمل ليصبح واقعا قادرا على التبلور والتغيير.. إن الأمر جد خطير.. فالمتغيرات من حولنا أشبه بالدوامات حتى سارت أسرع من قدرتنا على الاستيعاب والملاحظة.. نحن باحتياج حقيقي لفريق كامل من الخبرات والقدرات لحماية وصيانة هويتنا.. بدءا من الفقيه المستنير الذي يبحث مرة أخرى في درر الشريعة ويزيل مِن عليها الأتربة.. ويخرج لنا بصياغة جديدة ومتواكبة مع التطور الاجتماعي.. وصولا إلى المخرج السينمائي الذي يقدم سينما إسلامية مستنيرة، ويحسن استخدام سلاح الإعلام المنسي في سبيل رفعة الإسلام والأمة..
نحن في حاجة لخطة اجتماعية كاملة نبدأ بها ونحاسب عليها أنفسنا.. نحن بحاجة لتعلم الكثير من الخبرات التي قد تكتسب بالصدفة.. علمونا كيف نحدد أهدافنا؟ وكيف نصونها ونطورها ونفعلها؟ كيف نختار ونتحمل بشجاعة تبعات اختيارنا؟ علمونا كيف نحافظ على الوقت، وننشر الثقافة؟ فبدلا من أن يجلس الناس في مترو الأنفاق مثلا واجمين يتسلون بمشاهدة بعضهم البعض.. ويضيع الوقت الثمين ساعة وراء ساعة.. ينشغل كل منهم بكتاب أو قصة.. بدلا من أن يشتري الآباء والأمهات "البمب" لأولادهم في العيد.. فينشأ الطفل استهلاكيا عبيطا يشتري بماله وشقاه ما يفرقع في الهواء؛ فـ"يشتري" و"يستمتع" بسماع صوت مزعج وشم رائحة مزعجة وتشويه منظر الطريق..
الأمثلة كثيرة جدا.. ومرهقة جدا.. ولكن آن أوان التغيير والمجاهدة عليه قبل أن نهلك وفينا الصالحون؛ لأن الخبث قد كثر ولم نعتذر إلى الله بمحاولة منعه أو تقويضه.. كلما قرأت رسالة على صفحتكم الكريمة وجدت بداخلي كلاما كثيرا للمشاركة.. ولكن هذه الرسالة جعلتني أشعر بالعموم لا التخصيص.. وشجعتني على المشاركة فعلا..
أختي في الله كاتبة الرسالة وإخوتي في الله القائمين على الأمر والمشاركين فيه، "يا رب نقدر نحط أيدينا في أيدي بعض ونعمل حاجة، يا رب". جزاكم الله خيرا.
9/2/2023
رد المستشار
أخي الكريم.. أختي الفاضلة، أتقلب بين المهام والأنشطة، وتتقلب نفسي ومشاعري بين الفرح والحزن، واليأس والأمل، والهمة والخمول، وتظل كلماتكم هي أفضل ترياق لسموم الهموم والإحباطات.. وما أكثرها!!
كيف نبدأ ما تتحدثون عنه؟! هذا سؤال لا تخصنا وحدنا الإجابة عليه.
لاحظوا أن صفحتنا هذه وعمرها الآن يزيد على عشرين عاما، لم تتعهد منذ البداية إلا أن تكون خدمة للرد على أسئلة الشباب (باعتبارهم الفئة الأكثر استخداما للشبكة العنكبوتية) في شتى المجالات النفسية الاجتماعية، وكانت ترجو من الله التوفيق والسداد، وتظن أن حسبها النجاة من اللوم الذي تعرضنا له بالفعل؛ فهذا يصفنا بصفحة البورنو الإسلامي، وذاك يتهمنا بأننا دعوة إلى الإصلاح الأمريكي، وتلك تقول لنا: إنكم مجرد ترس في الميكنة الغربية، وأخرى تلوم الجهات "المسؤولة" على إهمالها الشباب حتى لم يجد غير "موقع مجانين" يلجأ إليهم فيقدمون له الحل العلمي من منظور ثقافتنا، وآخر يصفنا بالمتطرفين الذين يدسون "التعاليم المتشددة" وسط توجيهات العلاج أو نصائح الإرشاد النفسي أو الاجتماعي، وقائمة التهم طويلة.. ولا أريد الإطناب.
وآخرون التقطوا الرسالة من أول يوم، ورأوا أن الصفحة تحمل ما هو أكثر من أجوبة معقولة على أسئلة حائرة، وتحدث إلي أحدهم في بواكير عملنا قائلا: أنتم في هذه الصفحة تبشرون بتصورات اجتماعية وثقافية أشمل وأعمق وأكثر علمية من مجرد العموميات التي تعود المسلمون على ترديدها كلما جاءت سيرة الحلول الإسلامية.
ولم نكن ندرك أن إجاباتنا ستتحول تدريجيًا إلى أفكار مهمة وجديدة، ثم إلى فكر متماسك إلى حد كبير، ولم نكن ندرك أن هذا سيتطلب برامج تطبيقية للانتقال من النظر والكلام إلى العمل والأفعال، ولم نكن نتصور يومًا أننا سنقف أمام منعطف تطرح فيه أسئلة من قبيل:
هل نبقى مجرد صفحة على الإنترنت تقدم إجابات جيدة على مشكلات مطروحة قليلة الانتشار أو سائدة؟!
هل نطور في أداء خدمتنا لتتناول نفس الموضوعات بأشكال تحريرية مختلفة إضافة إلى السؤال والجواب؟! كيف نستثمر التجاوب الجيد من القراء؟! هل نعطي اهتمامًا أكبر للدورات التدريبية على الإنترنت؟! ولكننا أبدًا لم نكن نظن أننا سنقف أمام سؤال على مستوى آخر من قبيل: هل نحن مجرد خدمة على صفحة أم صفحة تنشئ حركة؟!! والحقيقة أن تحسين الأولى يشغلنا كثيرًا، ولكن أعيننا على الثانية لما نراه من احتياج الواقع؛ فننظر إلى مسألة "الحركة" هذه ثم نغض بصرنا محوقلين ومستغفرين!!
يا إخواننا وأخواتنا.. فريق المستشارين -الذي صنع به الله سبحانه كل ما ترون- يتكون من أفراد معدودين وموزعي الاهتمامات والمشاغل، ولديهم -مثل كل الناس- مشاكل، ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.. لا تستطيع صفحتنا بالإمكانات الحالية أن تتحول إلى قناة فضائية بالمستوى الذي نطمح إليه، وأقول هذا رغم تجهيز الموقع لمواد بالصوت والصورة سيتم بثها عليه يومًا ما!!
ولا يستطيع فريقنا -وشكرًا على ثقتكم- أن يقود بأفراده حركة اجتماعية على الأرض في مصر أو غيرها، وإن كان يرشد بأفكاره، ويوقظ الهمم...إلخ،، أقول هذا ليس هروبًا من المسؤولية، وليس تواضعًا في غير مكانه، وإنما تقريرًا لواقع أراه وأعرفه.. أعرف قدر نفسي، وقدر الفريق، وأعرف ماذا تعني كلمة "حركة" .. هل أحبطتكم؟!! آسف إن كنت قد فعلت.. ولكن أبدًا.. اصبروا معي قليلاً لنصل معًا.
إذا كنتم تريدون شيئًا جديدًا ومختلفًا مثل الذي تصفونه في رسائلكم أو تتصورونه بعقولكم فإن هذا يحتاج إلى بناء، وأقصد مبدئيًا البناء على مستويين يمكن السير فيهما بالتوازي:
الأول: مستوى تحويل صفحتنا بزوارها إلى "مجتمع"، وهو الأمر الذي حاضرتنا فيه أخت فاضلة، وليست مصادفة أنها صاحبة مشاركة من اللتين أرد عليهما الآن، وحتى يستوعب الآخرون ما نتحدث عنه هنا أقول: إن هناك منهاجا أو علما يتطور الآن، ومجال بحثه هو الإجابة على سؤالك: كيف تتحول الصفحات الإلكترونية على الإنترنت إلى مجتمعات افتراضية؟ وربما تنتقل لتصبح واقعية.. وخبرة أختنا في هذا أعلى من كل فريقنا، ونحن في انتظار قيامها بهذا الأمر إن كانت تريد وتستطيع.
الثاني: مستوى بناء المهام، وأقصد بها هنا أن يبدأ كل منا بتحديد نقطة تركيز يتصور أنها الأهم أو الأقرب إلى مزاجه واهتماماته من بين النقاط والعوالم والملفات التي فتحتها صفحتنا، ربما ينحاز البعض إلى التحرش الجنسي، أو تأخر سن الزواج، أو تكوين الفتاة العربية ، أو نشر الثقافة الجنسية السليمة... إلخ، بناءً على هذا التحديد يمكن أن تبدأ مجموعات عمل واهتمام نعد بتغذيتها بالأفكار والاتصالات والمقترحات، ولا نعد بأكثر من ذلك.
وفي إطار هذه المجموعات سيكون مفهومًا أن نهتم بتنمية الخبراء والمهارات، وتطوير التجارب والأدوات للتعامل مع هذه القضية أو تلك، وسيكون مفهومًا أن نراجع حصاد خبرتنا معًا في هذه المسألة أو تلك، ونعمل على نشره وتطويره، وأن تتواصل هذه المجموعات مع غيرها. وبالإضافة إلى هذا المستوى وذاك فإن المزيد من نشر التعريف بالصفحة بين مستخدمي الشبكة العنكبوتية يعني المزيد من الفرص لاكتساب مؤيدين ومتفاعلين جدد للمساهمة في البناء الذي نريد، وبالتالي فإن الترويج للصفحة في مجموعات الاهتمام، وفي غرف الشات الجماعية، والإعلان عنها بكل وسيلة في التجمعات الشبابية، والدوائر المهتمة بالتعامل مع الشباب والأسرة والصحة النفسية الاجتماعية، هذا الترويج هو واجب سهل على من يجلس أمام الإنترنت، ويستطيع الاتصال والتواصل في هذا الميدان، والدال على الخير كفاعله.
تقول أختي: جمعونا.. كتلونا.. اصنعوا.. علمونا.. إلخ. وأنا أقول لها:
بل نعمل معًا.. نحن وأنتم في شراكة كاملة، ولا فضل لأحد إلا بمقدار ما يبذل، ومع الاحترام للتخصص فإن المعرفة أصبحت متاحة اليوم على النت، والعزيمة والتخطيط، والإرادة والمبادرة ليست حكرًا على أحد، ولسنا ندعي أننا نمتلك مفتاح التغيير أو سر الصنعة؛ لأنه لا توجد في صنعة التغيير أسرار.
الكرة في ملعبكم، واقتراحاتي مجرد أمثلة لما يمكن البدء به، وفي انتظار رسائلكم .