المؤثرات وتفسيرها: برمجة العقل، وتشكيل المشاعر م. مستشار8
أنا عايزة حل!
أنا عندي 16 سنة وكنت متفوقة في الدراسة من صغري وتفكيري سابق سني في بعض الحاجات وعندي أحلام كبيرة جدا نفسي أحققها زي أني أسافر وأشتغل وأجتهد وكان دايما جوايا يقين أني أقدر أعمل ده كله وأوصله... أنا أمي اتطلقت من أبويا وأنا عندي سنة هو سابنا وأنا مش عارفة شكله حتى وبعدها اتجوزت من واحد تاني وأنا خمس سنين والحقيقة هو عيشنا في مستوي عالي وعمري ما طلبت حاجة إلا وكانت عندي ومش أساء لي في أي حاجة كبيرة ممكن تتقال بس أنا عمري ما حبيته وأنا صغيره بس أما كبرت شوية بالعكس شوفته إنسان عظيم جدا وبقيت بأخذه قدوتي في حاجات كتير
بس برضو فضل عندي كره لفكرة أنه موجود بسبب إن أبويا ذات نفسه مش عايزني ولا عمره فكر يسأل عليا فإزاي شخص غريب بيحبني زي بنته وفضل جوايا الشعور بالضعف وأنه واحد غريب بيصرف عليا لدرجة إن ده خلاني نفسي أمشي من البيت بأي شكل وفي آخر تالتة إعدادي سمعت عن مدرسة داخلية بتاخد الطلاب المتفوقين وفعلا قدمت عليها وعديت امتحاناتها وكنت كمان من أول 100 على مستوى الجمهورية بس مشكلتها إنه لازم أبات في المدرسة في حتة زي السكن الجامعي وبالرغم من أني عارفة إنه شخصيتي منغلقة لحد كبير وبفضل الخصوصية وكمان أنا كنت بخاف من الناس جدا من وأنا صغيرة (وبكره الموضوع ده في نفسي أوي) بس قولت هكمل في المدرسة عشان تبقى بداية أني أعتمد على نفسي وفعلا رحت بس بعد شهر واحد مقدرتش أكمل فيها لأني حسيت فجأة أني لوحدي مع أنه اتعرفت على ناس كتير جدا هناك في وقت قصير وكانوا دايما جمبي بس مقدرتش أني أفضل بعيد عن البيت مع أنه هو نفس البيت اللي طول عمري كنت بتمنى أني أسيبه عشان طول ما أنا فيه بحس بالضعف أنه حد مش من أهلي بيصرف عليا.
ومن أول ما رجعت من المدرسة دي وأنا كل حاجة اتغيرت معايا شعوري بالضعف اللي بكرهه جدا زاد أكتر لأني مقدرتش أكمل واعتمد على نفسي وبعد ما كنت بدأت أكون علاقات اجتماعية بقيت بتجنب الناس تماما وانعزلت على نفسي أكتر ودراستي اللي مش بقيت بفتح الكتاب غير ليلة الامتحان غير أني كنت برسم وبحب الأفلام بعدها كرهت الرسم والأفلام وعلاقتي بربنا ونظرتي للدين اللي اتحولت 180 درجة وأنا في إعدادي كنت بصلي الفجر في وقته حتى لو في الشتاء دلوقتي أنا اصلا مش بصلي وبعمل أي حاجة عكس الدين وخلاص زي أني بقيت بشوف أفلام إباحية من وقت للتاني أو بقعد أسمع موسيقى مع كرهي ليها في الأساس بس عشان حرام وخلاص فبسمعها
الكلام ده كله كان من سنة وشهرين وبعد ما سبت المدرسة دي والحالة الغريبة اللي بقيت فيها غير إن نومي وصل ل 12 ساعة ووزني قل لقيت من النت إن دي علامات اكتئاب المهم أني فضلت كده حوالي شهرين أو تلاتة لدرجة إنه كنت ممكن أقعد أيام بفكر أني أنتحر لحد ما مرة قعدت على سور شباك الأوضة بس خفت على آخر لحظة وبعدها بفترة ابتدت أجازة آخر السنة وقولت أنا لازم أطلع من الحالة وأعمل أي حاجة وفعلا بدأت أحسن الانجليزي بتاعي وشاركت في مسابقة عالمية والغريب أني اتأهلت لحد آخر مرحلة وكنت من 500 على مستوي العالم من ضمن آلاف قدموا ونزلت كمان اتطوعت في جمعية خيرية عشان أتعامل مع الناس بس هو شهر واحد بس ورجعت لحالة الاكتئاب تاني لما شوفت ولد كان معايا في إعدادي وعرفت أنه دخل نفس المدرسة الداخلي ومبسوط فيها ساعتها سبت المكان اللي كنت فيه وطلعت أمشي في الشارع لوحدي وأنا بفكر أرمي نفسي قدام أي عربية ولا لأ
ورجعت تاني لفكرة الانتحار ومن بعدها ووقفت كل حاجة كنت عملتها وكان عندي فكرة مشروع بسيطة على النت بس مكملتهاش وانعزلت على نفسي أكتر من المرة الأولي لمدة شهرين لغاية ما أمي بقت بتتخانق معايا على اللي أنا فيه وساعتها زوج أمي زعق ليا أنا كمان واتخانق معايا جامد كان أول مرة يعلي صوته عليا ساعتها حسيت بالضعف أكتر من الأول مع أنه قعد يكلمني بهدوء بعدها وقعد يقنعني إني لازم أطلع من اللي أنا فيه وبعدها حسيت أني لو فضلت كده أمي هتتعب مني جامد فقررت بين نفسي أنه هعمل اللي هما عايزينه وأنزل المدرسة لأني مكنتش بروح بعد أما سبت المدرسة الداخلية وأذاكر قدامهم وخلاص وعدى على الكلام ده حوالي خمس شهور بس أنا ماتحسنتش أنا بس مش بقيت بفكر في أي حاجة عشان مش يحصلي كده تاني ويكبروا الموضوع ونعيد كل ده ومبقتش عايزة أذاكر أساسا وحتى أنا دلوقتي مش عارفة أنا هدخل كلية إيه أو إيه أحلامي أنا المفروض السنة الجاية أختار إذا كنت هبقى علمي رياضة ولا علوم بس أنا حتى مش بقى فارق معايا كل حاجة زي بعضها
حتى بقيت بشوف اللي أقل مني في كل حاجة في مستوى اجتماعي واقتصادي وحتى فكريا بقوا أحسن مني في دراستهم وحياتهم دلوقتي وأنا في حالتي دي مش قادرة أقوم أذاكر حتى أنا بعت لكم عشان مش بقيت عارفة أعمل إيه بقيت عايشة اليوم من غير أي هدف فيه بستناه يخلص عشان أنام وأصحى أعيد اليوم تاني... أنا مش عايزة أنتحر عشان هتعذب في الآخرة ولا عايزة ألتزم بديني لأنه في حاجة بتمنعني من كده مش عارفة إيه ولا عايزة أفكر حتى في مستقبلي لأنه مش بقى عندي أي حلم عايزه أوصله ومش هعرف أروح لأمي أقولها بنتك عايزة تتكلم مع دكتور نفساني لأني مش هستحمل أشوف نظرتها ليا بعد كده
غير أني مش عايزة أخلي على جوز أمي مصاريف زيادة من ناحيتي حتى مع حالته المادية الكويسة جدا أنا بس عايزة منكم خطوات محددة أعملها عشان مش أدخل في حالة اكتئاب تاني الله أعلم هخرج منها عايشة ولا لأ ... وشكرا لو حد قرأ الرسالة.
25/2/2023
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الكريمة "نور" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أهلا وسهلا بك في موقعك، ونحن نرحب دوما بأسئلتك واستفساراتك، ونعتذر لك عن التأخر في الرد على رسالتك لكثرة المشاغل والارتباطات.
ابنتي الكريمة: بداية، هناك بعض الأمور أود أن أوضحها لك والتي ربما لم تتبين لك لصغر سنك ونقص خبرتك في الحياة. الزواج – يا ابنتي – من مطلقة أو أرملة لها أبناء ليس بالأمر الهين على الرجل حيث يضع هذا الزواج مسؤوليات على عاتق زوج الأم، ومسؤولية زوج الأمِّ تظل قائمة تجاه أبناء الزوجة – خاصة إذا كانوا أطفالا صغارا – للحفاظ على استقرار الأسرة باعتباره زوجاً لأمّهم وفرداً من أفراد أسرتهم.
من هذه المسؤوليات أن يكون زوج الأمّ "أبا بديلا" خاصّةً في حالات الزواج من سيدة لها أبناء صغار، حيث يعتبر زوج الأمّ بديلاً عن الأب الحقيقي، هذا لا يعني أن يجبر زوج الأم أبناء زوجته على معاملته كأبٍ لهم؛ لكنه يفكر دائماً بحاجتهم لوجود الأب في حياتهم، ويستغل هذه الحاجة لإنشاء علاقة طبيعية وأسرة مستقرة، وحتى في حالة وجود الأب الحقيقي قد يحتاج الأبناء لرعاية أبويّة من زوج الأم، أيضا.. هناك مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق زوج الأم بتعويض أبناء الزوجة عن الحرمان العاطفي الذي عاشوه بسبب انفصال الوالدين، ومحاولة تأمين جو أسري مناسب لهم، نظرياً لا يمكن لأحد إجبار زوج الأم على تعويض أبناء الزوجة عاطفياً، لكن عملياً هذا الاهتمام والتعويض يعتبر عاملاً أساسياً لبناء أسرة طبيعية ومستقرة يكون أبناء الزوجة جزءاً منها.. كما أن زوج الأم مسؤول أيضا عن سلامة وأمن أبناء الزوجة خاصة إذا كان أبناء الزوجة صغارا وإقامتهم دائمة عند أمهم، في هذه الحالة يعتبر زوج الأم المسؤول الأول عن أمان وسلامة أبناء الزوجة، وحمايتهم من الأخطار المختلفة، حتى أنه يكون مسؤولاً عن حمايتهم من التنمر من أفراد أسرته أو المحيطين بهم.
وأما الإنفاق على أبناء الزوجة فرغم أن زوج الأم غير ملزم بالإنفاق على أبناء زوجته إلا أنه إذا كان يفعل ذلك وهو قادر –وراغب– على تحمل نفقات أبنائها عن طيب خاطر من باب الإحسان إلى الزوجة، والإحسان إلى ذرية مسلمة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام، والإيمان بأن ما ينفقه الإنسان لا يضيع أجره عند الله، وأن الحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، وأن في كل كبد رطبة أجرا، كان له بهذا الإنفاق الأجر العظيم من الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، فالإنفاق لوجه الله سببٌ من أسباب الغنى، كما الإنفاق على الأهل والأولاد بنية التقرب إلى الله تعالى يحسب للعبد صدقات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق على نفسٍ نفقةً يستعف بها فهي صدقة، ومن أنفَق على امرأته، وولده، وأهل بيته فهي صدقة)، ليس هذا فحسب – يا ابنتي – بل إن أعلى درجات الإنفاق عند الله هي ما ينفقه الفرد على أهل بيته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبةٍ، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينارٌ أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك).
وقد تحمل زوج أمك مشكورا المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاهك من حيث التربية، أوالعناية بك، أو الإنفاق عليك، عن طيب نفسٍ، من باب المعاشرة بالمعروف لأمك، وحتى يكسب الأجر العظيم من الله، وبخاصة أنه علَم مدى حاجتك له كمعلِّم، ومربِّي، وموجِّه، خاصة وأن والدك قد تنصل من القيام بهذه المهام، ووالدتك كانت أضعف من أن تتحمل المسؤولية وحدها، وكان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث تزوج بنساء لهن أولاد، فتكفل بتربيتهم، والعناية بهم... فلماذا تتعجبين إذن من فكرة اعتناء زوج أمك بك أو إنفاقه عليك، ولماذا تكرهين الفكرة من الأساس، وليس شرطا عدم حصولك على هذا القدر من الاهتمام من والدك أن يكون زوج أمك مثله، فهل كل أصابعك – يا ابنتي – مثل بعضها، ولعل الله أراد أن يعوضك بزوج أمك عما فقدته من حنان وعناية واهتمام الأب، فلماذا تعذبين نفسك بفكرة لا أساس لها من الصحة، ولماذا تكرهين المنزل وتصرين على تركه بناء على هذه الفكرة الخاطئة رغم أن الرجل يهتم بك منذ الصغر، ويغدق عليك، ولم يصدر منه ما يبرر فكرة تركك للمنزل.
لقد علم زوج أمك عندما تولى رعايتك وأنت في سن الخامسة أن عمرك لا يزال في أوله، وأنه يمكنه أن ينجح في تربيتك وتنشئتك من خلال كسب مودتك بالمعاملة الحسنة ولطف القول، وهو بذلك يمكنه أن يؤثِّر عليك بما ينفعك ويحسِّن سلوكك، بل وينصحك إذا ما وجدك تؤذين نفسك، وهذا مايبرر تدخله عندما وجد حالتك تسوء بسبب قلة الأكل، ونصيحته لك بضرورة الخروج من هذه الحالة.
ابنتي الكريمة: ربما لا تدركين الآن – بسبب صغر سنك – حكمة الله في وجود زوج أمك في حياتك أنت ووالدتك، لعل الله أراد أن يكون عوضا لأمك عن الزوج، وعوضا لك عن الأب، لقد كنت صغيرة عندما تزوجت والدتك، ولا تدركين حينها الأسباب والظروف التي أدت بها إلى الزواج بعد انفصالها عن والدك، ربما أنها لجأت لهذا الزواج لسوء وضعها المادي آنذاك، أو لحاجتها لرجل يقف معها بعد خيبة أمل، ولتتخلص من نظرات المجتمع القاسية لها كمطلقة، لعل زواجها الثاني كان فيه الصلاح لها ولك – ونحسبه كذلك إن شاء الله – فليس كل الأزواج والآباء أشرار وسيئين، وقد اختارت والدتك الكريمة الوقت المناسب للزواج وأنت في سن صغير، حتى تتعودي على وجود زوج أمك في حياتك منذ الصغر، وتتربي في كنفه وتحت رعايته، وتنشأ بينكما المودة والاحترام اللازمين لإنشاء أسرة جديده سليمة.
لماذا أقول لك هذا الكلام الآن وقد ذكرت أنك أصبحت تقدرين زوج أمك وتتخذينه قدوتك!؟ لأنك بسبب كرهك القديم له، وبسبب أفكارك السلبية تجاهه وتجاه المنزل، وبسبب تفسيرك للأمور بشكل خاطئ، على سبيل المثال تفسيرك لوجوده في حياتكم بشكل خاطئ (موجود بسبب إن أبويا ذات نفسه مش عايزني ولا عمره فكر يسأل عليا فإزاي شخص غريب يحبني زي بنته)، بسبب كل هذه الأفكار الخاطئة أصبحت تشعرين بالضعف، وتستنكرين فكرة إنفاقه عليك، وتكرهين المنزل، وأدخلت نفسك في دوامة الاكتئاب اللعين.. أريد أن أوضح لك أمرا هاما – يا صغيرتي – وهو أن السبب الأساسي لحدوث الاكتئاب أو استمراره، أو زيادة أعراضه هو الأفكار السلبية التي يفكر فيها الشخص اتجاه نفسه أو اتجاه الآخرين، والتي – غالبا – ما تكون خاطئة، لأن الاكتئاب يجعل الفرد ينظر للأمور بسوداوية من خلف نظارة سوداء، وهذه الأفكار تؤدي إلى الشعور بمشاعر سلبية (كالشعور بالعجز، والنقص، والإحباط، وفقدان الثقة بالنفس)، وبالتالي تؤدي إلى سلوكيات سلبية (كالتوقف عن الدراسة، والعناد، والعدوانية، وعدم الالتزام بالطقوس الدينية، والتفكير في الانتحار).
الأفكار السلبية هي الآفة الأساسية التي تدخل الفرد في دوامة الاكتئاب، والتي ربما لا يستطيع الخروج منها، وهذا بالفعل ما حدث معك، وسبب لك الاكتئاب منذ البداية (أفكارك السلبية اتجاه زوج والدتك – وهي في الغالب أفكار خاطئة – أدت إلى كره ومشاعر سلبية لفكرة إنفاقه عليك، وكره للمنزل والرغبة في مغادرته، وهو ما أدى بك إلى سلوك خاطئ مثل محاولاتك للالتحاق بالمدرسة الداخلية للهروب من المنزل)، لقد اعتبرتي الاستمرار في الالتحاق بالمدرسة الداخلي بمثابة تحدي، ولذلك أصابك الإحباط والاكتئاب عندما لم يصيبك النجاح في تحقيقه واضطررتي للعودة ثانية إلى البيت الذي تكرهينه وكنتي ترغبين في تركه والهروب منه، وهو ما يفسر أيضا لماذا دخلتي في مشاعر الحزن والاكتئاب عندما علمتي أن زميلك تمكن من الاستمرار في المدرسة الداخلية، لأنك – وللمرة الثانية – فكرتي بطريقة سلبية خاطئة في الأمر، فبدلا من أن ترجعي سبب نجاح زميلك في البقاء في المدرسة الداخلية إلى اختلاف الشخصيات، وكونه ولد وأنت بنت ترتبطين أكثر بالأسرة والمنزل، أو ربما أنه وجد من الأصدقاء من يشجعه على الاستمرار في المدرسة والبقاء فيها، بدلا من ذلك كله فسرتي الأمر بأن هذا دليل على تفوقه وقدرته على تحدي الصعاب أكثر منك، وهو ما أدى بك الى مشاعر سلبية مثل الشعور بعدم الثقة في قدراتك الشخصية، والشعور بالنقص والعجز وخيبة الأمل وقلة الحيلة، وكانت هذه المشاعر ستؤدي بك إلى سلوك سلبي وهو الانتحار – والعياذ بالله.
ابنتي الكريمة : ما ذكرتيه من أعراض في رسالتك تدل على إصابتك بالاكتئاب (عدم رغبتك في الدراسة – العزلة – عدم الاستمتاع بهواياتك القديمة – نزول وزنك واضطراب شهيتك - غياب هدف لحياتك – اضطراب النوم ... إلخ) كل هذه الأعراض تؤكد إصابتك بالاكتئاب، إذن ماذا عليكي أن تفعلي الآن للخروج من هذه الحالة!؟
بداية، لا بد من مصارحة والدتك بالأمر، فأنت بحاجة بالفعل لزيارة طبيب نفساني ليصف لك علاجا مناسبا للاكتئاب يساعدك على الخروج من هذه الحالة، وأريد أن اطمئنك بأن الأدوية النفسية المضادة للاكتئاب متوفرة، وآمنه، ولا تسبب الإدمان أو التعود ويوجد منها أنواع مناسبة للأطفال والمراهقين، وسيختار الطبيب لك النوع المناسب لحالتك، ستشعرين بعد استعمال العلاج – بإذن الله – بأن طريقة تفكيرك بدأت تتحسن، وأن مشاعرك أصبحت أفضل، وستتمكنين من العودة للدراسة والأصدقاء وممارسة الهوايات.
الأمر الثاني الذي أود أن أنصحك به – وهو أمر في غاية الأهمية، وله دور كبير في علاج الاكتئاب – وهو أن تتركي العزلة تماما لأن العزله تشجع المرء على أن يختلي بنفسه، ويبدأ في اجترار الأفكار السلبية التي تزيد من اكتئابه، وتوقعه أكثر في دوامة الاكتئاب، أريدك أيضا أن تراقبي أفكارك، فعندما تشعرين بأن الأفكار السلبية بدأت في التسلل إلى عقلك اطرديها فورا، وحاولي نسيانها لأنها ستزيد من اكتئابك، واستبدليها بأفكار إيجابية، انظري إلى الجانب المضيء في الأمور ولا تتعمدي التركيز على الجانب المظلم – لأنه في الغالب خطأ – بسبب تفكيرك السلبي والاكتئاب، وإذا لم تتمكني من فعل هذا الأمر بمفردك يمكنك الاستعانة بأحد المعالجيين السلوكيين، سيعلمك مهارات العلاج المعرفي السلوكي، لأنك تحتاجينها لتعلم مهارات تمكنك من طرد الأفكار السلبية من رأسك، والتفكير بإيجابية في الأمور للخروج من دوامة الاكتئاب
وأخيرا – ابنتي الكريمة – لا أريد أن أقسو عليك، ولكن اسمحي لي أن أثبت لك بأنك تدخلين نفسك في دوامة الاكتئاب بسبب أفكارك السلبية الخاطئة، وبسبب توقع الأمور وردود أفعال الأشخاص بشكل سلبي خاطئ، سأذكر لك جملتين ذكرتيهما في نهاية رسالتك تثبتان لك ذلك، الأولى عندما قلتي : (مش هعرف أروح لأمي أقولها بنتك عايزة تتكلم مع دكتور نفساني لأني مش هستحمل أشوف نظرتها ليا بعد كده)، فلماذا توقعتي أن والدتك ستستنكر زيارتك للطبيب النفسي أو أنها سترفض الفكرة من الأساس!؟؟، وماذا لو أنها تفهمت الأمر، وفاجأتك بقبول الفكرة، ورغبتها في عرضك على طبيب نفساني ولو حتى من باب الاطمئنان على صحتك النفسية .
والثانية قولك : (مش عايزة أخلي على جوز أمي مصاريف زيادة من ناحيتي حتى مع حالته المادية الكويسة جدا) فلماذا أيضا توقعين أن مصاريف علاجك ستكون مصاريف زيادة أو عبء على زوج والدتك رغم أن الرجل كما ذكرتي حالته المادية جيدة جدا، ولم يتذمر أو يشتكي من قبل من الإنفاق عليك، ويوفر لك ولوالدتك الكريمة مستوى عالي من المعيشة، وكما ذكرتي (عمري ما طلبت حاجة إلا وكانت عندي)، فلماذا إذن الحساسية الزائدة وتوقع أمور لم تحدث مسبقا على أرض الواقع، والتصرف من هذا المنطلق!!؟؟
ذكرت لك هذه الأمثلة لأبين لك أنك بحاجة جادة إلى علاج دوائي، وعلاج سلوكي معرفي للاكتئاب يعلمك طريقة التفكير السليم بإيجابية في الأمور، وضرورة التفاؤل بالخير وعدم توقع الشر، فالعلاج النفسي – يا ابنتي – بالنسبة للمصابين بالاكتئاب ليس رفاهية، بل ضرورة لإصلاح حياتهم الحالية والمستقبلية بإذن الله تعالى.
أدعو الله أن يوفقك للخير والهدى، وأن يصلح لك البال ويهدي لك الحال، وأن يجمع ذات بينك مع أسرتك على الخير، فهو ولي ذلك والقادر عليه، وبالله التوفيق .