المؤثرات وتفسيرها: برمجة العقل، وتشكيل المشاعر م. مستشار7
أنا عايزة حل!
أنا عندي 16 سنة وكنت متفوقة في الدراسة من صغري وتفكيري سابق سني في بعض الحاجات وعندي أحلام كبيرة جدا نفسي أحققها زي أني أسافر وأشتغل وأجتهد وكان دايما جوايا يقين أني أقدر أعمل ده كله وأوصله... أنا أمي اتطلقت من أبويا وأنا عندي سنة هو سابنا وأنا مش عارفة شكله حتى وبعدها اتجوزت من واحد تاني وأنا خمس سنين والحقيقة هو عيشنا في مستوي عالي وعمري ما طلبت حاجة إلا وكانت عندي ومش أساء لي في أي حاجة كبيرة ممكن تتقال بس أنا عمري ما حبيته وأنا صغيره بس أما كبرت شوية بالعكس شوفته إنسان عظيم جدا وبقيت بأخذه قدوتي في حاجات كتير
بس برضو فضل عندي كره لفكرة أنه موجود بسبب إن أبويا ذات نفسه مش عايزني ولا عمره فكر يسأل عليا فإزاي شخص غريب بيحبني زي بنته وفضل جوايا الشعور بالضعف وأنه واحد غريب بيصرف عليا لدرجة إن ده خلاني نفسي أمشي من البيت بأي شكل وفي آخر تالتة إعدادي سمعت عن مدرسة داخلية بتاخد الطلاب المتفوقين وفعلا قدمت عليها وعديت امتحاناتها وكنت كمان من أول 100 على مستوى الجمهورية بس مشكلتها إنه لازم أبات في المدرسة في حتة زي السكن الجامعي وبالرغم من أني عارفة إنه شخصيتي منغلقة لحد كبير وبفضل الخصوصية وكمان أنا كنت بخاف من الناس جدا من وأنا صغيرة (وبكره الموضوع ده في نفسي أوي) بس قولت هكمل في المدرسة عشان تبقى بداية أني أعتمد على نفسي وفعلا رحت بس بعد شهر واحد مقدرتش أكمل فيها لأني حسيت فجأة أني لوحدي مع أنه اتعرفت على ناس كتير جدا هناك في وقت قصير وكانوا دايما جمبي بس مقدرتش أني أفضل بعيد عن البيت مع أنه هو نفس البيت اللي طول عمري كنت بتمنى أني أسيبه عشان طول ما أنا فيه بحس بالضعف أنه حد مش من أهلي بيصرف عليا.
ومن أول ما رجعت من المدرسة دي وأنا كل حاجة اتغيرت معايا شعوري بالضعف اللي بكرهه جدا زاد أكتر لأني مقدرتش أكمل واعتمد على نفسي وبعد ما كنت بدأت أكون علاقات اجتماعية بقيت بتجنب الناس تماما وانعزلت على نفسي أكتر ودراستي اللي مش بقيت بفتح الكتاب غير ليلة الامتحان غير أني كنت برسم وبحب الأفلام بعدها كرهت الرسم والأفلام وعلاقتي بربنا ونظرتي للدين اللي اتحولت 180 درجة وأنا في إعدادي كنت بصلي الفجر في وقته حتى لو في الشتاء دلوقتي أنا اصلا مش بصلي وبعمل أي حاجة عكس الدين وخلاص زي أني بقيت بشوف أفلام إباحية من وقت للتاني أو بقعد أسمع موسيقى مع كرهي ليها في الأساس بس عشان حرام وخلاص فبسمعها
الكلام ده كله كان من سنة وشهرين وبعد ما سبت المدرسة دي والحالة الغريبة اللي بقيت فيها غير إن نومي وصل ل 12 ساعة ووزني قل لقيت من النت إن دي علامات اكتئاب المهم أني فضلت كده حوالي شهرين أو تلاتة لدرجة إنه كنت ممكن أقعد أيام بفكر أني أنتحر لحد ما مرة قعدت على سور شباك الأوضة بس خفت على آخر لحظة وبعدها بفترة ابتدت أجازة آخر السنة وقولت أنا لازم أطلع من الحالة وأعمل أي حاجة وفعلا بدأت أحسن الانجليزي بتاعي وشاركت في مسابقة عالمية والغريب أني اتأهلت لحد آخر مرحلة وكنت من 500 على مستوي العالم من ضمن آلاف قدموا ونزلت كمان اتطوعت في جمعية خيرية عشان أتعامل مع الناس بس هو شهر واحد بس ورجعت لحالة الاكتئاب تاني لما شوفت ولد كان معايا في إعدادي وعرفت أنه دخل نفس المدرسة الداخلي ومبسوط فيها ساعتها سبت المكان اللي كنت فيه وطلعت أمشي في الشارع لوحدي وأنا بفكر أرمي نفسي قدام أي عربية ولا لأ
ورجعت تاني لفكرة الانتحار ومن بعدها ووقفت كل حاجة كنت عملتها وكان عندي فكرة مشروع بسيطة على النت بس مكملتهاش وانعزلت على نفسي أكتر من المرة الأولي لمدة شهرين لغاية ما أمي بقت بتتخانق معايا على اللي أنا فيه وساعتها زوج أمي زعق ليا أنا كمان واتخانق معايا جامد كان أول مرة يعلي صوته عليا ساعتها حسيت بالضعف أكتر من الأول مع أنه قعد يكلمني بهدوء بعدها وقعد يقنعني إني لازم أطلع من اللي أنا فيه وبعدها حسيت أني لو فضلت كده أمي هتتعب مني جامد فقررت بين نفسي أنه هعمل اللي هما عايزينه وأنزل المدرسة لأني مكنتش بروح بعد أما سبت المدرسة الداخلية وأذاكر قدامهم وخلاص وعدى على الكلام ده حوالي خمس شهور بس أنا ماتحسنتش أنا بس مش بقيت بفكر في أي حاجة عشان مش يحصلي كده تاني ويكبروا الموضوع ونعيد كل ده ومبقتش عايزة أذاكر أساسا وحتى أنا دلوقتي مش عارفة أنا هدخل كلية إيه أو إيه أحلامي أنا المفروض السنة الجاية أختار إذا كنت هبقى علمي رياضة ولا علوم بس أنا حتى مش بقى فارق معايا كل حاجة زي بعضها
حتى بقيت بشوف اللي أقل مني في كل حاجة في مستوى اجتماعي واقتصادي وحتى فكريا بقوا أحسن مني في دراستهم وحياتهم دلوقتي وأنا في حالتي دي مش قادرة أقوم أذاكر حتى أنا بعت لكم عشان مش بقيت عارفة أعمل إيه بقيت عايشة اليوم من غير أي هدف فيه بستناه يخلص عشان أنام وأصحى أعيد اليوم تاني... أنا مش عايزة أنتحر عشان هتعذب في الآخرة ولا عايزة ألتزم بديني لأنه في حاجة بتمنعني من كده مش عارفة إيه ولا عايزة أفكر حتى في مستقبلي لأنه مش بقى عندي أي حلم عايزه أوصله ومش هعرف أروح لأمي أقولها بنتك عايزة تتكلم مع دكتور نفساني لأني مش هستحمل أشوف نظرتها ليا بعد كده
غير أني مش عايزة أخلي على جوز أمي مصاريف زيادة من ناحيتي حتى مع حالته المادية الكويسة جدا أنا بس عايزة منكم خطوات محددة أعملها عشان مش أدخل في حالة اكتئاب تاني الله أعلم هخرج منها عايشة ولا لأ ... وشكرا لو حد قرأ الرسالة.
20/2/2023
رد المستشار
الابنة السائلة
رسالتك رائعة من جهة كونها نموذج مثالي لما يجري داخل أدمغتنا، ونعيش بسببه في سلام ونعيم نفسي مقيم أو يوردنا المهالك، ويصعب علينا المسالك، وقد أحسنت في عرضه.
مؤخرا كنت أشرح لطلاب الفرقة الثانية بكلية الطب درسا حول موضوع المشاعر في مقرر علم النفس، مستعرضا تطور النظريات التي وضعها العلماء في تفسير كيف تحصل المشاعر، وعلاقتها بالأحاسيس الجسدية، والسلوكيات ثم بالأفكار المهيمنة، وتذكرتك ورسالتك وأنا أشرح للطلاب عن النقلة الحديثة نسبيا التي حصلت في هذه النظريات والتي أضافتها النظرية المعرفية بالتنبيه إلى أن كل إنسان يساهم في توجيه مشاعره وبرمجة عالمه الداخلي عبر استجاباته وتفسيراته لما يقع له من أحداث، وما يتعرض له من مؤثرات!!
أتناول اليوم هذه الجزئية المفتاحية التي تمثل مدخلا مهما لمحاولاتنا في فهم أنفسنا وإدارة عوالمنا الداخلية وعلاقاتنا بالعالم.
أعطي مثالا من قصتك:
والدك طلق والدتك -هذه هي الواقعة أو الحقيقة الواقعية التي حدثت، لكن هل لديك تحقيق وتعميق وتدقيق لظروف هذا الطلاق وملابساته وسياقاته وتقديرات ومواقف طرفي هذه العلاقة التي انفصمت وتطورها المؤدي للطلاق؟؟
لقد كنت طفلة صغيرة السن جدا، وليس لديك مصادر معلومات، وحتى إذا روت لك أمك شيئا فإن ما ذكرته يظل ناقصا ومتحيزا لا يمثل سوى جزء من وجهة نظر طرف من طرفي علاقة!! لكن كيف كانت استجابتك؟؟ كيف كان تفسيرك لتلك الواقعة؟ وما هي القصص التي بدأت في نسجها حول هذا الحدث؟ كأنك تروين قصة كالتالي: والدي طلق والدتي وتركني وأنا طفلة لأنه يرفضني، بالتالي أنا مرفوضة مكروهة منبوذة، وأنا غير مهمة لأحد، وليس لوجودي أية قيمة، وبالتالي يتمكن منك شعور بالضعف مبني على هذه المقدمات التي تراكمينها في دماغك، ورغم أن زوج أمك مهتم بك وينفق عليك، لكنك لا ترين هذا شيئا جديرا بالامتنان ولا يعني عندك أنك موضع اهتمام من أحد أقاربك لأن زوج أمك هو قريبك .. شئنا أم أبينا.
شعور الضعف المترتب على حكاياتك عن نفسك دفعك إلى قرار بمغادرة البيت الذي تعيشين فيه إلى سكن داخلي تصورت أنه أفضل وأنسب لك... ولم يكن تقديرك في محله، وهذا حدث عادي متكرر، فكلنا يخطئ التقدير ثم نكتشف طبيعة قدراتنا، أو أن ما ظنناه يناسبنا لم يكن كذلك، وإساءة التقدير جزء من رحلتنا ومسيرة نضجنا وتعلمنا، لكنه عندك صار علامة جديدة على الفشل والضعف، وبقية الباقة المصاحبة للمشاعر والأفكار المتشابكة التي تحبسين نفسك بداخلها بوصفها واقع حياتك وما هي إلا من صنع دماغك حين تستسلمين لتفسيرات وتأويلات وحكايات بعينها.. تحكينها لنفسك عن نفسك وعن العالم متوهمة أنها حقائق!!
مثال ثالث..
لديك تساؤلات وشكوك وارتباكات في رؤيتك لنفسك، وفي علاقتك بالله، وهذا متوقع جدا في مرحلتك العمرية، وظروفك الحياتية، وقصصك المحكية داخلك، أي في الأجواء المسيطرة عل عالمك الداخلي، وبدلا من السعي للقراءة والتعلم والسير للتعرف على الله بشكل يقظ وحي ونابض وربما يختلف عن الإيمان الشكلي الشائع، بدلا من ممارسة السؤال والبحث عن إجابات والصبر على البحث والتقصي والتعمق في نقد الإيمان التسطيحي وصولا لآفاق وأعماق أبعد وأوسع ... بدلا من هذا تذهبين وتستسلمين لتفسيرات تقررين بناءا عليها التوقف عن العبادات وتعطيل التواصل والتوغل في ابتعاد وانفصال سيشعرك أكثر بالوحدة والألم الوجودي والجفاف الروحي!!!
إن تراكم الحكايات والتفسيرات المحزنة يغرقك في دوامات تنهكك وتحجبك عن الاستمتاع بمساحات كثيرة موجودة في حياتك ومساحات أخرى ممكنة لكن بينك وبينها حواجز وفجوات، وبدلا من مسار النمو والنضج الممكن تسلمك تفسيراتك لعملية متدرجة مما يشبه الذبول أو الهدم الذاتي.. ويزداد الطين بلة إذا كنت محاطة بشبكات من الأفكار والأفراد تغذي تصوراتك السلبية وحكاياتك المحزنة.
تقول بعض نظريات الإعلام والاتصال أننا لا نتفاعل مع الأحداث مباشرة ولكن مع تفسيرات وتحليلات قادة الرأي لها.. أي أن هناك من يحدد لنا معنى معين للحدث، ونسير وراءه.. وممكن أن نقوم نحن أو يقوم جزء بداخلنا بنفس المهمة.. مهمة التفسير والتحليل على وجه معين ليأخذنا في مسار بناءً على التفسير لا الحدث!! هكذا نتبرمج ذاتيا ونجهز أنفسنا للضعف والإخفاق بنسج قصص وتفسيرات عن ضعفنا وفشلنا فنصبح مثل صاحب النبوءة التي تحقق نفسها.
لست وحدك من تقوم بهذا، بل مثلك كثيرون يشيدون لأنفسهم عوالما تعيسة ثم يندبون حظوظهم في الحياة!!
لكنك تحاولين كسر هذا الحصار، والخروج من تلك المتاهة، وتبحثين عن حل أو سبيل، وما تبحثين عنه ليس مجرد قرص دواء، أو قائمة من النصائح، ولكن رحلة استكشاف ومراجعات وتعلم وتصحيح وتغيير ونضج ونمو.
وأرجو هنا أن أكون قد أفدت بشيء مما تطمحين إليه .. ودمت بخير والسلام.
ويتبع>>>: المؤثرات وتفسيرها: برمجة العقل، وتشكيل المشاعر م. مستشار9