السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد، أقدر لكم هذه الجهود الجبارة التي تبذلونها لحل المشكلات؛ فجزاكم الله عنا خير الجزاء وبنى لكم في الجنة قصرا، سأحاول أن أختصر رسالتي؛ فقد بعثت لكم من سنتين تقريبا بمشكلة، والحمد الله تجاوزتها.
أنا فتاة في أوائل العشرينيات، متزوجة منذ 7 أشهر، وسأدخل بالثامن بإذن الله تعالى. مشكلتي هي عدم تقبلي لقوانين زوجي رغم أنه كان واضحا منذ البداية، لكن ما شجعني على الموافقة أن كل من حولي يقولون لي: إنه سيتغير، ولكن إلى متى سأستطيع الصبر؟؟
وخلافاتنا باتت يومية؛ فهو لا يريدني أن أعمل، وأيضا ممنوع الخروج وحدي؛ حتى إني أشعر كأني طفلة صغيرة، ربما تقول: إن هذا شيء عادي، وإن أغلب الرجال هكذا، ولكن بالنسبة لي أشعر أني مخنوقة، أريد أن أشعر بذاتي.. بشخصيتي، أريد أن أشعر أني إنسانة منتجة فعالة في ديني ودنياي.
إذن.. فالمشكلة في أنا؛ فأنا التي أكره التحكم كرها شديدا؛ فلقد عودني أبي على أن أخرج متى شئت وأعود متى أشاء، وكنت أعمل، والآن أشعر بفراغ ثقيل جاثم على صدري، حاولت أن أخرج منه بحفظ القرآن، والقراءة رغم أني لا أحبها، وقمت بالبحث عن عمل عن طريق الإنترنت لأُذهب الفراغ، أو أتعلم البرامج، أو أتعلم الخط العربي، أو أشغالا يدوية أو أنتسب لجامعة.
احترت في أي اتجاه أبحث؟ مستعدة لفعل أي شيء مفيد لي ويملأ فراغي، ولكن محاولاتي باءت بالفشل. ناقشت زوجي كثيرا، حاولت أن أتبع كل الوسائل.. تحاورنا أكثر، وكثيرا ما ينتهي حوارنا بشجار وتخاصم، رجوته أن يفهمني، ولكن كان يقول لي: أنا من البداية كنت واضحا. نعم كان واضحا وأنا لا، وهاأنا أتحمل ما فعلته بيدي، هو يريدني أن أحفظ القرآن كله، وأن أتعلم أحكام التجويد، وأنا جيدة ولكن ليس كثيرا بالتجويد، وبعدها أدرس، ولكن هذا يحتاج إلى قوة إرادة وسنوات، وأنا لم أعد أستطيع الانتظار، والفراغ يكاد يقتلني.
حاولت أن أبحث عن أماكن لأتعلم التجويد، ولكن يعوقني موضوع الطريق.. كيف سأذهب؟ وكيف أعود؟ وهو يكون في العمل لا يستطيع أن يوصلني، ولا توجد وسيلة مواصلات. أعرف أنكم ربما تستخفون بمشكلتي، ولكنها تؤرقني كثيرا، أعرف أن لزوجي حسنات كثيرة، وأشعر أحيانا أني ملكت الدنيا بوجوده معي لكن الفراغ.. وأعلم أن العيب فيّ؛ حيث أكره كرها تاما تحكم الرجال، وأحاول أن أسيطر على نفسي ولكن لا أستطيع، ويريدني أيضا أن أضع النقاب، ودائما يُلمح لي، ويُسمعني كلام الشيوخ، لكني أتجاهل الموضوع رغم أني أشعر برغبة في وضعه، لكن أقول في نفسي: حبيسة البيت ومنتقبة؟! لا أستطيع، ولا أدري ما الذي يجعلني لا أضعه؟
أطلت عليكم بمشكلة لا تستحق كل هذا الكلام، لكني أريد النصيحة؛ فلم يعد لي غيركم بعد الله عز وجل؛ حيث إني دائما في مزاج سيئ، ويشعر زوجي بذلك، لكننا صامتان كالعادة؛ لأن كلا منا قال ما عنده؛ فيجب علي أن أتنازل أنا.
إني أنتظر الرد بفارغ الصبر، وإن كان هناك أي شيء غير واضح فأعلموني.
والسلام علكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
25/1/2023
رد المستشار
إن هذا هو ما يحدث في العام الأول للزواج عندما يبدأ الجزء الآخر من الصورة يتضح وينكشف؛ ذلك الجزء الذي يتضمن السلبيات وأوجه الاختلاف.. تلك الأشياء التي كنا نغض الطرف عنها، ربما في مقابل إيجابيات أخرى أكثر أيضا، وفي غمرة السعادة بهذه العلاقة الجديدة التي تشتاق إليها الفطرة البشرية!!
في العام الأول للزوج تبدأ المواجهة مع العيوب أو الاختلافات في الطباع ووجهات النظر.. وتبدأ مع الطرف الآخر ومع النفس أيضا!!
يحاول كل من الزوجين أن يغير من الآخر حينا ومن نفسه حينا آخر حتى يصل كل طرف لأقصى درجة ممكنة من "التغيير"، وربما تستغرق هذه المرحلة السنوات العشر الأولى من الزواج؛ لكي تبدأ بعدها مرحلة "الاستسلام"؛ حيث لا يستطيع المرء تغيير أكثر من ذلك لا في نفسه ولا في الطرف الآخر، أو على الأقل ربما يحدث التغيير بمعدل أبطأ وأضعف.
أنت إذن في بداية رحلة "التغيير"، وعليك ألا تستسلمي مبكرا.. لا تستسلمي "لكل" أفكاره.. وكذلك لا تستسلمي "لكل" أحلامك!!
أحضري ورقة وقلما الآن، واكتبي فيها:
أفكار لزوجي أستسلم لها، وهي: ...
أفكار لزوجي أحاول تغييرها، وهي: ...
أفكار في نفسي أستسلم لها، وهي: ...
أفكار في نفسي أحاول تغييرها، وهي: ...
سأحاول أن أساعدك ببعض الأمثلة المقترحة:
أ- أفكار لزوجي أستسلم لها (مثلا):
- رغبته في ألا أعمل (لأن العمل سيستغرق وقتا طويلا، وسيأتي على حساب البيت والزوج ثم الأولاد).
رغبته في أن أرتدي النقاب (لأن هذا ربما يكون مطمئنا له نفسيا في حالة خروجي من البيت).
ب- أفكار لزوجي سأحاول تغييرها:
-رفضه الخروج بمفردي (لأن هذا سيجعل قيامي بأي نشاط مستحيلا).
-رغبته في أن أتم حفظ القرآن (لأن حفظ القرآن لا يمكن أن يكون بالإجبار).
ت- أفكار في نفسي أستسلم لها:
-إصراري على أن أكون إنسانة فعالة في ديني ودنياي (لأن هذا ما أمرنا به ديننا، وذلك من خلال بعض الأنشطة الاجتماعية أو الخيرية، وليس بالضرورة من خلال العمل).
ث- أفكار في نفسي أحاول تغييرها:
- رفضي "المطلق" لتحكم الرجال؛ فإن المرأة لو جاز لها السجود لغير الله لسجدت لزوجها. وأنا هنا أقصد الرفض "المطلق"، ولكن لا بد من وجود مساحة من التفاوض في ظل جو من الحب وحسن التبعل، تمكنك من التوازن بين محافظتك على بيتك وعلى نفسك أيضا.
ما اقترحته عليك هو مجرد أمثلة قصدت بها أن أساعدك على "طريقة التفكير"، ولكني أترك لك تحديد التفاصيل والاختيارات، مع مراعاة الأسلوب الأمثل لأجل الوصول للمراد.. وتذكري دائما أنه "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه"، وتذكري أيضا أن أقوى ما في المرأة "ضعفها"، وأنها تستطيع بضعفها ورقتها ودموعها أحيانا أن تحقق ما لا يستطيع العنف والعناد والندية الوصول إليه.
وأخيرا... لا تنسي التوجه إلى الله بالدعاء أن يصلح لك زوجك، وأن يصلحك له بإذنه تعالى.