بدأت مشكلتي منذ 4 سنوات، لم أعد كسابق عهدي، أرهقني همي الذي جعل الحياة صعبة لدي، أنا أظن أنني مصابة بسرطان الثدي، أنا خائفة جدا.
أخذت أقرأ عن هذا المرض في الكتب والمواقع، أصبحت ملمة بكل المعلومات المتعلقة به، كرهت كتمان سري، ولا أنوي إخبار أمي؛ لأنها حساسة جدا فهي تبكي عندما يصيب إخوتي سوء، فكيف عندما أخبرها بمرضي؟
أعلم أني أطلت، لكن ساعدوني سأموت من الوسواس قبل التأكد؛
لأني ما زلت أشك في الحقيقة، مع العلم بأن عمري 16 سنة.
27/2/2023
رد المستشار
الأخت السائلة: رغم قصر رسالتك التي تصفين فيها معاناةً دامت 4 سنوات فإن قدرتك على إيصال مشاعرك لنا كانت فوق الممتازة، وجعلتني أختار أن أبدأ بالرد عليك مع أن مشكلتك واحدة من 8 مشكلات عليّ أن أرد عليها الآن.
نحن عادةً ما نقرأ عبارةً كتلك "أعلم أني أطلت، لكن ساعدوني" التي كتبتها في السطر الرابع من إفادتك، نقرؤها بعد صفحة على الأقل من رسالة يبعثها أحد أصدقاء استشارات مجانين للشباب، ونعتبرها نوعًا من الاعتذار مع أننا نادرًا ما نشتكي من طول السؤال، لكن هذه العبارة في إفادتك إنما تشير إلى مشكلة أخرى هي إحساسك غير الصحيح بأنك ثقيلة على الآخرين.
إحساسك الخاطئ هذا لا نستطيع فهمه إلا من خلال ما يستشف من ثنايا سطورك الخمسة التي هي كل إفادتك، وهذا الذي يستشف هو الاكتئاب الجسيم Major Depression، فرغم أنك لم تعطينا ما يكفي من المعلومات لتشخيص اضطراب الاكتئاب الجسيم إلا أن الاكتئاب متوقع في حالتك خاصةً بعد 4 سنوات من الكتمان، إضافةً إلى تعبيرك عن تأثير مرضك على حياتك عندما قلت في إفادتك (لم أعد كسابق عهدي، أرهقني همي الذي جعل الحياة صعبة لدي).
وعند هذه النقطة أحيلك إلى قراءة الارتباطات التالية من الموقع لكي تعرفي ما هو الاكتئاب؟ وكيف يعالج؟ ومتى يجب أخذ عقار للاكتئاب؟
أما الاضطراب الأصلي الذي تعانين منه فهو اضطراب توهم العلل البدنية أو وسواس المرض (أو ما يسمى بالاضطراب المـراقي Hypochondriacal Disorder ) فهو المثال الأقرب حتى في أذهان العامة للوسواس القهري فكثيرًا ما يجيء مريض المراق ليقول لطبيبه النفساني إن لديه وسواس المرض أو وسواسًا مرضيا، ويظهر بعد القليل من الكلام مع الطبيب أنه يعاني من مرض توهم العلل البدنية؛ فهذا مريض تتسلط عليه فكرة، مؤداها أن لديه مرضًا عضويا ما من الأمراض الخطيرة، كأمراض القلب أو السرطان أو الإيدز أو جنون البقر، وهو لا يستطيع التخلص من هذه الفكرة مهما حاول، ومهما طمأنه الأطباء ومهما أجروا له من الفحوص الطبية التي تثبت خلوه من المرض الذي يتوهم أنه مصاب به.
وعادةً ما تبدأ الحالة في أعقاب سماع المريض لمعلومات عن أي من الأمراض خاصةً في وسائل الإعلام المختلفة، أو عن مرض أصاب أحد أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه، ونستطيع من خلال الخبرة العملية في الطب النفساني أن نصنف مرض المراق أو وسواس المرض إلى 3 أصناف: الأول هو مريض المراق الوسواسي: وهو الذي تأخذ أعراض وسواس المرض فيه شكل أعراض اضطراب الوسواس القهري، إلا أن محتوى تلك الأعراض يكون متعلقًا كله بالفكرة الأساسية وهي أن لديه مرضًا خطيرًا ما، فهناك إذن فكرة تسلطية يمكن أن تأخذ مرةً شكل مرض في القلب أو مرض في الكلى أو أن الشخص مصاب بالسرطان أو بالإيدز أو غير ذلك، وهناك فعل التنقل بين الأطباء، وإجراء الفحوص الطبية المختلفة والمتتالية التي تمثل الأفعال القهرية، وهذه الفحوص في كل مرة تثبت خلوه من الأمراض، لكنه رغم ذلك لا يطمئن، وهذا هو مريض المراق الذي يدور بين الأطباء والمستشفيات ساعيا للاطمئنان، لكنه لا يطمئن اللهم قليلاً في أعقاب كل كشف يقوم به طبيب، أو فحص تُظهر نتيجتُه خلوَّه من المرض الذي يخاف منه.
الثاني: هو مريض المراق الرهابي: وهو الذي تأخذ الأعراض فيه شكل أعراض الرهاب والتي تتمثل أساسًا في التجنب التام لكل ما قد يتسبب في إثارة قلقه ومخاوفه (وهو في هذه الحالة تجنب الأطباء والمستشفيات خوفًا من أن يكتشف أو يتأكد من المرض الخطير)، وهنا نجد مريضًا بتوهم المرض، لكنه يتجنب الأطباء، ويعيش في معاناة مستمرة رغم ذلك لأنه لا يستطيع الخلاص من فكرة أن لديه مرضًا خطيرًا، لكنه في نفس الوقت يخاف من أن تتأكد تلك الفكرة، ومن هذه النوعية بعض الحالات التي يكون فيها المريض مصابًا بمرض جسدي آخر يحتاج إلى متابعة طبية كارتفاع ضغط الدم أو السكر، لكنه يخاف من الأطباء ويتجنبهم.
ومن بين الأمثلة العملية التي قابلتها مريض سمع برنامجًا تليفزيونيا عن مرض جنون البقر وأعراضه، وبدأت فكرة أنه مصاب بجنون البقر تهاجمه وتقحم نفسها في وعيه، وقد كان يعاني من نوبات شعور بالإرهاق والكسل، رغم أنه لم يبذل أي مجهود، وقد رأى في ذلك ما يثبت أنه مصاب بجنون البقر، وأن هذا هو أحد العلامات المبكرة، ولم تفده طمأنة أصدقائه، ولا أعضاء أسرته، ولا 7 أطباء قام بزيارتهم، وبدأ يخاف من أكل لحوم البقر! بل إنه كان يتجنب الجلوس على مائدة عليها من يأكلونه، وكان عادةً ما يحس بالدوخة والرغبة في التقيؤ مع خوف وتوتر شديدين إذا رأى من يأكلون لحوم البقر، وكان فضل الله عظيما إذ تحسنت أعراضه تماما بعد فترة من استخدامه لأحد العقاقير المستخدمة في علاج الوسواس القهري "الم.ا.س.ا SSRIs".
ولم تبيني أنت لنا بالطبع في إفادتك القصيرة إن كنت قد قمت بالكشف لدى الطبيب أم لا؟ وهل تريدين العرض على الطبيب لكنك لا تستطيعين لأنك لم تخبري أهلك؟ أم أنك تتجنبين الأطباء والمستشفيات؟. ونحن لهذا السبب لا نستطيع تصنيف حالتك، ولعل فيما قمت به من بحث على الإنترنت، وقراءة لكل المعلومات عن السرطان ما يجعلنا نميل إلى وضعك تحت النوع الوسواسي من مرضى المراق، وإن كانت الكلمة الأخيرة الفاصلة للطبيب النفساني الذي يسمعك ويراك مباشرة.
وأما النوع الثالث: فهو مريض المراق الاكتئابي: وهو مريض عادةً ما يكون جوهر اضطرابه هو الشعور المبالغ فيه بالذنب بسبب خطأ ما وقع فيه، بحيث يكون المرض الخطير الذي أصابه في رأيه هو العقاب العادل من السماء، ومن بين هؤلاء المرضى من يستسلمون تماما لفكرة إصابتهم بالمرض الخطير فيبقونها سرا، ومن بينهم من يتجنب الفحص لدى الطبيب؛ لأنه لا يرى داعيًا لفرط اقتناعه بأن هذا هو العقاب العادل الواضح من السماء.
ويتأرجح مدى اقتناع المريض بفكرة أنه مصاب بمرض خطير بداية من الحد الذي يجعله رافضًا وعاجزًا في نفس الوقت عن التخلص منها، بحيث ينطبق عليها تعريف الفكرة التسلطية إلى الحد الذي يجعله مقتنعًا بها فينطبق عليها تعريف الفكرة الضلالية - كما سنبين فيما بعد -وفي هذه الحالة بالطبع لا يكون التشخيص هو اضطراب توهم العلل البدنية، وإنما يصبح اضطرابًا ضلاليا، وقد بينت إحدى الدراسات أن نسبة 8 % من مرضى المراق يصابون خلال حياتهم باضطراب الوسواس القهري. وهكذا، فالاكتئاب هنا يمكن أن يكون سببًا، ويمكن أن يكون نتيجةً وحسب ما يُستشف في حالتك، فهو أقرب إلى أن يكون نتيجة، المهم أنك بحاجة إلى مساعدة من طبيب نفسي مختص؛ لأن حالتك قابلة للعلاج، ومن فضل الله عليك وعلينا كأطباء نفسانيين أن علاج حالتك ميسور باستخدام أحد عقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا التي تعالج الاكتئاب والأفكار التسلطية، ومنها فكرة أنك تعانين من السرطان - عافاك الله وعافانا - وعليك إذا أردت أن تعرفي كل شيء عن عقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا أن تقرئي هذه الردود السابقة لنا على صفحة استشارات مجانين:
• الم.ا.س والم.ا.س.ا واحتمال الخطأ
• (م.ا.س) و(م.ا.س.ا) .. هل "يخربطوا" الدماغ
• الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواس
وقد تحتاجين إلى جرعة من الم.ا.س أو الم.ا.س.ا أعلى من الجرعة المطلوبة لعلاج الاكتئاب وأعلى أيضًا من جرعة علاج الوسواس القهري، كما أنك قد تحتاجين إلى علاج سلوكي معرفي، وكل هذه الأمور لا يستطيع تقريرها إلا الطبيب النفساني الذي يراك من قرب، ويحدد لك الصالح لعلاجك، فلا تترددي في طلبه بسرعة، عليك إذن أن تلجئي إلى أحد أفراد أسرتك المقربين وأن تصارحيه بوساوسك، وباستشارتك لنا، ونصيحتنا لك بطلب العلاج،
وإن شاء الله يُكتب لك الشفاء الدائم، وتابعينا بأخبارك.