بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تتلخص في أنني أنهيت دراستي في مجال السياحة، وأعمل في شركة استيراد وتصدير ، وأحب شخصا من بلد عربي يكمل دراسات عليا في الصحافة، وأحبه جداً وهو أيضاً يحبني.
ولكن أهله يرفضون زواجه من فتاة من جنسية أخرى، وأنا أحبه جدًّا، ولا أعرف ماذا أفعل؟ لا أستطيع الحياة من دونه؟
ماذا أفعل أغيثوني... أحبه جدًّا، وأريد أن أتزوجه في الحلال.
6/2/2023
رد المستشار
الأخت الحبيبة.. تتألمين وتعانين من الحب، الحب هذا الساحر الغامض الذي يدغدغ المشاعر ويذهب بالألباب، الحب الذي حير الشعراء منذ قديم الأزل، يؤلمنا، ولكنا دوما نستعذب آلامه، هذا الحب طاقة هائلة لو أحسنا استغلالها لدفعتنا إلى المعالي وصنعنا المعجزات.
والحب إما أن يبدأ مثل النبتة الصغيرة التي تحتاج إلى النور والرعاية والاهتمام والعطاء المتبادل حتى تصبح شجرة يانعة راسخة الجذور، وتؤتي ثمارها بإذن الله، ولو أهملت هذه النبتة الصغيرة لذبلت وماتت، وإما أن يبدأ كالجذوة المشتعلة، هذه الجذوة يمكن أن تكون طاقة مفيدة إذا أحطناها بسياج العقل، ويمكن أن تنتشر منها الشرارات الحارقة والمدمرة إذا لم تُحط بهذا السياج، وتزداد هذه الجذوة اشتعالا إذا مددنا لها الأيدي بالرعاية والوقود اللازم، ويخفت لهيبها إذا سكبنا عليها الماء... وحبك لهذا الشاب بدايته في قلبك كهذه الجذوة المشتعلة، ولا نعرف مشاعره هو لأنه لم يتواصل معنا.
المهم أن مشكلتكما حلها بين أيديكما، ودورك فيها مع نفسك، ودوره مع نفسه أولا ثم مع أهله، فإذا كان يحبك فعلا ويرتضيك زوجة له وكان اختياره هذا مبنيا على الاعتبارات العقلية والقلبية معا، ووجد أنك الأنسب لظروفه فإن عليه أن يجاهد جهاد العاشقين وأن يستعمل كل الوسائل الممكنة لإقناع أهله، بداية من محاولة الإقناع بالحسنى، وذكر مزاياك وخصالك، والتأكيد على أنه لن يرتضي لنفسه زوجة غيرك، وتوضيح أنه درس الظروف جيدا ووجد أنه - رغم كونك من بلد غير بلده – إلا أنك الأنسب له، ويبدأ بمن يعلم أن استجابته ستكون أيسر؛ حتى يقلل من جبهة الرفض ويزيد من المؤيدين، ويمكنه أيضا الاستعانة بمن له كلمة عندهم من الأقارب والأصدقاء، ولا ينسى قبل كل شيء الاستعانة بالله فهو خير معين، ويمكنه إذا لم يجد الاستجابة الكافية أن يكتفي بتحييد موقفهم.
هذا دوره هو، وهو دور هام وحيوي كما ترين، ولكن ليس لك يد فيه في هذه المرحلة، وحتى يتضح موقفه وموقف أهله عليك بتجنب اللقاء المنفرد معه، لاعتبارات كثيرة أهمها:
1- أن هذا لا يجوز شرعا، وقد تتنازلين عن أمور تندمين عليها بعد ذلك.
2- أن هذا يتيح لك أن تستغلي هذه الفترة في حسم أمرك مع نفسك؛ وذلك من خلال النظر في محورين أساسيين:
أولا: وهو ما ننصح به كل مقبل ومقبلة على الارتباط، اسألي نفسك: هل أعرف هذا الشاب جيدا؟ ما هي مميزاته؟ وما هي عيوبه؟ وهل يمكنني التعايش والتأقلم مع هذه العيوب؟ ولا بد من التدقيق والتمحيص وتحكيم العقل؛ لأن "حبك الشيء يعمي ويصم" و"عين الرضى عن كل عيب كليلة".
ثانيا: النظر إلى كونه ليس من بلدك بعين الاعتبار، فلبلده تقاليد وثقافات تخالف ما درجت عليه، فهل ستنتقلين للعيش معه؟ وهل سيمكنك التأقلم مع أهله وتقاليد بلده؟ أم أنه سيعيش معك؟ وهل سيكون من السهل عليك أن تتركي أهلك؟ الأمر يحتاج إلى حكمة كبيرة، ولن يختار لك أحد، ما يمكننا فعله أن نرشدك والاختيار لك في نهاية الأمر، فاستخيري ربك فهو خير معين، واعرضي هذه الأسئلة على عقلك، فإذا كانت إجابات هذه الأسئلة لصالح الارتباط به، وتمكّن هو من إقناع أهله، فاعزمي أمرك وتوكلي على الله، ونسأل الله أن يرزقكما سعادة الدنيا والآخرة.
وإن كان الأمر غير ذلك، فلم تكن إجابات الأسئلة لصالح الارتباط به أو لم يستطع هو إقناع أهله، فعليك ساعتها أن تكفّي عن سكب الوقود على جذوة النار المشتعلة، فلا محادثات ولا مقابلات، وكفي عن التفكير فيه، وانشغلي بالعمل أو الأنشطة الاجتماعية، نعلم أن الأمر سيكون في بدايته مؤلما قليلا، ولكن الاستعانة بالله تخفف كثيرا من هذه الآلام، والزمن كفيل بإطفاء هذه الجذوة ومداواة الجراح، ولا أنصحك بالارتباط بغيره حتى تبرئي من آثار هذا الحب الأول، وعندها سيرزقك الله حبا أكثر نضجا وأعذب طعما، والقلب قادر على أن يحب أكثر من مرة، وما سُمي قلبا إلا لكونه كثير التقلب.
ويمكنك مراجعة إجابات سابقة على هذه الصفحة ومنها:
مراهقة بعد العشرين: هل المشكلة رفض الأهل؟ م1
رفض الأهل.. منطق الاحتلال
زواج الثقافات: جدل الشمال والجنوب
زواج الثقافات: أهم من لون الجلد