السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخبركم بداية أني من أصدقاء الموقع المتابعين، ليس لتهتموا برسالتي أكثر، ولكن لتعلموا أن هناك الكثيرين ممن يتابعون هذا الموقع بكل الحب والاحترام والامتنان لكم.
جئت لأضم عقلي إلى عقولكم، جئت أبحث عمن يبصرني أكثر. أنا في العشرينيات من العمر. في حياتي جملة من المشاكل مثل من هم في عمري، ساعدتني صفحتكم في التعامل معها والخروج بأقل الخسائر.
قضيتي يا أستاذي أني منذ سنة صادفت شخصًا على النت، كانت حواراتنا سطحية وبريئة وبلا هدف سوى بعض الفضول عن الدولة التي يعيش بها كل منا، ومكانة الدين هناك والعادات و...، فالكل منا ليس من هواة التعارف، ولكن بدا لي مختلفًا، وبدت له كذلك، ورأينا بعد ثلاثة أشهر أن علاقتنا تستحق الاستمرار، والآن بيننا احترام كبير وعاطفة. حيرتي في أني لا أدرك تبعات هذا القرار، وأين السلبيات التي علي أن أعد نفسي للتعامل معها، حدثت أمي في الموضوع منذ بداية التعارف ولم أجد عندها معارضة، وحدثتها بشكل جاد أكثر أمس، وذكرتني ببعض السلبيات التي أجدني أستطيع تجاوزها مثل "كلام الناس"، لم أتحاور مع أمي أكثر، فربما لو رأت حيرتي تعارضني وترفضه.
لذلك لجأت بعد الله لكم لثقتي بأنكم أهل لها. الشخص من دولة عربية يكبرني بعشرين سنة، لديه طفلان من زوجته التي طلقها منذ سنتين بعد زواج استمر أكثر من 10 سنوات درس وعمل في دولة أوربية. يعجبني دينه وأخلاقه وما يرويه عن نفسه، أثق بصدقه. رأيت صورته. وتلقى مني صورة محتشمة. سمحت له أن يحدثني بالتلفون مرتين، أكثر شيء أتساءل عنه فارق السن. أنا ما زلت أتعفف عن الحرام، وأتمنى أن أرزق بمن يعوضني الحب الذي أجده دواء الدنيا.
أين مكان الحب بكل أشكاله عند الرجل الراشد؟ هو متعلق بي ويحبني، ولكن هل سأجد هذا التعبير أيضًا بعد الزواج! مسألة ولديه اللذين سيسكنان معنا، وأتمنى من الله أن يعينني على احتوائهما، أتساءل عن سلبيات هذا الموضوع، وما رأيكم بكونه من غير بلدتي؟ كيف أعرف أن هذا الاختلاف في صالحي أو سلبياته أكثر.
رغم أني أحترمه وأحبه جدًّا كثيرًا فإنني أحتاج لمساعدة تعينني على اتخاذ القرار، ... وتحويل الموضوع إلى أرض الواقع؛ حتى لا أخسر فرصة قد لا أجد أفضل منها، أو أخوض تجربة فاشلة في كل جوانبها. ودمتم بكل الحب.
24/2/2023
رد المستشار
الابنة الكريمة، حيرتك لها ما يبررها، وأنا أيضًا تحيرت؛ ولهذا تأخرت في الرد عليك فسامحيني.
في ظل ظروفك الاجتماعية التي غالبًا أنها تحجبك عن الرجال أصبحت شبكة الإنترنت -كما بالنسبة لكثيرات- هي نافذة على العالم، وفرصة للتعارف على الرجال، ذلك العالم المجهول بالنسبة لأغلبية البنات، وخصوصًا في المجتمعات الخليجية... وكما نكرر دومًا فإن الأصل الشرعي والفطري أن يكون في كل بلد مجاله العام الذي قد تختلف صورته من مكان لآخر، ولكنه في كل الأحوال يتيح الفرصة للقاء الطبيعي، والتعامل المعلن الجاد بين الرجال والنساء، ووسط هذا المجال العام قد يقرر رجل كما قد تقرر امرأة أن تقترب أكثر من هذا أو ذاك، وبالتالي يكون الانتقال من العام إلى الخاص بشروطه وأصوله وضوابطه كما كانت الحركة في المجال العام أصلاً لها شروطها وضوابطها.
ولكن ماذا إذا انعدم المجال العام كما في حالة مجتمعكم؟! كيف يتعامل الناس مع حاجتهم الفطرية إلى الاجتماع الإنساني، والتعارف والتواصل والتفاعل؟!
أعتقد أنك تستطيعين الإجابة على هذه الأسئلة بشكل أوضح وأعمق وأكثر عملية، وفي عصر الإنترنت وفي صفحتنا هذه ظهرت الإجابات واضحة جلية؛ بحيث أصبح الخيار محددًا أمام مجتمعاتكم المسكينة، وهو: إما أن نعود إلى الله تعالى منيبين إليه، ونقول: سمعنا وأطعنا فلا عناد ولا هوى، ولا مزايدة فارغة، ولا ادعاء كاذبًا، ولا نفاق ظاهريًّا يخفي آلاف العلاقات المجنونة والمنحرفة وغير الشرعية، وبداية هذا كله لحظة صدق مع النفس، ولحظة عزم أكيد على إقامة حدود الله عز وجل، وهجر التقاليد البالية، والأعراف الجاهلية واستعادة "المجال العام" الذي فقدناه، أو أن نتغير إلى الأسوأ والأفدح، ولكن حتى يتم ذلك سيكون علينا أن نتعامل مع الواقع وفيه حالات مثل حالتك، وفيها يجدر بك أن تلاحظي:
1- نكرر أن علاقة الإنترنت ليست علاقة تعارف عادية كاملة، بل هي علاقة شديدة الخصوصية بحكم الأداة والوسيط الذي تجري عبره، ومن طبيعتها أنها تعكس صورًا غير دقيقة للأطراف المتعارفة المتحابة، ولا نقول إن الناس جميعًا يكذبون، ولكن الإنترنت تعين على الكذب، أو على الأقل محاولة تجميل صورة الذات ولو بغير وعي، وسيكون عليك إذن التعامل مع المسافة بين صورة هذا الرجل وشخصيته التي تبدو أمامك على الإنترنت، وصورته وشخصيته في الواقع، ولا أستطيع التنبؤ بقدر المسافة بين هذه وتلك، في كل الأحوال ستجدين فروقًا.
2- المشاعر على الإنترنت متصاعدة متدفقة مثل إيقاع الكتابة، وسرعة انتقال المعلومة من طرف لطرف، والحياة العملية هي أبطأ وأكثر تشوشًا؛ فالحضور الإنساني على الإنترنت مختلف عنه في الحياة الواقعية، وحين تقابلين هذا الرجل قد تبقى مشاعرك نحوه كما هي، وقد تزداد تدريجًا، ولكنها أيضًا قد تنقص.. فهل أنت مستعدة لهذه الاحتمالات جميعًا؟!!
3- مسألة اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد قد تكون مدخلاً للإثراء أو الإزعاج بحسب مرونة الطرفين ووعيهما وقدرتهما على توظيف التنوع والاختلاف واستثمارهما، ولا يكون موضع النزاع فيما هو حلال واضح أو حرام معروف، ولكن في العادات والعاديات مثل أسلوب التعامل، ونظام العلاقات، وممارسات اليوم والليلة، والتعبير عن المشاعر، وإدارة الوقت، والأذواق في المأكل والملبس، وهكذا... والرجل الذي تعرفين يبدو ذا خلفية أكثر تركيبًا وتداخلا؛ فهو من دولة عربية أخرى -وللأسف لم تذكريها- وعمل ودرس في أوربا، ولم تذكري كم قضى هناك؟! وهل كانت زوجته أوربية؟!! وهل لديه أي نية في استعادتها زوجة له مرة ثانية من أجل الأولاد مثلاً؟! وما هي أسباب طلاقهما؟! وهل تستطيعين الوصول إليها بطريق أو بآخر لتعرفي منها عن شخصيته، وعن أسباب الطلاق؟! شهادة المطلقة لا تكون دقيقة غالبًا إلا إذا كانت على درجة عالية من التقوى، ولكنها ينبغي أن تؤخذ في الحسبان على كل حال.
4- بعد ذلك لدينا مسألة "فارق السن"، وهو مثل الاختلاف الثقافي ليست شرًّا محضًا، ولا خيرًا مؤكدًا، ولكنه يمكن أن تكون له ميزاته في فارق النضج والحكمة والاتزان، وهي مؤهلات لازمة للقيام بالقوامة، ولكن الفارق الكبير يمكن أيضًا أن يكون مدخلاً للكثير من النزاع والمشكلات النفسانية، وأحيانًا الجنسية؛ فكما قلت من قبل فإننا رأينا أن نضج المرأة العربية جنسيًّا ونفسيًّا يصل إلى ذروته في منتصف الثلاثينيات تقريبًا، ويستمر لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وفي حالتك سيكون زوجك قد بدأ في خريف العمر، وإذا كان البعض سيقول إن المنشطات والفياجرا قد حلت هذه الشكاوى فينبغي أن نفهم عندئذ أن حيوية وإشباع العلاقة الحميمة لأطرافها لا تكمن فقط في كفاءة الأجهزة والأدوات، ولكن أيضًا في المزاج والمشاعر، وهناك من ينجح في التوافق والانسجام مع وجود فارق السن، وهناك من لا ينجح، ولا أستطيع التخمين هنا في أي الفريقين ستكونين أنت وهو!!
5- وأخيرًا: هناك مسألة الولدين، وهما في سن حرجة تقع بين الطفولة وبدء مرحلة المراهقة، والفارق بينك وبينهما بالعمر قليل مما سيجعل الاحتكاك أكبر، وسيجعل العبء عليك أثقل، وأحسب أن والدهما سيطمح إلى سلام دائم، وهدوء مستمر، ومن ناحية أخرى سيكون هناك طموحك للإنجاب فيصبح لديك في البيت ثلاث "جبهات" إذا صح التعبير، سيكون عليك إرضاء زوجك ورعايته، وإرضاء طفليه واحتواؤهما "كما تقولين"، وسيكون عليك حماية صغارك أنت، وإدارة علاقتهم بأطفال أبيهم من غيرك.. فهل أنت جاهزة للعمل على كافة هذه الجبهات؟!! صدقت يا ابنتي في قولك: إن الحب هو "دواء الدنيا"، ولكننا نتحدث عن الزواج ومسؤولياته.. أليس كذلك؟! وشتان فإن الأمر مختلف تمامًا بين علاقة بسيطة من "بعيد لبعيد" كما يقول المصريون، وعلاقة الزواج المركبة، والحب الإلكتروني علاقة لطيفة بطبيعتها ولذيذة وملهمة، وتسر القلب الحزين الوحيد، ولكنها علاقة غير طبيعية، ولا واقعية على النحو الذي شرحته لك عندما تحدثت عن المجال العام والخاص، ولكن فرصة العلاقات الطبيعية تبدو منعدمة في مجتمعك.. فما العمل؟!
أنت تخافين من خسران فرصة قد لا تجدين أفضل منها، وأنا أتفهم هذا فعلا، ولكنني أشفق عليك من مواجهة كل هذه المفارقات، وأنت لا تزالين صغيرة وقليلة الخبرة، وأفهم أن تقولي: إنك تخافين من البدائل الأسوأ مثل خوض تجربة فاشلة في كل جوانبها، وأقول لك مبدئيًّا، وأرجو متابعتنا: يا ابنتي ظروفكم في مجتمعكم صعبة، وينبغي أن تتغير، ويبدو أن هذا سيحدث، وأخشى أن يكون في الاتجاه الخاطئ، ولكن هذا حديث آخر ليس هذا موضعه، رغم أهميته!!
ربما يكون الأفضل والأنسب أن نسير خطوة خطوة، وفي كل الأحوال ينبغي أن تكون والدتك إلى جوارك بشكل أعمق، وأن تصلها حيرتك كمقدمة للتفكير المشترك بينكما، ويمكن أن يحدث لقاء بينك وبينه بحضور والدتك، مرة وأكثر؛ فليس من رأى كمن سمع، وينبغي أن تكون لديك معلومات أكثر عنه من مصادر أخرى غيره، وحبذا لو تصلين إلى أم أولاده، وتسمعين منها، وأكبر قدر ممكن من المعلومات مطلوب لتحقيق وضوح أكثر لاتخاذ القرار الأنسب.
الاحترام جميل، والحب أجمل، وعالم الإنترنت ساحر ولذيذ، وليتنا نستطيع أن نكون كائنات أثيرية فنتزوج من نفس الكائنات الأثيرة التي نحبها على الشبكة،
الواقع غير ذلك للأسف؛ لذا لزم التنويه، وتابعينا بأخبارك.