الإخوة الأفاضل القائمون بالأمر على موقع مجانين..، جزاكم الله كل خير على ما تقدمونه من جهد، نسأل الله أن ينفع به ليكون علما ينتفع به إن شاء الله.
لي ملاحظة حول عدد من المواضيع الجنسية وبخاصة الموضوعات المتعلقة بشأن فتور الزوجة، وكيف أن لدور الأسرة بل والمجتمع والتعليم الذي نتلقاه في الصغر والعادات والتقاليد دورا رئيسيا في المساهمة في موات إحساس الزوجة وعدم مبالاتها بما يشبع احتياجات الزوج.
والسؤال الآن: هل المطلوب مثلا أن تدرس الثقافة الجنسية في مراحل التعليم كما اقُترح من قبل ووُجه بأنه دعوة للانحلال والمروق؟ أم ما هي الاستراتيجية التي يجب علينا أن نتبناها لنشر هذه الثقافة؟
أقول ساخرا: هل يجلس الرجل وزوجته أمام أبنائهم ويمارسان الجنس حتى تتحقق الثقافة الجنسية للأولاد عند الكِبر؟ أم هل نسمح لأبنائنا بما يسمح به الغرب لأبنائه من تحلل وسفور حتى تتحقق الثقافة الجنسية للأولاد؟ أم يجلس الأب ويتكلم في الأمور الجنسية أمام أبنائه؟ أم يجب أن نشعر المرأة عند زواجها بأن حياتها التي نشأت عليها كانت مضللة، ومن الواجب عليها أن تنتقل إلى عالم جديد من "التمحن والتغنج"؟؟ معذرة على الألفاظ!!
أكرر سؤالي: ما هي الاستراتيجية التي يجب علينا أن نتبناها للتغلب على الأفهام الخاطئة عندنا كما تركزون دائماً في إجاباتكم؟؟
لكم مني جزيل الشكر، وأسأل الله أن يوفقكم دائماً لما فيه الخير والفلاح. وجزاكم الله كل خير.
28/2/2023
رد المستشار
الأخ السائل الكريم، نحمد لك حسن أدبك، وأهمية سؤالك؛ فأنت تحاول الانتقال بنا وبالصفحة من مرحلة تشخيص الأوجاع والعيوب إلى مرحلة وضع البرامج والحلول، وهي نقلة مطلوبة ولازمة، ولكنني لا أعتقد أن عبء إنجازها يقع على كاهل فريقنا فقط، بل نحن شركاء معكم في الانتقال إلى هذا الأفق الضروري.
دعنا إذن من الذين ما زالوا ينكرون أن هناك مشكلة في هذه المساحة، وإذا اتفقنا بالتالي أن لدينا مشكلة في مساحة إدراك الجنس وفهمه وممارسته على النحو الذي يرضي الله سبحانه، بتجاوبه مع الفطرة الإنسانية والحاجات البشرية التي وضعها الله في النفس والعقل والحواس المادية التي وهبها العلي القدير لكل جسد، وإذا اتفقنا أن هناك مشكلة أو عدة مشاكل في هذه المساحة... فيمكننا التفكير في الحلول على عدة مقويات أو في عدة اتجاهات:
هناك اتجاه أو مستوى العودة إلى الأصل، وهو في حالتنا هنا يعني أن يتعلم الإنسان ذكرًا كان أو أنثى "فقه الجسد" ضمن أبواب الفقه الأخرى، وبالتالي يكون مطلوبًا أن نعيد النظر في مقررات الفقه التي يدرسها طلاب العلم الشرعي والمهتمون بمعرفة أحكام الدين في الدوائر الرسمية وغير الرسمية، ولا بأس من إضافة بعض الكتب والمراجع المسكوت عنها من كتابات كبار الأئمة القدامى، وقد أشرنا إلى بعضها في إجابات سابقة، ونميل إلى أن يكون التدريس في هذه الشئون حواريًا مفتوحا، وأن يقوم به الرجال للرجال، والنساء للنساء رفعًا للحرج، إلا في حالة الضرورة الملحة، والضرورة تقدر بقدرها، ولا عذر لجاهل.
هناك اتجاه أو مستوى اكتساب المعارف الحديثة التي لا يتصادم صحيحها مع صحيح الدين قديمًا وحديثًا؛ فالفقه الصحيح والبحث العملي الصحيح يصلان إلى نفس النتائج إلا أن يكون في منهج أحدهما خلل يحتاج إلى إصلاح، وفي مستوى اكتساب هذه المعارف الحديثة الصحيحة تلزم عملية فلترة للكثيرة من الأساطير والترهات التي تتشح برداء العلم، والعلم الصحيح منها براء، وأذكر هنا بالمناسبة أن كتب الفقه القديمة لا تخلو أيضًا من حشو باطل هنا وهناك، ويلزم تمحيص محتواها في ضوء التدقيق العلمي اللازم؛ فلا ننقل للناس القديم لمجرد أنه ميراث من أجداد نحبهم، كما لا ننقل عن الأبحاث الغربية مثل الببغاء، إنما ننظر في هذا وذاك، ونعطي الفرصة أيضًا للبحث الميداني، والخبرات الإكلينيكية والدراسات الثقافية؛ لأن للجنس أبعادًا ثقافية تجعل ما يستحسنه الذوق في بيئة قد ينكره الطبع في أخرى.
يلزم بعد ذلك إشاعة العلم والفهم السليم ليكون متاحًا بصور شتى، وأخشى أن التعليم عندنا وكذلك الإعلام بصورتهما الحالية من التسطيح والتلقين والاهتمام بحشو العقول بدلا من تربية الأفهام، أخشى أن التعليم في المدارس، والإعلام في الصحافة والتلفاز بحالتهما الحالية ليسا الوسيط الأمثل لنقل هذه المعارف الصحيحة... وعليه فينبغي التفكير في وسائط أخرى مثل النشر الورقي والإلكتروني، والدورات التعليمية والتدريبية المنضبطة والمتدرجة تبعًا للمرحلة العمرية، والإقدام على الزواج، أو ما بعده... وهكذا.
ودور الأسرة يأتي في القلب من هذا وذاك؛ فالوالد ينبغي أن يعرف المعلومة الصحيحة، وأن ينقلها إلى ولده بالأسلوب الذي يناسب عمره، وأن يكون متوقعًا لأي سؤال قد تسأله ابنته أو يستفسر عنه ابنه، وكذلك الأم، وأحسب أن الأمر أمر دين وحاضر مجتمع ومستقبل أمة بحيث لا يحتمل سخرية أو هزلا أو طرحًا من قبيل "ممارسة الوالدين للجنس أمام الأولاد بغرض التعليم"!!
فحتى الغرب المتهم دائمًا بالتحلل والسفور وعظائم الأمور لا يفعل هذا، ولا يرى فيه فائدة تعليمية أو تربوية، ولا أعتقد أننا بصدد اختيار قسري بين التخلف باسم التقاليد والمحافظة والعادات الجاهلية من ناحية، وانفلات الغرب من ناحية أخرى، وإن كان للقوم هناك فضيلة -مطوية في حالتنا- فهي أنهم حين يدركون أن لديهم مشكلة فإنهم يشبعونها بحثًا وحوارًا جادًا، ولا يقابلونها بالسخرية أو التواطؤ على دفن الرءوس في الرمال!!
وأخيرًا فإن الكلام يطول فيما يمكن تنفيذه من اقتراحات بهذا الشأن، وإذا كنا نبحث عن مستقبل محترم فعلينا أن نحترم الصحيح من تراثنا ونستعيده، وننفتح على الصحيح من معارف عصرنا من أي وعاء خرجت حكمته دون حرج، وأن نعترف بالمشكلات ونجتهد في وصف الحلول دون إبطاء أو تردد، أما التسويف والمزايدة واللف والدوران أو تأجيل المهام العاجلة فمن شأنه أن يقذف بنا إلى المكان الذي ينبغي أن نكنس إليه كل ركام الجاهلية الماضية والحالية. فنحن إما أن ننفض عنا سخام التخلف وركامه، وإما سنذهب إلى "مزبلة التاريخ"، وأحسب أننا حاليًا في الطريق إليها فعلا بسبب طريقة تفكير البعض منا.
شكرًا لاستفسارك، وأهلا بمشاركتك معنا دائمًا.
واقرأ أيضًا:
التربية الجنسية والطفولة
التربية الجنسية (1) مرحلة الطفولة(1-4)
التربية الجنسية (4) ( ما قبل الزواج )(1-2)
من يعلم الجنس لأولادي !؟